أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - داود السلمان - دلالات الطباطبائي الفلسفية، الحلقة(12)















المزيد.....

دلالات الطباطبائي الفلسفية، الحلقة(12)


داود السلمان

الحوار المتمدن-العدد: 5062 - 2016 / 2 / 1 - 10:47
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


دلالات الطباطبائي الفلسفية في تفسيره(الميزان)الحلقة(12)
المبحث الحادي عشر:
كلام في نسبة الأعمال إلى الأسباب طولا
قال الطباطبائي: تقدّم في مواضع من هذا الكتاب أنّ الّذى تنتجه الأبحاث العقليّة أنّ الحوادث كما أنّ لها نسبة إلى أسبابها القريبة المتّصلة بها كذلك لها نسبة إلى أسبابها القصوى الّتى هي أسباب لهذه الأسباب فالحوادث أفعال لها في عين أنّها من أفعال أسبابها القريبة المباشرة للعمل فإنّ الفعل كالحركة مثلاً يتوقّف على فاعله المحرّك ويتوقّف على محرّك محرّكه بعين ما يتوقّف على محرّكه، نظير العجلة المحرّكة للاُخرى المحرّكة لثالثة وليست من الحركة بالعرض.
فللفعل نسبة إلى فاعله، وله انتساب إلى فاعل فاعله بعين هذه النسبة الّتى إلى فاعله لا بنسبة اُخرى منفصلة عنها مستقلّة بنفسها غير أنّه إذا انتسب إلى فاعل الفاعل عاد الفاعل القريب بمنزلة الآلة بالنسبة إلى فاعل الفاعل أي واسطة محضة لا استقلال لها في العمل بمعنى أنّه لا يستغنى في تأثيره عن فاعل الفاعل إذ فرض عدمه يساوق انعدام الفاعل وانعدام أثره.
وليس من شرط الواسطة أن تكون غير ذات شعور بفعلها أو غير مختارة فإنّ الشعور الّذى يؤثّر به الفاعل الشاعر في فعله لم يوجده هو لنفسه وإنّما أوجده فيه فاعله الّذى أوجد الفاعل وشعوره، وكذلك الاختيار لم يوجده الفاعل المختار لنفسه وإنّما أوجده الفاعل الّذى أوجد الفاعل المختار، وكما يتوقّف الفعل في غير موارد الشعور والاختيار إلى فاعله، ويتوقّف بعين هذا التوقّف إلى فاعل فاعله، كذلك يتوقّف الفعل الشعورىّ والفعل الاختياريّ إلى فاعله ويتوقّف بعين هذا التوقّف إلى فاعل فاعله الّذى اوجد لفاعله الشعور والاختيار.
ففاعل الفاعل الشاعر أو المختار أراد من الفاعل الشاعر أو المختار أن يفعل من طريق شعوره فعلاً كذا أو يفعل باختياره فعلاً اختياريّـاً كذا فقد اُريد الفعل من طريق الاختيار لأنّه اُريد الفعل واُهمل الاختيار الّذى ظهر به فاعله فافهم ذلك فلا تزلّ قدم بعد ثبوتها. ويوضح الطباطبائي: وعلى هذه الحقيقة يجرى الناس بحسب فهمهم الغريزىّ فينسبون الفعل إلى السبب البعيد كما ينسبونه إلى السبب القريب المباشر بما أنّه أثر مترشّح منه يقال: بنى فلان داراً، وحفر بئراً وإنّما باشر ذلك البنّاء والحفّار، ويقال: جلد الأمير فلاناً، وقتل فلاناً، وأسر فلاناً، وحارب قوماً كذا، وإنّما باشر الجلد جلّاده، والقتل سيّافه، والأسر جلاوزته، والمحاربة جنده، ويقال، أحرق فلان ثوب فلان، وإنّما أحرقه النار، وشفى فلان مريضاً كذا وإنّما شفاه الدواء الّذى ناوله وأمره بشربه واستعماله.
ففى جميع ذلك يعتبر أمر الأمر أو توسّل المتوسّل تأثيراً منه في الفاعل القريب ثمّ ينسب الفعل المنسوب إلى الفاعل القريب إلى الفاعل البعيد، وليس أصل النسبة إلّا نسبة حقيقة من غير مجاز قطعاً.
ومن قال من علماء الأدب وغيرهم أنّ ذلك كلّه من المجاز في الكلمة لصحّة سلب الفعل عن الفاعل البعيد فإنّ مالك البناء لم يضع لبنة على لبنة وإنّما هو شأن البنّاء الّذى باشر العمل ! إنّما أراد الفعل بخصوصيّـة صدوره عن الفعل المباشر ومن المسلّم أنّ المباشرة إنّما هو شأن الفاعل القريب، ولا كلام لنا فيه، وإنّما الكلام فيما يتصوّر له من الوجود المتوقّف إلى فاعل موجد، وهذا المعنى كما يقوم بالفاعل المباشر كذلك يقوم بعين هذا القيام بفاعل الفاعل.
واعتبار هذه النكتة هو الّذى أوجب لهم أن يميّزوا بين الأعمال وينسبوا بعضها إلى الفاعل القريب والبعيد معاً، ولا ينسبوا بعضها إلّا إلى الفاعل القريب المباشر للعمل فما كان منها يكشف بمفهومه عن خصوصيّـات المباشرة والاتّصال بالعمل كالأكل بمعنى الالتقام والبلع والشرب بمعنى المصّ والتجرّع والقعود بمعنى الجلوس ونحو ذلك لم ينسب إلّا إلى الفاعل المباشر فإذا أمر السيّد خادمه أن يأكل غذاء كذا ويشرب شراباً كذا ويقعد على كرسىّ كذا، قيل: أكل الخادم وشرب وقعد ولا يقال: أكله سيّده وشربه وقعد عليه، وإنّما يقال: تصرّف في كذا إذا استعمل كذا أو أنفق كذا ونحو ذلك لما ذكرناه.
ويبين ذلك: وأمّا الأعمال الّتى لا تعتبر فيها خصوصيّـات المباشرة والحركات المادّيّة الّتى تقوم بالفاعل المباشر للحركة كالقتل والأسر والإحياء والإماتة والإعطاء والإحسان والإكرام ونظائر ذلك فإنّها تنسب إلى الفاعل القريب والبعيد على السويّـة بل ربّما كانت نسبتها إلى الفاعل البعيد أقوى منها إلى الفاعل القريب كما إذا كان الفاعل البعيد أقوى وجوداً وأشدّ سلطة وإحاطة.
فهذا ما ينتجه البحث العقليّ ويجرى عليه الإنسان بفهمه الغريزىّ، والقرآن الكريم يصدّق ذلك أوضح تصديق كقوله تعالى في الآيات السابقة: ( قاتلوهم يعذّبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم ) الآيتان. حيث نسب التعذيب الّذى تباشره أيدى المؤمنين إلى نفسه بجعل أيديهم بمنزلة الآلة.
ونظيره قوله تعالى: ( والله خلقكم وما تعملون ) الصافّات: 96 فإنّ المراد بما تعملون إمّا الأصنام الّتى كانوا يعملونها من الحجارة أو الأخشاب أو الفلزّات فإنّما اُريد به المادّة بما عليها من عمل الإنسان ففيه نسبة الخلق إلى الأعمال كنسبته إلى فواعلها، وأمّا نفس الأعمال فالأمرأوضح.
ويقرب من ذلك قوله تعالى: ( وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون ) الزخرف 12، ففيه نسبة الخلق إلى الفلك والفلك بما هي من عمل الإنسان.
هذا فيما نسب فيه الخلق إلى الأعمال الصادرة عن الشعور والإرادة، وأمّا الأفعال الّتى لا تتوقّف في صدورها على شعور وإرادة كالأفعال الطبيعيّـة فقد ورد نسبتها إلى الله سبحانه في آيات كثيرة جدّاً لا حاجة إلى إحصائها كإحياء الأرض وإنبات النبات وإخراج الحبّ وإمطار السماء وإجراء الأنهار وتسيير الفلك الّتى تجرى في البحر بأمره إلى غير ذلك.
ولا منافاة في جميع هذه الموارد بين انتساب الأمر إليه تعالى وانتسابه إلى غيره من الأسباب والعلل الطبيعيّـة وغيرها إذ ليست النسبة عرضيّة تزاحم إحدى النسبتين الاُخرى بل هي طوليّـة لا محذور في تعلّقها بأزيد من طرف واحد.
وقد تقدّم في مطاوى أبحاثنا السابقة دفع ما اشتبه على المادّيّـين من إسناد الحوادث العامّة كالسيول والزلازل والجدب والوباء والطاعون إلى الله سبحانه مع الحصول على أسبابها الطبيعيّـة اليوم حيث خلطوا بين العلل والأسباب العرضيّـة والطوليّـة، وحسبوا أنّ استنادها إلى عللها الطبيعيّـة يبطل ما أثبته الكتاب العزيز وأذعن به الإلهيّـون من استنادها إلى مسبّب الأسباب الّذى إليه يرجع الأمر كلّه.
وللأشاعرة والمعتزلة بحث غريب في الآية السابقة: ( قاتلوهم يعذّبهم الله بأيديكم ) وما يناظرها من الآيات، أورده الرازيّ في تفسيره نورده ملخّصاً.
قال: استدلّت الأشاعرة بقوله تعالى: ( قاتلوهم يعذّبهم الله بأيديكم ) الآية على أنّ أفعال العباد مخلوقة لله، وأنّ الناس مجبرون في أفعالهم غير مختارين فإنّ الله سبحانه يخبر فيها أنّه هو الّذى يعذّب المشركين بقتل بعضهم وجرح آخرين بأيدى المؤمنين ويدلّ ذلك على أنّ أيدى المؤمنين كسيوفهم ورماحهم آلات محضة لا تأثير لها أصلاً وإنّما الفعل لله سبحانه، وأنّ الكسب الّذى يعدّ مناطاً للتكليف اسم لا مسمّى له.
وهذه الآية أقوى دلالة على المطلوب من دلالة مثل قوله تعالى: (وما رميت إذ رميت ولكنّ الله رمى) إذ فيه إثبات الرمى على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وإن كان مع ذلك نفى عنه - وإثبات لإسناده إلى الله سبحانه لكنّ الآية أعنى قوله: ( قاتلوهم يعذّبهم الله بأيديكم ) إثبات للتعذيب على الله سبحانه وجعل أيدى المؤمنين الّتى لهم آلات في الفعل لا تأثير لها وفيها أصلاً.
وأجاب عنه الجبّائىّ من المعتزلة: بأنّه لو جاز أن يقال: إنّ الله يعذّب الكافرين بأيدى المؤمنين بحقيقة ما ادّعى له من المعنى لجاز أن يقال: إنّه يعذّب المؤمنين بأيدى الكافرين، وإنّه تعالى يكذّب أنبياءه بألسنتهم، ويلعن المؤمنين ويسبّهم بأفواههم لأنّه تعالى خالق لذلك كلّه، وإذ لم يجز ذلك علمنا أنّه تعالى لم يخلق أعمال العباد، وإنّما أعمالهم خلق أنفسهم.
وبذلك يعلم أنّ إسناد التعذيب في الآية إليه تعالى بنوع من التوسّع لأنّه إنّما تحقّق عن أمره ولطفه كما أنّه تعالى ينسب جميع الطاعات والحسنات إلى نفسه لتحقّقها عن أمره وتوفيقه.
وأجاب عنه الرازيّ بأنّ أصحابنا يلتزمون جميع ما ألزم به الجبّائىّ وأصحابه من لزوم إسناد القبائح إليه تعالى ويعتقدون به لبّاً وإن كانوا لا ينطقون به لساناً أدباً مع الله سبحانه، انتهى ملخّصاً.
قال الطباطبائي: والأبحاث الّتى قدّمناها في هذا الكتاب حول هذه المعاني تكفى لإيضاح الحقّ وإنارته في هذا المقام، والكشف عمّا وقع فيه الفريقان جميعاً.
أمّا ما ذكرته الأشاعرة والتزموا به فإنّما أوقعهم في ذلك ما ذهبوا إليه من نفى رابطة العلّيّة والمعلوليّة من بين الأشياء وقصرها فيما بينه تعالى وبين خلقه عامة فلا سبب في الوجود لا استقلالاً ولا بالوساطة غيره تعالى، وأمّا رابطة السببيّـة الّتى بين الأشياء أنفسها فإنّما هي سببيّـة بالاسم فقط لا بالحقيقة، وإنّما هي العادة الإلهيّـة جرت بإيجاد ما نسمّيها مسبّبات عقيب ما نسمّيها أسباباً فما بينها وبينه تعالى سببيّـة حقيقيّـة، وما بينها أنفسها يعود إلى الاتّفاق الدائم أو الأكثرىّ.
ويرد الطباطبائي على هذا القول: ولازم ذلك إبطال العلّيّة والسببيّـة من أصلها، و ببطلانها يبطل ما أثبتوه من انحصار السببيّـة فيه تعالى إذ لو جاز أن يكون نسبة كلّ شئ إلى كلّ شئ نسبة واحدة من غير اختلاف بالتأثير والتأثّر لم يبق للإنسان ما يتنبّه به لأصل معنى السببيّـة فلا سبيل له إلى إثبات سببيّـته تعالى لكلّ شئ.
على أن الإنسان يترقّب حوادث من حوادث اُخرى، ويقطع بالنتائج عن مقدّماتها ويبنى حياته على التعليم والتربية، وعلى تقديم الأسباب طمعاً في مسبّـباتها سواء اعترف بالصانع أو لم يعترف، ولا يتمّ له شئ من ذلك إلّا عن إذعان فطريّ بأصل العلّيّة والمعلوليّة، ولو أجازت الفطرة الإنسانيّـة بطلان ذلك وجريان الحوادث على مجرّد الاتّفاق اختلّ نظام حياته ببطلان سعيه الفكريّ والعمليّ، وانسدّ طريق إثبات سببٍ ما فوق طبيعة الحوادث.
على أنّ الكتاب العزيز يجري في بياناته على تصديق أصل العلّيّة والمعلوليّة، وينسب كلّ حسنة إليه تعالى وينفي استناد السيّـآت والمعاصي إليه ويسمّيه بكلّ اسم أحسن ويصفه بكلّ وصف جميل، وينفي عنه كلّ هزل وعبث ولغو ولهو وجزاف، ولا يتمّ شئ من ذلك إلّا على أصل العلّيّة والمعلوليّة، وقد تقدّم في الأبحاث السابقة ما يتبيّن به ذلك كلّه.
وقد ذهب طائفة من المادّيّين وخاصّـة أصحاب المادّيّة المتحوّلة إلى عين ما ذهب إليه الأشاعرة من ثبوت الجبر ونفي الاختيار عن الأفعال الإنسانيّـة، وإنّما الفارق بين قولى الطائفتين هو أنّ الأشاعرة بنوا ذلك على سببيّـة الواجب تعالى المنحصرة واستنتجوا من ذلك بطلان السببيّـة الاختياريّة وانتفاءها عن الإنسان، والمادّيّون بنوه على معلوليّة الأفعال الإنسانيّـة لمجموع الحوادث الحتفّة بالفعل الّتى هي علّة حدوثه، ولا معنى للعلّيّة إلّا بالإيجاب، فالإنسان موجب في فعله مجبر عليه.
وقد فات منهم أنّ الّذي نسبة المعلول إليه بالإيجاب إنّما هو العلّة التامّة، وهى مجموع الحوادث المتقدّمة على المعلول الّتى لا يتوقّف هو في وجوده على شئ وراءها، وبوجودها جميعاً لا يبقى له إلّا أن يوجد، وأمّا بعض أجزاء العلّة التامّة فإنّما نسبة المعلول إليه بالإمكان لا بالوجوب لتوقّف وجوده على أشياء اُخر وراءه فلا يتحقّق بوجود الجزء المفروض جميع ما يتوقّف عليه وجوده حتّى يعود واجباً وجوده.
والأفعال الإنسانيّـة يتوقّف في وجودها على الإنسان وإرادته وعلى اُمور غير محصورة اُخرى من المادّة والشرائط الزمانيّة والمكانيّة فهى إذا نسبت إليها جميعاً كانت النسبة الحأصلة نسبة الوجوب والضرورة، وأمّا إذا نسبت إلى الإنسان وحده أو إلى الإنسإن المريد فقد نسبت إلى جزء العلّة التامّة وعادت النسبة إلى الإمكان دون الوجوب، فالأفعال الإرادية الإنسانيّـة اختياريّة أي إنّه يمكنه أن يفعل وأن لا يفعل فإن فعل فبمشيّـته وإرادته، وإن لم يفعل فلم يختره ولم يرده وإنّما اختار وأراد شيئاً آخر، لكنّها لا تقع في الخارج إلّا واجبة لاستنادها حينئذ إلى جميع أجزاء عللها.
فهؤلاء خلطوا في كلامهم بين النسبتين فوضعوا النسبة الوجوبيّـة الّتى للفعل إلى مجموع أجزاء علّتها التامّه موضع النسبة الإمكانيّة الّتى للفعل إلى بعض أجزاء علّته التامّة وهى الّتى تسمّى في الإنسان بالاختيار على نحو من العناية.
وأمّا ما ذكره المعتزلة أنّه لو جاز كونه تعالى هو الفاعل للفعل الّذى أتى به المؤمنون وهو التعذيب، وليس لهم إلّا مقام الآليّة المحضة من غير تأثير لجاز إسناد تعذيب الكفّـار للمؤمنين وتكذيبهم للأنبياء ولعنهم المؤمنين أيضاً إليه، وهو باطل قطعاً فأفعال العباد مخلوقة لهم لا صنع لله تعالى فيها.
ويضيف: ففيه أنّ لملازمة حقّة لكن بطلان التالى لا يستلزم كون الأفعال مخلوقة لهم لا نسبة لها إلى الله سبحانه أصلاً لجواز كونها منسوبة إليه تعالى بعين ما ينتسب به إليهم فإنّهم فاعلون لها وهو فاعل الفاعلين فينتسب إليهم بالصدور عن الفاعل المباشر، و ينتسب إليه بالصدور عن الفاعل الّذى هو فاعله والنسبتان في الحقيقة نسبة واحدة مختلفة بالقرب والبعد وانتفاء الواسطة وثبوتها، ولا يستلزم ذلك اجتماع فاعلين مستقلّين على فعل واحد لكونهما طوليّـين لا عرضيّـين.
فان قلت: فيبقى محذور استناد الحسنات والسيّآت والإيمان والكفر إليه تعالى في محلّه.
قال الطباطبائي: كلّا وإنّما ينتسب إليه أصل وجودها، وأمّا عنوان الفعل الّذى يشير إلى جهة قيام الحركة والسكون بالموضوع المتحرّك كالنكاح والزنا والأكل المحرّم والمحلّل فإنّما ينسب إلى الإنسان لكونه هو الموضوع المادّىّ الّذى يتحرّك بهذه الحركات: وأمّا الّذى يوجد هذا المتحرّك الّذى من جملة آثاره حركته وليس بنفسه متحرّكاً بها وإنّما يوجدها إيجاداً إذا تمّت شرائطها وأسبابها فلا يتّصف بأنواع هذه الحركات حتّى يتّصف بفعل النكاح أو الزنا أو أيّ فعل قائم بالإنسان.
نعم هناك عناوين عامّة لا تستتبع معنى الحركة والمادّة، لا مانع من إسنادها إلى الإنسان وإليه سبحانه إذا لم يستلزم محذوراً كالهداية والإضلال إذا لم يكن إضلالاً ابتدائيّـاً، وكالتعذيب والابتلاء، فقتل المؤمن للكافر تعذيب إلهىّ للكافر، وقتل الكافر للمؤمن بلاء حسن للمؤمن يستوجب به أجراً حسناً عند الله، وعلى هذا القياس.
على أنّ الّذى ذهب إليه المعتزلة يوقعهم فيما وقعت فيه الأشاعرة وهو انسداد طريق إثبات الصانع عليهم فإنّه لو جاز أن يوجد في العالم حادث من الحوادث عن سبب له وينقطع عمّا وراء سببه ذلك انقطاعاً تامّاً لا تأثير له فيه جاز في كلّ ما فرض من الحوادث أن يستند إلى ما يليه من غير أن يرتبط بشئ آخر وراءه، ومن الجائز أن يفنى الفاعل ويبقى أثره فمن الجائز أن يستند كلّ ما فرض معلولاً إلى فاعل له غير واجب الوجود ومن الجائز أن يستند كلّ عالم مفروض إلى عالم قبله هو فاعله وقد فنى قبله على ما هو المشهود من حوادث هذا العالم المولّد بعضها بعضاً: والمتولّد بعضها من بعض، ولا يلزم محذور التسلسل لعدم تحقّق سلسلة ذات أجزاء في وقت من الأوقات إلّا في الذهن.
ويرى الطباطبائي وان : في كلامهم مفاسد كثيرة اُخرى مبيّـنة في المحل المربوط به، وقد تقدّم في الكلام على نسبة الخلق إليه تعالى في الجزء السابع من الكتاب ما ينفع في هذا المقام.
وكيف يسع لمسلم موحّد أن يثبت مع الله سبحانه خالقاً آخر بحقيقة معنى الخلق والإيجاد وقد قال الله سبحانه: ( ذلكم الله ربّكم خالق كلّ شئ لا إله إلّا هو ) المؤمن: 62 وقد كرّر ذلك في كلامه، وليس في تجاهة إلّا نسبة أفعال الإنسان إليه من غير قطع رابطتها إليه تعالى بل مع إثبات النسبة بدليل آيات القدر ودلالة العقل على أنّ لفعل الفاعل نسبة إلى فاعل فاعله بحسب ما يليق بساحته.
فالحقّ أنّ للأفعال الإنسانيّـة نسبة إلى فواعلها بالمباشرة، ونسبة إليه تعالى بما يليق بساحة قدسه، قال تعالى: ( كلّاً نمدّ هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربّك وما كان عطاء ربّك محظوراً ) أسرى: 20.(الميزان ج9ص191- 198).



#داود_السلمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- استدلالات الطباطبائي الفلسفية، الحلقة(11)
- استدلالات الطباطبائي الفلسفية، الحلقة(10)
- استدلالات الطباطبائي الفلسفية ،الحلقة(9)
- استدلالات الطباطبائي الفلسفية ،الحلقة(8)
- استدلالات الطباطبائي الفلسفية؛ الحلقة(7)
- الجلبي ما قتلوا وما صلبوه ولكن شبه لهم
- استدلالات الطباطبائي الفلسفية الحلقة(6)
- استدلالات الطباطبائي الفلسفية ،الحلقة(5)
- استدلالات الطباطبائي الفلسفية، الحلقة(4)
- صخم وجهك وكول آني حداد
- استدلالات الطباطبائي الفلسفية في تفسيره (الميزان)الحلقة(3)
- حسقيل قوجمان صوت يهودي عراقي مدوي
- استدلالات الطباطبائي الفلسفية في تفسيره (الميزان) الحلقة(1)
- استدلالات الطباطبائي الفلسفية في تفسيره (الميزان) الحلقة(2)
- ميزانية مصابة بالشلل
- حششوا حتى يأتيكم اليقين
- الا يتدبرون العراق ام على...؟
- حكومة مظرطة
- سبع سنوات غير كافية ايها القضاء
- اعطوني وزيراً مثل حسقيل؟ !


المزيد.....




- لم يسعفها صراخها وبكاؤها.. شاهد لحظة اختطاف رجل لفتاة من أما ...
- الملك عبدالله الثاني يمنح أمير الكويت قلادة الحسين بن علي أر ...
- مصر: خلاف تجاري يتسبب في نقص لبن الأطفال.. ومسؤولان يكشفان ل ...
- مأساة تهز إيطاليا.. رضيع عمره سنة يلقى حتفه على يد كلبين بين ...
- تعويضات بالملايين لرياضيات ضحايا اعتداء جنسي بأمريكا
- البيت الأبيض: تطورات الأوضاع الميدانية ليست لصالح أوكرانيا
- مدفيديف: مواجهة العدوان الخارجي أولوية لروسيا
- أولى من نوعها.. مدمن يشكو تاجر مخدرات أمام الشرطة الكويتية
- أوكرانيا: مساعدة واشنطن وتأهب موسكو
- مجلس الشيوخ الأمريكي يوافق على حزمة من مشاريع القوانين لتقدي ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - داود السلمان - دلالات الطباطبائي الفلسفية، الحلقة(12)