لماذا تم تصوير الأنصار بالبلاهة ؟

طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 5056 - 2016 / 1 / 26 - 23:23
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

لماذا كانت المبالغات عن الأنصار؟
ولماذا كان تشويه صورة سعد بن عبادة ؟
مكث رسول الله فى مكة يدعو للإسلام حوالىْ عشر سنوات ، وقيل ثلاثة عشرة سنة. وفى العام الأول لبداية دعوته بايعه ستة. وفى العام الثانى بايعه 12، وفى العام الثالث بلغوا 73رجلا وامرأتيْن. وكان طوال فترة وجوده فى مكة يُعانى من القرشيين المُـختلفين مع دعوته. فكان يُجادلهم بالحجة فيسخرون منه. ويستهزئون بدعوته (السيرة الحلبية- ج1- ص344) وقبل الهجرة إلى يثرب (المدينة) بلغ عدد المُـبايعين لدعوته حوالى مائة شخص ، فلم يجد مفرًا من اللجوء إلى (الهجرة من مكة إلى المدينة) ويرى كل المؤرخين (قدامى ومُـحدثين) أنّ تلك الهجرة كانت (نقلة) كيفية فى (انتشار الإسلام) وذلك بفضل من استقبلوه والذين أخذوا ذلك الإسم الشائع (الأنصار)
وقد أراد المؤرخون مديح الأنصار، فهجوهم (دون قصد) عندما صوّروهم على أنهم مجموعة من البلهاء ، حيث ورد فى كتب التراث العربى/ الإسلامى أنّ الأنصار كانوا يقتسمون مع المُـهاجرين بيوتهم وأراضيهم وزراعاتهم، ليس هذا فقط وإنما يقتسمون معهم (أيضـًـا) زوجاتهم . والشىء العجيب الذى لم يتوقف الباحثون المحدثون أمامه أنّ النبى عندما دخل المدينة فإنه توجـّـه (أولا) إلى عبد الله بن أبى بن سلول لينزل فى ضيافته (ومع ملاحظة أنّ ابن سلول حاز لقب (رأس المنافقين) ولكن ابن سلول رفض استقبال النبى فى منزله ، وقال له اذهب إلى الذين دعوك ، فاستقبله سعد بن عبادة الذى قال له ((يا رسول الله لا تجد فى نفسك)) أى لاتحزن. ووصلتْ مبالغات بعض الرواة لدرجة أنّ أحد الأنصار قال لأنصارى مثله ((لقد آذانى نتن حمارك)) فردّ عليه صاحب الحمار ((والله لحمار رسول الله أطيب ريحـًـا من منك)) وفى واقعة أخرى قال رجل من الأنصار لعمربن الخطاب ((مرحبـًـا بسيد بنى عدى الفاروق القوى الذى بذل نفسه وماله لرسول الله.. فقال له على بن أبى طالب ((لا تنافق فإنّ المنافقين شر خليقة الله)) (السيرة الحلبية- من ص353- 355) ولكن هل نفاق بعض الأنصار (بالكلام) للمُهاجرين يصل لدرجة تنازل الأنصارى عن نصف زوجاته لواحد من المُـهاجرين بخلاف البيوت؟
ونظرًا لارتفاع سقف المُـبالغة فى كتب التراث العربى/ الإسلامى عن الأنصار، وتصويرهم بالسذاجة والبلاهة وهم يستقبلون المُـهاجرين ، لذلك كان د. عبد الهادى عبد الرحمن أحد المُـفكرين القلائل الذين اختلفوا مع كتب التراث فكتب ((علينا أنْ نـُـراجع كتب التاريخ وننكش فيها ، فللأسف لا نقرأ سوى أنّ العقيدة قد ملأتْ أهل يثرب فاستهانوا بكل شىء : بحاجاتهم وتاريخهم وتراثهم ودنياهم ، وناصروا الوافدين عليهم المُـلتجئين إليهم بلا تردد وأعطوهم عقولهم يتصرّفون فيها كما شاءوا ، ونصف نسائهم ينكحونهنّ ، وأراضيهم يُـشاركونهم فيها : رزقها وخيرها)) وقد اعتمد د. عبد الهادى على ما ورد فى كتب ابن هشام وابن اسحاق وابن كثير.. إلخ لمن يود أنْ يتأكد من الصورة التى رسمتها كتب التاريخ العربى/الإسلامى عن بلاهة الأنصار. وأضاف ((ونحن لا ننكر دور العقيدة الجديدة ، ولكننا لا نستطيع أنْ نـُـهمل ما للعوامل الأخرى من تأثير كبير لا سيما وأنّ العقيدة كانت جديدة ولم تــُـكتمل بعد ، خاصة شرائعها ، واحتاجتْ وقتــًا طويلا لتكون بالصورة التى أصبحتْ عليها بعد (فتح) مكة واحتاجتْ وقتــًـا أطول بعد ذلك لتتمكــّـن من قلوب الناس)) (جذور القوة الإسلامية – بيروت - عام1988- ص85)
ومن بين المُـبلغات ما رُوى أنّ النبى ((قد آخى بين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع الأنصارى ، فقال سعد له : أخى أنا أكثر أهل المدينة مالا، فانظر شطر مالى فخذه . وتحتى امرأتان (أى أنه متزوج من امرأتيْن) فانظر أيتهما أعجب لك أطلــّـقها وتتزوّجها.. ولكن ابن عوف لم يرد عليه وسأل : أين السوق ؟ فخرج إليه فاشترى وباع وربح.. وبسبب غناه الفاحش قال له النبى ((إنك ستدخل الجنة حبوًا (أى زحفــًـا) فاقرض الله يـُـطلق قدميك)) (خالد محمد خالد – رجال حول الرسول- ص588)
ورغم ما قـدّمه الأنصار من خدمة فى استقبال المهاجرين ، والدفاع عن الدعوة المُحمدية التى رسـّـختْ أقدامها على أرض الواقع ، وكانت العامل الأساسى فى نشر الإسلام ، رغم ذلك تمّ تجاهلهم عقب وفاة الرسول ، وفقــًـا لما حدث فى اجتماع سقيفة بن ساعدة ، وهو ما جعل سعد بن عبادة (زعيم الخزرج) أنْ يقول لأتباعه ((يا معشر الأنصار. إنّ لكم لسابقة فى الدين ، وفضيلة فى الإسلام ليستْ لقبيلة من العرب. إنّ محمدًا لبث بضع عشرة سنة فى قومه يدعوهم إلى عبادة الرحمن، فما آمن به من قومه إلاّ رجال قليل . وما كانوا يقدرون على أنْ يمنعوا الرسول ولا يعزوا دينه ولا أنْ يدفعوا عن أنفسهم ضيمـًا.. وقد أثخن الله لرسوله بكم الأرض ودانتْ بأسيافكم له العرب)) فقال أبوبكر ((نحن الأمراء وأنتم الوزراء)) فقال الحبـّـاب بن منذر ((منا أمير ومنهم أمير)) فقال عمر بن الخطاب ((ومن ذا يُـنازعنا سلطان محمد وإمارته؟ ونحن أولياؤه وعشيرته إلاّ مدلٍ بباطل أو متورط فى هلكة)) فردّ عليه الحباب وقال ((لاتسمعوا مقالة هذا وأصحابه.. فإنّ بأسيافكم دان لهذا الدين من دان)) وانتهى الاجتماع بتعيين أبى بكر خليفة للمسلمين . وبعد أنْ اختفى سعد بن عبادة عن مسرح الأحداث قيل إنّ الجن قتلته. ومن بين الذين أنصفوه كان محيى الدين بن عربى فى الفتوحات المكية.
***

#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات