يوم الزينة

محمد السباهي
(Mohamed Ali)

الحوار المتمدن-العدد: 5038 - 2016 / 1 / 8 - 14:35
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

(يوم الزينة)
ــــــــــــــــــــ

من الألفاظ التي وردت في القرآن الكريم (يوم الزينة). وهذه اللفظة مرّ عليها أرباب التفسير مرور الكرام. وكأنها من الأمور المعلومة عند الجميع! وقد وردت لفظة (يوم الزينة) في القرآن الكريم في سورة (طه) قال تعالى: (قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (59)، ووردت في سورة الشعراء بمعنى (الميقات المعلوم)؛ قال تعالى: (فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ (38).
و(يوم الزينة) كما يبدو من الآية الكريمة، هو يوم (مهم ومعلوم) يجتمع فيه الناس لإداء طقس أو احتفال معين أو هو عندهم (عيد) كما يذهب مجاهد، وقتادة، ومقاتل، والسدي: (كان يوم عيد لهم، يتزينون فيه، ويجتمعون في كل سنة) (1). وذهب ابن عباس إلى أنه (يوم عاشوراء). (2) وأجمل القرطبي هذه الأقوال: (واختلف في يوم الزينة، فقيل هو يوم عيد كان لهم يتزينون ويجتمعون فيه؛ قاله قتادة والسدي وغيرهما. وقال ابن عباس وسعيد بن جبير: كان يوم عاشوراء. وقال سعيد بن المسيب: يوم سوق كان لهم يتزينون فيها؛ وقاله قتادة أيضا. وقال الضحاك: يوم السبت. وقيل: يوم النيروز؛ ذكره الثعلبي. وقيل: يوم يكسر فيه الخليج؛ وذلك أنهم كانوا يخرجون فيه يتفرجون ويتنزهون؛ وعند ذلك تأمن الديار المصرية من قبل النيل) (3). ذهب بعضهم إلى أن (يوم الزينة) هو يوم (شم النسيم) المعروف عند المصريين، اليوم. ((يجمع المؤرخون على أن يوم شم النسيم عيد مصري قديم، إنه يوم مصري الهوية، مثله مثل يوم وفاء النيل)) (4)

ويوم (الزينة) أو يوم (شم النسيم) أو عيد (النيروز) هو واحد. لكن التسميات مختلفة. وسنلاحظ ان هناك تسميات آخر لهذا اليوم في الديانتين اليهودية والنصرانية. لكن (يوم الزينة) في الأصل هو يوم عراقي بامتياز كما يقول الباحث العراقي (مجيد عبد الله الشمس). (5) على اعتبار أن يوم (الزينة/ شم النسيم) هو عيد (النيروز) العراقي الذي احتفل به أهل بلاد وادي الرافدين قديماً ومازال الاحتفال به جارياً. ويسمى (النيروز) اليوم بعيد (الربيع) حيث تخرج (انانا/ عشتار) من العالم السفلي إلى العالم العلوي وعندها يبدأ موسم الربيع.
(وقد جعلت الأسطورة البابلية من تموز راعياً قتله خنزير برّي، فهبطت عشترإلى العالم السفلي، إلى ربة العالم السفلي، لتخلص حبيبها ... فكانت عشتر كلما مرّت في باب طبقة يُنزع عنها بعض ملابسهاإلى ان وصلت إلى السابعة عريانة. وهناك كانت تبقى زمناً فيه تذوي الحياة، وينقطع التوالد ويموت الحب الجنسي. ولكن بعد زمن كانت تعود فتستعيد ملابسها على طريقها صُعداً إلى ان تظهر فيالربيع بحلة زاهية الألوان). (6)

و (يوم الزينة) يتوافق مع يوم أو عيد (النوروز) الفارسي/ الكردي. ويعتبر عيد نوروز (21 اذار) عيد قومياً لدى الشعب الإيراني وهو رأس السنة الفارسية (الهجري الشمسي) وهو يوم الاعتدال الربيعي. ومعناه بالفارسية والكردية (اليوم الجديد). ويحمل لدى الأكراد بعداً قومياً وصفة خاصة مرتبطة بقضية التحرر من الظلم، وفق الأسطورة أن إشعال النار (شعلة كاوا الحداد) كان رمزاً للانتصار والخلاص من الظلم الذي كان مصدره أحد الحكام المتجبرين. يقول الشاعر (بيره ميرد) في إحدى قصائده عن النوروز (هو عيد كردي قديم).

تقول الباحثة الإيرانية المتخصصة بالتاريخ الإيراني القديم (فروغ فرخ بي)، أن نوروز في الثقافة الإيرانية يرجع الى الوصف القديم المسمى (عيد باستاني) والذي يرجع لآلاف السنين. وهو العيد الذي يعكس العلاقة بين الإنسان والطبيعة. وهو بل أدنى شك عيد اهل الجنوب من السومريين والبابليين، (قد يضن البعض أن احتفال أبناء الجنوب بهذا العيد وليد تأثرهم بالإيرانيين، فنحن الان في ظل نزعة تسعى لتجريد العراقيين من كل أشكال عراقيتهم، في سبيل زجهم في خانة اللاعروبة، من دون النظر إلى أن هناك الكثير من الطقوس العراقية سومرية كانت أو بابلية انتقلت بحكم الاختلاط والتداخل إلى الشعوب الاخرى، فيما بقيت في حدود التوارث الشعبي بعد أن دخلت شعوب العراق القديم في الاسلام، وهذا ما تطلعنا عليها آراء المختصين ، إذ وفق رأي البرفسور ميرداد أستاذ التاريخ في فيليدلفيا واشنطن ,الشعب السومري عندما وفد من آسيا الصغرى إلى جنوب العراق حوالي الألف الرابع ق.م. كان يعرف هذا العيد . وان أصل العيد يرتبط باحتفالات السرصال التي تبدأ من 21 آذار حتى نهاية نيسان لمدة 40 يوما ؛ معتبرين 21 آذار انتصارًا للنور على الظلام باعتبار أن يوم 20 آذار يتساوى فيه الليل و النهار و يبدأ النهار يطول اعتبارا من 21 آذار . فنوروز هو بداية أعياد الربيع). (7)

و(النيروز) كما قدمنا هو عيد الربيع او ما يسمى بعيد (الدخول)، أي: دخول السنة الجديدة او دخول الربيع. ويوضح لنا البيروني هذا المعنى، يقول:( نوروز هو إعادة الرونق للخلق).أي إعادة (انانا/عشتار) للحياة من جديد. وكان يشترك في طقوس الاحتفال (في ايران)الملك والعامة فتقام الصلوات، ويرشق الناس بعضهم بالماء. (8) وهذا القول يرجعنا لقول القرآن الكريم في قصة فرعون وموسى والتحدي الذي سيقام في (يوم الزينة) حيث يحضر (الملك/فرعون) للاحتفال مع شعبه. بل أن هناك طقوساً متعددة لا يتسع المقام لذكرها تقام في هذا اليوم، مثل (البغاء المقدس) حيث يمارس (الملك/ الفرعون) دور تموز وتمارس (الكاهنة المقدسة ) دور (انانا/عشتار).
والذي يبدو لنا من حديث الإمام علي عليه السلام) حينما قدم العراق وأهدي له من طعام (النيروز). إن ليس هناك ما يدل على أن أهل (نجد والحجاز) لم يعرفوا هذا اليوم. قال: (أتمنى من الله عزوجل أن يجعل كل الأيام يوم نوروز). وفي هذا الحديث دعاء بإن يجعل الله الأيام كلها ربيع وعطاء دائم. وقد ورد عن المعلى بن خنيس في عيد النيروز ما يلي:
(قال معلى بن خنيس: دخلت على الصادق جعفر بت محمد عليه السلام يوم النيروز فقال عليه السلام اتعرف هذا اليوم؟
قلت: جعلت فداك، هذا يوم تعظمه العجم وتتهادى فيه.
فقال: أبوعبد الله الصادق عليه السلام والبيت العتيق الذي بمكة ما هذا الامر قديم أفسره لك حتى تفهمه...
فقال: يا معلى ان يوم النيروز هو اليوم الذي اخذ الله فيه مواثيق العباد ان يعبدوه ولا يشركوا به شيئا وان يؤمنوا برسله وحججه، وان يؤمنوا بالأئمة عليهم السلام وهو اول يوم طلعت فيه شمس، وهبت به الرياح، وخلقت فيه زهرة الارض، وهو اليوم الذي استوت فيه سفينة نوح عليه السلام على الجودي، وهو اليوم الذي احيى الله فيه الذين خرجوا من ديارهم وهم الوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم احياهم وهو اليوم الذي نزل فيه جبرئيل على النبي صلى الله عليه وآله وهو اليوم الذي حمل فيه رسول الله صلى الله عليه وآله أمير المؤمنين علي عليه السلام منكبه حتى رمى اصنام قريش من فوق البيت الحرام فهشمها، وكذلك ابراهيم عليه السلام وهو اليوم الذي امر النبي صلى الله عليه وآله اصحابه ان يبايعوا علياً عليه السلام بأمرة المؤمنين، وهو الذي وجه النبي صلى الله عليه وآله علياً الى وادي الجن يأخذ عليهم بالبيعة له، وهو اليوم الذي بويع لأمير المؤمنين عليه السلام فيه البيعة الثانية، وهو اليوم الذي ظفر فيه باهل النهروان وقتل ذا الثدية وهو اليوم الذي يظهر فيه قائمنا وولاة الامر وهو اليوم الذي يظفر فيه قائمنا بالدجال فيصلبه على كناسة الكوفة، وما من يوم نيروز الا ونحن نتوقع فيه الفرج، لأنه من ايامنا وايام شيعتنا، حفظته العجم وضيعتموه انتم..
وفي خبر آخر عن معلى بن خنيس عن الصادق عليه السلام
إن يوم النيروز هو اليوم الذي ... فيه يظهر قائمنا أهل البيت وولاة الأمر، ويظفره الله بالدجال فيصلبه على كناسة الكوفة، وما من يوم نيروز إلا ونحن نتوقع فيه الفرج، لأنه من أيامنا، حفظه الفرس وضيعتموه، ثم إن نبيا من أنبياء بني إسرائيل سأل ربه أن يحيي القوم الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فأماتهم الله فأوحى الله إليه أن صب عليهم الماء في مضاجعهم، فصب عليهم الماء في هذا اليوم فعاشوا، وهم ثلاثون ألفا، فصار صب الماء في يوم النيروز سنة ماضية لا يعرف سببها إلا الراسخون في العلم، وهو أول يوم من سنة الفرس). (9)
لو تدبرنا الحديث (معلى) الثاني لرأينا مشابهه بين خروج (انانا/عشتار) من العالم السفلي وظهور/توقع الفرج بظهور قائم أهل البيت (عليهم السلام). وإحياء الألوف هو عين إحياء الأرض الموات نتيجة الربيع و(صب الماء) أن إلّا المطر الذي يحي الأرض بعد موتها. كما ورد في القرآن الكريم.
(وأمّا أعمال يوم النيروز فهي:
ما علّمها الصادق (عليه السلام) معلى بن خنيس قال: إذا كان يوم النيروز فاغتسل والبس أنظف ثيابك وتطيب بأطيب طيبك وتكون ذلك اليوم صائماً فإذا صليت النوافل والظهر فصل ...). (10)
من المؤكد ان عيد (النيروز) ليس من الأعياد الإسلامية على رغم من ذكره في موسوعة (بحار الأنوار) للعلامة المجلسي وكتاب الشيخ عباس القمي (مفاتيح الجنان) لأننا لم نرَ أحد من المسلمين يحتفل بهذا اليوم، بل حتى الشيعة الذين وردت هذه الأحاديث في كتبهم لم نرهم يحتفلون بهذا اليوم. اللهم إلا شيعة إيران على اعتبار أنه عيد رأس السنة الفارسية.
عيد الفصح
ويسمى أحيانا بـ"عيد الربيع". وهو يحل في منتصف شهر نيسان اليهودي، أي عند اكتمال القمر الأول بعد الاعتدال الربيعي (20 أو 21 مارس). ومناسبته كما يقول سفر (الخروج): (وقال موسى للشعب اذكروا هذا اليوم الذي فيه خرجتم من مصر من بيت العبودية فانه بيد قوية اخرجكم الرب من هنا ولا يؤكل خمير. اليوم أنتم خارجون في شهر أبيب... وتخبر ابنك في ذلك اليوم قائلا من أجل ما صنع إلي الرب حين اخرجني من مصر. ويكون لك علامة على يدك وتذكاراً بين عينيك لكي تكون شريعة الرب في فمك لأنه بيد قوية أخرجك الرب من مصر. فتحفظ هذه الفريضة في وقتها من سنة إلى سنة." (اصحاح 13، 3-10).
وعليه يكون (عيد الفصح) هو (عيد الخلاص) عيد الحرية والتخلص من الظلم كما هو عند الكرد حيث تخلصوا من الملك (الضحاك) الذي كان يذبح أولاد الكرد ليطعم به الثعابين النابتة على كتفه.
عيد القيامة
وهو المعروف (بعيد القيامة) او عيد (قيامة المسيح) من بين الأموات بعد ثلاثة أيام من صلبه وموته. وأقرّوا في مجمع نيقية المنعقد عام 325 تاريخ الفصح بوصفه الأحد الأول بعد اكتمال القمر الربيع الأول -أي 21 مارس؛ وهو ما يدفع تاريخ الفصح بين 22 مارس و25 أبريل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تفسير ابن كثير، سورة طه (59).
(2) تفسير البغوي، سورة طه (59)
(3) تفسير القرطبي سورة طه (59)
(4) عصام ستاتي، شم النسيم، اساطير وتاريخ وعادات وطقوس، ص9.
(5) بحوث ودراسات. الأسطورة. أصل النوروز، البستنة.
(6) أنيس فريحة، دراسات في التاريخ، ص52
(7) http://www.almutmar.com/index.php?id=20074602
(8) ن/م
(9) المجلسي، بحار الأنوار،
(10) عباس القمي، مفاتيح الجنان،

#محمد_السباهي (هاشتاغ)       Mohamed_Ali#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات