أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سندس القيسي - الهوية الضائعة 8: الله أكبر والصليب















المزيد.....

الهوية الضائعة 8: الله أكبر والصليب


سندس القيسي

الحوار المتمدن-العدد: 5057 - 2016 / 1 / 27 - 02:48
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الهوية الضائعة 8: الله أكبر والصليب

في هذه المقالة، سأتطرق للمسيحية الشرقية. فمنذ صغري وأنا إنسانة فضولية، وأحب أن أعرف الأشياء من الداخل. ولدي ما يكفي من الجرأة لأجرب أي شيء، على الأقل مرة.

أما المسيحية، فهي كانت دائمًا حاضرة في واقعي. فقد عشت في حيٍ يختلط فيه المسلم بالمسيحي. وكان لدي صديقات مسيحيات في المدرسة والحي وأحياء الأقارب. ولم تكن هناك مشكلة دين بيننا، بل على العكس.

فقد عشت في سكنٍ واحد مع فتاتين مسيحيتين. وأصبحت جزءًا من شلة مسيحية في الجامعة. وفي الحقيقة، فهم كانوا جميعهم رائعين. وكنت تضامنًا معهم أحضر صلواتهم وأذهب للقداس وتجمعات الشبيبة المسيحية معهم. وبالنسبة لي، هؤلاء كانوا إخوتي العرب. كما كنت أحادث وأمازح قساوستهم الطيبيين. ولم نكن لنشعر بفارق الدين، فأنا التي كنت أتراجع وأستوعبهم ثقافيًّا لكوني من الأغلبية. وهذا الأمر لم يكن يهمني كثيرًا.

لكن في البدء كان لنا جيران أجانب، اكتشفنا فيما بعد أنهم مبشرين لكنيستهم، يحاولون تغيير ديانات الأطفال وبخاصة اليتم. جيراننا هؤلاء كانوا يدرّسون المسيحية في مدارس الأقليات الدينية. وقد صادقتهم في أحد الأيام، أثناء عودتي من المدرسة لرغبتي في المحادثة باللغة الإنجليزية. كان عمري اثني عشر عامًا تقريبًا. وهم كانوا من ألطف ما يكون. وكانوا يقيمون لنا الحفلات ويجلبون الأراغوزات ويقيمون المسابقات، ويحضرون كل ما لذ وطاب. كل هذا لإسعادنا مع أطفال الملاجىء الأيتام، الذين يحضرونهم للمبيت عندهم من وقت لآخر. حتى أصبحوا جيراننا المقربين وأحباءنا.

وكان يدعونني مرة تلو الأخرى للحفلات مع أولاد الملاجىء، وتدريجيًّا الصلوات على يسوع بدأت تأخذ منحىً في بداية الحفلة، ثم في نهايتها. وشيئًا فشيئًا أصبحت الأيادي توضع فوق يدي واسم المسيح يُبدٓ-;-أ به، والصليب يُختم به إذا ما ذهبت هناك لإلقاء مرحبا أو طلب شيء من الجيران. ولم تعد تقتصر الصلوات على شكر الرب على نعمه. وهكذا أصبح جميع أفراد العائلة الكبار، وأصدقائهم، الذين كانوا يتوافدون عليهم من جميع أنحاء المعمورة (بلاد أجنبية) معظمهم أصبحوا يصلون لي ويقولون إني طفلة قوية، يحبها المسيح، والذي هو مخلصنا من الآلام

وهكذا أصبحت الصلاة المسيحية شيئًا مكررًا بعد بداية ونهاية كل لقاء. وأنا كنت لم أمانع، إذ كنت أصلي لله. ومرة على مرة، زادت الإجتماعات والنقاشات حول الثقافات، وأصبحوا يشرحون لي الديانة المسيحية شيئًا فشيئًا. بل حاولوا تسهيل مفهوم الثالوث علي كالتالي؛ الله هو ذاته المسيح هو ذاته الروح القدس. أي أنه كالماء الذي يتحول إلى جليد وإلى بخار. ولم تدخل الفكرة في رأسي منذ ذلك الوقت ولغاية الآن. وقد أعطوني أحد الأناجيل الأربعة، لكنه كان غريبًا عني، فلم أكمل قراءته، حيث وجدته صعبًا.

وبالطبع لو كنت تنصرت، لربما انتهى الأمر بذهابي إلى دولة أجنبية، الأمر الذي قد يكون مغريًا لمراهقة ذات ثلاثة عشر ربيعًا. لكن الفكرة زلزلت كياني، وشعرت بأني سأضيع في متاهات، لها أول وليس لها آخر ولن أجد نفسي أبدًا. فبدأت بالإبتعاد الجزئي وليس الكلي. وأنا لم ألبس صليبًا على الإطلاق. ولا حتى لثانية.

وفيما بعد صادقت فتاة مسيحية (17 عامًا) أعتقد أنها من طائفة يهود شهوا. أمها متدينة جدًا ولا تذهب إلى الكنيسة، لامتلائها بالتماثيل. وكان أبوها يتصرف بغرابة معها. والفتاة كانت معقدة جدًا، ثم فيما بعد علمت أن أمها لا تضاجع أبيها، لشدة تدينها. والأب يلاحق الفتيات الصغيرات، أمام المدرسة بل ويخلع سرواله أمامهن، والشرطة تأخذه مرات ومرات. ورغم أني لا أستطيع أن أجزم، لكني لا أستبعد أن هذه الفتاة قد كانت تتعرض للإغتصاب من قبل أبيها، الذي شاهدت بأم عيني كيف يتصرف معها. فعند زيارتي لها في أحد المرات، شعرت بخوف شديد، لأنه كان يداعبها أمامي. وقررت عدم الذهاب إلى بيتهم المكون من غرفة وصالون، يسكن فيه خمسة أفراد.

ثم كان لي صداقات عادية مع فتيات مسيحيات وجيران آخرين، حيث تصح مقولة: " كل واحد ع دينه، الله يعينه". وبشكل طبيعي، تلقيت تعليمي الإسلامي في المدرسة. وكان هناك بعض المسيحيات، اللواتي لم يحضرن معنا دروس الدين، بل كن يخرجن وينتظرن حتى انتهاء الدرس. وهذا كله كان طبيعيًا.

وكانت النسوة المسلمة تزرن النسوة المسيحية في بيوتهن، والعكس صحيح. بل كن يهنئن بعضهن البعض في الأعياد والمناسبات.
وتخفي النسوة المسيحية احترامًا لجاراتهن المسلمات كل أنواع الخمر والمحرمات عندما يزرنهن المسلمات.

وحين ذهبت إلى الجامعة، وبعد إغلاق سكن الطالبات، بسبب المشاكل السياسية، ولتحويله إلى كليات، استأجرت غرفة في سكن طالبات خارجي. وكنت لوحدي. وفي أحد الأيام، دخلت الغرفة، وإذ بي أجد فتاة جميلة، ترتدي صليبًا، جالسة على السرير. فابتسمت لها، وبسرعة لاحظت أنها وضعت صليبًا أزرق اللون فوق صورة قبة الصخرة التي كنت قد ألصقتها فوق سريري، مما دعاني للإبتسام أكثر.

وبعد أن تعارفنا، قلت لها: " هل وضعت هذا الصليب لأجلي؟"، فخجلتْ. وأكملتُ: " ألا تعرفين أن المسيح حبيبي، لأنه جاء من فلسطين" وكنت وقتها ناشطة ويسارية، فعرفتها من أنا. وارتاحت لي كثيرًا، وصرنا أصدقاء. وعرفتني على كل الشلة المسيحية. وكنت أحبهم ويحبوني، ثم انضمت فتاة أخرى مسيحية لنا في الغرفة، وعشنا بسعادة وسلام إلى أن غادرت.

إن هوية الأقلية تتضخم وسط هوية الأغلبية. لكن الأدلة المستخدمة في هذا المقال تثبت أن الأقلية المسيحية ليست مضطهدة في البلاد العربية، لكن ربما الفلسفة والعقيدة الإسلامية لا تروق لها. وهذا الطغيان الديني والفكري قد يعتبر رجعيًا من قبل الأقليات المسيحية.

وأحيانًا، قد تدخل بعض البيوت المسيحية، وتدهش إذ تشعر أنك في كنيسة لكثرة التماثيل والصلبان والمسبحات وصور العذراء والمسيح والقديسين بما يشير إلى الحاجة لتأكيد الهوية، حين تعيش وسط أي أغلبية. وهؤلاء ليسوا منبوذين من المجتمع، ولا تلاحقهم السلطات، ولا يكيل لهم الإعلام بالإتهامات. فَلَو كانوا منبوذين ومطاردين والإعلام يبث الكراهية فيهم، كيف كانوا ستيتصرفون؟

ولو كان مسلمون تصرفوا تصرفات مثل هذه التصرفات، ماذا كان سيقال عنهم؟ لو عبأوا بيوتهم بالقرآن وصور المساجد، وحاولوا تغيير ديانة الأطفال المسيحيين، من وراء ظهور أولياء أمورهم، ماذا كان سيحصل. ولو كنت أنا التي قمت بوضع المصحف فوق صليب أحدهم، هل كان سيبتسم لي ويتعاطف معي ويستوعبني ثقافيًّا؟ أسئلة تطرح نفسها بالفعل.

وإذا كان الدين والتدين مشكلة، فإن الإيمان بالله هو شيء آخر، يشعر به المرء من داخله، لا أحد يدله ولا يفرضه عليه. في الحقيقة، نحن لا نختار لون بشرتنا أو لو عيوننا أو المكان الذي جئنا فيه أو منه. وحين نموت، على الأغلب، سندفن في مقابر للمسلمين أو للمسيحين أوغير ذلك. وستُتلى علينا إِمَّا آيات قرآنية أو صلوات مسيحية أو ما إلى ذلك. ولا يستطيع أي أحد تغيير ذلك.




#سندس_القيسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الهوية الضائعه 7: عقد العربي المركبة
- الهوية الضائعة 6: نماذج الهمجية
- الهوية الضائعة 5: همجية العربي
- الهوية الضائعة 4: علينا التباكي كاليهود
- الهوية الضائعة 3: قومية أم إسلامية؟
- الهوية الضائعة 2: سجّل أنا عربي
- الهوية الضائعة
- ماذا سنفعل بالمثليين الجنسيين في بلادنا؟
- الإضطهاد المسيحي 2
- أنت كافر
- الإضطهاد المسيحي
- الإسلام: ظالمًا أم مظلومًا؟ رد على منال شوقي
- الأوروبي البدوي 3
- دوّي الله أكبر
- الأوروبي البدوي 2
- بريطانيا الحب والملاذ والعتب الكبير
- الارهاب والكباب وشارلي ايبدو
- العربي الأوروبي
- الأوروبي البدوي!


المزيد.....




- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...
- مئات المستوطنين يقتحمون باحات الأقصى في ثالث أيام عيد الفصح ...
- أوكرانيا: السلطات تتهم رجل دين رفيع المستوى بالتجسس لصالح مو ...
- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سندس القيسي - الهوية الضائعة 8: الله أكبر والصليب