|
الموت ... قصة قصيرة
بهجت العبيدي البيبة
الحوار المتمدن-العدد: 5051 - 2016 / 1 / 21 - 10:56
المحور:
الادب والفن
يعيش ما بين السماء والأرض، لا يجد مرسى تسكن فيه سفينته، يشعر أن المرفأ بعيد، كلما اقترب قدما تملكه شعور ببعد مسافات، يفقد تركيزه، وتفاعله مع الحياة، تنتابه نوبات بيقين اللقاء والالتقاء، ما تلبث تتبدد بعدما يصدمه واقع يضغط بكل قوة من كافة الاتجاهات، يتساءل: لماذا التقينا؟ ألم أكن أعيش في هدوء وسكينة!!؟ ألم أكن أمارس شعائري الجنائزية وأنا بها سعيد أو أظن ذلك؟ ألم تكن عقارب الساعة تمر في هدوء رتيب، وأمواج البحر تصدم بالشاطئ فتنكسر ولا تستطيع أن تتجاوزه. لا يستطيع أن يعود كما كان، إنه يرفض ذلك، لا يقدر أن يتقدم خطوة للإمام، محاولاته كطفل صغير يريد أن يعبر محيطا، العجز يضرب بخيامه على صحراء فكره، يشعر وكأن كل قوى العالم تتضافر لتمنع عنه أمنيته، تسد آفاق الحلول، العجز أصبح شبحا يطارده، يشعر وكأن الدم يتجمد في عروقه، تتوقف الحياة، يعيش داخل ذاته، ينفصل عن محيطه، يشعر بالاغتراب، تتقاذفه الهواجس. أيحطم ذلك التابوت؟ أيتحرر من تلك القيود؟ إنهم يعشقون القيود، ويقدسون التابوت، وهو خانع مستسلم، يسير في الركب، بروح قلقة، ونفس شاردة، وقلب مكلوم، وعقل مكبل، ألا من مفر من تلك الحياة؟ كيف يرضى أن يكون جزءا من هذه الحياة، وهو المثقف المتمرد، إنه لا يؤمن بتلك الثوابت التي جعلها أناس لفكرها المريض نواميس حياة، كيف له أن يستسلم لنظام لم يحقق ذاته، ولم يمنحه سعادة، رغم محاولاته المستميته، كيف يخضع عقله اللامحدود لمثل تلك الحدود التي رسمت لتحول بين الإنسان وسعادته، كيف تخنع روحه المتوثبة المتعطشة لصحروات أرواح رسمت لنا سبل الحياة لنعيش فيها أمواتا. لم يعد أمام الروح المسحوقة إلا أن تختار إما أن تظل شاردة معذبة، أو تعلن التمرد، وتواجه مصير هو لمصير الأنبياء والرسل أقرب، يحاول جاهدا أن يستجمع قواه، أن ينهض الروح من سباتها، أن يلهب العقل، فالمعركة شرسة، ولا يعرف أعداءه على وجه اليقين، إن كل القوى تتضافر معلنة تضامنها ومؤازرتها ضد حربه العادلة عن روحه الشريدة وقلبه المكلوم، "آه" تخرج من أعماق روحه، هل أنسحب من المعركة؟ إنه يعني الانسحاب من الحياة نفسها، المعركة وجودية، ولا أحارب لنفسي فقط، إنها حرب مقدسة في سبيل أطهر ما خلق الله إنها الروح، التي تسحق كل لحظة ملايين المرات دون أن يكترث أحد لها، بل يمعن الجميع في سحقها، فكل شيء مقدس إلا ما يستحق التقديس. يشرد فكره، القرار معلق، فهدم هذه الحياة الخانعة - رغم ضرورته - فعل يجابه بقوة شرسة، لم يعد التردد يسيطر عليه، إن الروح لم تعد قادرة على الحياة في هذا المستنقع، كيف لها أن تهنأ وهي مستسلمة، وترضى بالمرض بل بالموت.
#بهجت_العبيدي_البيبة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أنصار القديم ...والهوية والحضارات القوية
المزيد.....
-
فنانة لبنانية شهيرة تكشف عن خسارة منزلها وجميع أموالها التي
...
-
الفنان السعودي حسن عسيري يكشف قصة المشهد -الجريء- الذي تسبب
...
-
خداع عثمان.. المؤسس عثمان الحلقة 154 لاروزا كاملة مترجمة بجو
...
-
سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح
...
-
منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز
...
-
فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي
...
-
سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
-
وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي
...
-
-كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟
...
-
ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق
...
المزيد.....
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
-
الهجرة إلى الجحيم. رواية
/ محمود شاهين
المزيد.....
|