أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ليلي عادل - أسوار بغداد 2














المزيد.....

أسوار بغداد 2


ليلي عادل

الحوار المتمدن-العدد: 5059 - 2016 / 1 / 29 - 00:24
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الحلقة الثانية
أرض الشتات

خلال السنوات الست الاولى ما بعد " التحرير" و التي حدثت خلالها تغييرات سياسية، اجتماعية، ثقافية و اقتصادية هائلة يمكن تشبيهها بإعصار هائل يكتسح و يتجه بكل شيء نحو الهاوية. كنت أراقب انهيار البنى التحتية الشبه متهالكة و هي تستسلم للتفتت و التلاشي. الشوارع تحولت الى مكبات للأزبال، كنت اصر على الخروج بكامرتي لتوثيق ما تراه عيني و لا يستوعبه عقلي. أدور في شوارع عرفتها يوما, لكنها اليوم مشوهة غريبة بأرصفتها التي اختبأت تحت اكياس سوداء و زرقاء و زهرية، أكياس ليس بالإمكان ان تحزر ما محتواها، هل هي بقايا طعام و نفايات ام بقايا إنسان مجهول الهوية.. أصور و كأني اسرق، حيث أخبيء كامرتي كلما مررت بقرب سيطرة للحرس او مر رتل المحررين بهمراتهم و دباباتهم الهائلة من جانبي بين كره الاولى لوسائل توثيق الخراب و رعب الثاني من كل جهاز تحمله امام وجهك و تضغط على الزر. كنت آأمل ان يأتي اليوم الذي ينتهي فيه هذا الكابوس و تصبح الصور التي التقطتها وثيقة لفترة سوداء لن تعود و لن تتكرر.
نعم كنت ساذجة لكن التشبث بالامل احيانا يكون الدافع الوحيد للاستمرار.
ضاق الخناق من حولنا و انقطع طفلي عن مدرستهما التي رغم قربها من المنزل الا ان الطريق اليها كان مليئا بمشاهد بدأت تثير تساؤلات طفلتي و فضول ولدي الصغير. بقيا حبيسا البيت، و كل مرة اضطررت فيها للخروج كنت أودعهم و كأني لن اعود ثانية. أقف على الشارع الرئيسي بشعري القصير و بنطالي القديم, لأنتظر سيارة اجرة لا تبدو على وجه سائقها ملامح الشر، حيث أصبحت قيادة سيارة قد تفقدك حياتك لان لها ثمن اما دم الانسان صار بلا ثمن و الموت سهل و يومي. اقف أمام حائط , أتأمله فأجده قد امتلأ بثقوب و حفر رسمتها عليه إطلاقات الرصاص و القذائف الخفيفة. تحت قدمي ارى الخلب منثور بكل الاحجام. الرصاص مر من هنا و ربما سقط احدهم ينزف حتى الموت في هذه البقعة ذاتها التي أقف عليها..ربما تصادفني الرصاصة يوما، او ربما أنجو.
ما من مفر سوى الفرار.. حملت طفلي و رحلت.
ملابس، لوحات، تماثيل، افلام، موسيقى و بيانو،ذكريات، لعب الاطفال، دفاتر مذكرات و غيرها من المفردات الصغيرة التي كانت تكمل عالمي صارت بلا قيمة و هي محاصرة برائحة الموت الذي احاط بنا و اصطبغت برائحته كل تلك الأشياء.
شقة صغيرة تحت الارض حيث ينام طفلاي بأمان كانت محطة الاغتراب الاولى و امتدت لتسعة شهور طويلة. فراغ و احساس بالفقد جعلاها تبدو و كانها تسع سنوات، كان لنا وطن و من الان وصاعدا لم يعد لنا غير الشتات.
بدأ طفلي يفقدان لهجتهما البغدادية و يكتسبان لهجة البلد الغريب، و انا في سباق مع هذا التحول الذي كان بنظري كارثة. انت عراقي احجي عراقي مثل اهلك. هذه هي ميزتك اللهجة مثل لون العين و نبرة الصوت تميزك عن الاخر و تجعلك انت انت.
هم ارجع و اگول : كم كنت ساذجة!
كل يوم انتظر مكالمة او موعد لدى مكتب الهجرة و اسعى ليتم تهجيرنا سريعا و في داخلي اتمنى كل لحظة ان تحدث المعجزة و يصحو البلد من كابوسه و تتحسن الأوضاع لنعود. مفاتيح البيت مازالت في حقيبة يدي و لم يفارقني امل استخدامها. كانت فكرة فقد الارض التي انتمي اليها صعبة الهضم و كلما تأملتها اصبت بالخيبة و الخذلان.
و في يوم و دون سابق إنذار أتت المكالمة المنتظرة، إجهزوا للرحيل، وطنكم الجديد ينتظركم. نعم لقد قرروا " ولا اعلم من هم " إعادة توطيننا في ارض جديدة و لغة غريبة و وجوه لا اعرفها.
حزمت الحقائب و انا أدندن :

سنرجع يوما الى حينا.

الحلقة القادمة
وطن جديد مسلفن



#ليلي_عادل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أسوار بغداد
- الأسلام و ال PEDOPHILIA
- نوال السعداوي في ضيافة مركز نينا
- الثورة المثالية
- حينما يتوج المجرم ...بطلا..
- هروب من سيف الشريعة
- حيرة..بين الضرب و الشتيمة
- عطلة ختان ....في كردستان
- حكومة عراقية ..بأمتياز أيراني
- شعب من لاجئين
- بغداد...دار الحنان
- igno-cracy
- فساد....بيض..
- الجزية ...او خمس السيد
- أنا ...دعاء
- قناة الحرة تحت امتحان المحسوبية
- السقوط في فخ الديمقراطية
- بغداد ..الى اين..
- أقوى دولة ...في العالم
- الموسيقى و الغناء ...رجس من عمل الشيطان


المزيد.....




- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- صالة رياضية -وفق الشريعة- في بريطانيا.. القصة الحقيقية
- تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم.. خطة إسرائيلية لتغيير الواقع با ...
- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس
- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ليلي عادل - أسوار بغداد 2