أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - عبد الحكيم الشندودي - ظاهرة الشعر الحديث لأحمد المجاطي















المزيد.....



ظاهرة الشعر الحديث لأحمد المجاطي


عبد الحكيم الشندودي
كاتب وباحث

(Chendoudi Abdelhakim)


الحوار المتمدن-العدد: 5054 - 2016 / 1 / 24 - 00:48
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


• التعريق بالمؤلَّف:
1 – العنوان: يتألف العنوان من وحدتين تعبيريتين تشكلان في تلاقحهما تسميته التفسيرية لما يحتويه، الأولى " ظاهرة "، والثانية " الشعر الحديث "، وهو المصطلح الذي أطلق في القرن العشرين على سائر الأشعار التي أنشأها أصحابها حديثا، بما فيها الشعر العمودي والشعر الحر. فإن الكتاب وكما هو وارد في صفحاته الداخلية يتملص من هذا المفهوم. ويكتفي بإطلاق لفظ " الشعرالحديث " على الشعر المعاصر أو الشعر الحر الذي ظهر في الخمسينات من القرن العشرين كاستجابة للتحولات الفكرية والثقافية التي عرفها المجتمع العربي بعد نكبة فلسطين سنة 1948 وما تلاها من أحداث كبرى أثرت في التاريخ العربي الحديث كثورة الضباط الأحرار في مصر 23 يوليوز 1952 المدعومة بالتوجه الفكري الاشتراكي. ويحدد الكتاب في ص (7) موضوعه بدقة يقول المعداوي: « الرأي عندي أن هذه الحركة ( وهو يقصد حركة الشعر الحديث ) تمتاز عن غيرها من الحركات التجديدية السابقة عليها بأنها ولدت مع نكبة فلسطين، وقد أتاح هذا الامتياز للشاعر الحديث أن يمارس حريته بكيفية وبقدر لم يتح مثلهما لغيره من الشعراء المجددين في العهود السابقة مجتمعة، ذلك أن نكبة فلسطين قد زعزعت الوجود العربي التقليدي ».

2 – محتوياته:
يتألف الكتاب من أربعة فصول يختص كل واحد منها في الإحاطة بجانب معين من الإشكالية الشعرية التي يتولى معالجتها. وفي غياب مقدمة واضحة للمؤلف يضطلع الفصل الأول بهذه المهمة التمهيدية، وقد جعله الناقد قسمين بعد مقدمة غير مسماة طرح فيها موضوع الشعر العربي بين التطور والتطور التدريجي معتبرا أن هذا التطور إنما تم بفعل توفر عنصرين بارزين هما الانفتاح الثقافي « وقدر مناسب من الحرية » وخاصة في الشعر الحديث. ليميز بين حركتين تجديديتين في الشعر العربي الحديث هما:
1 – حركة انبنت على فكرة التطور التدريجي وتمثلها جماعة الديوان وتيار
الرابطة القلمية وجماعة أبولو.
2 – حركة انطلقت من وعي يتأسس على فكرة التحديث« فكان التجديد بالنسبة
إليها قويا وعنيفا » ص(8).


-;- القسم الأول:
يستهل الناقد هذا القسم برصد مبررات نشوء التيار الذاتي في الشعر الحديث، وعلى رأسها رفضهم لفلسفة التيار الإحيائي وانتقادهم له، على اعتبار أنه تأسس على محاكاة الأقدمين وتقديسهم لشعره. وثانيا إهمالهم لذات الشاعر وعدم اهتمامهم بها وبهمومها الفردية. وعلى هذا الأساس نعت التيار الإحيائي « بالحركة المحافظة » ص(9). لمغالاتهم في التمسك بلغة وأساليب ومعاني القدماء.
ويجد الناقد نفسه مضطرا للوقوف على التجربة الذاتية وتفصيل القول فيها، معتمدا على المعطى التاريخي في ترتيب الجماعات الشعرية والنقدية التي مثلت هذا الاتجاه خير تمثيل، وساهمت في بناء وصياغة فلسفته ورؤيته الشعرية، مستعرضا العوامل المختلفة التي كانت وراء نشوئه أي وراء التحول الذي سيعرفه الشعر العربي، ومن بينها الواقع المصري المهين في مطلع القرن العشرين، والهزائم المتتالية التي مني بها العالم العربي، وضمور دور الفرد، وانهيار الذات على جميع المستويات، وشيوع ثقافة الانفتاح، والميل إلى التحرر.

o مفهوم الشعر عند جماعة الديوان:
يلتقي رواد الديوان حول مفهوم واحد للشعر هو أن الشعر وجدان، أي شعور وإحساس صادق، يعيد الاعتبار للذات الإنسانية، غير أن الناقد يعمد إلى تفصيل القول أكثر عندما يعرض الاختلافات الحاصلة بين مكونات الديوان حول مفهوم الوجدان. فهو عند العقاد: « مزيج من الشعور والفكر »، وعند عبد القادر المازني: « هو كل ما تفيض به النفس من شعور وعواطف وإحساسات » أما عند شكري: « فهو التأمل في أعماق الذات ». والقاسم المشترك بين الرؤى الثلاثة هو الذات والوجدان. غير أن الناقد يرى أن الاختلاف بينهم لا يرقى إلى مستوى التناقض، وإنما تنوعا إيجابيا أثمر غنى على مستوى الأشعار يقول: « فالعودة إلى الذات ليست دعوة لإنتاج شعر متشابه في وسائله وغاياته بمقدار ما هي دعوة للتفرد والاختلاف والتمايز »ص(17). بيد أن أشعارهم، وبحكم المرحلة التي كانوا ينتمون إليها، ظلت أسيرة النظرة التشاؤمية المفعمة بالحزن والكآبة، وأسيرة تصورات سلبية لم ترق إلى مستوى « وعي الذات لنفسها وظروفها وإلى التأهب لخوض المعركة » ص(18) وتغيير الواقع.
o مفهوم الوجدان عند جماعة الرابطة القلمية:
لقد وسع جبران وميخائيل نعيمة مفهوم الوجدان حتى شمل الحياة والنفس والكون، وذلك انطلاقا من قناعات مثالية وطوباوية تحكمت في تصوراتهم للأشياء، معتقدين بأن الذات هي منبع الحياة والوجود،غير أن هذه الذات لا تجد لها مكانا في عالم الناس وفي عالم الواقع، ولا يلائمها إلا الغاب حيث الفطرة الأولى وحيث النقاء والصفاء والطهارة، وحيث « لا حزن ولا موت ولا قبور ». فقد ميزوا بين العوالم الحالمة التي خلقوها في حياتهم وبين الواقع الذي هو صورة للشر والفساد والتناقض « الضجيج والخصومة والاحتجاج » ص21. ولا غرابة في الأمر فجبران كان مدمنا على قراءة نظرية المثل الأفلاطونية، وعلى مطالعة فلسفة نيتشه خاصة في كتابه « هكذا تكلم زرادشت ». لذلك جعلوا من الطبيعة الملجأ الآمن، وخلدوها في أشعارهم كمعطى مثالي يتشابه بسحر الجنة ص20.
ونفس الأمر نجده عند ميخائيل نعيمة صاحب ديوان « همس الجفون » الذي اختار الهروب إلى الغاب، والاستغراق في التأمل في الذات وفي الحياة منتقدا الواقع وتقلباته وشقائه ومطامحه التي لا طائل من ورائها مادام الكل يسير إلى نهايته.
أما إيليا أبو ماضي فاتخذ من الخيال والقناعة والرضى والاستسلام مجالا للاحتماء والتحليق بعيدا عن الواقع الذي لم يجن من ورائه شيئا.
بينما يلوم نسيب عريضة الذات والنفس لأنها نزلت من مكانها العلوي السامي في سموات الدنيا إلى حياة الشقاء والتعاسة لذلك رأى أنه من الأليق أن يهرب بها إلى الطبيعة.
وتشغل بال الناقد تساؤلات واستفسارات يحاول من خلالها استيعاب مضمون الهروب ومحاولة فهم التبرير الفلسفي الذي كان وراءه. هروب هؤلاء الشعراء من واقعهم وعدم مواجهتهم له إشارة إلى استسلامهم وخنوعهم وأن التسامي إلى الله منطلقه هو الجماعة والسير مع الجماعة، لأن الهروب تردد وقناعة واستسلام.
o مفهوم الوجدان عند جماعة أبولو:
إن ما ميز جماعة أبولو هو ترجمة أشعار هذا الاتجاه لذوات أصحابها، فهي صورة معبرة لما يمور في حياتهم من تموجات، فاهتمام ابراهيم ناجي في شعره بالمرأة دليل على حاجته للحب، وانطوائية الصيرفي في الحياة وبروز الطابع التشاؤمي في شعره دليل على فشله في الحب، وولع أبي القاسم بالحياة والجمال والحرية نابع من معاناته مع المرض، ونفس الأمر ينطبق على الهمشري « وولعه بالطبيعة واستشرافه ما وراء الحياة من خلال الحياة ». بينما عكس شعر علي محمود طه حياة صاحبه الخالية من « النكبات».
ولإبراز طغيان الذاتية على الشعر يورد الناقد تجربة زكي أبي شادي الذي رغم تناوله لموضوعات مختلفة في شعره سواء الغنائي منه أو الموضوعي فإنه لا يخلوا من الذاتية، فقد طغت شخصيته على شعره بجميع تلاوينه.
إن تجربة أبولو، تجربة شعرية منغمسة في الذات تستقي منها ملامحها الإبداعية، ففرح الذات أو تعاستها يشكلان معا مصدر إلهام لها، فحضور المرأة يعني انتعاش ألسنة الفرح، وغيابها وبالا على الشاعر. غير أن انغماسهم في ذواتهم فوت عليهم فرص التجديد والتغيير، وأغرق شعرهم في التكرار والضعف.

النقد الموجه للتجربة الوجدانية:
لم تسلم تجربة الشعر الوجداني من انتقادات ساهمت في كشف محدودية التجربة على مستوى التجديد والتحديث ومنها:
-;- نقد المضمون الوجداني لأنه انحدر إلى مستوى البكاء والأنين والشكوى،وهي معان ممعنة في الضعف والمرض.
-;- نقد الشكل الوجداني ونعته بالفشل لأنه أخفق في مسيرته نحو الوصول إلى صورة تعبيرية ذات مقومات خاصة وناضجة.
في ختام هذا الفصل يقدم الناقد السياق والمبررات التي كانت وراء قصيدة الحداثة منها مثلا نكبة فلسطين وشيوع قدر من الحرية.

-;- القسم الثاني:
عنون الناقد هذا القسم ب « نحو شكل جديد »، والغاية من ذلك كانت هي محاولته تلمس الأرضية الشعرية التي ترعرع ونشأ فيها الشعر الحديث، أو بالأحرى وضعية الشعر الفنية والمضمونية قبل ولادة التجربة الجديدة في الشعر، وقد قاده هذا المنطلق إلى النظر في الأسس الفنية للشعر الوجداني وخاصة على مستوى اللغة والصورة الشعرية والقافية.
إن الشكل الفني الذي تبناه الوجدانيون لم يكن لينفصل عن التطور المضموني الذي عرفه الشعر العربي، لهذا رأيناه « يتوسل للتعبير عن تجربته الذاتية بأشكال تختلف في خصائصها ومميزاتها » عن الأشكال التي وظفها الشعر التقليدي.
ويعرض علينا الكتاب في مقدمة القسم الثاني ملامح وشذرات من هذا الشكل الفني:
اللغـــة:
يرى الناقد أن اللغة عند الشعراء الوجدانيين كانت « أقل صلابة من لغة القصيدة الإحيائية وأكثر سهولة ويسرا » (ص36) فهي تقترب من لغة الحياة اليومية.ولا يعني هذا أن الأمر متعلق بضعف في ثقافتهم اللغوية، فقد كان العقاد متميزا بلغته القوية التي كشف بها عن طول كعبه، ومع ذلك عمد إلى توظيف لغة قريبة من لغة الناس، أي لغة التخاطب اليومي. ونفس الأمر يتكرر عند باقي الشعراء وعلى رأسهم إيليا أبي ماضي الذي اتخذت عنه شكلا نثريا.
الصورة الشعرية:
لقد تجاوز الشاعر الوجداني الطابع الجمالي الذي كان معمولا به في لغة الإحيائيين واستعاض عنه بالأهم في نظره وهو التعبير عما يموج في الذات من عواطف وإحساسات صادقة نابعة من صلب التجربة ومتولدة عنها ومعبرة عن رؤية للحياة والكون.
القافيــة:
لم يكن الحضور الجديد للتجربة الذاتية، في نظر الناقد، ليقتصر على اللغة والصورة،وإنما أيضا على إيقاع القصيدة، الذي كان يتم فيه الربط بين القافية والأفكار والعواطف الجزئية، ويستدل الناقد على ذلك بقصيدة لميخائيل نعيمة « الخير والشر ». كما نظموا قصائد ذات موضوع واحد وقواف متعددة وأوزان مختلفة. إن الناقد يعتبر أن هذه التغييرات هي مكاسب تحققت للقصيدة على مستوى الشكل على أنها لم تتحقق لجميع الشعراء ولا في جميع الأشعار .
إن انحصار التطور والتجديد عند الشعراء الذاتيين يرجعه الناقد إلى الحملة التي شنت ضدهم من قبل القوى المحافظة التي رأت في محاولاتهم التجديدية خروجا عن النمط التقليدي الشكلي.
وما ميز هذا النقد هو انخراط أصحاب التيار الذاتي فيه، إذ راحوا ينتقدون بعضهم بعضا ( جماعة الديوان تنتقد أبولو) بل ينتقدون أنفسهم على نحو ما فعل العقاد الذي تحول من مناصر للتجربة إلى منتقد لها .
-;- الفصل الثاني: تجربة الغربة والضياع:
يستهل الناقد هذا الفصل باستعراض البواعث الكامنة وراء بروز حركة الشعر الحديث والتي يحصرها في ما ميز المرحلة من أحداث ووقائع وما ترتب عنها من أفكار وتصورات ومواقف سوف تنعكس في المضمون والشكل الشعريين، وعلى رأس هذه البواعث نجد نكبة فلسطين وسقوط القوى المحافظة وانعكاس ذلك على الحياة العامة. ويضيف إليها عوامل ذاتية مترتبة عن الأولى وهي خصوصية الشاعر المعاصر المتنوع الثقافة المنفتح على كل الثقافات والمعارف التي تتبلور في شعره فارضة عليه البحث عن شكل جديد يستوعبها، وبالتالي فإن التجديد فرضته ظروف المرحلة وليس وليد خطأ عروضي كما يرى البعض. ولذلك يقول « الشكل الجديد ثمرة جهود متواصلة لجيل من الشعراء هو الجيل الذي عانق النكبة بكل ظروفها وأبعادها السياسية والاجتماعية والنفسية ».
ويقسم الناقد مضامين الشعر الحديث إلى قسمين:
• تجربة الغربة والضياع.
• تجربة الحياة والموت.
تجربة الغربة والضياع:
ينطلق الناقد في فصله هذا من استعراض العوامل التي كانت وراء ولادة هذه التجربة الشعرية الحديثة وهي:
1. التأثر بالشعر الغربي.
2. التأثر ببعض الروائيين والمسرحيين الوجوديين.
3. المعرفة المتنوعة لدى الشاعر.
4. الواقع العربي التي حولته النكبة إلى أنقاض وخرائب.
لقد تولدت عن هذه العوامل تجربة الغربة والضياع التي أفرزت نغمة الكآبة والضياع والتمزق كما هو واضح في شعر أدونيس وصلاح عبد الصبور.
والغربة بالنسبة إليه هي اغتراب الشاعر في واقعه الحضاري وهي على هذا الاعتبار أنواع:
-;- الغربة في الكون: وتتجسد حينا في عدم الإحساس بالكون والزمن، وفي أحيان أخرى في الإحساس بالتيه والضياع الشيء الذي يدفع الشاعر إلى التفكير في تغيير الكون.
-;- الغربة في المدينة: يحس الشاعر بأن مدينته التي ينتمي إليها بلا معالم الحياة، فهي قاسية على الأحياء وقاسية على الأموات أيضا . ولهذا وجدناه يكشف عن واقعها وعن قسوة أهلها.
-;- الغربة في الحب: ويتمثل في فشل الشاعر في الوصول إلى كنه المرأة، وأن يحقق ذاته بوصوله. فالشاعر دائم السفر، يفشل في حبه، لا يصل إلى المرأة أبدا.
-;- الغربة في الكلمة: لقد رأى الشاعر أن الواقع ظالم والصمت عذاب، لذلك جعل كلمته قوة وسيفا يحارب بها الظلم، جعلها كلمة تكشف الواقع. غير أنه عجز عن تحقيق ذلك، فهي كلما خرجت إلا واتخذت شكلا ينم عن عجز، أو عن صمت وعذاب.
ويقدم الناقد أربعة نماذج شعرية تجسد معالم الغربة بجميع أشكالها، وتكشف عن صورة الواقع العربي المهزوم وهي: قصيدة « فارس النحاس » لعبد الوهاب البياتي المنشورة في ديوانه « سفر الشعر والثورة»، و قصيدة « الدارة السوداء » ليوسف الخال، و قصيدة « الظل والصلب » للشاعر المصري صلاح عبد الصبور، وأخيرا قصيدة « تثاؤب » للشاعر عبد الباسط الصوفي.
لا بد من الإشارة أيضا إلى أن معاني الغربة والضياع بالنسبة للشاعر الحديث هي في ارتباط وثيق بمعاني التجديد واليقظة والبعث، اقتناعا منه بأنه لا بد من الوعي بأنه بعد هذا الواقع العربي المهزوم لا بد من فجر جديد.
وفي ختام هذا الفصل ينخرط الناقد في مناقشة بعض الأفكار النقدية التي شككت في صدفية تجربة الغربة، وفي تجاهلهم للنجاح الذي حققته بأن نقلت المعاناة من إطارها الفردي إلى الجماعي، وساهمت في تهيئ الأرضية لنشوء تجربة الحياة والموت.

-;- الفصل الثالث: تجربة الحياة والموت:
يستفتح هذا الفصل بوصف الواقع العربي بعد النكبة والأحداث التي عرفها:
• ثورة مصر
• العدوان الثلاثي
• تأميم القناة
• ثورة أقطاب المغرب العربي واستقلالها
• الوحدة بين مصر وسوريا
• ثورة العراق وانحرافها
• استقلال الجزائر
• ثورة اليمن
• الأطماع الصهيونية
ينطلق الناقد من اعتبار أن الواقع الذي أثمر تجربة الغربة لم يكن ليفصح إلا على وجهها الأول الموسوم بالتعاسة والاغتراب أما وجهها الثاني فهو الأمل، يقول « فكما أثر إيقاع اليأس تجربة الغربة فقد تجاوزها في بعض الأحيان فأثمر تجربة الموت » والشاعر الحديث يحفل بخصوصيات تجعل منه كائنا متمنعا حتى على الموت فموته موت حتمي لكنه يحوله إلى حياة، حيث يخلق الأمل من قلب اليأس والحياة من قلب الموت. وإذا كانت تجربة الغربة مرتبطة بالواقع والحاضر فإن تجربة الحياة والموت تعبير عن المستقبل، وهذا المستقبل هو مبعث التجدد والانبعاث. وقد وجد الشاعر الحديث ضالته في توظيف الأسطورة التي مكنته من الانتقال بين العوالم الموت والحياة أو اليأس والأمل يقول الناقد: « ولقد كان من شأن الاعتماد على هذه الرموز والأساطير والنماذج الأسطورية أن أثمر منهجا أسطوريا يقدم فيه الشاعر مشاعره وأفكاره ومجمل تجربته في صورة رمزية ». ولتأكيد زعمه يعمد الناقد إلى دراسة أربعة شعراء هم أدونيس، وخليل حاوي، وبدر شاكر السياب، وعبد الوهاب البياتي.
1 – تجربة الحياة والموت عند علي أحمد سعيد ( أدونيس )
يصرح الناقد أن اشتغاله سيتم فقط على الأشعار التي التقت فيها ذات الشاعر بذات أمته العربية، انطلاقا من قناعة أن موت الأمة وبعثها هو موت الشاعر وبعثه. وأول ملاحظة يبديها الناقد حول تجربة الحياة والموت أنها صادرة عن « ذات محتقنة بفحولة التاريخ العربي في واقع يفتقر إلى الفحولة والخصب ». ولما كان الواقع ميتا فهو في أمس الحاجة لمن يعيد له الحياة، وقد تمخض عن هذه الرؤية اتجاهين متكاملين:
1 – الحيرة والتساؤل والبحث عن وسيلة للبعث وتعكسها قصيدتين « مرايا للمثل المستور» و «الرأس والنهر» (ص120).
2 – اكتشاف مفهوم التحول باعتباره أنجع وسيلة للبعث: ويمثلها قصيدة « المسرح والمرايا ».
إن الاتجاه الأول نتيجة حتمية يفرزها الاتجاه الأول، وتفسير ذلك أن الخروج من الواقع العربي يتطلب البحث عن السبل الكفيلة بتحويل الموت إلى حياة.
إن تجربة الحياة والموت عند أدونيس تستمد قيمتها، حسب الناقد، من الاتجاه الثاني القائم على فكرة التحول، غير أن الشاعر لا ينجح دائما تحقيق هدف التحول ولتوضيح هذه الفكرة عمد الناقد إلى الاستشهاد بقصيدتين الأولى تعبير عن النموذج الناجح، وتمثلها قصيدة « تيمور ومهيار »، والثانية تعبير عن تجربة الإخفاق والفشل وتمثلها قصيدة « السماء ». وما يجب الانتباه إليه أن مفهوم التحول يتأسس كما يبدو في القصيدتين على المنهج الأسطوري، حيث يلجأ الشاعر إلى الأسطورة برموزها ورمزيتها لتحقق للشاعر تحول موته إلى بعث وحياة.
2 – خليل حاوي معاناة الحياة والموت:
يرفض خليل حاوي مبدأ التحول الذي تبناه أدونيس ويعوضه بمبدأ المعاناة، الذي يتصدر مقدمات دواوينه، وتعكسه مضامين القصائد، وخاصة منها معاناة الموت ومقابلها معاناة البعث، فالمعاناة حاضرة في الحياة والموت والبعث معا ويختلط فيها اليأس بالأمل. بيد أنه يجعل من الواقع العربي الخمسيني المتشبث بالتقليدية سببا في تعميق المعاناة، ولا يمكن الخروج من وضعية المعاناة ومعانقة الأمل إلا بسحق هذه التقليدية. وقد سار الشاعر على نهج سابقيه من الشعراء في اعتماد المنهج الأسطوري كطريقة رمزية تمكنه من رسم معالم التحول وكشف مسارب المعاناة الشاملة والمختلفة.وقد اتخذ أسطورة تموز رمزا للدلالة على الخراب والدمار، وأسطورة العنقاء رمزا لإمكانية البعث.
ويلجأ الناقد إلى استنطاق التاريخ العربي الحديث، والسياق الذي أبدعت فيه قصائد الشاعر خليل حاوي، والأحداث الكبرى المتزامنة مع لحظة الإبداع في تفسير موقف الشاعر، سواء منه القائم على اليأس والمعاناة، أو موقفه الثاني الذي دبت فيه نغمة الأمل.
3 – بدر شاكر السياب: ( طبيعة الفداء في الموت)
يتخذ الموت عند بدر شاكر السياب طبيعة الفداء، فالخلاص في نظره لا يتم إلا الموت، إل بمزيد من الأموات والضحايا، هذا الموت الذي يصبح حياة وبعثا حقيقيا لأمة بكاملها. لكن البعث لا يتحقق للأعداء أعداء الأمة العربية، هو يتحقق فقط للأبطال الذين يموتون فداء لأمتهم، الذين يضحون من أجل الآخرين لذلك يكون موتهم فداء وبعثا لأمتهم، يكون موتهم خلاصا لأمتهم.
ويوظف الشاعر المنهج الأسطوري لتبرير موقفه من الموت والبعث متخذا من أسطورة المسيح رمزا للخلاص خاصة في قصيدته « المسيح بعد الصلب ».
4 – عبد الوهاب البياتي: جدلية الحياة والموت
يتميز شعر عبد الوهاب البياتي في قدرته على كشف طبيعة الانهيار والسقوط التي انتهى إليها الواقع العربي، وفي بحثه الدائم عن سبل تحقيق الثورة التي تشكل بالنسبة إليه قيمة جوهرية قد تقود إلى الخلاص من الواقع المنهار وهذا مبعث الأمل في شعره، غير أن الثورة قد تجهض نفسها وهذا مبعث نغمة اليأس في شعره.
ويكشف الناقد عن ثلاث منحنيات في شعر البياتي تشكل فيما بينها الإطار الفكري لجدلية الحياة والموت وهي:
-;- المنحنى الأول: ( منحنى الأمل) انتصار ساحق للحياة على الموت، موت الشاعر المناضل انتصار للحياة.
-;- المنحنى الثاني: ( منحنى الانتظار) التساوي والتكافؤ بين الحياة والموت يبدأ بخط الحياة وينتهي بخط الموت.
ويقدم الناقد أربعة خطوط تفسر مضمون هذا المنحنى ويمكن أن نستعرضها بعجالة وهي:
1) خط الحياة: ويمثله عمر الخيام بتوهجه وعصاميته ونضاليته وثوريته.
2) خط الموت: يهيمن الموت على البشر وأبطال الأساطير معا، وموت الثورة وفي ذلك معنى العبور نحو الحياة الحقة.
3) خط الاستفهام: وهو خط التساؤل والحيرة، وهو خط مجاور للموت ويتجلى في خمس استفهامات:
أ‌- سؤال يرتبط بموت الوسط الأسطوري، الذي يرمز إلى صدى الحقيقة والعدل.
ب‌- سؤال يرتبط بموت عائشة وكثرين وببقاء عاشقيهما في حالة حزن دائم.
ت‌- سؤال يرتبط بموت شهريار الذي أحس بالذنب فتاب، و كف عن ظلم الرعية، و بموته انتهت التوبة، و بقي الحكام الظالمون.
ث‌- سؤال متعلق بهذه الأمور مجتمعة، الباحثون عن الحقيقة في بابل، والعشاق الذين بكوا موت أحبتهم، والمظلومون المتعطشون للعدالة.
ج‌- سؤال متعلق بعظام عمر الخيام التي جفت فهي في انتظار السقيا.
4 - خط الرجاء والتمني: ويكرس انتقال الفعل من ساحة النضال إلى ساحة الحلم حيث تصبح جميع الرغبات معلقة بمدلول الرجاء.
-;- المنحنى الثالث: (منحنى الشك ) انتصار الموت على الحياة، والشك في الحقائق والوقائع والبعث الزائف.إن الشاعر خبر الواقع العربي جيدا، الواقع الذي بدت تطفو على ساحاته القيم الزائفة، القيم التي لا تقود إلى بعث حقيقي، فالموت المرهون بالتضحية والاستشهاد موت بطولي يقود حتما إلى بعث الأمة، ولكن الواقع بدأ في نظره يكذب تطلعاته فلا يوجد إلا الموت الزائف الذي لا يقود إلى بعث.

الخاتمة:
وينتهي فيها الناقد إلى خلاصات حول الفصل الثالث وخاصة ما تعلق منه بتجربة الحياة والموت مسجلا ما يلي:
- اشتراك الشعراء في التأثر بالنكبة وفي التعاطي لثنائية الحياة والموت.
- وعيهم بأزمة الواقع العربي انطلاقا من ارتباط همومهم الذاتية بهمومهم الجماعية.
- نجاحهم في تصوير الصراع بين الموت والحياة.
- القدرة على استشراف المستقبل مت خلال معايشتهم لصراع القيم.
كما يستعرض الناقد بعض الأسباب التي كانت وراء عجز الشاعر عن التواصل مع الجمهور ويجملها في ثلاثة:
o عامل ديني قومي مرتبط بتخوف القوى المحافظة من أن يكون التجديد الشعري هو خطوة أولى لتغيير باقي جوانب الفكر والمعتقدات ويحصل بالتالي تشويه للشخصية الدينية والقومية.
o عامل ثقافي ويتمثل في رفض بعض الشعراء التجديد الشعري وتشبثهم بجمالية الشعر التقليدي.
o عامل سياسي ويتجسد في محاربة الحكام للشعر الجديد بسبب الطابع الثوري لمضامينه.

-;- الفصل الرابع: الشكل الجديد
يخصص الناقد الفصل الرابع للنظر في البنية الشكلية للشعر الجديد، انطلاقا من وعيه بأن قيمة التجربة الشعرية لا يمكن أن تتضح إلا بمعرفة وسائلها الفنية التي تمدها بقيم جمالية. وبما أن القصيدة الحديثة توحد فيها الذاتي والموضوعي كان طبيعيا أن يضيق عليها القالب التقليدي، وأن تسعى لبلورة شكل وقالب جديد يلائمها، ويستجيب لمضامينها، وأيضا يستجيب للمتغيرات التي مست الحياة بصفة عامة وحياة الشاعر بصفة خاصة.وفي استقرائنا للنماذج الشعرية الحديثة نقف لا محالة على شكل فني يكاد يوحد الشعراء فمثلا « نستطيع أن نلمس التقارب الواضح في الأسلوب، وفي طريقة التعبير، وفي استخدام الصور البيانية والرموز والأساطير، وفي بناء القصيدة العام »، وما ميز هذا الشكل هو دينامية النمو التي كانت تحكمه، « فنموه مرتبط بنمو التجربة وتطورها ارتباطا وثيقا ».وعلى العموم يتجلى الشكل الفني في الوسائل التالية:
1. تطور اللغة في الشعر الحديث
يروم الناقد في هذا الباب كشف الخصائص المميزة والمكونة للغة الشعر الحديث، والتي يعتبرها « مميزات ثورية »، وينطلق في ذلك من الرد على الناقد المصري محمد النويهي الذي قصر نظره على خاصية واحدة ووحيدة للغة وهي اقترابها من « لغة الكلام الحية »، ويرى أن اقتصار النويهي على نموذج واحد هو ديوان « الناس في بلادي » لصلاح عبد الصبور جعل أحكامه النقدية تبدو قاصرة عن إدراك خصوصيات لغة الشعر الحديث التي من مميزاتها:
• النفس التقليدي في لغة الشعر الحديث وتظهر في بعض أعمال السياب حيث العبارة القوية والفخمة.
• البعد عن لغة الحديث اليومية ويقصد بها ابتعاد اللغة عن الطابع المنطقي والنفعي لأن ذلك من خاصيات اللغة اليومية، واقترابها من الطابع المثالي الغريب والمدهش والذي يستطيع خلق عوالم غريبة، مما يجعلها لغة قريبة من الغموض ولا يدرك طلاسمها إلا الناقد الملم بمنعرجات لغة الشعر الحديث.
• السياق الدرامي للغة الشعر الحديث و تظهر في لغة الشاعر كلغة داخلية تنطلق من ذاته وتعود إليها، فهي « صوت منبثق من أعماق الذات ومتجه إليها » ويتأسس هذا الصوت على حوار بين الشاعر وبين نفسه قائم على الهمس والإشارة.
• التعبير بواسطة الصورة في الشعر الحديث
من بين ما ميز الشعر الحديث هو جنوح شعرائه إلى تبني التعبير بواسطة الصورة الشاملة الموحدة لكيان القصيدة ككل. مما جعل صوره تنفتح على مدلولات مختلفة من جهة، وجعلها ترتبط بآفاق تجربته. وقد ساعده في ذلك شساعة معارفه ومداركه التي أمدته بالرموز والدلالات. غير أن هذا الاختيار الذي تبناه الشاعر الحديث دفعه إلى الابتعاد عن ذوق عامة الناس بأن أسقط شعره في الغموض.
2 – تطور الأسس الموسيقية للشعر الحديث:
إن تطور الإيقاع الشعري في الشعر الحديث لم يكن الغرض منه نسف الأسس الموسيقية للشعر القديم، وإنما سعى إلى إضافة لمسة موسيقية جديدة تمكن الشاعر من التعبير عن ما يعتريه من أحاسيس وأفكار، وفق قدر من الحرية.
• الأسس الموسيقية للشعر الجديد
لقد ظل الشاعر القديم دوما أسير البنية الموسيقية التقليدية المحصنة عروضيا، والمحمية نقديا، ومن ثم صعب على الشاعر تخطي حدودها المصنوعة، ورغم بعض المحاولات التي قام بها بعض الشعراء إلا أنه ما يلبث أن يجد نفسه أسير القيود التقليدية. وقد ساهم هذا العامل في تأخير تطور موسيقى الشعر.
أما في العصر الحديث فإن التطور مس جوانب مختلفة من البنية الموسيقية ومنها تغيير نظام الشطر بنظام السطر الشعري الذي يرتبط طوله بالنفس الشعوري والفكري لدى الشاعر، وهو يتألف من تفعيلتين إلى تسعة تفعيلات، ولا يمكن حصرها داخل القصيدة الواحدة. بينما تعامل الشاعر مع ستة بحور صافية هي الهزج ( مفاعيلن)، والرمل، والرجز، والكامل، والمتقارب، والمتدارك ( فاعلن).وقد يستخلص من البحر الواحد أبنية موسيقية كثيرة. ومن الشعراء من انصرف إلى الأبحر المختلطة في محاولة لتفتيت وحدة البيت فيها كما فعل بدر شاكر السياب وأدونيس، ولكن عدم استغلال الأبحر المختلطة راجع إلى عدة عوامل منها:
1 – مسألة الزحاف: لقد أحس الشاعر أن وحدة التفعيلة وتكرارها تصيب موسقى شعره بالرتابة والملل، فلجأ إلى الإكثار من توظيف الزحاف فحصل على التنوع من تفعيلاته دون اللجوء إلى البحور المختلطة.
2 – تنويع الأضرب: عمد الشاعر إلى تنويع التفعيلات ذات الجذر الواحد أي التي تعود إلى تفعيلة واحدة، وهدفه في ذلك هو الغنى الموسيقي.
3 – فاعل في حشو الخبب: وفيه تنكشف مبالغة الشاعر الحديث في التنويع إلى درجة تحوير التفعيلة وتبديل معالمها كما هو الشأن في تفعيلة (فاعلن) التي أصبحت (فاعل) واستحسان النقاد والقراء ذلك.
4- مسألة التدوير: لما كانت الدفقة الشعورية لدى الشاعر قوية تتجاوز حدود الشطر الشعري إلى الشطر الذي يليه، فإنه ترتب عن ذلك نتيجتين:
- التعبير عن الدفقة دون الوقوع في التدوير بتوظيف تفعيلة خماسية.
- اتساع الدفقة يقود إلى التدوير
3- نظام القافية في الشعر الحديث:
لقد جعلت حركة الشعر الحديث أولى أهدافها هو تفتيت الوحدة الموسيقية القديمة، وعلى رأسها القافية التي أصبحت محطة وقوف اختيارية تتنفس فيها حركة مشاعر الشاعر قبل أن تستأنف رحلتها، وهذا يعني أن الشاعر لم يتخل عن القافية، ولكنه نوع في رويها ونوع في أضربها.

3 –المنهج النقدي:
إن الدارس المتصفح للمجهود النقدي الذي أبان عنه المجاطي في مؤلفه ظاهرة الشعر الحديث سيلحظ أن الناقد أفاد من ميادين معرفية مختلفة، سخرها مجتمعة لتبرير وجهة النظر التي يريد تثبيتها،
فقد وقف الناقد على الشعر العربي يستقصي في مكوناته ومبررات وجوده معتمدا على التاريخ بشقيه السياسي والاجتماعي ومعتمدا على الظواهر الثقافية، وكذا على النصوص الشعرية التي واكبت التحديث. ونكاد نجزم هنا أن الناقد جعل منهجه متعدد المشارب، يستقي قطعه من علوم مختلفة دون أن يشكل ذلك خطرا على تماسك الدراسة وانسجامها. ولكنها على العكس من ذلك تضافرت مجتمعة في تفسير ظاهرة الشعر الحديث من جميع جوانبه، فهو يستدعي التاريخ عندما يتطلب الأمر تدخلا تاريخيا لتفسير موقف ما، ويستحضر التحولات الاجتماعية عندما يحتاج إلى تبرير موقف معين، ويستحضر مضامين وموضوعات القصائد عندما يتطلب الموقف ذلك.
- التاريخ: يشكل التاريخ جزءا مهما في البناء الاستدلالي الذي يعتمده الناقد، يستحضره الناقد عندما يريد الإفصاح عن التحولات التاريخية الكبرى التي شهدها الواقع العربي انطلاقا من نكبة فلسطين وما تلاها من أحداث وانعكاس كل ذلك على وعي المثقفين وعموم الشعراء، وانعكاس ذلك أيضا على نفسيتهم ووجدانهم، حتى غدا حقيقة رمزية في قصائدهم.
- الأبعاد الاجتماعية: ولما كان الشاعر الحديث مرهف الإحساس مرتبط إلى حد بعيد بواقعه ومحولا همه الذاتي إلى هم جماعي، فكان لزاما أن ينصهر في همومه الاجتماعية يكتوي بنار أزمتها، ويصلى بلهيب جحيمها، حتى أنه انخرط في سجال درامي مع محيطه يلسعه بلسانه، ويرفض قيمه السلبية وينتقدها في رمزية ملفتة. فقد بنى موقفا من مدينته، ومن واقعه، وأبان عن طبيعة وجوده الاغتراب في مجتمعه.من هنا وجدنا الناقد في المؤلف يتخذ من البعد الاجتماعي للشاعر إطارا يفسر به انزياحات تجربة الشعر الحديث.
- الأبعاد النفسية: ونستحضر هنا الآثار التي خلفتها النكبة، وما بعدها على الشاعر، وما ولدته في نفسيته من إحساس بالغربة والضياع. كل ذلك انعكس على أشعاره في رؤى تشاؤمية مأساوية، تنتقد الواقع وتحلم بفرص التغيير، وفشلهم في تحقيق هذا المسعى قادهم إلى الانغماس في الأحلام، وفي توظيف الطلاسم الرمزية والأسطورية، لقد كان شعرهم يصدر عن نفسية معقدة بسبب كثرة هزائمها الذاتية والجماعية.وقد سخر الناقد هذا الجانب في تفسير طبيعة الشعر الحديث، وفي تفسير سبب جنوح الشعراء إلى ما جنحوا إليه من مضامين أبانت عن نفسيتهم المنكسرة.
- الموضوعاتية: غاص الناقد في القصائد والدواوين الشعرية يبحث بين ثنايا مضامينها عن المشتبه والمختلف، وقد دفعه هذا إلى استحضار تجارب مختلفة ومتنوعة، وكان القاسم المشترك بينها واحدا هو الإحساس بالغربة والضياع، والبحث عن التغيير والتجديد عبر ثنائية الحياة والموت.
- الأبعاد الفنية: استحضر الناقد الدور الريادي الذي لعبته التجربة الشعرية الحديثة في إغناء الحس الإبداعي العربي،عبر خلق تلوينات وتقاسيم فنية وشكلية مختلفة مست اللغة والبناء والصورة والإيقاع.
إن المنهج النقدي الذي اعتمده الناقد قد نعتبره منهجا تكامليا، غير أنه في جميع الأحوال لا بد من الإشارة إلى أنه جمع في ثناياه بين معطيات خارجية نابعة من خصوصية المجتمع والواقع العربيين، ومن الفترة التاريخية، وبين الغوص في باطن النصوص يستقصيها عما تحبل به من تفسيرات. وهي إشارة إلى استفادة الناقد من المنهج الموضوعاتي البنيوي.
يبقى مؤلف ظاهرة الشعر الحديث من الأعمال التي وقفت على بنية القصيدة العربية الحديثة كاشفة عن مبررات وجودها والشروط الذاتية والموضوعية التي أنتجنها، ومفصلة القول في المضامين التي تبنتها ودافعت عنها، وأيضا في القوالب الفنية التي اتخذتها وسيلة للتعبير عن تجارب الشعراء.



#عبد_الحكيم_الشندودي (هاشتاغ)       Chendoudi_Abdelhakim#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدلالات الاجتماعية للسرد بالمناوبة في رواية -أبنية الفراغ- ...


المزيد.....




- تحقيق لـCNN.. قوات الدعم السريع تطلق العنان لحملة إرهاب وترو ...
- ستتم إعادتهم لغزة.. مراسل CNN ينقل معاناة أمهات وأطفالهن الر ...
- أردوغان يريد أن يكمل -ما تبقى من أعمال في سوريا-
- استسلام مجموعة جديدة من جنود كييف للجيش الروسي (فيديو)
- عودوا إلى الواقع! لن نستطيع التخلص من النفط والغاز
- اللقاء بين ترامب وماسك - مجرد وجبة إفطار!
- -غباء مستفحل أو صفاقة-.. مدفيديف يفسر دوافع تصريحات باريس وب ...
- باشينيان ينضم إلى مهنئي بوتين
- صحة غزة: ارتفاع حصيلة ضحايا القصف الإسرائيلي إلى 31819 قتيلا ...
- هل مات الملك تشارلز الثالث؟ إشاعة كاذبة مصدرها وسائل إعلام ر ...


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - عبد الحكيم الشندودي - ظاهرة الشعر الحديث لأحمد المجاطي