أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - ساكري البشير - مقتطف من كتاب: -المفكر والمثقف- - المسيحية بين مشكلة العقل والإنسان -















المزيد.....

مقتطف من كتاب: -المفكر والمثقف- - المسيحية بين مشكلة العقل والإنسان -


ساكري البشير

الحوار المتمدن-العدد: 5045 - 2016 / 1 / 15 - 19:13
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


إنّ دخول الدين المسيحي أرض المعركة مع الأديان الأخرى، أو بالأحرى الآلهة التي كانت تُعبد آنذاك، لم يكن الإنتصار بعيدا عنه بقدر ما كان قريبا جدا، خاصة بعد تولي قسطنطين زمام الحكم ليعلن رسميا أن الدين الرسمي للإمبراطورية هو المسيحية، لهذا لم يبقى بين العامة سوى وضع إيمانهم على قاع المسيحية إما خوفا من العقاب الذي سيلحق بهم لو لم يؤمنوا به، أو قناعةً منهم بأنه دين الخلاص، إلا أن الذي يبعث على التساؤل هنا هو: أين تلك العقول التي كانت تعكف في البحث عن الحقيقة؟
بعد غلق المدارس الفلسفية على طول الزمن الذي ساد فيه العنف والتطرف الديني في تلك الفترة، ساهمت المسيحية في ترويض تلك العقول خدمة للكنيسة وليس خدمة للدين، لأن ذلك الدين كان منزّهًا عن الخطأ، ولعلّنا نحن كمسلمين عندنا من الحقيقة ما يكشف عن إجابات متحررة من البحث الذي كلف أوروبا قرونا، فالمسيح نبٌّي مُرسل من الله سبحانه وتعالى ليخلص البشرية من التيه والهرطقة التي كانت سائدة داخل تلك الشعوب، بل جاء لينير الأرض بمنهج رباني، إلاّ أنّ أتباع المسيح قد غرّتهم أمانيهم، ليكتبوا ما سولت لهم أنفسهم، وليفرضوا قوانين لم يرضى بها العباد، فكيف سيرضى بها ربُّ العباد.
ولنستدل بما يكتبه الغرب عن عقل ذلك العصر، ولنستمع إلى ويليام ويويل الأستاذ في جامعة كامبريدج في أواسط القرن التاسع عشر، الذي يدين تلك العصور وعدم تقديمها لأيِّ شيءٍ يُذكر في مجال العلم بقوله : " سوف نتحدث الآن عن فترة طويلة وصحراوية بالنسبة للعلم، وهي تتموضع بين الفعالية العلمية للإغريق القدماء، وبين الفعالية العلمية لأوروبا الحديثة، إنها تقع بين و بين، ويمكننا أن ندعوها لهذا السبب بالفترة الراكدة للعلم".
لم تكن المسيحية في البداية ذات قوة ونفوذ كبيرين، حيث كانت مجرد طائفة ضعيفة منبوذة على مدى قرنين من الزمن، غالبا ما يدعوا أنصارها إلى حرية المعتقد، محاولين إستغلال تعدد الأديان آنذاك، وكانوا يطالبون بالتسامح محتجين بأن الإيمان الديني أمر إختياري لا يمكن فرضه على الناس؛ وحينما أصبح دينهم هو الدين الغالب على أمره وصار مدعّماً بسلطان الدولة هجروا مبدأ التسامح هجرانا، وجعلوا يُمنون أنفسهم بجمع الناس وتوحيد آرائهم توحيداً تاماً إزاء مشاكل الكون المبهمة الخفية وبدؤوا من فورهم سياسة تتفاوت في الدقة والوضوح وتهدف إلى تقييد التفكير؛ وقد كان الأباطرة والحكومات مدفوعين ببعض العوامل السياسية حين اضطهدوا الأديان المخالفة للمسيحية، إذ أنهم كانوا يرون في الإنقسام الديني الذي بلغ في الحدة خطراً يتهدد وحدة الدولة؛ ولكن نظرية الإضطهاد الأساسية تبدوا في الزعم القائل بأن الكنيسة المسيحية هي وحدها القادرة على خلاص الإنسان، وكان الدافع الحتمي إلى الإضطهاد هو الإيمان العميق بأنّ من يخالف الكنيسة ملعون لعنة أبدية، وأن الله يعاقب البشر على الظلال الديني بإعتباره ذنباً من أشنع الذنوب، لقد كان من الواجب في نظر الكنيسة أن يفرض على الناس اعتناق الدين الحق الأوحد، لكي يستنقذ الناس بذلك مصالحهم في الآخرة ويمنعوا الضلالة من الإنتشار في الأرض، وكانت جريمة الإلحاد أو الهرطقة أفظع وأشنع من أية جريمة أخرى، ومهما ألحق الإنسان بأولئك الملحدين من الأذى فإن هذا الأذى الدنيوي نعيم إذا قيس بما ينتظرهم من تنكيل في الجحيم، وكان حقًّا على الذين آمنوا أن يُطهّروا هذه الأرض من أناس قد أذنوا بحرب الله الكبير بما ارتكبوه من أخطاء في الدين، ولن يشفع لهم حينئذِ أن يكونوا من أفاضل أهل الأرض أجمعين.
ويُحسب الجديد في المسيحية أنها أدخلت بعض المفاهيم التي أغلقت فم الفلسفة والعلم اللذان سادا العصر اليوناني والروماني، من بينها الجحيم، القيامة، الآخرة، الجنة، العذاب، الخلود...إلخ، وغيرها من المصلحات التي تحكي الغيبيات، فلم يبقى للعقل إلا أن يركن تحت سيطرة الكنيسة تابعا، غير مستقل، مكبل بأغلال النصوص، غير حر بتدبر الكون، بعيدا عن الوضعي، قريبا من الطبيعة التي تفرضها الكنيسة.
أما إنسان العصور الوسطى بحد ذاته والعقل الذي كان سائدا للبحث في الحقائق، فكان يركن إلى ظواهر الأشياء ويصدقها ويتوهم أنه عرفها بمجرد أنه رآها، ولم يكن يفكر في تفكيكها أو تشريحها لكي يتوصل إلى حقيقتها؛ كان يعتقد بإمكانية التوصل إلى الحقيقة الكاملة والمعرفة المليئة عن العالم بمجرد قراءة النصوص؛ فالحقيقة كلها مودعة في الإعتقاد أو قانون الإيمان المسيحي، ويلخص روجيه بيكون هذا الموقف بما معناه: " لا يوجد إلا علم واحد، كامل وتام أعطاه الله للإنسان من أجل التوصل إلى غاية واحدة: هي النجاة في الدار الآخرة، دار النعيم والخلود، وهذا العلم متضمَّن كله في الإنجيل، ولكن ينبغي شرحه وتفسيره عن طريق القانون الكنسي والفلسفة، وكل ما هو مضاد لهذا العلم المقدس أو غريب عنه فهو خاطئ ولا معنى له".
وبالتالي هيمنت النزعة الصوفية – الطرقية بأشكالها المختلفة، والتي كانت تمثل الصفة الدالة على فكر العامة والخاصة في آن معاً؛ وكانت هذه النزعة الصوفية مضادة للموقف العلمي: أي الذي يتمثل ببلورة أفكار واضحة، أفكار تُستخدم بشكل دقيق من أجل وصف العلاقات بين الظواهر؛ وهكذا تبدوا العصور الوسطى، ضمن هذا المنظور، بمثابة عصور إنحطاط بالنسبة للثقافة؛ فلم تكن عاجزة فقط عن إضافة أي شيء جديد إلى مجال العلم والتقدم، وإنما لم تستطع حتى أن تحافظ على مكتسبات العصور السابقة، وبخاصة العلم والفلسفة اليونانية.
لقد كانت إذاً في القرون الوسطى "مناطق" واسعة محرمة على العقل ومملوءة بالمعتقدات التي فرض "النقل" والرواية صحتها على الناس فرضاً، ليصبح كل شيء بديهي، ولا جديد يستحق البحث فيه؛ ولكن العقل لم يكن ليحترم نفسه لو رضي بتلك النواهي التحكمية، وهو لا يعترف بوجود مناطق ممنوعة عليه؛ لأن ميدانه الواسع وهو التجربة ميدان متشابك متداخل يكاد يشمل كل شيء، والعقل لا يستطيع أن يتنازل عن حقوقه لأي سلطان "منقول" إلا بعد أن يفحص ويدقق أوراق اعتماده ويوافق عليها.
كل هذا يصل بنا إلى "المذهب العقلي" وهو إصرار العقل على أن له حقا مطلقا في عالم الفكر، وهذا المذهب قد عَلِقَ به حتى اليوم بعض الخدوش التي تدل على مرارة الكفاح بين العقل وبين القوى التي جُنِّدَت للقضاء عليه، واصطلاح المذهب العقلي لا يدل إلا على استعمال العقل في الميدان الديني أو في "عالم اللاهوت" وهو ذلك الميدان الذي كوفحت فيه محاولة العقل لتمكين سلطانه أعنف كفاح.
ولقد كان سلاح العقل – الذي سيعلن انتصاره في النهاية كما سنراه فيما بعد - الأوحد هو الإقناع أما "النقل" فكان يعتمد على القوة المادية والقوة الأدبية والتشريعات المانعة وإثارة السخط الاجتماعي على المفكرين الأحرار - على حسب إعتقاد جون بيورى- وهو عكس الحقيقة التي كان علينا الالتزام بها، فالقرآن بالنسبة لنا هو الحقيقة التي ليس من ورائها ريب، وهو كلام الرب المنزّه عن الخطأ وحاشا لله أن يخطئ في تسيير ما يخلق، والإسلام هو المنهج الذي وجب علينا كشف أسراره، ولكن هذه الصبغة التي يحاول المفكرين والمثقفين العرب إمّا المتعصبين أو المقلّدِين للغرب أن يصبغوا بها دين الإسلام، فالأول يحاول غلق منفذ العقل عن طريق الخطاب الديني الرجعي الحبيس في بداية عصر الإسلام وهو مازال في طريق الولادة، والفريق الثاني يحاولوا أن يجعلوا للعقل حرية مطلقة دون حساب وتمحيص بعيدًا الدين الذي أخرج البشرية جمعاء من قوقعة الجهل والتخلف، وأضيف كذلك بأنّ الحضارة التي ولدت من الإسلام هي أعظم الحضارات جملة وتفصيلا، غير أنّ الأوضاع إنقلبت، فلم يبقى منه سوى مُسمَّيات تطبيعية في أذهان الدعاة الذين يدعون الكفاح لتصحيح هذا الخطأ، في حين أنهم يقعون في خطأ أكبر وأفدح من الأول، ويحكمون الأقفال على العقل، دون إدراك منهم بأنّ العقل هو مفتاح التنوير كما أنّ الدين الإسلامي هو مفتاح العقل، فلا يجب إبعاد الأول لنصرة الثاني، ولا الثاني للقضاء على الأول، فكلاهما وجهان لعملة واحدة.
عموماً يمكن القول بأنّ حقبة الألف سنة من تاريخ الأفكار ظلّت عرضة للإحتقار طيلة قرون عديدة لأنها كانت مغطاة بقذارة الجهل؛ ولم تتحرر العقول إلا بعد تداخل الحضارتين الإسلامية والغربية خلال القرنين الثاني عشر والثالث عشر، ليبعث ذلك على بصيص النور الذي ظل غائبا لمدة سبعة قرون؛ فوحدها النخبة المثقفة أو المتعلمة أخذت تتحرر شيئا فشيئا قبل ثلاثة قرون من إنتهاء عوالم العصور الوسطى أو من ظلماتها الشديدة العتمات.



#ساكري_البشير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقتطف من كتاب: -المفكر والمثقف- - بوادر ظهور أزمة العقل الغر ...
- الكاتب الناجح..والكتابة!
- صغ معدني بالعلوم
- رثاء الحبيب
- أنا والأمل والقلم
- ذكريات حزين
- جهل وغباء!!
- أزمة السؤولية والوعي الذاتي!!
- المغرب العربي..من العنف إلى الجريمة!!
- يا صاح...هذا أنا!!!
- أنا وهي...القلم والكلمة!!!
- معادلة: الحب والجنون والمنطق
- يا صاح...دمرنا!!!
- النزاع في ليبيا...بين فشل الدولة وغموض المستقبل
- هموم فتاة
- رسالتين: الأولى للسيد فلاديمير بوتين..والثانية للعرب !!
- لتكن هذه البداية..والنصر النهاية!
- رسالة إلى حبيبتي
- إذا إجتمع القلم والسيف ستنتصر فلسطين!!!
- متى يتحد العرب؟


المزيد.....




- مصادر توضح لـCNN تفاصيل مقترح -حماس- بشأن اتفاق وقف إطلاق ال ...
- داخلية الكويت تعتقل مقيما من الجنسية المصرية وتُمهد لإبعاده. ...
- معركة -خليج الخنازير-.. -شكرا على الغزو-!
- الحرب في غزة| قصف متواصل على القطاع واقتحامات في الضفة وترقّ ...
- فيديو فاضح لمغربية وسعودي يثير الغضب في المملكة.. والأمن يتد ...
- -إجا يكحلها عماها-.. بايدن يشيد بدولة غير موجودة لدعمها أوك ...
- قتلى وجرحى بقصف إسرائيلي استهدف عدة مناطق في غزة (فيديو+صور) ...
- بقيمة 12 مليون دولار.. كوريا الجنوبية تعتزم تقديم مساعدات إن ...
- اكتشفوا مسار الشعلة الأولمبية لألعاب باريس 2024 عبر ربوع الم ...
- ترامب يواجه محاكمة جنائية للمرة الأولى في التاريخ لرئيس أمير ...


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - ساكري البشير - مقتطف من كتاب: -المفكر والمثقف- - المسيحية بين مشكلة العقل والإنسان -