أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسن عجمي - الفلسفة الإنسانوية في مواجهة فلسفة الثنائيات















المزيد.....

الفلسفة الإنسانوية في مواجهة فلسفة الثنائيات


حسن عجمي

الحوار المتمدن-العدد: 5046 - 2016 / 1 / 16 - 22:29
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


نرتحل في هذا المقال إلى عوالم الفلسفة الإنسانوية التي تؤكد على محورية الإنسان في الوجود و تدافع عن حقوقه و علومه. فالفلسفة الإنسانوية توحِّد بين مقبولية العلم و قبول الحقوق الإنسانية. كما نشهد الصراع الفكري بين الإنسانوية و فلسفة الثنائيات.

الإنسانوية العلمية

يُعتبَر أينشتاين مدافعاً قوياً عن الفلسفة الإنسانوية و ممثلاً لها. فمثلاً , يقول أينشتاين إنه لا بد للفعل الأخلاقي أن يعتمد على التعاطف مع الآخرين و على التربية العلمية و الروابط الاجتماعية و ليس بالضرورة أن يعتمد على دين معين. هذا لأن الإنسان سيكون في وضع حرج أخلاقياً في حال كانت أخلاقه معتمدة على الثواب و العقاب بدلاً من اعتمادها على التعاطف الإنساني. هكذا , بالنسبة إليه , الإنسان و علاقته بإخوته في الانسانية محور الأخلاق و معيارها. و يؤكد أينشتاين على أنه لا يوجد هدف أو إرادة خارج الفضاء الإنساني و بذلك لا يوجد إله شخصي. فإله أينشتاين هو إله الفيلسوف سبينوزا المتجلي في انسجام كل ما يوجد و ليس إلهاً مرتبطاً بسلوك الإنسان. على هذا الأساس , من منظور أينشتاين , الإنسان مصدر الإرادة و الأهداف تماماً كما أنه مصدر الأخلاق. و هذا ما يمكن أينشتاين من التعبير عن الفلسفة الإنسانوية المرتكزة على محورية الإنسان في الوجود. فخارج الإنسان لا يوجد هدف و لا إرادة و لا أخلاقيات. هذا لا يعني أنه يرفض الدين بل يقول إن العلم بلا دين أعرج و الدين بلا علم أعمى. هكذا العلم و الدين دعامتا إنسانية الإنسان و من خلال أنسنتهما تبنَى محورية الوجود الإنساني. كما يصر أينشتاين على أنه يجب على العلماء كعلماء الفيزياء و الكيمياء و البيولوجيا أن يتحملوا مسؤولياتهم تجاه مجتمعاتهم و لا بد من أن يكون العالِم منظِّراً إجتماعياً أيضاً بهدف أنسنة العلوم. فمن خلال أنسنة العلوم و نشرها بين الناس و جعلها فعّالة في حياة البشر سوف يتمتع الإنسان بإنسانية أعلى. من منطلق فلسفته الانسانوية أيضاً , يرفض أينشتاين العنف و يدعو إلى تربية الأجيال على عقيدة إحلال السلام و رفض الحروب. فالسلام بالنسبة إليه هو التعبير الأرقى عن القيم الإنسانية. و لا يتحقق السلام سوى من خلال قبول الحقوق الانسانية و تطبيقها و لذلك دافع أينشتاين عن الحقوق الانسانية و ناهض العنصرية. و لا سلام من دون حريات مبنية على علوم و أديان مؤنسنة. لذا يؤكد أينشتاين على محورية الحرية الإنسانية قائلاً إن كل شيء عظيم معتمد في وجوده على الحرية (Albert Einstein : Essays in Humanism. 2011. Philosophical Library / Open Road ).

أما عالِم البيولوجيا إدوارد ويلسون فيتابع طرح الفلسفة الانسانوية من منطلقات علمية فيؤسس لنشوء الإنسانوية العلمية كما فعل أينشتاين. بالنسبة إليه , تطور الإنسان كان نتيجة بيولوجية الإنسان و ثقافته. و لذلك الطريقة الوحيدة لكي نعلم ما معنى أن يكون الإنسان إنساناً تكمن في دراسة بيولوجية الإنسان و ارتباطه بالثقافة. و بذلك يستنتج ويلسون أن معنى وجود الإنسان مصدره نحن و تاريخنا. يقول ويلسون أن نكون بشراً يعني أن نكون مالكين لعقول قادرة على تخيل سيناريوهات ممكنة و مالكين لثقافات معقدة و قادرين على إدراك أنه توجد وقائع خارج وجودنا الإنساني. و يؤكد على أن العلوم و خاصة علم التطور البيولوجي أساس فهمنا لمعنى الوجود الإنساني. هكذا يدافع عن العلم على أنه السبيل الوحيد للحصول على المعرفة الحقيقية. و بذلك يدافع عن مركزية الإنسان في الوجود علماً بأن العلم بالضرورة يتكوّن مما يعلم الإنسان كما ورد في سياق خطابه الإنسانوي. و يدعو ويلسون إلى انصهار العلوم الطبيعية (كالفيزياء و البيولوجيا ) و العلوم الإنسانية ( كالتاريخ و علم الاجتماع و الفلسفة ) في حقل معرفي واحد بسبب احتياجنا إلى كل الميادين المعرفية لكي نفهم معنى الوجود الإنساني. فلا بد للعلوم الطبيعية و العلوم الإنسانية أن تتعاون. و لا تتعمق دراساتنا الإنسانية في علم النفس و علم الاجتماع و الفلسفة مثلاً سوى من خلال قبول سلطة العلوم الطبيعية و الاعتماد عليها في صياغة الدراسات الإنسانية. رغم ذلك العلوم الطبيعية و الإنسانية متحدة في جوهرها و إلا ضاعت المعرفة في انقسامها. من هنا , يقول إن أنجح علماء الطبيعيات يفكرون كالشعراء. فالخيال العلمي - الأدبي ضرورة معرفية لإحتياج العلماء له في تصوّر و تشكيل نظرياتهم. على هذا الأساس أيضاً , أي اهتمام جدي بالفنون و الثقافة و الفلسفة يتطلب الاهتمام بالأصول البيولوجية المتعلقة بتطور الجنس البشري. فلا يكفي أن ندرس ما ينتجه الإنسان , بل لا بد أيضاً من دراسة غريزة الإنتاج الإنساني الكامنة في بيولوجية الكائن البشري. بالنسبة إلى ويلسون , لا يوجد مصير مُحدَّد لنا و لا سر خفي للحياة. و نحن نعلم أننا مستقلون و أحرار و وحيدون لكننا صانعو أنفسنا , و نحن في النهاية كائنات بيولوجية قادرة على التأقلم لكي تحيا في عالم بيولوجي Edward Wilson : The Meaning of Human Existence. 2014. Liveright ) ).

المعرفة كأداة قمع و اضطهاد

لكن فلسفة الثنائيات تعارض الإنسانوية بقوة. لقد تحوّلت المعرفة إلى أداة قمع و اضطهاد في سياق فلسفة الثنائيات التي تهدف إلى التمييز بين المفاهيم و الظواهر. بدأت فلسفة الثنائيات كحاجة معرفية تتمحور حول عملية التمييز بين الحقائق و الظواهر و المفاهيم بغرض فهمها بشكل أعمق. لكنها أمست فلسفة قمعية وظيفتها الأساسية اضطهاد الشعوب و الأفراد , و ذلك من خلال ثنائياتها الكاذبة. ففلسفة الثنائيات تميّز بين الغرب و الشرق و بين المتحضر و غير المتحضر و بين الأنا و الآخر إلخ. و هي بذلك تنشر الانشقاق بين الشعوب و الأفراد ما يؤدي لا محالة إلى الصراع بين الأفراد و الحروب بين الشعوب. هكذا تؤسس فلسفة الثنائيات للعنصرية و الطائفية و المذهبية و تحتم انتشار الصراعات و الحروب. و على هذا الأساس , فلسفة الثنائيات حوّلت المعرفة إلى أداة اضطهاد. فلسفة الثنائيات تصر على أن المعرفة الحقة كامنة في التمييز بين المفاهيم و الظواهر الاجتماعية. فمثلاً , من دون التمييز بين الأنا و الآخر لن نتمكن من فهمهما. و من دون التمييز بين الغرب و الشرق و بين المتحضر و غير المتحضر لن نتمكن من فهم و دراسة الثقافات و الحضارة. بالنسبة إلى هذه الفلسفة , تحليل الظواهر من خلال التمييز الجذري بينها أساس فهم الظواهر و تفسيرها.

مثل ذلك أن فلسفة الثنائيات تعتبر أنه فقط من خلال وصف و تفسير الشرق بطرق مختلفة عن وصف الغرب و تفسيره سننجح في فهم الشرق و الغرب معاً , و ذلك من جراء المقارنة بينهما على أساس أنهما يختلفان جذرياً عن بعضهما البعض. لكن حين تقوم فلسفة الثنائيات بتلك العملية المعرفية المرتكزة على وصف الظواهر و تحليل المفاهيم على أنها مختلفة عن بعضها البعض هي في الحقيقة تجعل المعرفة سلاحاً لإقتتال الأفراد و الشعوب من خلال تبرير تفوّق بعض الأفراد و الشعوب على أفراد آخرين و شعوب أخرى. فحين نعتقد بأن الأنا مختلفة عن الآخر و أن الشرق مختلف عن الغرب و أننا نحن فقط المتحضرون أما الآخرون فغير متحضرين فهذا يؤدي بلا شك إلى الصراع و الحروب فيما بيننا كالصراع بين الشرق و الغرب و الاقتتال بين الأنا و الآخر. من هنا , فلسفة الثنائيات تؤسس للإرهاب الجسدي و النفسي و العقلي و تغتال الحضارة و إنسانية الإنسان. فالحضارة قائمة على إنسانية الإنسان. أما إنسانية الإنسان فكامنة في قبول الآخر على أنه الأنا ما يحتم المساواة بين الأفراد و الشعوب في امتلاك كافة الحقوق كحق أن نكون أحراراً و أغنياء.

فلسفة الثنائيات تقدّم نموذجاً فكرياً معقد المبادىء و التفاصيل. فهي تحدِّد المفاهيم و بذلك تسجن المفاهيم في تعاريف و تحليلات معينة ما يؤدي إلى سجن عقول أتباعها في نظريات معرفية مُحدَّدة سلفاً. و بذلك تقضي فلسفة الثنائيات على الحرية الفكرية. و فلسفة الثنائيات تصر على أنه يوجد تحليل وحيد صادق و نظرية وحيدة صادقة بينما التحليلات و النظريات الأخرى المختلفة كاذبة. و لذلك تنشر التعصب الفكري و العقائدي. فمثلاً , تحدِّد فلسفة الثنائيات المعرفة فتعتبرها إما معرفة علمية معتمدة على الاختبار و البرهنة و إما معرفة دينية غير معتمدة على الاختبار و البرهنة إلخ من أنماط معرفية متنوعة , و فقط معرفة من تلك المعارف أو فقط نمط معرفي واحد هو المعرفة الحقة بينما أنماط المعارف الأخرى كاذبة و مخادعة. هكذا تؤدي فلسفة الثنائيات إلى رفض الآخر المعتقد بمعارف مغايرة لمعارفنا ما يحتم نشوء الصراع العقائدي فالاقتتال الفعلي و الحروب. تقوم فلسفة الثنائيات بكل ذلك لكونها تحدِّد المفاهيم فتسجن عقولنا. على هذا الأساس , فلسفة الثنائيات فلسفة اضطهاد و قمع.

وحدة الإنسانية و الحضارات

في مقابل فلسفة الثنائيات تنمو الإنسانوية كاتجاه فكري بديل. تؤكد الفلسفة الإنسانوية على أن كل البشر يشكّلون إنساناً واحداً لا يتجزأ. و هذه هي فكرة وحدة الإنسانية. و بما أن كل البشر يشكّلون إنساناً واحداً , إذن كل البشر يملكون الحقوق و الواجبات ذاتها و لا بد من معاملتهم جميعاً بمساواة. هكذا تضمن الفلسفة الإنسانوية الحقوق الإنسانية كحق كل فرد في أن يكون حراً من خلال الدعوة إلى المساواة في الحقوق و الواجبات و المساواة في الفُرَص الاجتماعية و الاقتصادية ؛ فمن دون المساواة نخسر الحرية. على هذا الأساس تلغي الفلسفة الإنسانوية الفرق و التمييز بين الأنا و الآخر و تؤسس لنشوء الديمقراطية الحقة المعتمدة على المساواة و الحرية. من المنطلق نفسه , تعتبر الفلسفة الإنسانوية أن كل الحضارات تشكّل حضارة إنسانية واحدة. و هذه هي فكرة وحدة الحضارات. أما الفروق بين ما يُدعى الحضارات و الثقافات فليست سوى فروق ظاهرية عرضية فلا تعبِّر عن الجوهر الأساس و المشترك بين الحضارات و الثقافات المتنوعة. فإذا زارنا كائن فضائي عاقل سوف يرى حضارة إنسانية واحدة لديها تجسدات عديدة. هذا الكائن الفضائي نفسه سيسمع لغة واحدة مشتركة بين كل البشر كما يقول عالِم اللغات نعوم تشومسكي. بالنسبة إلى تشومسكي , كل اللغات المختلفة كالعربية و الانكليزية و الفرنسية إلخ ليست سوى لغة واحدة موجودة في جيناتنا البيولوجية. و هذا يتفق مع المذهب الإنسانوي الذي يعتبر أن كل البشر إنسان واحد و كل الحضارات حضارة واحدة.

تتمكن الفلسفة الإنسانوية من تقديم حجج علمية قوية على صدق مواقفها. فمثلاً , نحن نعرف علمياً أن كل البشر يشتركون في امتلاك الجينات البيولوجية نفسها. و لذا كل البشر ليسوا سوى إنسان واحد. هكذا تعبِّر الإنسانوية علمياً عن فكرة وحدة الإنسانية. كما أن الحضارات نتائج فكر الإنسان و تصرفه. و بما أن كل البشر هُم إنسان واحد , إذن كل الحضارات أيضاً ليست سوى حضارة واحدة. هكذا تنجح الفلسفة الإنسانوية في التعبير عن فكرة وحدة الحضارات. تضيف الإنسانوية أن كل الأديان هي دين واحد ما يسمح لها بالتعبير عن فكرة وحدة الأديان المتفقة مع أفكار وحدة الإنسانية و وحدة الحضارات. فكل دين يدعو إلى المحبة و الرحمة و المسامحة و مساعدة الآخرين. و بذلك كل الأديان واحدة في جوهرها و ماهيتها. أما الفروق بين الأديان فليست سوى اختلافات ظاهرية لا ترتبط بجوهر الأديان الكامن في المحبة و الرحمة. هكذا توحِّد الفلسفة الإنسانوية بين البشر و الحضارات و الأديان فتغدو أساساً متيناً لتحقيق السلام و بناء حضارة إنسانية أرقى على نقيض من فلسفة الثنائيات التي تميِّز بين البشر فتؤسس للصراعات و الحروب.

الإنسانوية ترفض فلسفة الثنائيات. فمثلاً , ترفض الفلسفة الإنسانوية التمييز بين المتحضر و غير المتحضر و بين المثقف و غير المثقف و بين الشرق و الغرب إلخ. و هي بذلك تبني مذهبها الإنسانوي. فحين ترفض الإنسانوية الثنائيات كافة و تعتبرها كاذبة هي في الحقيقة تعتبر أنه لا يوجد تمييز حق بين الأفراد و الشعوب و بذلك تدافع عن فكرة وحدة الإنسانية. و عندما تقوم بهذا تحرر المعرفة فتحررنا لأنها تؤكد على أن المعرفة كامنة في اعتبار أن كل البشر يشكّلون إنساناً واحداً فقط كما يوضح العلم المعاصر الذي يقول إننا كلنا نملك الجينات الحية نفسها و لذلك كلنا كيان واحد لا يتجزأ. و بما أن الإنسانوية ترفض فلسفة الثنائيات , إذن الصراع حتمي بينهما. لكن هل ستنتصر الفلسفة الإنسانوية أم فلسفة الثنائيات؟ هذا يعتمد على قرارنا نحن.

للفلسفة الإنسانوية تطبيقات عدة. فمثلاً , من الممكن للإنسانوية أن تتبنى فكرة أن الحضارة غير مُحدَّدة. و بذلك يستحيل التمييز بين المتحضر و غير المتحضر ما يضمن عدم التمييز بين البشر على أساس أن هذا الفرد متحضر بينما الآخر غير متحضر. هكذا تنجح الإنسانوية في تحرير الحضارة من حضارة مُحدَّدة سلفاً. فبما أن الحضارة غير مُحدَّدة , إذن تعتمد الحضارة علينا نحن في تشكيلها و تكوينها. و بذلك تحررنا من مفاهيمنا المحدَّدة سلفاً حول الحضارة فتحرر الحضارة أيضاً من سجون ماضي الحضارة الإنسانية. و علماً بأن الحضارة غير مُحدَّدة , إذن لا بد من السعي المعرفي الدائم نحو اكتشاف و اختراع الحضارة و تحقيقها. و استمرارية البحث المعرفي فضيلة كبرى. هكذا تكتسب الفلسفة الإنسانوية فضائل معرفية أخرى. و هكذا أيضاً تجعلنا الإنسانوية صانعي الحضارة بدلاً من عبيد لها.

وحدة المعارف و الحقائق

تعتبر الفلسفة الانسانوية الفائقة أن كل المعارف تشكّل معرفة واحدة لا تتجزأ تماماً كما أن كل الحقائق هي حقيقة واحدة لا تنفصل. و بذلك تعبِّر الفلسفة الانسانوية عن فكرة وحدة المعرفة و وحدة الوجود المنسجمتين مع أفكار وحدة الانسانية و الحضارات و الأديان. و بما أن كل المعارف تكوِّن معرفة واحدة , إذن من الخطأ التمييز بين الميادين المعرفية المتنوعة في حقول العلم و الفلسفة و الأديان ما يحتم عدم التعصب لنمط معرفي ضد آخر. و بذلك تنجح الفلسفة الانسانوية في التعبير عن جوهر فكرها ألا و هو المساواة بين البشر المنتمين إلى معارف و عقائد متنوعة كما تعبِّر هنا عن رفض التعصب الفكري و العقائدي. من المنطلق نفسه , بما أن كل الحقائق تشكّل حقيقة واحدة , إذن من الخطأ إدعاء احتكار الحقيقة من قبل فرد أو جماعة و غيابها عن أفراد آخرين أو جماعات أخرى. و بذلك تضمن الفلسفة الإنسانوية المساواة بين البشر المالكين لحقائق متنوعة كما تضمن عدم التمييز بين الناس على أساس أن هذا الفرد يملك الحقيقة بينما الآخر لا يملكها.

المعرفة غير مُحدَّدة تماماً كالحقيقة. لذا كل من المعرفة و الحقيقة تتجسد في تجليات متنوعة كتجسدها في المعرفة العلمية أو الفلسفية أو الدينية ما يحتم عدم إنكار امتلاك المعرفة من قبل الآخرين و ما يتضمن بدوره قبول الآخر فتحقيق الإنسانوية في الواقع المعاش. و بما أن المعرفة و الحقيقة غير محددتين , إذن لا بد من البحث المعرفي المستمر عنهما. و بذلك تضمن الإنسانوية استمرارية البحث المعرفي. و في هذا فضيلة كبرى. على ضوء هذه الفلسفة الإنسانوية , الإنسان غير مُحدَّد أيضاً. و بما أن الإنسان غير مُحدَّد , إذن الإنسان حر من قيود ماهية و صفات مُحدَّدة سلفاً. و حرية الإنسان جزء أساسي من الفلسفة الإنسانوية. و بما أن الإنسان غير مُحدَّد , إذن لا يوجد تعريف مُحدَّد للإنسان. و لذلك لا يستطيع أحد بحق أن يدعي أنه إنسان حقاً بينما الآخر فاقد لإنسانيته. من هنا , تضمن الفلسفة الإنسانوية تساوي الناس في إنسانيتهم و عدم التعصب ضد الآخر المختلف.

الفلسفة الإنسانوية هي الضمانة الوحيدة للخلاص من الطائفية و المذهبية و العنصرية و القضاء على الحروب و الصراعات بين الشعوب و ضمن الشعب الواحد. فعندما يؤمن الفرد بالفلسفة الإنسانوية سيعامل الجميع بتساوٍ و ينظر إلى الآخر على أنه الأنا فتزول الصراعات المختلفة و تتحقق إنسانية الإنسان. إنسان بلا فلسفة إنسانوية إنسان وهمي.



#حسن_عجمي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غزل فلسفي : كولونيا
- الفلسفة الاسلامية و دورها الاجتماعي و السياسي
- فلسفة الدين بين الحداثة و ما بعد الحداثة
- فلسفة الحياة و العقل و اللغة
- البحث عن لغات فكرية جديدة
- فلسفة الزمن و الكون و الوهم
- فلسفة العلم و الديمقراطية
- سوبر تفكيك الأصولية و الإرهاب
- الديمقراطية نظام تواصلي و معلوماتي
- فلسفة الكون المعلوماتي
- الكون نظام تواصلي
- العلم إعجاز لغوي
- العلم عملية تصحيح لغوية
- السوبر تخلف : ما بعد الديمقراطية و الديكتاتورية
- فلسفة العلم في مواجهة فلسفة الجهل
- المعرفة بين السوبر حداثة و السوبر تخلف
- اللغة بين السوبر حداثة و السوبر تخلف
- العقل بين السوبر حداثة و السوبر تخلف
- فلسفة المجتمع العربي الإسلامي
- فلسفة الحوار العربي


المزيد.....




- الطلاب الأمريكيون.. مع فلسطين ضد إسرائيل
- لماذا اتشحت مدينة أثينا اليونانية باللون البرتقالي؟
- مسؤول في وزارة الدفاع الإسرائيلية: الجيش الإسرائيلي ينتظر ال ...
- في أول ضربات من نوعها ضد القوات الروسية أوكرانيا تستخدم صوار ...
- الجامعة العربية تعقد اجتماعًا طارئًا بشأن غزة
- وفد من جامعة روسية يزور الجزائر لتعزيز التعاون بين الجامعات ...
- لحظة قنص ضابط إسرائيلي شمال غزة (فيديو)
- البيت الأبيض: نعول على أن تكفي الموارد المخصصة لمساعدة أوكرا ...
- المرصد الأورومتوسطي يطالب بتحرك دولي عاجل بعد كشفه تفاصيل -م ...
- تأكيد إدانة رئيس وزراء فرنسا الأسبق فرانسو فيون بقضية الوظائ ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسن عجمي - الفلسفة الإنسانوية في مواجهة فلسفة الثنائيات