أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - حمدى عبد العزيز - أن تنهض جدتي














المزيد.....

أن تنهض جدتي


حمدى عبد العزيز

الحوار المتمدن-العدد: 5061 - 2016 / 1 / 31 - 00:44
المحور: سيرة ذاتية
    


كل مااطلبه الآن هو أن تنهض جدتي وتوقد الفرن وتفعل ماكانت تفعله في تلك الأيام الشتوية الشديدة البرودة

أن تسمح لي أن أدلف إلى حجرة الفرن المقامة بلبنات الطين المخلوطة بالتبن الناتج عن دراس أعواد الفول والقمح المجففة تحت العجلات الحديدية المدببة الأحرف للنوارج الخشبية التي تجرها الأبقار والجواميس في دائرة لاتنتهي إلا بمايسفر عن حبوب القمح والفول مع تبنها الذي تفصلهما المدراة الخشبية التي تتطوح الجميع في الهواء فتنزل الحبوب على كومة والتبن الذي يخلطه جدي مع الطين لاستخدامه في بناء صوامع الغلال ( المطر) أو عشش الأرانب البلدي
وهو قد بني هذه الحجرة وهذا الفرن الذي سأدخل

وحتى إذا لم تسمح لي جدتي بذلك فسوف أكون أنا على حالي كصبي متطفل يجيد ابتزاز جدته ليحصل على المزيد من التدليل والدفء
وأنا أعرف أنها في النهاية لن تمانع بعد أن تحذرني من دخول رماد القش في عيني أو من اتساخ ملابسي وأنا إبن البندر الذي لايجب أن يتسخ لي هندام

سأدخل حجرة الخبيز وأجلس على قش أرضها بجوار جدي المتدثر في عبائته متلمساً دفء ماتشعله جدتي من نار في أعواد الحطب ( عيدان القطن المجففة) تحت صاج الفرن الذي تسوي عليه الطعام
وتستفئ به هي وجدي في صباحات البرد القارص المماثلة لصباحات هذه الأيام الشتوية التي أعيشها الآن متدثراً بملابسي الثقيلة وحكايات الطفولة والصبا

ستقذف إلى. حتماً بأول ماطيبت النار من رغيف ( القبوري) الطويل الذي فقشت لي بداخله بيضتين من بيض دجاجها الكثير ثم ألقته في الفرن

وفي مرة أخرى سأكون جالساً عندما تدحرج ثمرات الباذنجان المكورة داخل الفرن بعد أن تكون قد أخرجت مااصطادته مصيدة جدي المغزولة يدوياً بخيوط قوية وفتحات تتسرب منها الأسماك الصغيرة وتسمى ( جوبيا) ودائماً ماتنتصب في الترعة المقابلة للدار من أسماك البلطي الكبيرة والصغيرة الصالحة للشوي وتلفه بأعواد قش الأرز لتدخل عليها نكهة فريدة يعرفها فقط من أكل الأسماك التي لفت في قش الأرز ثم تم تمليحها بالخليط العائم في المياه التي تم غليها من كمون وثوم مطحون وشطة وملح.. ياله من طعم رائع تذوقته كثيراً

جدي لم يكن صياداً ولكن هذا زمن كانت فيه البيوت الريفية تعج بالطيور وأبراج الحمام أو اقفاصها المعلقة في باحة الدار أو في حجرة الكرار أو حجرات الطيور ولم يكن هناك بيت يخلو من أدوات صيد السمك المتنوعة حسب إجادة الصيد بها أو رخص وغلو سعرها
هناك الشلف وهو عبارة عن بوص افرنجي ينتهي بحلقة شبكية
وهناك ( الزعب) وهو شبكة من الأسلاك المعدنية
وهناك دائماً السنانير التي تستند خلف الأبواب المفتوحة للبيوت
ثم هناك الجوبيا التي جلبت ما تدفعه جدتي الآن في الفرن المشتعل من سمك مشوي أو مطبوخ في تلك الأوعية الفخارية التي تحدثت عنها

تفعل جدتي ذلك بينما تستكمل الزج بأبرمة الأرز المغمورة باللبن وتعوم على سطحها بعض قطع السمن البلدي ، كذلك الأواني الفخارية العامرة بما اصطادته جوبيا جدي من أسماك القراميط المقطعة وسمكات الحمار ( قشر البياض) ..
هكذا يسمون قشر البياض بسمك الحمار للونه الرمادي وخطوط جلده وعينية الفسفوريتين الواسعتين ورأسه المستطيلة نوعاً ما عن رأس سمك البلطي غير أنني لازلت لم أصل إلى سبب مقنع لهذه التسمية
وخاصة أن هذا النوع من السمك لذيذ الطعم جداً ولايعيش إلا في المياه النظيفة..

كل ذلك يتم انضاجه في تلك الأواني الفخارية المدهونة بالزيت والمسماة بالمقلايات أو ( الوعي بكسر العين) في خليط من البصل المبشور والطماطم والملح والكمون إلى أن تنضج وتجف سوائلها تماماً في الفرن

كانت تتخلق عن هذا وهذه وذاك وذلك وتلك من أطعمة ومن أحطاب وقش وقود نار الفرن سيمفونية من روائح تضرب أرجاء المكان من بواكير الظهيرة حتى إقتراب أذان المغرب وعودة الرجال من الحقول واغتسالهم في مياه الترعة المقابلة إستعداداً للتحلق حول طبلية العشاء العائلية الواسعة

ياله من جمال أن أشتم رائحة دخان فرن جدتي
أنه كفيل بأن يبعث الدفء في دمي أنا الصبي المستغرق في تلك الروائح حتى تاريخه ..

حمدي عبد العزيز
20 يناير 2016



#حمدى_عبد_العزيز (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أربعة شروط عاجلة كي لانذهب إلى مالارجعة فيه
- قبل أن يغادرنا يناير
- حول مقولة شباب الثورة وعجائزها
- في ذكرى الإندلاع الشعبي الكبير
- شعب تونس وشعابها
- في انتظار أن تحضر الدولة
- في ذكرى إنتفاضة 1977 المجيدة
- تأملات كروية
- إسلام البحيري والثمن المدفوع
- تحالف إشعال الحرائق
- أستاذي وصديقي.. محمد خليل
- ياناطرين التلج .. ماعاد بدكن ترجعوا ؟
- على هامش صراعات الجماعة
- يسار داخل الصندوق
- في مسألة الموقف من حزب الله
- عملية القنطار
- سرب الأوز الطائر
- رؤية سياسية
- صفقة الدولة اللبنانية مع العصابات الأرهابية
- العدوان التركى على العراق


المزيد.....




- هل تصريح نتنياهو ضد الاحتجاجات في الجامعات يعتبر -تدخلا-؟.. ...
- شاهد: نازحون يعيشون في أروقة المستشفيات في خان يونس
- الصين تطلق رحلة فضائية مأهولة ترافقها أسماك الزرد
- -مساع- جديدة لهدنة في غزة واستعداد إسرائيلي لانتشار محتمل في ...
- البنتاغون: بدأنا بالفعل بنقل الأسلحة إلى أوكرانيا من حزمة ال ...
- جامعات أميركية جديدة تنضم للمظاهرات المؤيدة لغزة
- القوات الإيرانية تستهدف -عنصرين إرهابيين- على متن سيارة بطائ ...
- الكرملين: دعم واشنطن لن يؤثر على عمليتنا
- فريق RT بغزة يرصد وضع مشفى شهداء الأقصى
- إسرائيل مصدومة.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين بجامعات أمريكية ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - حمدى عبد العزيز - أن تنهض جدتي