أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد الفرحان - المهام التّارخيّة للفلسفة السيّاسيّة بالمغرب، من السّلطة إلى السّلطة-المضادّة















المزيد.....

المهام التّارخيّة للفلسفة السيّاسيّة بالمغرب، من السّلطة إلى السّلطة-المضادّة


أحمد الفرحان

الحوار المتمدن-العدد: 5059 - 2016 / 1 / 29 - 15:18
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


المهام التّاريخيّة للفلسفة السيّاسيّة بالمغرب
من السّلطة إلى السّلطة-المضادّة

لقد أصبحت معايير ممارسة الدّولة للسلطة في بلادنا إجرائية ووظيفيّة تستند إلى إرادويّة تقنويّة عالية تستهدف التحكم المباشر في ديناميّة المجتمع وتنظيماته المدنيّة، قصد التّنصّل من مسؤوليّاتها الاجتماعيّة في ضمان الحقوق الأساسيّة للمواطنين من تعليم وصحّة وتشغيل...، ومن واجباتها في حمايتهم من الاستغلال البشع لاقتصاد السّوق الحرّة، في ظلِّ سيّاسة ماليّة غير شفّافة وواضحة يلفّها الكثير من الغموض والسِّرِّيّة في تدبير ثروات الوطن.
وفي مقابل هذه السلطة الإرادويّة التِّقنويّة التّحكّميّة للدّولة تشكّلت سلطة-مضادّة للمجتمع تستند إلى عالم التِّقنيّة في التّعبير عن غضبها واحتجاجها ورفضها لمنطق التّحكّم والتّسلّط، تعمل على فضح المستور وكشف المكنون وإظهار المفارقات السّاخرة للمواقف والخطابات الرّسميّة للدّولة عبر العالم الافتراضي. فهل تمتلك "القوّة الغاضبة" في العالم الافتراضي القدرة على ممارسة سلطة-مضادّة لسلطة الدّولة التّحكّمي؟ ألا يمكن الحديث عن عصر التيليقراطي بدل الديمقراطي؟ (-Bernard Stiegler, La télécratie contre la démocratie, Flammarion(Champs essais) Paris, 2008) أي حكم الإعلام التلفزي-الافتراضي بدل حكم الشعب؟
لقد أشار المفكِّر الفرنسي ريجيس دوبريه Régis Debray في كتابه: الميديولوجيا (Cours de médiologie générale, Paris, Gallimard (Bibliothèque des idées), 1991) إلى قدرة الوسائط المادية الإعلامية على خلق الأحداث وصناعة الوقائع حتّى عدّ زماننا هذا زمن الصّورة بامتياز أو عصر الإنتاج السايبري و ركيزته الإنترنت المتمثل بالمجتمعات الافتراضية والفضاء السايبري. وما يميز هذا العصر عن العصرين السابقين وهما: عصر المجال الكلاميLogosphere أو الدائرة الكلامية. وهو عصر لاهوتي تأتيه الكتابة من الله، "الله يملي والإنسان يدوِّن ويملي بدوره". والديانات الكبرى مع التوراة والإنجيل والقرآن ثبَّتت الوحي الشفهي كتابة. وهنا يبرز مكانة الكلام المقدس والأزلي، "العقل البشري لا يخترع، فهو ينقل حقيقة تلقّاها". ويطلق على العصر الثاني اسم المجال الخطي Graphosphere أوالدائرة الخطية، و"فيه تبعية الصورة للنص"، وضمان الحقيقة عبر الإنتاج الخطي ووفرته وفتح المجال للاختراعات والإبداعات. أما العصر الثالث فيسميه المجال التلفازي Videosphere أو الدائرة التلفازية، حيث انتقلت سلطة الإعلام إلى المرئي والمسموع، ونزول الكتاب عن منصّته الرمزية.
أمّا العصر الميديولوجي الذي نتحدّث عنه فنسميه بالمجال الإنترنيتي Internetsphere أوالدائرة الانترنيتية وما يميز هذا العصر هو استيعابه للعصور السّابقة حيث صار الحوار الإنساني فيه يتّخذ شكلا جديداً من الكلام يعتمد على الحوار الإلكتروني بين إنسان – وآلة، ينقل من خلالها كل ما يريده من معلومات وكل ما يحتاجه من تواصل. كما يضمّ المجال الخطي من خلال الصحيفة الإلكترونية والكتاب الإلكتروني والمواقع الالكترونية. ويتميز هذا العصر الميديولوجي بنشوء المجتمعات الافتراضية التي سمحت للمشتركين في تكوين المجتمع الذي يرغبون به والتواصل ضمن الفضاء السايبري الرحب من دون أي حواجز مكانية وزمانية. هذا ما أدى إلى ظهور مفهوم التّواصل الاجتماعي الافتراضي لا سيما الفيسبوك والتويتر حيث تترك أثرها البالغ في نقل الخبر بالصوت والكلام والتعليقات وردود الفعل وتفاعلات الجمهور بسرعة فائقة ومذهلة تمارس تأثيراً كبيراً في صناعة الرّأي العام. لقد صار عالم النت يشكل بعداً تكنولوجيّاً رقميّاً في معنى الوجود الإنساني، إذ لم يعد للواقعي من معنى إلاّ في ظلِّ شبكة التفاعلات الاجتماعية و النفسية الافتراضية للأفراد...يعمل عالم النت الرقمي على إعادة صياغة وتصنيع وخلق الإنسان الرّقمي وفق مواصفات جديدة استعارية لمفاهيم: الحقيقة والواقع والحدث و الآخر والقوّة والعدالة ... وبهذا، لم يعد الإنسان اليوم قادراً على الارتباط المادي المحدود بوضعياته الجسدية والنفسية في المكان الواقعي، بل صار منتزعاً منه بالقوة والفعل، يحيا إمكانات جديدة ومتجدِّدة بفضل الاستعارات المتوالية في الفهم والتقويم.
وبهذا يصبح العالم الوسائطي بعداً وجوديّاً افتراضيّاً للإنسان حيث يمارس حياته العملية والتأملية، ويستمدّ منه معنى وجوده السياسي كمواطن افتراضي يراقب سلطة الدّولة المادِّيّة من خلال ممارسة سلطته الرّمزيّة في توجيه الرّأي والنقاش في عالم النت عن المؤسسات والخطابات. ويسمي السوسيولوجي البريطاني أنتوني جيدنز Anthony Giddensهذه الظّاهرة بالانعكاسيّة الاجتماعيّة، وهو مصطلح سوسيولوجي يدلّ على الكيفيّة التي أصبحنا نبني بها حياتنا في ظلِّ تكنولوجيا المعلومات أو مجتمع المعرفة المعلوماتية. لقد أصبحت حياتنا تعتمد كثيراً على الاستخدام النّشيط للمعلومات، وأكثر هذه المعلومات هي إنتاجات جديدة للعلم والتكنولوجيا. نعتمد عليها لاتخاذ قرارات تخصّ أفعالنا وأنماط عيشنا، وكيفيّة تواجدنا، وكيف ينبغي أن نكون. وتعتبر الانعكاسيّة الاجتماعيّة جهداً فرديّاً ومجتمعيّاً للتّحرّر من أنماط الفهم التّقليديّة قصد فهم الواقع المتغيِّر على ضوء المعلومات المتدفقة والمتجدِّدة أبدا، وهي انعكاسيّة غير آلية بين الذّات والموضوع، بل هي انعكاسيّة يتدخّل فيها نشاط الذّات تدخّلاً قويّاً يتمثّل في أشكال المقارنة والتّصنيف والاستنتاج والتأثير العاطفي والتّصوير الخيالي وكلّ التعبيرات النّفسيّة والجسديّة التي تقف عند حدود الدّهشة والصّدمة والفضول والجرأة والسّخريّة في التّعامل مع تناقضات النِّظام الحديث التي هي تناقضات عمليّة ومتغيِّرة في الزمان والمكان، إنّها فعل نشط من الذّات لإحداث تغيّرات في الواقع والمعلومات تعتمد على جدليّة متبادلة في التّأثير والتّأثّر.
ومن هنا، يمكن القول: إنّ تكنولوجيا المعلومات الحديثة تُمكِّن المجتمع من إحداث مجموعة من التفاعلات الاجتماعيّة على ظاهرة ما أو حدث ما، تقتضي أحياناً من الدّولة تدخّلاً سريعاً للحدِّ من انعكاساتها السلبيّة على استقرار المجتمع وتماسكه وأمنه.
إنّ إعادة النّظر في العلاقة بين الدّولة والمجتمع يفترض "منطقا عمليّاً للفعل السياسي" في عصر الدولة الافتراضية، أو عصر ما بعد- الدولة؛ إذ لم يعد من الممكن أن يقوم الفعل السياسي على تنزيل قوانين تحكّميّة قبليّة مطلقة على الواقع بدعوى المشروعيّة الدِّيمقراطيّة أوالمشروعيّة السِّيّاديّة، لأنّ الواقع لم يعد مجتمعاً منغلقاً تتحدّد مؤشِّرات التّنميّة فيه انطلاقاً من القدرة على التّحكّم السّلطوي بل صار عالماً مفتوحاً تتحدّد مؤشِّرات التّنميّة فيه انطلاقاً من حركيّته الحرّة ومبادراته المدنيّة السِّلميّة في توجيه الحكم نحو التّفكير في انشغالاته والاستجابة لمطالب فئاته في العيش الكريم. إنّ القدرة على الحكم أو السلطة السياسية هي التجسيد العملي للفعل السياسي الذي يستجيب لتطلّعات السّلطة-المضادّة، سلطة المجتمع المدني التي تتشّكّل عبر المؤسّسات الاجتماعيّة التّقليديّة من أحزاب ونقابات وجمعيّات، وعبر المواقع الافتراضيّة العالميّة للتّواصل الاجتماعي. كما أنّ تحرير السلطة السياسية من السّلطويّة يقتضي مناهضة هيمنة النزوع التقنوي الإرادوي الذي ينمِّط كل أشكال الفعل السياسي بدعوى حفظ التّوازنات الماليّة في ظلِّ مقاربة سيّاسيّة غير عادلة لثروة الوطن. إنّ الأسئلة الكبرى عن التّوزيع العادل للثروة، وثمن انتفاع الرّأسمال من الأمن والاستقرار الذي يستنزف ميزانيّة الدّولة الأمنيّة والعسكريّة يتطلّب التداول والنقاش الحر بين المواطنين.
إنّ الفكر الفلسفي السيّاسي والقانوني مدعوّ اليوم في بلادنا إلى التّفكير في صياغة خارطة فكريّة جديدة تعيِّن الحدود بين "المجال العام" و"المجال الخاص" للفرد والمجتمع، وبين الاستقلال الوطني والاندماج العالمي على أسس قانونيّة جديدة للعلاقات الخارجيّة والتّعاون الدّولي. إننا أمام قضايا إنسانية وأخلاقية واجتماعية جديدة تقتضي منا التفكير في الإشكالات الآتية:
- متى يكون الامتثال لقوانين الدّولة مشروعاً؟ ومتى يكون عصيان القانون والاحتجاج عليه بالتّظاهر السِّلمي مبرّراً؟
- ما الموقف الأخلاقي من اعتماد المجتمع المدني على الضمانات الدولية الحقوقية والقانونية في حماية المتظاهرين بما فيها قبوله بالتدخل الدّولي في الشّأن الدّاخلي باسم "التّدخّل الإنساني"؟
- ما هي الحدود القانونيّة للدولة في التعامل مع حريات الأفراد (حرية التعبير، وحرية التدين، والملكية الشخصية للجسم والثروات المادية)؟
- ما هي أسس القيم التي ينبغي أن تؤطر السياسات الاجتماعية والاقتصادية للدولة في ظلِّ المواثيق الدّوليّة كالعدالة والمساواة والحرية، والمصلحة العامة؟
- بأي معنى يكون المسّ بالمقدّسات العليا للدولة مبرِّراً لقمع الحريات العامة؟
- ما مفهوم الحرب العادلة في القانون الدّولي، في ظلِّ اللاتكافؤ التكنولوجي والعسكري بين الدّوّل المتحاربة والمتصارعة، والذي باسمه –القانون الدّولي- تعمل الدّوّل المهيمنة تكنولوجيّاً وعسكريّاً على منع ومحاصرة باقي الدّوّل على تصنيع وتطوير قدراتها العسكريّة؟
إنّ المهام التّاريخيّة للفكر الفلسفي في بلادنا تكمن في النِّضال علميّاً وعمليّاً من أجل ترسيخ ثوابت مملكة حرية التعبير حتى تبقى آمنة من كل استبداد أو طغيان في ظل قوانين الطوارئ المعلنة وغير المعلنة التي تتّخذ من مبدأ: الحفاظ على أمن وسلامة الدّولة ضدّ جرائم العنف السيّاسي من تطرّف وإرهاب مبرِّراً لقمع الحرياّت الفرديّة والعامّة، ومبرِّراً لإقصاء واستبعاد كل أشكال الاستثناء في الممارسات الاجتماعيّة والثقافيّة بدعوى المسّ بعقيدة المجتمع وتهديد استقرار الدّولة وإثارة الفوضى والشّغب وعرقلة السير العام.



#أحمد_الفرحان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- انتشر بسرعة عبر نظام التهوية.. لحظة إنقاذ كلاب من منتجع للحي ...
- بيان للجيش الإسرائيلي عن تقارير تنفيذه إعدامات ميدانية واكتش ...
- المغرب.. شخص يهدد بحرق جسده بعد تسلقه عمودا كهربائيا
- أبو عبيدة: إسرائيل تحاول إيهام العالم بأنها قضت على كل فصائل ...
- 16 قتيلا على الأقل و28 مفقودا إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة ...
- الأسد يصدر قانونا بشأن وزارة الإعلام السورية
- هل ترسم الصواريخ الإيرانية ومسيرات الرد الإسرائيلي قواعد اشت ...
- استقالة حاليفا.. كرة ثلج تتدحرج في الجيش الإسرائيلي
- تساؤلات بشأن عمل جهاز الخدمة السرية.. ماذا سيحدث لو تم سجن ت ...
- بعد تقارير عن نقله.. قطر تعلن موقفها من بقاء مكتب حماس في ال ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد الفرحان - المهام التّارخيّة للفلسفة السيّاسيّة بالمغرب، من السّلطة إلى السّلطة-المضادّة