أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الأمجد أحمد إيلاهي - رسالة إلى كارلا














المزيد.....

رسالة إلى كارلا


الأمجد أحمد إيلاهي

الحوار المتمدن-العدد: 5052 - 2016 / 1 / 22 - 21:46
المحور: الادب والفن
    


رسالة إلى كارلا (1)

الحبًّ أوّلُ العراقيلِ التي أبطأت خطوي. ليس بريئا كمَا يزعمُ عُشّاق الدقائق الضائعة . أحببتُ مرَّات كثيرة وأخطأتُ الاتجَاه، كطائر يهاجر للمرّة الأولى بلا سرب . تشاكلت التجارب وتشابهت لكنَّ النّساء يَبْقينَ حبيباتي، اللاتي يُشَدُّ لأجلهنَّ ولهنَّ ومنهنَّ الرحيل.
بلا بوصلة ككتيبة قصف عشوائيٍّ، لا أملكُ سوى ذاكرة، وأحلام تتلألأ في عيون السّاهرين. يكفيني أن أقولُ فقط "كانت حبيبتي" لأعود إلى التّفاصيل بأسرها . فساتينها القصيرة، أحمرُ شفاهها الوردي، أناملها التي تشبهُ النّسمات على أجنحة الفراش . أذكرُ أيضا ذراعها المرمريّ حول خصري في طريق ضيّقة . صوتُها اللّيّنُ يّتردّدُ في طبلة أذني منذ غادرت مثل حفيف لغُصنَينِ في البراري البعيدة. كانت كلّما أرادت شيئا تنحني على كتفي لتقول لي " الله يخلّيك". وخَلاّني الله يا كارلا ، يبدو أنّه استجاب لدعواتها . المُهمُّ أنَّ حبيبتي التي كانت، تصحو كعبّاد شمس وتنامُ كحمامة بيضاء . وجاء الخريف فمات عبّادُ الشّمس وغادر الحمام أيكه إلى غير رجعة.
الحُبّ لعنَةُ الطيّبين وأصفادُ الشّعراء، سألتُ جبالنا العالية عنهُ مرّة، فبدا لي ربوة في الغد. الحبُّ يا كارلا ظهرٌ مُحدودبٌ كعكاكيز الأنبياء . قرأتُ ذلك وحدي على صفحات الوحشة في هذه الصحراء.
ويبدو يا عزيزتي أنّ الشّعر،َ تابعٌ لهذا الوحش الموغل فينا، نصلا بعد نصلٍ ورصاصةً بعد أخرى . نكتبُهُ بعدَ أن يعبثَ بأحشائنا ويضيّقَ أنفاسنا . الشّعرُ اجتماعٌ مغلقٌ للعواطفِ والحقائق والوقائعِ، ليُفرِزَ نفسهُ مُغايرًا . كتشّكّلِ المُزنِ من شمس وبرد وماء . كنتائجِ الحربِ بعدَ العناء . والحبُّ كزقزقة العصافير في أقفاصها. تُطربُ النّاس لأنّهم، لا يعرفون أغاني الشّجن في السجون حين يُردّدُها الطّلقاء.
الشّعرُ يا رفيقتي، سنابلٌ و أشجار وأجنحة. هو ليس ما نقرأ ونسمعُ لكنّ أكثر منهُ ما نرى ونُحسُّ . الشّعرُ، التقاءُ ضوءين في مقهى قديم. رهبة الخزّاف قبل تشّكلِ المعنى في أغانِي "ليو فيرّي" ليصبح اللحنُ ماءً وطينا. التقاءُ الأنامل بالأصابع قبل صمتِ العاشقين. الشّعرُ ببساطة هو تلك النّظرة بين قُبلتينْ. الشّعرُ وجهٌ لأمٍّ يُحدثّنا كلّ مرّة دون كلام ولا توصية ، هكذا هو الشّعرُ جامعٌ لكلّ المتناقضات في لحظة واحدة . كم يشبهُ الشّعرُ علاقتي بأبي: أحبّهُ وأهَابُه، وأبتعدُ عنهُ، وأتمنّى أن يبقى دائما معي .
أنا في الصّحراء يا كارلا ، أرافقُ الهجير وأراقب أفقًا ضبابيًّا كثورتنا المعطوبة . أين كانَ كلُّ هؤلاء المتكلمون باسمها ؟ وأينَ هم الحالمون بالثورة والحب والشعر ؟
لا شيء يدعو لأي شيء يا كارلا ، لستُ سعيدا ولا حزينا ولا رغبة لي في إبداء أيِّ شعورٍ تُجاه أيّ كان . فكرةُ الجماعات والثنائيات فاشلة و ممجوجة حدّ السّذاجة . وأرى أن الخلاص شأنٌ فرديٌّ كشأن الإبداع و الجنون والموت.
آمنتُ بالثورة في معناها الخالص النّقيِّ. وآمنوا بالرّكوب على آلامِنا !. وإن ركِبَ بعضهم ونجحَ في إقناع البؤساء بأكاذيبهِ، فقد ركبَ أكثرهم على إصبع الزّمن الضائع منّا كالإبر في العشب. وما زلتُ أرى الثورة في عيونِ أصحابها دُرّة نادرة تنامُ بين اللآلئ والمرجان .. ثورة للعاشقين والباحثينَ عن الحياة في معناها الجميل . لكنَّ أغلبهم مسكونٌ بالجحود وبثقافة المَغَاورِ والفيافي والنُّجوع .. والثورة يا كارلا شأنٌ مدني لا علاقة لهُ بالتّوحّش والقتل والخراب الذي نراهُ اليوم. فلا تصدِّقي ثوريتهم، ولكن صدّقي أنّهم سفّاحون وقتلة. ولا علاقة لهم بالشعر ولا بالحب ولا بالثورة !
إنّهم فقط خَوَنة يا رفيقتي.
ما يؤلمُ يا قطعة القلبِ المُتعبِ من هؤلاء ، أنّها كانت ثوراتٌ حقيقيَّة بأغلبيّة واهِمَة، والوهمُ أوسعُ من الحقيقة وأعذب في نُفوس فقراء الإنسانية. والوهمُ معشوقُ الجاهلين وهم كَثْرة . وحين اختلط الوهمُ الكثير بالصدق القليل ضاع الصادقون في الزّحامِ وماتوا ...
في دولةِ الوهمِ لا أحدَ يُؤمنُ بالدَّولة! لا أحدَ يؤمنُ بالقانونِ مادامَ في مأمنٍ من ذراعهِ وموعودٌ بأن لا يطالهُ حتّى وإن تجاوز أو تَعدّى. في دولة الوهمِ يا عزيزتي يصطَفُّ الشّبابُ الجامِعيُّ، ليغادر الى بؤرِ التّوتّرِ للقتالِ، مع من يدفعُ أكثرَ ضدّ من يدفعُ أقلّ. تحتَ المُسمّى الذي يُناسِبُ تُجّار الأوطانِ.
غريبُ هو الأمرُ يا كارلا، فحتّى الأشياء الجميلة والانتصارات الصّغيرة أصبحت تثيرُ الشّجن. نَبتسمُ لأنّنا أفسدنا حياة غربان كثيرة، الظاهر منها على الأقل. ونبكي لأنّ لا إنجاز في يَدنا تحقّق لنقايض به عشر ثورات فوق الشريط أو الحائط أو الشجرة.
أبناءُ السُّلطة يعلمون بأنّنا أفسدنا حفلاتهم التّنكّريّة، ومؤخّراتهم تذكرُ أصابعنا. سيعودون ليُقطّعوا أطرافنا من خلاف أو بأكملها لكنّ أصابعنا مرّت وانتهى الأمر.!!



#الأمجد_أحمد_إيلاهي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إطلالةٌ من شرفة للجرحِ
- إلى أشرف فياض


المزيد.....




- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الأمجد أحمد إيلاهي - رسالة إلى كارلا