أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - منعم زيدان صويص - مطلوب تطوير بعض المفاهيم الدينية















المزيد.....

مطلوب تطوير بعض المفاهيم الدينية


منعم زيدان صويص

الحوار المتمدن-العدد: 5050 - 2016 / 1 / 20 - 17:59
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


اعتمدت الديانات الإبراهيمية الثلاث على الإلهام أو الإيحاء المقدس الذي كان له أثر كبير على الشعوب التي اعتنقت هذه الأديان. وكان هناك عاملان رئيسيان جعلا نجاح وانتشار هذه الأديان ممكنا. الأول أن التعليمات المقدسة كانت قريبة من الضمير الإنساني الذي من طبيعته قبول المنطق السليم الذي يعتمد على الضمير، والمبادئ التي تحض الإنسان على أن لا يعتدي على أخيه الإنسان، وأن يحب العدالة، وأن لا يسرق، وأن لا يزنى أو يرتكب الموبقات أو يقتل من دون وجه حق، وأن يؤدي فروضه الدينية، من عبادة وصلاة وصوم. وبالمناسبة هذه الصفات مشتركة في جميع الأديان، من الشنتو في اليابان إلى حضارة الإنكا البائدة في أمريكا الجنوبية. والعامل الآخر هو أن التعليمات التي أوحي بها للأنبياء كانت قريبة لفهم الناس في تلك العصور، لغويا ومنطقيا، ولم يحصل أن جاء المبشرون بهذه التعليمات المقدسة بشي لا يلائم طبيعة أو مستوى الناس الذين عاشوا بينهم. وكل هؤلاء المبشرين سعوا لإقناع الناس بترك العادات السيئة التي هي في الحقيقة لا تلائم الطبيعة السوية للبشر وما فطروا عليه. وكانت تعليماتهم مبنية على الخلق القويم الذي تشدّد عليه كل الديانات.

وبناء على ذلك، ومن الطبيعي، أن هؤلاء المبشرين بمعتقداتهم الجديدة لم يأتوا بأي شيء غريب على مشاعر وأسماع الناس الذين كانوا يحاولون استمالتهم وإقناعهم بما جاؤا به، ولم يكن مطلوبا من هؤلاء الناس أن يؤمنوا بأي شيء غريب عنهم. ولم يحاول هؤلاء المبشرون أن يحمّلوا الناس ما لا طاقة لهم به أو أن يذكروا لهم أشياء غريبة عنهم لا يفهمونها أو لا يستوعبونها. فالأشياء التي ذكروها والأوصاف التي أعطوها لما هو موجود في المجتمع في تلك الأزمنة كانت قريبة من فهم الناس ومتماشية مع حياتهم – ما تأكل الناس وما تشرب وتستسيغ ، وكيف يتعاملون مع بعضهم بعضا. لم يكن من المتوقع من أصحاب الديانات هؤلاء أن يذكروا للناس أن الله قال لهم أن الأرض كرة تسبح في الفضاء وأنه يوجد آدميون مثلهم على الجزء الآخر من الكرة، وأنهم لا يسقطون عنها لأن الأرض تجذبهم نحوها. لم يكن من المتوقع من أصحاب هذه الديانات أن يقولوا لمجتمعاتهم أن الناس على الجانب الآخر من الأرض يأكلون "الطماطم والبطاطس والموز" مثلا، وهي خضار وفواكه لم يعرفها أبناء الديانات الثلاثة ألا بعد اكتشاف العالم الجديد، أو أن عندهم مخلوقات وحيوانات تختلف عن المخلوقات والحيوانات التي ألفوها، لأن هذه المعلومات لن تجعلهم أكثر إيمانا بل تشتت أذهانهم. هل كان من الممكن أن يتحدثوا إليهم عن حقائق الكون، ويجبروهم على أن يقلبوا المعلومات الجديدة حتى لو لم يفقهوها، وأن يقولوا لهم إن السماء التي يرونها زرقاء في النهار لا وجود لها في الحقيقة وأن الضوء القادم من بعض النجوم يصل إلى الأرض بعد ملايين السنين وأن بعضها لم يصل ضوءه الأرض بعد؟ لقد قدم موسى لشعبه فكرته عن الخليقة والخطوات التي اتخذت لخلق الكون في ستة أيام، وذكر لهم الصباح والمساء قبل أن يتحدث لهم عن خلق الشمس، وكانت هذه التعاليم أقرب شيء لخيال الناس وفهمهم في ذلك الحين، ولكننا نعرف الآن أنها لا يمكن أن تكون صحيحة. هل كان الناس سيصدقون موسى لو ذكر، أو تنبأ لهم، بالحقائق العلمية التي اكتشفت بعده بآلاف السنين؟

إذا كنا نؤمن بذلك فلماذا لا نعدل بعض التعليمات أو المفاهيم المقدسة القديمة بما يلائم أفكار البشر الحالية والاكتشافات العلمية الهائلة وما يفرضه المنطق وقريحة البشر في هذا العصر؟ هل يمكن تطوير المفاهيم الدينية؟

لقد كانت هذه المفاهيم تلائم الطقس في البلدان التي ظهر فيها هؤلاء المبشرون أو الأنبياء أو المصلحون، وكانت أيضا تلائم الجغرافيا والمناخ. خذ الصلاة خمس مرات في اليوم على سبيل المثال وتخيل كيف كان الناس يعيشون في مكة والجزيرة العربية. كان رب العائلة يصحو مع الفجر، ويذهب للعمل وسرعان ما ترتفع الشمس إلى وسط السماء ويصبح الجو حارا جدا ولذلك لا يستطيع أن يبقى في عمله في السوق أكثر من ست أو سبع ساعات بعدها يعود إلى منزله ولا يرجع إلى العمل إلا في اليوم التالي. ولذلك كان باستطاعة الناس أن تصلي في البيت مرة قبل شروق الشمس، وتذهب إلى أعمالها لمدة ست أو سبع ساعات، وهي فترة عمل كافية في اليوم، ثم تعود إلي المنزل لتصلي مرة ثانية في الظهيرة. ويبقى الناس في البيوت فيصلون بكل سهولة العصر والمغرب والعشاء. غير أن ما يلائم سكان مكة والمدينة والجزيرة العربية لا يلائم الناس في كثير من مناطق العالم، وخاصة في هذا العصر حيث ينتشر المسلمون في جميع أنحاء الدنيا، وخاصة إذا كانوا يعيشون في مجتمع غير مسلم، حيث يضطر المسلم إلى التوقف عن العمل أكثر من مرة ليقوم بالصلاة.

وفي منطقتنا الآن تتكرر المطالب بالإصلاح، وبفصل الدين عن الدولة، وتفسير التعاليم الدينية تفسيرا صحيحا ومنطقيا، وتنمو وتنتشر الاقتراحات التي تدعو إلى التغيير. والحقيقة أن التغيير الذي نقترح لا يمت بصلة للجانب الروحي من الدين وإنما للجانب المادي أو الدنيوي المتغير، ومعنى هذا أن مطالب التغيير لا تمس جوهر الدين. فالتغيير المطلوب يتعلق بالتعاليم المادية التي تلقاها المؤمنون في العصور الماضية والتي كانت مفصّلة على قدر قريحة وفهم الناس في ذلك الزمان، فلا يمكن أن نتوقع أن نجد فيها تفسيرا للكسوف والخسوف عل سبيل المثال. التعليمات الدينية غير الروحية مأخوذة من العادات التي سادت في ذلك الزمان وليس لها تأثير على الإيمان.

التطور حصل في مواقف الكنيسة الكاثوليكية، ولا يزال يحصل في هذا العصر. يقول البابا فرنسيس أن نظرية الانفجار العظيم، وهو الحدث الذي حصل لحظة خلق الكون، كما يعتقد العلماء، نظرية صحيحة وأن الله "ليس بساحر وبيده عصى سحرية." كان البابا يتكلم أمام علماء وخبراء فوضع حدا "لنظريات الكنيسة" المتعلقة بما يسمى قصة الخليقة و"التخطيط الذكي،" وأيد البابا نظرية دارون حول النشوء والارتقاء والبقاء للأصلح. وقال البابا: لم تعد الكنيسة تعتقد "بجهنم أزلية" لأن "حب الله للإنسان ليس له حدود،" وقال أن قصة آدم وحواء قصة خيالية وجهنم تشبيه يقصد به "العزل المؤقت للروح،" ولكن كل الأرواح "ستتحد في النهاية في حب مع الله." إن التعليمات الدينية كما نعرفها يجب أن لا تفسر أو تطبق حرفيا.

في هذا القرن رأينا تغييرا في مقاربة بعض الأفكار الإسلامية، ففي عام 2008، ألف الشيخ يوسف القرضاوي كتابا عنوانه "فقه الجهاد: دراسة مقارنة لأحكامه وفلسفته في ضوء القرآن والسنة." لم يحظ كتاب فقه الجهاد بكثير من التحليل والتعليق، ولفّه التعتيم، لا بل انه هوجم من قبل معظم حركات الإسلام السياسي والمتطرفين الذين يدمرون الإسلام الآن، واضطر القرضاوي، تحت التهديد، إلى تجاهله.

إن رأي القرضاوي في هذه المسألة وتأييده من قبل أسلامي رفيع مثل راشد الغنوشى أمر في غاية الأهمية. لقد راجع الغنوشى الكتاب مراجعة مستفيضة، وبدا معجبا به. يقول الغنوشى: "يعتبر المؤلف أن الجهاد ضد الظلم والفساد في الداخل مقدّم على جهاد الكفر والعدوان الخارجي، إلا أنه يؤكد أن المواجهة السلمية هي الأصل في الوقوف في وجه الظالمين مستفيدين مما طور الآخرون من صيغ معقولة في مواجهة سلاطين الجور، ويقصد بذلك الأنظمة الديمقراطية مثل البرلمانات المنتخبة والأحزاب والفصل بين السلطات."

ويقول انه في ظل الاعتراف الدولي بحقوق الإنسان ومنها حقه في حرية الاعتقاد والدعوة إليه وإقامة مؤسساته وحماية الأقليات ينتفي مسوغ أساسي من مسوغات جهاد الطلب، أي الغزو من أجل الدعوة إلى الإسلام وما كان يهدف إليه من إزاحة عقبة الأنظمة الطاغوتية التي كانت تمنع الشعوب من أن تفكر أو تؤمن. ويضيف القرضاوي، وكأنه يتحدث عن داعش وقوى التطرف الأخرى: " أنك قد تجد الكثير ممن هو مستعد لأن يموت في سبيل الله ولكن القليل القليل ممن يملك الاستعداد ليعيش في سبيل الله."

ليس هناك للآن اقتراحات عملية لمعالجة الإرهاب والمبادئ الخاطئة التي بني عليها. يجب أن تفسر بعض الآراء الدينية تفسيرا منطقيا. متى يستطيع الفرد في مجتمعاتنا أن يصرح برأيه بدون أن يخاف، وبدون أن يفسر رأيه بأنه إهانة للدين أو المتدينين؟ متى يستطيع طلاب المدارس والجامعات والمثقفون أن يبحثوا المسائل الدينية بصراحة، ولكن دون غضب أو تعصب واستهزاء بآراء الآخرين؟



#منعم_زيدان_صويص (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا لا نحاول أن نفهم أفكار من نختلف معهم؟
- كيف استفادت إسرائيل من تهديدات إيران وحزب الله
- تاريخ العرب الحديث .. تجارب مدمرة وفشل ذريع
- رمضان هذا العام .. فرصة لنسيان سنة مُرعبة
- نجمُ الأُمّة الكرْدية يبزُغ في سماء المنطقة
- بعد عاصفة الحزم .. ماذا على الدولة السعودية أن تفعل؟
- فُرصَة أمريكا لفرض حلّ للقضية الفلسطينية
- الهجمات الانتحارية وحصادها المُرّ
- التقدم يعني التغيير
- عِلّةُ ذلكَ الإخفاقِِ
- إعلام الإرهاب يشكل خطرا على مصر
- المؤامرات وجيل التكفير
- آن الأوان لتطهير الدين من السياسة
- عزوف الشعوب العربية عن القراءة
- الوجوه المتعدّدة لرجب طيب أردوغان
- الحملة الحالية ضد الفكر الإرهابي جاءت متأخرة
- بان كي مون و أحمد إبن داود
- هل سنبقى نعيش في الماضي؟
- هل من وسيلة لحماية المسيحيين العرب؟
- إنعدام فرص الديمقراطية في العالم العربي


المزيد.....




- “العيال الفرحة مش سايعاهم” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد بج ...
- الأوقاف الإسلامية في فلسطين: 219 مستوطنا اقتحموا المسجد الأق ...
- أول أيام -الفصح اليهودي-.. القدس ثكنة عسكرية ومستوطنون يقتحم ...
- رغم تملقها اللوبي اليهودي.. رئيسة جامعة كولومبيا مطالبة بالا ...
- مستوطنون يقتحمون باحات الأقصى بأول أيام عيد الفصح اليهودي
- مصادر فلسطينية: مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى في أول أيام ع ...
- ماذا نعرف عن كتيبة نيتسح يهودا العسكرية الإسرائيلية المُهددة ...
- تهريب بالأكياس.. محاولات محمومة لذبح -قربان الفصح- اليهودي ب ...
- ماما جابت بيبي أجمل أغاني قناة طيور الجنة اضبطها الآن على تر ...
- اسلامي: المراكز النووية في البلاد محصنة امنيا مائة بالمائة


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - منعم زيدان صويص - مطلوب تطوير بعض المفاهيم الدينية