داعش بين الايمان بالله والكفر بالانسان

محمد حريري

الحوار المتمدن-العدد: 5055 - 2016 / 1 / 25 - 07:36
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

مع اني اعتقد جازما بأن زمن تصنيف الناس الي المٶ-;-منين والکفار قد ولي في عالمنا المعاصر، ولا ينبغي ان توجد في اية دولة حديثة تنتنمي الي الحاضر، لکن يصاب الناس بصدمة شديدة عندما يسأل في القنوات الاعلامية، بعض المشايخ الحزبيين والشخصيات الدينية السياسية: هل الدواعش مسلمون؟! ويجيبون: نعم هم مسلمون لکن لديهم بعض اخطاء! يقصدون ببعض الاخطاء قتل الالاف و وذبح الالاف وتيتيم مئات الالاف و ترمل الالاف النساء، وحرق فلذات اکباد الاف الامهات، وسلب طفولة الاف الاطفال باستخدامهم في اعماله الاجرامية و باغتصاب طفولتهم کما فعلوا مع مئات اطفال اليزيديات!

يصاب الناس العاديين بصدمة شديدة عندما يستمعون الي علماء معتدلون وهم يٶ-;-کدون علي اسلامية داعش وانهم رغم کل هذه الجرائم و تلويث سمعة الدين، مازالوا محصنين، ومازالوا مسلمين کاملي الايمان! والسبب ان الناس يعتقدون ان الله اکبر واعظم وارحم من ان تنتمي جماعة مثل الدواعش اليه رغم قسوتهم و وحشيتهم و جرائمهم الفريدة!

اية مٶ-;-سسة او احزاب محترمة في هذە-;- الايام، تقوم بالتبري من اي عضو و يطلب منه تقديم استقالته في الحزب اذا ما ثبت عليه قيامه باي عمل مشين او عمل يتعلق بالفساد، ناهيك عن قتل انسان! هل من المعقول ان يتمسك رب عظيم و رحيم بايمان جماعة ارهابية مجرمة بيضت وجه هولاکو و جنکيزخان و کل طغاة التاريخ؟! هل من المعقول ان يعتبر الله الاف الملحدين و المتشککين السلميين الانسانيين خارج عطفه و رحمته، رغم ان کثير منهم لم يٶ-;-ذوا نملة في حياتهم، ثم يعتبر هٶ-;-لاء الدواعش البرابرة الوحشين من المٶ-;-منين، ولا يسحب منهم شرف الانتماء اليه؟! هل البشر و الاحزاب اکثر حساسية من الله في اعتبارهم لادمية الانسان؟! کيف يتمسك بانتماء امثال هٶ-;-لاء الذين شوهوا صورة الدين ، بل صورة الله نفسه امام انظار البشرية کلها؟! کيف لا يقول لهم سحقا و تبا لکم ولايمانکم؟!

اذا کان الله طبقا للقران قد ابعد ملکا مقربا من رحمته الواسعة و حوله الي الشيطان، لانە-;- رفض الامتثال الي امر الرب في ان يسجد لآدم سجود التقدير، مع ان ادم کان في حينه انسانا فقط بلا دين ومخلوق لتوه! فماذا يفعل الله بشياطين بشرية تهين الارواح البشرية بابشع صورة، وتتلذذ بقتله و حرقه حيا، و قطع رأسه، واللعب براسه المقطوع ککرة القدم، ونصب الرٶ-;-وس المقطوعة في ساحات العامة بدلا من الانارة!

باعتقادي کما يوجد الکفر بالله، يوجد الکفر بانسان.

الکفر بالله هو عدم الايمان بذات الله و وجوده، و قواعد الکفر بالله کتبت عنه مئات الکتب ومعروفة لمعظم الناس بنسب متفاوتة، لانها موضع الکلام علي المنابر والفضائيات و وسائل الاعلام الاخري!

لکن الکفر بالانسان لم يتطرق اليه احد من علماء الامة والدين مع الاسف، لان مفسري الاديان دائما يجعلون من الله و الايمان به المحور المرکزي في ممارسة التدين. لذا لم يقعدوا قواعد الکفر بالانسان، کما فعلوا تجاه الکفر بالله!

الکفر بالانسان عبارة عن نزع القداسة عن الانسانية و الانسان، وجعل الانسان في خدمة الدين وليس العکس، والنظر اليه باستخفاف، والتعامل معه کملکية، واراقة دمه لاتفه الاسباب، مهما کان السبب الذي يقف وراء هذه المعاملة، سواء کانت اسبابا دينية او مذهبية او بدوافع عنصرية و العصبية.

الکفر بالله لا يترتب عليه اية نتائج خطيرة عملية، کما جاء في حديث صحيح:

يا عبادي... إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني ، يا عبادي ، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئا...

أخرجه مسلم في صحيحه

اذا لا ايمان بالله و لا الکفر به، يمکنهما ان يلحقا بالله ضرا او نفعا به. لکن الکفر بالانسان يترتب عليه نتائج خطيرة، لان الانسان ليس الله حتي لا يصيبه اي ضرر من اي موقف تجاهه، لهذا جاء في القرآن آية التي هي قمة ايمان الله بقدسية الانسان، و هي اکبر تحذير للذين يکفرون بالانسان، حيث تعتبر قتل انسان واحد، اي انسان بغض النظر عن دينه و جنسه و لونه، بمثابة قتل جميع البشرية، ويعتبر احيائه اي الحفاظ علي روح انسان و انقاذه من الموت و القتل بمثابة احياء لکل البشرية.

[ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰ-;-لِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ ﴿-;-المائدة: 32﴾-;-

وفي اية اخري تجعل جزاء من يقتل مٶ-;-منا متعمدا، ويشمل کل من انسان وليس فقط المسلم المٶ-;-من قياسا علي اية المائدة، ان يبقي خالدا في النار!

[وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا]

لو طبق المتأسلمون الدواعش و بقية الارهابيين الاسلاميين و المجتمعات الاسلامية فقط هذه الاية، لما وجدنا القتل تمارس بهذه الاستهتار وعلي اتفه الاسباب في المجتمعات الاسلامية.

هذه الايات تبين ان الکفر بالانسان مثله مثل الکفر بالله، فجزاء الکفر بالانسان وهو قتله، ان يخلد الفاعل في النار.

من السذاجة ان تسأل سلفيا او حتي ازهريا هل داعش کفار ام مسلمون؟ لان قواعد التکفير عند السلفية وبصورة عامة صيغت بصورة، يمکن لانسان ان يقتل الالاف و يضرب شعبه بالکيمياوي، وبالبراميل المتفجرة حتي لو کان ضحاياه بلغوا مليونين، مع ذلك يعتبر مٶ-;-منا کامل الايمان، لان کل هذه القتل لا يخرجه عن الايمان، وخاصة لو کان اخر کلامه لا اله الا الله مثل صدام حسين!! هذا بالنسبة لشخص لم يطبق الشريعة، فکيف يکفرون داعش الذي حقق حسب هذه القواعد الساذجة عشرات الاحلام الاسلامية، من اعادة الخلافة و تطبيق الشريعة، ورجم الزاني وقطع يد السارق، وخلافه.

لهذا تجد عشرات الطغاة في التاريخ، قتلوا عشرات و مئات الالاف، بضمنهم اهل بيت النبي و اصحابه، ورغم ذلك يعتبرون من الائمة ومن کبار المٶ-;-منين!

يتجسد قمة الکفر بالانسان عند داعش الذي يقول احد خطبائه، لو انهم قتلوا ثالاث ارباع البشرية من اجل الايمان بالله فان عملهم مبرر!

من الکفر بالانسان ان يقرر ابن تيمية قتل انسان بعد تکفيره بسبب الجهر بلفظ االنية في الصلاة!

او من اجل اکل العقارب و الحيات او يفتي بقتله لو تسبب في تأخير احد لصلاته! " ولا للمستأجر أن يمنع الأجير من الصلاة في وقتها . ومن أخرها لصناعة أو صيد أو خدمة أستاذ أو غير ذلك حتى تغيب الشمس وجبت عقوبته ، بل يجب قتله عند جمهور العلماء بعد أن يستتاب "..مجموع الفتاوى..(5/ 80)

باعتقادي هناك صلة قوية بين الکفر بالله و الکفر بالانسان، اي کفر بالانسان يٶ-;-دي بصورة آلية الي الکفر بالله، لو ان الکفر باية [قل هو الله احد] کفرا بالله فأن الانسان من اعظم ايات الله في الکون و الذي اسجد له ملائکته، و طرد من رحمته الابليس، رغم انه کان من عباده المقربين! وجعل اختلاف السنة الانسان من اياتە-;- ايضا، و کرمه [لقد کرمنا بني آدم] سمي سورة باسم الانسان في قرآنه و جعل قتل نفس واحدة بمثابة قتل کل البشرية، و جعل عقوبة قتله باستهتار و بدون اي سبب الخلود في النار، والتي هي نفس عقوبة الشرك بالله! لذا اري ان الانسان اعظم آية کونية التي يجب ان تضاف الي قائمة المکفرات، فمن کفر به فهو کافر، لذا اري ان داعش کافرون بالله و هم کفار لا لشئ بل لکفرهم بالانسان و استهتارهم باعظم اية من آيات الله.

لذا من اجل سلم البشرية اري ان الانسان المٶ-;-من بالانسان و الکافر بالله افضل و اجل و اکثر ضرورة في جميع الاحوال من المٶ-;-من بالله و الکافر بالانسان والذي يعتقد في صغر و ضآلة الانسان بقدر ايمانه بکبر و عظمة الله.


محمد حريري


كاتب عراقي كردي

#محمد_حريري (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات