أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد العليمى - موقف حزب العمال الشيوعى المصرى إزاء المضمون الطبقى للثورة الايرانية وقيادتها الدينية















المزيد.....


موقف حزب العمال الشيوعى المصرى إزاء المضمون الطبقى للثورة الايرانية وقيادتها الدينية


سعيد العليمى

الحوار المتمدن-العدد: 5052 - 2016 / 1 / 22 - 23:26
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الانتفاض – جريدة حزب العمال الشيوعى المصرى – العدد 8 – الخميس 8 فبراير1979 – طبعة الخارج

الثورة الايرانية وتحديات الانتصار
مع بداية العام الماضي 1978 اندلعت الثورة الايرانية فى مواجهة النظام الرجعى الحاكم ، بعد أن ناخ بكلكله عليها عشرات السنين ، بديكتاتورية بوليسية فاشية الطراز ، وبقهر طبقى اجتماعي واسع النطاق ، وبعد أن رزحت الجماهير الايرانية تحت وطأة اضطهاد النظام الرجعى ، التابع والامبريالية العالمية ، وعانت من ويلات العلاقات ما قبل الرأسمالية والامبريالية معا ، وقدمت آلاف مؤلفة من الشهداء والمعتقلين والمنفيين على مدار سنوات حكم الشاه رضا بهلوي، ومن بعده ابنه محمد منذ 1941 وحتى الآن ، وتحطمت موجات الانتفاض الشعبي على صخرة القمع الديكتاتوري الاستثنائى ، والافتقاد المتجدد للقيادة الثورية الحازمة ، القادرة على قيادة النضال الشعبى من أجل التطويح بالنظام الرجعى ، وارساء الجمهورية الديمقراطية ، فسقطت حكومة مصدق ، وانهارت معها الموجة الثورية في بداية الخمسينات ( 51 -52 -53 ) وبداية الستينات (1962) . وشرع النظام الشاهنشاهى الرجعى في ثورته البيضاء التحديثية في نفس العام – لقطع الطريق على المد الشعبى – وزادت مداخيل الدولة من البترول ، بينما حكم السافاك (كدولة داخل الدولة ) حركة الجماهير الايرانية بكل قومياتها . انفجرت ثورة 1978 الشعبية لتزلزل عروش النظام أكثر من أى تحرك سابق ، وتتصاعد مكتسبة أسبابا جديدة للزخم والتجدد ، بشروع أوسع الطبقات والفئات الشعبية فى النضال السياسي المكشوف مجبرة الشاه على الرحيل ليلعب لعبة 1953 ، فهو يسافر في أجازة معتمدا على ركيزته الصلبة ( الجيش) من أجل أن يحين الأوان للعودة ، بعد الانحناء للعاصفة الذى يقوم به "بختيار" ، وهو انحناء لا يخلو من ضربات عسكرية وحشية متقطعة لتظاهرات الشعب الايرانى .
فهل يمكن أن يعيد التاريخ نفسه ، فتتحطم هذه الموجة الشعبية ، ويعود الشاه متربعا على العرش من جديد سواء من عائلة بهلوي أو من أى عائلة أخرى ؟ أو بمعنى أصح ما هو حظ وامكانيات هذه الثورة فى الظفر بالجمهورية الديمقراطية على أساس التطويح النهائى والثورى بالنظام الكمبرادوري الحاكم ، وفتح صفحة جديدة مشرقة فى حياة الشعب الايرانى ، من الحرية والديمقراطية والعلمانية ، تمهد الطريق واسعا للثورة الاشتراكية في هذا البلد العريق في النضال والذى أقام السوفيتتات فى 1905 ، وأقام جمهورية اشتراكية في جيلان 1919، وأسس جمهورية مهاباد الديمقراطية فى 1949 ؟
يتوجب علينا أن نتتبع باختصار طبيعة النظام الطبقية ، والوضع الراهن لالقاء الضوء على مسار الثورة الايرانية الراهنة ، فنظام الشاه الرجعى يمثل نموذجا لذلك النظام الاقطاعى ، الذى تعرض للتبعية للامبريالية الغريية ، هذه التبعية التى تفقد النظام تماسكه وثباته الاقطاعى ، من جراء الاستثمار الاجنبي الرأسمالي ، دون أن يكون بإمكانه أن يحل محل ثورة برجوازية محلية تعكس النمو الطبيعي المحلى لحركة الصراع الطبقى ، بمعنى أن الاستثمار الاجنبي يزرع جيوبه الرأسمالية الملتحقة أساسا بالنظام الامبريالي العالمى دون أن يعيد بناء البلد المستثمر والتابع على صورة الرأسمالية المتقدمة ، بل على العكس انه يرتكز على ويؤيد العلاقات الاقطاعية ، وشبه الاقطاعية ، وما قبل الرأسمالية عموما ، ويحطم امكانات التطور المستقل للبرجوازية المحلية كي يستولي على سوقها ، ويسود في السياسة والاقتصاد ، فتستمر العلاقات ماقبل رأسمالية وعلى نحو واسع النطاق جنبا الى جنب مع النمو الرأسمالي الشائه والملحق ( كالزوائد الدودية) بالدول الامبريالية الام .

وما كان لنظام الشاه الرجعى العفن أن يتجاوز حدوده التاريخية والطبقية ، سواء بالثورة البيضاء أو بالبترول ، ولكنه نجح في تحقيق – وذلك منذ 1963- درجة من التحديث لابد أن ينتعش على هامشه وفى كنفه شرائح من البرجوازية "الوطنية " هشه التكوين ، فاقدة الاساس المادى الاقتصادى لتصارع بقوة من أجل السلطة والسوق ، وبالتالي فاقدة الاساس الثورى للإضطلاع بمهام قيادة ثورة برجوازية ديمقراطية ، فقط أسهم هذا التحديث في تفسيخ العلاقات الاقطاعية النقية ، لصالح توسيع القاعدة الاجتماعية للنظام الرجعى مؤقتا ب "رشوة " قطاعات من البرجوازية الصغيرة الريفية والمدينية، وانعاش محدود للرأسمالية المحلية" ، ولصالح توفير الشروط للاستثمار الامبريالي .
حاولت البرجوازية "الوطنية" التى هزمت في 1953 ، وانسحبت من ميدان النضال السياسي ، أن تحقق مكاسبها الطبقية من خلال التفاهم مع الشاه ، ومن خلال المساومات ، المذلة والخنوعة ، أملا فى التسلل البطئ لاجهزة الدولة وأحزابها الرسمية ، وأملا فى الانتعاش ، والتعيش على هامش المشاريع التحديثية للنظام الذى يمثل تحالف كبار الملاك الاقطاعيين مع البرجوازية الكمبرادورية البيروقراطية الخنوعة والضعيفة ، وهى تطل برأسها ومطالبها الاكثر سفورا – بكل اصلاحيتها ومحدوديتها – عندما تنزل الطبقات الشعبية الايرانية فى ساحة النضال الطبقى المكشوف ، محاولة استخدام حركتها الثورية فى اطار تحقيق مطالبها.لاصلاحية المحدودة فى سياق الدستورية الملكية .
وفى 1978 تطل الجبهة الوطنية برأسها من جديد بقائدها كريم سنجابى ليقول للشاه " اعطنا الديمقراطية السياسية قبل أن تأتى الطبقة العاملة ، قبل أن يأتى ما هو أسوأ".
ان أعمق الميول الموضوعية التى فجرت الثورة الايرانية في 1978، والتى تحدد مضمونها الطبقى ، هو طابعها "الوطنى الديمقراطى " اى البرجوازى الديمقراطي ، تفاقم أزمة النظام الكمبرادورى التابع حيث تدفع الجماهير الايرانية ، ضريبة خيانته ، ودوره الدركي فى الخليج والشرق الاوسط عموما ، واستنزاف ثروات البلاد " بترولها أساسا" . وتحطيم امكانات الاقتصاد المستقل المتوازن ، تحطيم الزراعة ، دون وضع الاسس الكفيلة بالتطور الصناعى الشامل ، الكفيل وحده بالقضاء على كافة أسس علاقات الانتاج ما قبل الرأسمالية .
ان الطبقة العاملة والفلاحين وأوسع الجماهير الكادحة وشرائح البرجوازية "الوطنية" تدفع ضريبة استمرار هيمنة النظام ، وتفاقم أزمته السياسية والاقتصادية . ان الجماهير الايرانية التى ما عادت تحتمل الحياة تحت مستوى الجوع ، وتحت سياط السافاك بل تحت أعواد مشانقه ما كان لها أن تستمر فى الحياة على هذا المنوال ، الذى يدفعها للحضيض باطراد مرور الزمن ، لم يعد استمرار الحياة ممكنا ، ولم يعد الصمت ممكنا. فكانت ثورة الشعب الايرانى التى يغذيها ويجدد فيها الحياة على مدار أكثر من عام فى مواجهة دبابات الشاه وطائراته لتعمق الميول والمصالح الطبقية فى الاطاحة بهذا النظام العفن .
ولكن ، هل يمكن لاعمق الدوافع الطبقية التى دفعت وتدفع الجماهير الايرانية للثورة على نظام الشاه ، أن تؤدى الى انهيار النظام ، الاجتماعي الرجعى العفن ، وتفتح طريق الحرية واسعا أمام الشعوب الايرانية ، وهل تكفى التضحيات العظيمة التى يقدمها الشعب كل يوم ، قربانا لثورته الديمقراطية ، وأنهر الدماء المتجددة في شوارع طهران ، وقم ومشهد....الخ ، أم أن ظفر الثورة الايرانية بالسلطة على أنقاض النظام الكمبرادورى ، مرهونة من الناحية الاساسية ، بالقيادة الثورية والديمقراطية وحيث يمثل تحالف العمال والفلاحين بقيادة حزب الطبقة العاملة الشيوعي الثورى ، الضمانة الاكيدة والوحيدة لالحاق الهزيمة النهائية بنظام التبعية والاستبداد ، وتحقيق اركان الجمهورية الديموقراطية : شكل الحكم البرلمانى الحزبى للطبقات الوطنية ، وحل قضية القوميات فى ايران على اساس ديموقراطى ، ووفق مبدأ حق القوميات فى تقرير المصير – جمهورية تسمح باحزاب الطبقات الشعبية دون الاحزاب الفاشية والرجعية العميلة ، وتمثل اقصى تحقيق لانتزاع حق الطبقات الشعبية فى اسلحة نضالها من اجل الديموقراطية والاشتراكية ( لكافة اشكال التنظيم النقابى والسياسي المستقل ) جمهورية تستند الى العلمانية ، وترفض اقحام الدين فى السياسة ، معادية للطائفية الدينية المتمثلة فى العداء لليهود والمسيحيين والاقليات الدينية الاخرى ، جمهورية تقطع وشائج الارتباط والتبعية للامبرياليات الغربية ، لاتستند الى اللعب على تناقضاتها واكتساب هوامش المناورة بينها لتحقيق درجات هشة من الاستقلال السياسي والاقتصادى ، ، ليس له حظ الاستمرار طويلا فى كل الاحوال ، جمهورية ديموقراطية تبنى اقتصادا وطنيا مستقلا وتتحالف مع المعسكر الاشتراكى ، وتعترف بحق الطبقة العاملة فى تنظيمها الشيوعى ، جمهورية ديموقراطية تحقق اصلاحا زراعيا جذريا كأساس مادى حاسم للتطور الاقتصادى المستقل للبلاد ، وكأساس مكين لتحقيق تحالف العمال والفلاحين في مواجهة الاعداء الطبقيين ، جمهورية ديمقراطية تطيح بكافة أركان النظام الرجعى الكمبرادورى بلا رجعة ، وتؤمم كافة مشاريع الاستثمار الامبريالي .
هل يمكن أن ينهض بأعباء هذا البرنامج سوى الطبقة العاملة وحزبها الشيوعي على قاعدة تحالف العمال والفلاحين ، النواة الصلبة لاى ثورة وطنية ديمقراطية مظفرة ، القيادة الوحيدة المؤهلة لقيادة عملية انجاز الثورة البرجوازية الديمقراطية الى نهايتها وتحقيق أقصى تحضير بالتالي للحلقة التالية : الثورة الاشتراكية ، القيادة الوحيدة المؤهلة لانجاز برنامج الحد الادنى فى ايران : تحقيق الجمهورية الديمقراطية .
ان واقع الثورة الايرانية المندلعة يتفجر بالوعود الكبار ، ويحفز الثوريين الايرانيين ، بل وكل الثوريين في العالم كي يحلموا بامكانية الانتصار ، وأن يتم تطوير هذه الموجة الثورية العارمة الى أقصى حد ، الى حد اقامة الجمهورية الديمقراطية ، وانتزاع الشعوب الايرانية التى أخضعها الشاه ، من براثن شباك التبعية الغليظة ، والولوج في طريق الحرية من أوسع الأبواب ، فأى ثورى لابد أن يلقى كل أماله على دخول الطبقة العاملة الايرانية فى حلبة الصراع الدائر على نحو متعاظم باستمرار ، ومحاولات تجاوزها للقيادة التقليدية " تحالف الجبهة الوطنية والقيادات الدينية" وكذلك تعاظم نشاط الشيوعيين الايرانيين ، فى خضم الثورة . وكذلك واقع مساهمة قطاعات واسعة من البرجوازية الصغيرة المدينية " الطلاب – المعلمين –الموظفين – المهنيين – صغار التجار " فى حلبة النضال اليومى . واقع التصدى المذهل للشعب الاعزل لدبابات الشاه التى تحصد العشرات تلو العشرات منه . ولكن واقع الثورة الايرانية المشتعل اوارها ، يقدم عناصر لاتقل خطورة ، عناصر هزيمة حركة الشعب الايرانى ، واندحار ثورته ، وبالتالى عودة الشاه محمد رضا بهلوى او اى شاه آخر .
فالعناصر التى ادت لهزيمة الثورات والانتفاضات الايرانية السابقة خاصة فى اوائل الخمسينات واوائل الستينات ، مازالت ماثلة فى ثورة 1978 ، ولاعجب فلم يحدث منذ 63 حتى الآن تحضير ثورى بقيادة الشيوعيين ، والديموقراطيين والثوريين ، وفاجئت الثورة القوى الثورية الايرانية ، كما فاجئت الشاه ، واندلعت فى اقصى لحظات تشرذم الحركة الشيوعية الايرانية ، وانقسامها متعدد التلاوين بين الانحراف اليمينى لحزب تودة بعد الانتكاسات الحادة التى تعرض لها ، وبين الانحراف الارهابى اليسارى الذى انشغل على مدار السبعينات بالمعارك الارهابية المعزولة مع النظام ، يأسا من تطوير حزب تودة ، بل ويأسا من الجماهير الشعبية والطبقة العاملة الايرانية ! التى رأوا ان يوقظوها من سباتها العميق باصابع الديناميت ، والمعارك البطولية المحزنة التى راح ضحيتها عشرات المناضلين بلا طائل . وبالتالى فقد ابتعدت هذه المجموعات عن شق مجرى لخط شيوعى ثورى مستفيدة من خبرة الحركة الشيوعية الايرانية الطويلة ، بل انشغلت بالديناميت ومحاولات مزج الماركسية بالاسلام ، ومزج الماركسية بالماوية المنحرفة والتروتسكية ، فكانت محاولاتهم البطولية بئس البديل لأى اخطاء او انحرافات وقع فيها حزب تودة .
بل ان الثورة الراهنة تعانى من النقص الفادح لتغلغل الشيوعيين ، لو قارناها بحركة 51 – 52 – 53 - ، حيث كان حزب تودة الشيوعى هو اكثر الاحزاب عددا وفاعلية وكان له تأثير بالغ على مجرى الاحداث والتطورات السياسية . فلو كان هذا هو وضع الحركة الشيوعية الذى يبعدها عن قيادة الحركة بمسافات كبيرة ، خاصة مع غياب – وارتباطا بضعف الشيوعيين – أى حركة ديمقراطية منسجمة في صفوف الطبقات الشعبية قبيل الانتفاضة الحالية ، بل ان الحركة الطلابية – القطاع الأكثر نشاطا – استنزف نفسه فى العمل الارهابى ، أو القيام بالمظاهرات ، والتحركات الجماهيرية لدعم العمل الارهابى ، دون لعب دور المضخة فى المجتمع لترويج برنامج ثورى متماسك يعتمد على حركة الجماهير الشعبية في تحقيقه . نقول لو كان هذا هو وضع الحركة الشيوعيية والديمقراطية عشية الانتفاضة ، فهل كان من الغريب اذن ان تنتصب القيادة الدينية ذات المؤسسات شبه النظامية والمنظمة ، وتلعب دورا قياديا حاسما في الثورة حتى الان ، وان تستفيق الجبهة الوطنية بعد أن أحالت نفسها الى المعاش على مدار خمسة عشر عاما ، وتسير في ركاب القيادة الدينية المتشددة مع أسرة بهلوى وحيث تمحورت حركة الملايين حول الخمينى كرمز وقيادة لتبحث عن مكاسبها البرجوازية الطبقية الانانية والضيقة ، ضيق نموها الاقتصادى المحدود والهامشى كي تعيد الجماهير الى منازلها بعد ذلك ، حيث ترتعد " الجبهة الوطنية " الآن من عنفوان الحركة الجماهيرية ، ومخاطر تحولها الى المزيد من المواقف الجذرية ، والتى لابد أن تهدد مصالح هذه البرجوازية الجبانة المساومة ، والمعادية للشيوعية على طول الخط ، وتخشى أكثر ما تخشى، من تزايد نفوذها في سياق الثورة المستمرة ، والجبهة الوطنية على استعداد مستمر ودائم للمساومة المذلة مع الشاه ، ومع النظام الاجتماعي القائم ، لتحسين مواقع أقدامها السياسية والاقتصادية فى اطاره ، وعلى جثة الشيوعيين والحركة الشعبية عموما ، وبختيار هذا الذى يلعب لعبة المحافظة على حكم الشاه نفسه فضلا عن النظام الاجتماعي السائد ، ليس عضوا في الجبهة الوطنية فحسب ، ولكنه أحد أقطابها الاساسيين ( نائب كريم سنجابى) وأحد رموزها البارزين على مر الأعوام ، وهو يعطى عينة ممثلة مهما تكن فجة للاستعداد العميق لدى البرجوازية الايرانية "الوطنية" أن تساوم بقضية الشعب ، وأن تخون الثورة ، وأن ترضى بالفتات ، ولكن لان الساحة لازالت ساخنة فلماذا لا تستمر الجبهة الوطنية في لعبة المساومة الساخنة الى النهاية مع اختبائها فى عباءة الخمينى ، فرغم مضار أفكاره الايديولوجية المعادية للعلمانية والتحديث ، فان استمرار احكام قيادته لحركة الشعب ، حاجز منيع ضد الشيوعية وضد مزيد من تجذير الثورة على الصعيد الديمقراطي ، وضد تحول ثورة الشعب الايرانى ، الى ثورة مسلحة تبادر لطرح منطق الانتفاض الشعبى المسلح ، والحرب الاهلية رغم ان هذا هو الطريق الوحيد لتحقيق الانتصار على النظام الطبقى الرجعى الحاكم ، فالخمينى اذن بكل مشاكله – هو والمؤسسة الدينية الخاصة بتطبيق الشريعة الاسلامية الخ من المطالب الدينية السلفية الضارة بالتطور البورجوازى نفسه -- يبقى هو الورقة الرابحة فى يد الجبهة الوطنية ، كى تحقق اقصى المكاسب الطبقية الممكنة ، فى حال انعكاس النفوذ الدينى هذا ، على الحكومات المقبلة ، وعلى شكل الحكم . اما فى انتفاضة الخمسينات فقد كانت الجبهة الوطنية هى القيادة الحاسمة حين كان على رأسها الدكتور مصدق ومحاطة بحركة ديموقراطية اشد عودا فى قلبها حزب تودة القوى ، وسار آية الله كاشانى فى ركاب قيادة الثورة ، واستنكف ذلك الخمينى وآيات آخرين غيره ، ولكن الان بعد الضربات القاصمة التى وجهها الشاه للجبهة الوطنية ، وبعد ضمور طموحاتها البورجوازية فى الاستيلاء عل سوقها الخاص ، تقف الآن الجبهة الوطنية العلمانية على اعتاب الخمينى لاسباب براجماتية عملية – تتمسح ببركاته وبركات الاسلام ، ويسيل لعابها على الفتات الذى ستخرج به من هذه الثورة الكبرى ، وعلى المدى الذى تستطيع به تحسين مواقعها السياسية والاقتصادية في اطار جمهورية اسلامية منتظرة ، أو فى اطار كوكتيل ملكى – دستورى – اسلامى ، أما القيادة الدينية الأكثر سيطرة برمزها الاساسي " الخمينى" فإن استمرار هيمنتها السياسية والايديولوجية على واقع الثورة ، واستمرار نفوذها في الشارع الايرانى من شأنه أن يعرض مستقبل الثورة الايرانية الراهنة لافدح المخاطر، من شأنه أن يبعد عن الافق حلم بناء الجمهورية الديمقراطية على أنقاض نظام التبعية والعمالة .
ومهما حاول بعض اليساريين محاولات بائسة للخلط بين الجمهورية الاسلامية التى ينادى بها الخمينى والجمهورية الديمقراطية ، شعار كل الديمقراطيين والثوريين والشيوعيين ، فستظل الوقائع العنيدة لمسار الثورة نفسها تفضح كل هذه الادعاءات ، فحين يكون جوهر برنامج الخمينى وعموده الفقرى ، هو تطبيق الشريعة الاسلامية ، يحدثنا الشيوعيون " المتنورين" عن الجانب التقدمي في تطبيق الشريعة الاسلامية فى الربع الاخير من القرن العشرين ، لو تغاضينا عن الجانب النظرى ، لنرى جوهر البرنامج السياسي للخمينى والملخص في جمهورية اسلامية ، العداء المطلق والعميق للشيوعية ، اتهام الشيوعيين الايرانيين بالعمالة للانجليز والسوفييت والمعسكر الاشتراكي ، العداء للجمهورية البرلمانية ، وحرية الاحزاب للطبقات الشعبية ، صرح الخمينى " بضرورة الانضباط للايديولوجية الاسلامية والتخلى عن كل الايديولوجيات الاخرى وضرورة الانضباط خارج الاحزاب السياسية" ، الخ هذه المواقف السياسية هى التى تمثل نقاط التقاء عميقة مع نظام الشاه نفسه.
لو ربطنا ذلك بكل المطالب الرجعية السلفية ( التى تخص القرون الوسطى أكثر مما تخص القرن العشرين) كسفور المرأة وحريتها ، وكافة مظاهر وأشكال التحديث ( بسينما ومسرح وتلفزيون ...الخ) لن نرى في هذه الديكتاتورية الاسلامية أى وجه ديمقراطي مزعوم ، ولا هدف مرحلى يمكن الركون اليه الا للزاحفين على بطونهم ( أمثال الجبهة الوطنية ) ، ولا يمكن اعتبار تطبيق الشريعة الاسلامية في ايران خطوة الى الامام ( من شدة غيظنا من الشاه السفاح البشع ..الخ) ان الشعارات الوطنية والديمقراطية والمعادية للامبريالية في هذه الثورة انما تعكس الحس الوطنى العالى للجماهير الايرانية ، ومعاناتها التاريخية من القهر الامبريالى ، أما تصريحات الخمينى العديدة فى العداء للامريكان – معروف عداء كافة الحركات الاسلامية للامريكان تحت شعار العداء للحضارة الغربية واسرائيل – فلايمكن ان يفهم منها موقف وطنى متماسك من الامبريالية الامريكية ، لان هذا الموقف لايستقيم مع العداء المطلق للشيوعية والاتحاد السوفييتى . كما ان آية الله الخمينى يدرك مثل اى عاقل ان المظاهرات السلمية التى يصر عليها على مدار اكثر من عام ، لاتنهى اى سيطرة امبريالية ، ولاتؤمم الاحتكارات ...الخ الخ ان المظاهرات السلمية لن تذيب النظام الكومبرادورى ، ولن تذيب المؤسسة العسكرية خجلا ، حقا تحدث الخمينى ذات مرة عن تأميم الشركات الاجنبية ، ولكنه شرح هذا الشعار عشرات المرات بأنه ( دراسة كل عقد على حدة ودراسة مدى صلاحيته من عدمه لايران ) والاساس اننا نعرف مواقف الاحزاب والتيارات السياسية الاخرى من سلوكها العملى ، وموقفها من الاحزاب والطبقات الاخرى ( وقد رأينا العداء للشيوعية ولديموقراطية الطبقات الشعبية ) ، ونحن نعلم ان النضال ضد الامبريالية له شروط ومقدمات فى عصرنا بعيدة عن الشعارات الجوفاء والخطب الحماسية والعداء للشيوعية والاتحاد السوفييتى ليس نقطة خلافية كما يصورها البعض ، بل هى توضح حدود ومنطلقات العداء للغرب . ويسمى الخمينى بالجناح الراديكالى فى قيادة الثورة ، وهو راديكالي فى عدائه للشاه لو قارناه بقيادة دينية أخرى ، كشريعتمدارى ، وهو راديكالي أيضاً في قضية تطبيق الشريعة الاسلامية ! ان استخدام كلمة "راديكالي" بدون تحديد مغزاها ، منطلقاتها ، وربطها بالمهام الملحة التى تطرحها الثورة الوطنية الديمقراطية فى ايران ، يكون استخداما مضللا ، يستند الى قشور بعض التصريحات البراقة. فقد تعلمنا من خبرة كل الثورات ذات الطابع الوطنى الديمقراطي ، ( البرجوازي الديمقراطي ) ان قضية الارض هى جوهرها ( بمعنى المسألة الزراعية ) بمعنى تحرير الفلاحين من ربقة وضعهم القنى ، فالموقف من الاصلاح الزراعى الجذرى ، من قضية الفلاحين هو دائما جوهر أى ثورة ذات طابع برجوازى ديمقراطي . ولنا أن نتساءل ما هو موقع القيادة الدينية ( كبار الملاك حتى وقت قريب) من هذه القضية ، لماذا لم تستقطب حركتها رغم سمعتها 18 مليون فلاحا يرزحون تحت الاستغلال القنى والرأسمالي ، ما هى الشعارات التى ركزت عليها فى هذا الصدد على مدار عام كامل من الثورة ، طبعا لن ننتظر من كبار رجال الدين أن يكونوا ديمقراطيين وتقدميين لهذا الحد ، ولكن لماذا اذن نزينهم " بالراديكالية " دون أن نحدد علاقة هذه " الراديكالية" بالمهام الملحة التى يطرحها مضمون الثورة الطبقى .
حينما تنتفض ملايين الشعب الايرانى على مدار عام ، فنحن اذن ازاء ثورة شعبية مناهضة لنظام الحكم الرجعى ، والقيادة "الراديكالية" هى التى تطرح اذن ( قضية السلطة ) ، وهى القضية المركزية في أي ثورة،. ان طرح التظاهر السلمى المتواصل في زمن الحرب ، انما هو نوع من تدجين الثورة ، وتوظيفها فى الصراعات الحزبية الضيقة ، بمعنى استخدامها من أجل سيطرة المؤسسات الدينية على الحكم ، ولا نقول تحطيم النظام الاجتماعي التابع للامبريالية والمعادى للحريات الديمقراطية الخ .
ففى زمن الحرب، زمن الثورة ، يكون قاموس الثوريين : الحرب الاهلية – الكفاح المسلح- الانتفاضة الشعبية المسلحة ، كقضايا عملية ملحة لا يمكن طرح تأجيلها ، لان الثورات لا تدوم الى ابد الابدين ، فاما أن تنتصر ، أو تهزم خلال عام أو اثنين أو أكثر قليلا ، فهل يعتقد البعض أن هذا الخطأ سقط سهوا من عقلية السياسي المجرب آية الله الخمينى ، أم أن لآية الله أهداف أخرى أقل راديكالية مما يتصورون بكثير .
اننا نرى ان مستقبل الثورة الايرانية ، املها فى الظفربالاطاحة بالنظام العميل ، واقامة الجمهورية الديموقراطية ، مرهون بتجاوز حركة الجماهير للقيادة الدينية غير " الراديكالية " والمعادية للشيوعية والديموقراطية التى ينطوى برنامجها على العديد من المواقف الرجعية والسلفية ، وكذلك بالاحرى تجاوز القيادة التقليدية للجبهة الوطنية .
ان تبنى الجماهير الوطنية برنامج الطبقة العاملة فى الثورة الوطنية الديموقراطية والذى يتطابق مع اقصى تحقيق لمهام الثورة البورجوازية الديموقراطية ، هو المخرج الوحيد لمأزق الثورة الايرانية ، والطريق الوحيد لتحقيق طموحات كافة الطبقات الوطنية والقوميات والطوائف المضطهدة ، والتى باتت لاتتصور ان تعود الى اقفاص وزنازين الشاه ، وسيبقى بالتالى لطليعة الطبقة العاملة من الشيوعيين الايرانيين ، وبقدر مبادرتها وتجاوزها للحدود الاصلاحية اليمينية الخانقة ، والتخبطات اليسارية المؤلمة ، وطرحها للبرنامج الوطنى الديموقراطى بجرأة قيادية وثورية ابلغ الاثر على مسار الثورة الايرانية ، فالجماهير حين تثور تتعلم فى ايام واسابيع ، مايحتاج لسنين طوال فى زمن السلم ، شرط ان نسلحها بالبرنامج الثورى ، الذى لن يتحقق الا بالعنف الجماهيرى الثورى المنظم والمسلح .



#سعيد_العليمى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى عند اندلاع الثورة الإيرانية
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من الفتن الطائفية فى عهد السا ...
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من الجماعات الاسلامية
- حزب العمال الشيوعى المصرى ونقد فكرة التحالف مع الاخوان المسل ...
- بيان المكتب السياسي لحزب العمال الشيوعى المصرى حول انتفاضة 1 ...
- سلطة البورجوازية البيروقراطية فى مصر واشباح الانتفاضة الشعبي ...
- حزب العمال الشيوعى المصرى وذكرى انتفاضة 18 - 19 يناير 1977 و ...
- 10 اعوام من النضال الثورى المتواصل 8 ديسمبر 1969 - 8 ديسمبر ...
- الفهم الثورى لقضية وحدة الشيوعيين في مصر - حزب العمال الشيوع ...
- حزب العمال الشيوعى المصرى فى مرآة الصحافة البورجوازية والتحر ...
- نقد مسألة التحالفات من منظور حزب العمال الشيوعى المصرى
- موقف من وحدة الحركة الشيوعية المصرية - حزب العمال الشيوعى ال ...
- الإنتفاض جريدة حزب العمال الشيوعى المصرى – طبعة الخارج الثل ...
- موقف من وجهة النظر القائلة بسلطة البورجوازية الصغيرة فى مصر ...
- موقف من مهمات النضال الفلسطينى - شيوعى مصرى - حزب العمال الش ...
- فى ذكرى تأسيس حزب العمال الشيوعى المصرى - 8 ديسمبر 1969
- الاتحاد السوفييتى فى مرآة الدستور الجديد - ليون تروتسكى
- حول مسودة دستور اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية - جوزي ...
- حول مسودة دستور اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية - جوزي ...
- حول مسودة دستور اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية - جوزي ...


المزيد.....




- أجبرهم على النزوح.. أندونيسيا تصدر تحذيرا من حدوث تسونامي بع ...
- التغير المناخي وراء -موجة الحر الاستثنائية- التي شهدتها منطق ...
- مصر.. رجل أعمال يلقى حتفه داخل مصعد
- بوركينا فاسو تطرد ثلاثة دبلوماسيين فرنسيين
- أسباب تفوّق دبابة -تي – 90 إم- الروسية على دبابتي -أبرامز- و ...
- اكتشاف -أضخم ثقب أسود نجمي- في مجرتنا
- روسيا تختبر محركا جديدا لصواريخ -Angara-A5M- الثقيلة
- طريقة بسيطة ومثبتة علميا لكشف الكذب
- توجه أوروبي لإقامة علاقات متبادلة المنفعة مع تركيا
- كولومبيا تعرب عن رغبتها في الانضمام إلى -بريكس- في أقرب وقت ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد العليمى - موقف حزب العمال الشيوعى المصرى إزاء المضمون الطبقى للثورة الايرانية وقيادتها الدينية