أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - العياشي الدغمي - أطلال ذاكرة...(2)















المزيد.....

أطلال ذاكرة...(2)


العياشي الدغمي

الحوار المتمدن-العدد: 5041 - 2016 / 1 / 11 - 17:51
المحور: الادب والفن
    


أطلال ذاكرة...(2)
.
المنقذ / الخلاص
.
لقد كان يوما رائعا من أيام الربيع، شمسه ساطعة، أشعتها تحيي أزهار الحقل الملونة، وتغمر الطيور بسعادة لا مثيل لها، كنت كعادتي أرعى الأبقار في غفلة عن توالي الأيام.. أرعاهى وأحرص على أن تروح عند مغرب الشمس ممتلئة البطون تتمايل من ثقل ما جمعت بنهم من عشب.. بل كان يجب أن تروح كذلك، وإلا أديت ثمنا لذلك من جلد ظهري، فهم جدتي وابنتها هو أن ترى مظاهر التخمة بادية على بطون أبقارها.. أما أنا، ومن أكون أنا إذا لم تكن الأبقار في المستوى الأول.. لقد كان وجودي ومعنى وجودي كله في وجود الأبقار، وخاصة في وجودها وهي ممتلئة البطون...
"الله يرضي عليك، نتا هو ولدي ديال بصح" مرددة جدتي، كيف لا تقول ذلك وقد نالت ما ابتغت، لقد شبعت أبقارها وذاك همها، في الواقع هذا ما اعتدت سماعه منها كلما شبعت الأبقار، حتى صار الرضى عندي من غير الرضى مرتبط بقدر ما تأكله تلك الأبقار اللعينة، وبقدر ما يظهر على بطونها من تخمة، وكأن في غياب العشب الذي سيظهر عليها ذلك غياب حتمي "لعياشي مرضي" .. نعم لقد كان تحفيزا معنويا يضعني في صلب العملية ككل، يدفعني لأن أبحث عن مواقع الرعي الجيدة، لطالما ما تشاجرت عليها بل كرهت حتى من يفكر في سلبي أرقى مواقع الرعي خاصة المشتركة منها، فبفعله ذلك سيسلبني ليس فقط رضى جدتي وعمتي ابنتها، بل قد يتسبب في ليلة سوداء أخرى، بلا طعام جيد ولا مبيت جيد، والأسوء قد يكون عاملا محفزا لهما كي يطعمانني ما لذ وطاب من شتى أنواع السب والشتم، التي قد تقضي على كل ما جمعته منذ سنين من تحفيزات و"رضاوة" ... كم كنت أخشى على نفسي منهما، من شرهما وشراستهما، لقد علمانني معنى الخوف فعلا، لقد كانتا سببا في ذاك الحقد الدفين الذي طالما حملته تجاه والداي وأنا طفل.. طالما تساءلت في نفسي وأنا في ذاك الوضع، طالما تساءلت ما سبب صمتكما يا أبي ويا أمي؟ ألست من صلبكما، كيف ترضيان لإبنكما أن تهدر طفولته في رعي الأبقار؟ كيف تتفرجان على طفولتي وهي تغتصب حتى النخاع بدم جدتي وابنتها البارد؟ هل ولدت حقا لأجد لعنة هذه الأبقار تنتظرني وتنتظر بلهف قدومي كي تتخذ مني وكرا لها؟
في الواقع، كنت أجهل شيئا واحدا بديهي أن يجهله أي صبي في سني؛ لقد كنت أجهل أن تلك الجدة التي سلطها القدر علي وعلى أبي وأمي من قبلي، كانت تتحكم في زمام الأمور، أمور العائلة ككل، مستغلة غياب والدي المتكرر عن المنزل نظرا لطبيعة عمله الشاق ذاك، والذي كان يبعده عنا لأيام عديدة، بل لأشهر في مرات عديدة، فكنا نبقى نحن ضعاف الشأن والقدرة، تحت رحمة جدتي وأبقارها الملعونة، حينها كان الوضع ملائما كي تستغل هذا الضعف فتقسم الأعمال بحس هواها وهوى وراحة ابنتها الشريرة، فكنا أنا ووالدتي لا نستطيع ردا لأمر أو رفضا لأي طلب، لقد كانت جدتي بمثابة ذاك الإله الذي ننزل تحت رحمته، كيف لا وهي صاحبة الشأن.. ذات يوم قررت والدتي المسكينة أن تنتفض على قرار من محكمة جدتي العليا، فقررت أن لا أذهب كي أرعى بهائم جدتي وابنتها، حينها استدعت قدوم والدي من عمله، في الواقع كان أمرا منها، ما كان لوالدي غير الانصياع له، وإلا لتشتت عائلته الصغيرة أو لتشردت قبل أن يعلم بذلك حتى، حضر والدي المسكين على الفور من العمل، وكعادتها انطلقت تلك الجدة بالشكاوي والشكاوي بخصوص تصرفات والدتي نحوها أكثر من ثلاث أرباعها من نسج الخيال الماهر والماكر لها ولابنتها... لقد سردت ما سردت وهمها أن تصل للتحرك الذي قامت به والدتي بخصوص منعي من رعي الأبقار لها، فعلا تم ذلك، وما كان من والدي وتحت رحمة الرضى والسخط التي ينهار أمام جبروت سلطتها، إلا أن قرر أن أعود للقيام بمهمتي الاعتيادية منهالا على والدتي التي هي زوجته، ببعض من الكلمات الفضة (الكلام القاسح)، الهدف منه أن لا تعيد الكرة مرة أخرى..
كان تحرك والدتي العاطفي، الذي يعبر عن غريزتها الأمومية الدفينة، نور الفجر الذي طال أمد انتظاره، لكن للأسف كلل ذاك التحرك بصد قوي وصادم، حرمت معه من آخر قطرة شفقة كان من الممكن أن أتمتع بها من طغيان عمتي اللعينة تلك، لقد صارت تكرهني وأمي أكثر من ذي قبل، لقد صرت الذئب الأسود في الظلام بالنسبة لها، هذا الحقد المتجدر في شخصها المكروه غذاه ذاك اليوم الملعون الذي ستعلم فيه بأن إحدى بقراتها فقدت جنينها وطرحته ميتا قبل موعده الطبيعي، لقد أديت ثمن ذلك من جلد ظهري، وكأني أنا من أمر بخروج ذاك الجنين الملعون بدوره ميتا... يالها من ليلة سوداوية تلك التي عقبت الحادث، البقرة تعرضت للنطح من طرف شقيقتها أفقدها ذلك جنينها، وأنا أديت ثمن ذلك بلا عشاء ولا غطاء جيد في ليلة برد قارس... يالها من جدة ويالها من عمة لعينتين.. هذا ما بت أردده تفاعلا مع قرسات البرد حتى الصباح... كم كرهتهما حينها لقد عشت تلك الليلة أرقى مستويات الحقد في حياتي..
مرت تلك الليلة ومرت معها معاناة يوم آخر، معاناة قوت من عزيمة والدتي المسكينة ودفعتها للتفكير في طريق الخلاص، نعم الخلاص.... كم عشقت هذه الكلمة منذ صغري كم أحببتها، كم تمنيت أن أعيش تجربة بعنوان الخلاص.. الخلاص من لعنة الأبقار وقبلهما لعنة جدتي وابنتها العانس...
إنه الصيف، في يوم حار جدا، أرتدي قميصا ممزقا من على كتفي، حتى مستوى البطن تقريبا، متسخا كالعادة بما طاب ولذ من بقايا الطين الأحمر الممزوج بعرقي البريء، حافي القدمين، قدمين مليئتين ممتلئتين بشتى أنواع الأشواك وبقايا التبن، أجري من هنا إلى هناك، على طول الحقل حيث بقايا التبن من حصاد الصيف ذاك، حيث ترعى أبقار جدتي وابنتها، حيث أنا هناك أرعاهى كعادتي... حيث جاء من مصدر غير معلوم، صدى داك السؤال الذي طالما انتظرت من سيطرحه، "وا وليدي نتا مغادي تمشي تقرا، غادي تبقى غير سارح؟" نظرت هنا وهناك حتى أتأكد من مصدر الصوت... لقد كان عمي أحمد لمزابي، صمت قليلا ثم قليلا وأجبت بصوت طفولي كل همه أن ينال رضى الكبار : "حتى لعام جاي أعمي احمد." حتى العام المقبل يعني، وأي سنة مقبلة يا أنا؟ فأنا لم أكن أدرك معنى الوقت حتى، فقد رددت جوابا طالما سمعته كلما كنت أطرح نفس السؤال عن أمي وأبي وحتى في مرات قليلة جدا عن جدتي ... لقدا كانو كلما سألت : "إيمتى غادي نمشي نقرا؟" كان الجواب حتما ... " العام الجاي انشاء الله".
لقد كان سؤال عمي احمد المزابي داك بمثابة الحبل الذي أمسكه الغريق في آخر محاولة للنجاة.. لقد كان الخلاص، الخلاص الذي أحيا في نفسي الغيرة الميتة من أقراني الذين كانو قد ذهبوا العام السابق للمدرسة، بينما بقيت حبيس لعنة الأبقار... لقد حملت ذاك السؤال كحمى تهز فكري لأطرحه من جديد على والدتي المسكينة المغلوبة على أمرها، لقد وجهت ندائي الأخير للاستغاثة، فما كان من حسن حظي إلا أن زارنا وفي نفس تلك الليلةعمي احمد لمزابي المنقذ، ومعه عائلته الصغيرة، ليفتح من جديد موضوع تمدرسي، حينها صرت أنظر لعمي احمد نظرة المخلص، الشفيع من لعنة الأبقار...
لقد تم الاجماع على ضرورة ولوجي المدرسة كباقي أقراني وتم فعلا التأكيد على ضرورة ذلك، بل والالتزام أمام منقذي بذلك..
لقد حان موعد الدخول المدرسي برسم السنة الدراسية 1997/1998، كان اليوم الوحيد الذي سيعرف تغيرا جذريا، اليوم التالي .... اليوم التالي (يتبع) ...
بقلم العياشي الدغمي .. مايو 2015



#العياشي_الدغمي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أطلال ذاكرة ... (3)
- أطلال ذاكرة (1)
- درستك يا جلادي ... نعم درست وعلمتك
- من الضحية -عفوا الأضحية- ...؟
- هاهاهاهاهاهاهاها قاليك شديناهم كيتباوسوا .... .
- يجب ألا نخشى السؤال...
- إلى كل من ...
- كن إنسانا... كن إنسانا... كن إنسانا...


المزيد.....




- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - العياشي الدغمي - أطلال ذاكرة...(2)