أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - جواد كاظم غلوم - أنا وصديقي الحميم أخصائيّ أمراض القلب














المزيد.....

أنا وصديقي الحميم أخصائيّ أمراض القلب


جواد كاظم غلوم

الحوار المتمدن-العدد: 5047 - 2016 / 1 / 17 - 21:21
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
    


أنا وصديقي الحميم أخصائيّ أمراض القلب

صديقي العتيد المعتّق الطبيب الحاذق والموغلة علاقتي به من زمن الفتوّة والصبا ومازالت في أوج توهّجها ، هذا الصديق يتصل بي بين الفينة والفينة كلما احسّ بوجود وقت فراغ لديه وما أقلّ فراغهُ في غمرة انشغالاته الجمّة ، يتنقل من مشفى الى آخر وهو الاخصائيّ الضليع في امراض القلب والاوعية الدمويّة لنقضي جلسات ومسامرات بصحبة بعض اصدقائنا القدامى فقد اعتدنا على ان نرتّب لقاءاتنا كلما اكرمنا الوقت بفسحة من اللقاء
ومن طباع الصديق الحميم واهتمامه الملفت بي انه لايني يراقب وضعي الصحي باهتمام بالغ ويعمل على فحص ضغط الدم بنفسه كلما التقينا ، هذا الرجل الصديق المزدحم على الدوام والذي يندر جدا اللقاء به لكثافة عمله ؛ يحسب عدد دقات قلبي المتعب ويرغمني على فحص دمي من المختبر الملاصق الى عيادته دون ان يكلّفني مالا من جيبي الشحيح اصلا من اجل معرفة نسبة السكّري الذي لازمني طويلا ويوصيني بانتقاء ما أتناوله راجيا مرةً وحازما مرةً اخرى لو رأى مني هوانا او تكاسلا ويتندّر معي ساخرا قائلا : انني طوع أمرك الان
لكن الغريب حقا ان صديقي النطاسيّ العزيز عليَّ لا يبدي ايّ اهتمام بوضعه الصحي المعتلّ هو الاخر ويتناسى انه مثلي مبتلٍ بدزينة من الامراض الشائعة ونحن على اعتاب الشيخوخة وجسده صار مرتعا خصبا للأمراض وكلما اهمس في أذنه مشاغبا ومداعبا ان يلتفت الى نفسه اول الامر غير انه يردّ عليّ مازحا بان باب النجار ستبقى مخلوعة وان حذاء الاسكافي الماهر سيبقى متهرئا ، ولايخفي عليّ صراحته المعهودة بأنه اكثر مرضا من مراجعيه المرضى غير انه يتحامل على نفسه ويحمل عبء أسقامه معه طالما ان مريديه المرضى هم بأمسّ الحاجة اليه
ويعلل ذلك بقوله ان الاطباء المصابين بالسقام يمكن ان يكونوا اصعب انواع المرضى تعاملاً لانهم نادرا ما يراجعون زملاءهم ذوي الاختصاص ولايأبهون بالعلل السود الكامنة وراء ملابسهم البيض لايتعاطون الادوية والعقارات التي يقترحونها ويصفونها لمراجعيهم ، كما انهم أقلّ الناس ممارسة للرياضة وكثيرا ماتزداد معاناتهم النفسية عندما تبلغ بهم نرجسية التفوّق العلمي وقد تصل الى حدّ العجرفة والثقة بالنفس مبلغا ؛ اذ يعمدون الى تناول الادوية بأنفسهم عند اقتضاء الحاجة دون استشارة زملائهم الاخصائيين ربما لشدة ثقتهم التي يتوهمونها انها الأنجع والأكثر فعالية وقد يُكذّبون حتى نتائج التحليلات الخاصة بهم عندما تردهم من غرف المختبر ويبدو ان أمثالنا السائرة بين ظهرانينا لم تجانب الصواب حين تندّرت وتعجبت كيف ان " طبيبا يداوي الناس وهو عليل "
وتبقى غرائب الحياة شائعة ومحيّرة حقا فالنجار الماهر الذي يلوي الخشب الصلب ويلينه باحتراف متقن قد يصل حدّ البراعة وبلمسات فنية تخلب الانظار وتسحر الالباب يعجز تماما عن اصلاح باب بيته المتهالكة وكذا الاسكافي الذي يفهم تماما ان اناقة الانسان تبدأ من حذائه اولا لكنه لا يفلح ابدا من ان ينتعل حذاءً جميلا مريحا وتراه يبخس على نفسه جديدا ويقنع ذاته ان يلبس حذاءً طنبوريا تالفا مع انه يشغل كلّ ذهنه ومهارته لتصميم احذية فيها من الابتكار والصنعة الحسنة الشيء الكثير مثل حال صديقنا الطبيب اللوذعي الذي لا يعبأ ابدا بوضعه الصحي وكلّ اهتمامه ان يرضيني ويرضي مراجعيه المرضى المبتلين بالأسقام
ويبدو ان معظم الاشخاص – أصحّاء كانوا أم مبتلين بالسقام -- لايتصرفون بعقلانية تجاه صحتهم بما في ذلك ممتهنو الطب البشري وما يتعلق بهم من صيادلة وممرضين وذوي المهن الصحية اذ ان سلوكهم الخاص تجاه صحتهم ليس خاضعا للعقل الاّ بنسبة قليلة جدا ومن النادر جدا ان ترى احدا يفكّر في اضافة خمس او ست سنوات الى عمره لو التزم بوصايا ونصائح الناصحين ذوي الخبرة والاختصاص الطبي
فمن منّا نهض صباحا ليمارس رياضة الجري والهرولة سواء كنا فتيانا او في مراحل العمر المتأخرة او انتقى طعاما صحيا بحسابات السعرات الحرارية وفق مقادير محسوبة ، وحتى لو مارسناها أمدا محدودا فاننا نادرا مانواظب عليها لتكون عادة متّبعة متداولة يوميا وكم عجزنا عن اقناع اولادنا الشباب للاقلاع عن التدخين او الحذر من السمنة المفرطة مع اننا نمتلك البراهين والادلّة على خطورتها ودنوّها من الموت لكننا ننعطف كثيرا للاهتمام بصحتنا حينما ينذرنا العطل او يقتحمنا المرض المفاجئ وتبدأ التوقعات السيئة بالظهور الى العلن مما يعني بجلاء اننا لانفكّر باوضاعنا الصحية مبكرا ونفتقد الرؤيا العلاجية على المدى البعيد واعتقد جازما ان هذا الحال جزء من تكويننا النفسي وقد اكون انا وصديقي الطبيب الماهر من هؤلاء الذين لايبالون بعافيتهم الاّ بعد فوات الاوان
مما يبعث الراحة في نفسي حينما ارى البعض يسابق ظهور الامراض واوجاع الشيخوخة ويعمل على تعطيلها مدة اطول ويولي اهتماما ملحوظا بعافيته ليكسب مزيدا من سنوات العمر لحياته من خلال ترويض نفسه وانتقاء الطعام الافضل لغذائه الصحي والنأي عن كل ما ينغّص مجرى حياته لتكون سلسة وضّاءة مستبشرة يعيشها بهناء لما تبقّى من الحياة ويسير في مسالكها غير الوعرة وكأنه في مشوار عشق للقاء من يحبّ ، وكم ستكون حياتنا بهيجة لو استمررنا على هذا المنوال ، وهذا ماأوصاني به صديقي الطبيب دون ان يوصي نفسه اولا فهذه غرائب الحياة ان يهتمّ الإنسان بالآخرين ويغفل ذاته ولا ادري هل فات الأوان أم مازال في العمر بقية لنعيشه على أفضل مايرام



جواد غلوم
[email protected]



#جواد_كاظم_غلوم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل من مؤشرات لتشديد قوانين الهجرة والإقامة في اوروبا ؟؟
- فياغرا شعرية لشيخ عاشق
- انتظارٌ وصداعٌ أمام بوابة التفتيش
- أيها الآباء والأمهات كفّوا عن إغراق أطفالكم
- هل سترقص الديمقراطية فرحا في العراق ؟؟
- بين ثوّار العولمة الجديدة وثوار حركات التحرر الوطني
- المستشارة الالمانية ميركيل سليلة نسوة الانقاض
- يومٌ مثقلٌ بالنشوة
- قصيدةٌ بعنوان - حُلُمٌ يخاتلُ طريدتهُ -
- العراق ورداؤه العشائريّ المهلهل
- متى نبدأ عصر التنوير ؟
- شرَرٌ يتطايرُ من مثوى ابن المقفّع
- عشقٌ من وراء زجاج
- مِنَ الملوك اذا حكموا دولةً أنهضوها
- بغداديو أميركا بيكون جَدّتهم
- لا أريد ان أكون مليونيرا
- صفحاتٌ ممزّقة من كتاب الوعد والعهد
- سيلفي من كاميرا السلف الصالح
- السلطة القضائية في العراق لعبة في أيدي أطفال السياسة
- متى تتحوّل الاحتجاجات والتظاهرات العراقية الى انتفاضة ؟؟


المزيد.....




- الطلاب الأمريكيون.. مع فلسطين ضد إسرائيل
- لماذا اتشحت مدينة أثينا اليونانية باللون البرتقالي؟
- مسؤول في وزارة الدفاع الإسرائيلية: الجيش الإسرائيلي ينتظر ال ...
- في أول ضربات من نوعها ضد القوات الروسية أوكرانيا تستخدم صوار ...
- الجامعة العربية تعقد اجتماعًا طارئًا بشأن غزة
- وفد من جامعة روسية يزور الجزائر لتعزيز التعاون بين الجامعات ...
- لحظة قنص ضابط إسرائيلي شمال غزة (فيديو)
- البيت الأبيض: نعول على أن تكفي الموارد المخصصة لمساعدة أوكرا ...
- المرصد الأورومتوسطي يطالب بتحرك دولي عاجل بعد كشفه تفاصيل -م ...
- تأكيد إدانة رئيس وزراء فرنسا الأسبق فرانسو فيون بقضية الوظائ ...


المزيد.....

- الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2) / عبد الرحمان النوضة
- الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2) / عبد الرحمان النوضة
- دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج ... / محمد عبد الكريم يوسف
- ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج / توفيق أبو شومر
- كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث / محمد عبد الكريم يوسف
- كأس من عصير الأيام الجزء الثاني / محمد عبد الكريم يوسف
- ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية / سعيد العليمى
- الشجرة الارجوانيّة / بتول الفارس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - جواد كاظم غلوم - أنا وصديقي الحميم أخصائيّ أمراض القلب