أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد الغني سلامه - ازدراء الأديان















المزيد.....

ازدراء الأديان


عبد الغني سلامه
كاتب وباحث فلسطيني

(Abdel Ghani Salameh)


الحوار المتمدن-العدد: 5062 - 2016 / 2 / 1 - 12:33
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


قضت محكمة مصرية بحبس الكاتبة «فاطمة ناعوت» و»إسلام البحيري»، بتهمة إزدراء الأديان، وكانت في وقت سابق قد قضت بتكفير «نصر أبو زيد» والتفريق بينه وبين زوجته. وفي ذاكرتنا القريبة «محاكم تفتيش» عديدة من هذا النوع: «صادق جلال العظم»، «علي الدشتي»، «طه حسين»، «علي عبد الرزاق»، «محمود طه»، فضلا عن إغتيال «فرج فودة»، «حسين مروة»، «مهدي عامل»، ومحاولة إغتيال «نجيب محفوظ». أما في ذاكرتنا البعيدة، فلدينا «جعد بن درهم» و»ابن المقفع» و»بشار بن بُرد»، و»غيلان الدمشقي»، و»الحلاج»، و»ابن رشد» و»الطبري» و»الرازي»، و»الراوندي» وغيرهم.

جريمة هؤلاء أنهم كتبوا أشياء مغايرة للخطاب النمطي السائد، اجتهدوا، وحاولوا التنوير، ونقد التراث الإسلامي، وقراءته من ناحية تاريخية، لكنهم اصطدموا بالمؤسسة الدينية المحافظة. وسواء اختلفنا أم اتفقنا معهم، المسألة هنا حرية التعبير، ومحاولات إسكات أي صوت معارض، بسطوة الإرهاب الفكري، والاحتماء بالنصوص، وتكفير الخصوم.

في عصر السادات سنَّ القانون المصري قانونا جديدا، خُصص لتهمة مبتكرة آنذاك أطلق عليها «إزدراء الأديان»، والدعوى المرفوعة بموجبه تدعى «الحسبة»، وصار بوسع أي مواطن أن يرفع قضية ضد أي فنان أو مفكر لا يعجبه طرحه، ويعتبره تطاولا على المقدس، وبالطبع كان وراء هذه القضايا جماعات الإسلام السياسي؛ التي أخذت تستقوي بهذه المحاكم للنيْل من خصومها.

والغريب أن القاعدة التي يرتكز عليها فقهاء التكفير تتسع وتضيق تبعا لاجتهادهم ورؤاهم، والسؤال هنا: من أعطاهم الحق بإطلاق الأحكام وتصنيف الناس ومنحهم شهادة الإسلام أو نزعهم إياها ؟ فبناء على أحكامهم، لو اعتبرنا أن كل مفكر أو أديب أو فنان خرج بتصوّر مغاير خارج عن السياق المحافظ هو كافر بالضرورة؛ فإننا سنُخْرج كبار أدباء العربية من ملة الإسلام، مثل «أبى نواس»، و»الجاحظ» و»أبى حيان التوحيدي» و»ابن حزم» و»ابن عبد ربه» و»ابن العربي» و»إخوان الصفا» .. ولمنعنا أعمالهم من التداول وحرقنا كتبهم.

وهذا المنطق المتشدد هو أبعد ما يكون عن تذوق الفن أو قراءة الأدب أو فهم التاريخ بطريقة علمية؛ بل هو أبعد ما يكون عن الدفاع عن الدين، لأنه في حقيقة الأمر سعي حثيث من قبل المؤسسة الدينية الرسمية لتعميم الثقافة الشعبية والدينية عند المستوى التي ترتضيه السلطة، بعد أن تطبعها بسماتها، ولذلك فهي تخشى أي نقد أو تشكيك أو خروج عن التصوّر الذي تريد فرضه على الناس. بعبارة أخرى: يزعم هؤلاء أنهم يدافعون عن الله، وهم في الحقيقة يدافعون عن اعتقادهم بأنهم يمثلون الله ويحتكرونه لأنفسهم، أي يدافعون عن مصالحهم التي اقترنت بهذا الاعتقاد.
فإذا كان الأدب والعلم يلتقيان مع الدين في الأهداف العامة، إلا أن تفاصيلهما وأساليبهما مختلفة؛ يلتقيان في الدعوة إلى المبادئ الإنسانية كالحق والخير والجمال، ويدافعان عن العدل والحرية وكرامة الإنسان، لكنهما يسلكان إلى ذلك طريقين مختلفين تماما.

الأدب والفن والنظريات العلمية والفلسفية شيء مختلف تماما عن الحقيقة الدينية؛ فالحقيقة في الأدب والفن والفلسفة غير ثابتة وغير واضحة وغير نهائية، لأنها تطرح الأسئلة الإشكالية وتستشرف المستقبل وتشكك في المطلقات والثوابت، أما الدين فهو يقيني وثابت، ويقدم الإجابات الجاهزة بلغة التقرير والتعليم.

الأدب والفن حالة إبداعية جدلية حرة اقترنت بالخروج عن المألوف، وارتبطت بالشعب وعبرت عنه؛ بينما الدين الذي اختزلوه في الفقه اقترن بالسلطة ومقتضياتها. ولا شك أن التباعد الذي حصل بين الدين في روحه ومضامينه الإبداعية وبين تجليات هذا الدين في ممارسات وفتاوى الفقهاء المنغلقة، قد أدى في النهاية إلى ما يشبه القطيعة بين الدين من جهة والإبداع من جهة أخرى، وبروز المنهج التكفيري في التراث الإسلامي. والسبب في ذلك (حسب أدونيس) يعود إلى التحول الدراماتيكي في فهم الإسلام بعد وفاة الرسول، إذ أن الرسول كان يسعى لتشجيع الإجتهاد وجعله قاعدة الإسلام الأساسية، بحيث يكون كأي اجتهاد بشري لا يتمتع بصفة الإطلاقية والثبات، ولا يكون هذا الاجتهاد إلزاميا، ولكن بعد وفاة النبي مباشرة تم التحول بفهم الدين بوصفه تجربة روحية حية ونظام حياة مرن ومتحرك إلى نظام كهنوت وفقه جامد، وهكذا بدأ الدين يتحول إلى مجرد فقه وتشريع، ثم صار وسيلة سياسية للحكم، وبالتالي تقلص عالمه الروحي الفكري إلى درجة صار يعتبر فيها الفقهاء كل إبداع بدعة تودي إلى الضلالة، و كل حرية فكر تهافت يؤدي إلى الكفر.

منظومة الأدب الفن والفلسفة تهدف لإنشاء تجربة خيالية محلّقة تسعى إلى إقناع الناس بأنها حقيقة، ولكن، لا يمكن للفن أن يبدع ويحلّق إلا إذا تحرر من كل القيود والتابو والمحرمات، ولكن على أن يكون هذا الفن جميلا محملا بطاقة فنية وإنسانية رفيعة، والعلم لم يمكن له أن يصل ما وصل إليه اليوم إلا بعد أن تخلص من سطوة الكهنوت، ولن يصل مداه إلا إذا أزال التابو من طريقه، والأدب لا يرتقي في بيئة تتسم بالتشدد والانغلاق تحكمها عقلية تتمسح بالنص المقدس، والإبداع لا يكون مع مقص الرقيب الذي يمارس رقابته بعقلية القيِّم، والمستقبَل لن نصل إليه ونحن مشدودين للماضي ومربوطين بأوتاد التاريخ. وهذا هو جوهر الخلاف مع مشروع الإسلام السياسي المثقل بالمثيولوجيا والتابو، والذي يحيط كل شيء بهالة من القداسة تمنع رؤيته، والذي تديره عقلية متزمتة تحرم أي شيء ما استطاعت إلى ذلك سبيلا.

الإبداع الفني والفلسفي يهدف إلى الحرية، لأنه لا يقوم إلا بها، بينما الفكر السلفي الماضوي المحافظ يركز على القشور والشكليات التي لا تؤثر على السلطة ولا تتدخل في السياسة، ويؤسس لعقلية مستلبة منغلقة تميل إلى التحريم والتكفير، وبالتالي فهو يدعو للقمع والديكتاتورية بطريقة غير مباشرة؛ لأن الفكر المتزمت المتشدد يوفر الأرضية الملائمة لقوى القمع والاستبداد؛ فمثلا يدعو الفقه السلفي الجامد إلى طاعة الحاكم المسلم، ويحّرم الخروج عليه مهما ارتكب من ظلم، طالما أنه لم ينكر معلوما من الدين، ولم يسمح بالمنكر علانية. والأنظمة العربية الحالية تشجع هذا النوع من الممارسة الدينية، لأنها تضمن لها الاستمرارية بدون منغصات، بل وتعمل على كسب «وعاظ السلاطين» لجانبها، لتوظيفهم من أجل إكساب السلطة مشروعية القداسة الدينية. -

هذا الطرح سيوصلنا إلى فهم حقيقة التصادم الحاصل اليوم بين تجربتين ومنهجين: التجربة الإنسانية الديمقراطية في مواجهة القمع والتسلط. تجربة الثقافة الوطنية الشعبية في مواجهة القوى الطائفية. تجربة التسامح والتعددية والحوار والتعايش بين بني البشر في مواجهة التشدد السلفي والتعصب الفكري. تجربة الدولة المدنية في مواجهة الدولة الثيوقراطية؛ أي معركة الحرية ضد الاستبداد، ومعركة العلم ضد الجهل..



#عبد_الغني_سلامه (هاشتاغ)       Abdel_Ghani_Salameh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إيران، عدو أم صديق ؟ وما لا نعرفه عن إيران
- طيار إيراني
- تقرير التنمية البشرية لعام 2015 والأرقام الصادمة
- العنف ضد النساء في فلسطين
- قمة باريس للمناخ، بين مستقبل البشرية وأطماع الشركات الاحتكار ...
- الموقف الاسلامي من تفجيرات باريس
- علاج الزوجة المريضة في الفقه الإسلامي
- حدث في الصين .. قصة قصيرة
- وصية الحلبي الأخيرة - قصة من حلب
- هل من حرب أهلية قادمة ؟
- ماذا بعد مقتل النائب العام، وتفجيرات سيناء ؟!
- كتيبة الجرمق الطلابية - فصل مهم من تاريخ الصراع
- ماذا جنينا من حركات الإسلام السياسي ؟!
- الفراغ والبدائل
- مخيم اليرموك .. من يتحمل المسؤولية !؟
- كاميليا وأخواتها
- أربعة ملاحظات على جريمة داعش
- ما الذي يمنع العالم من الانهيار ؟!
- من عطَّّّل مسيرة العِلم والحضارة ؟!
- إعادة تصحيح للتاريخ .. عندما يدرك مشاهير التاريخ أخطاءهم الت ...


المزيد.....




- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى
- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...
- بعد اقتحامات الأقصى بسببه.. ماذا نعرف عن عيد الفصح اليهودي ا ...
- ما جدية واشنطن في معاقبة كتيبة -نيتسح يهودا- الإسرائيلية؟
- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد الغني سلامه - ازدراء الأديان