أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - كيف تكون الدعوة للدين بالسلاح ؟















المزيد.....

كيف تكون الدعوة للدين بالسلاح ؟


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 5034 - 2016 / 1 / 4 - 22:53
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



كتب ابن كثير فى سيرته (ج3- باب غزوة الحديبية) نقلا عن ابن اسحاق ((إنّ محمدًا استنفر العرب ومن حوله من أهل البوادى من الأعراب ليخرجوا معه ، وهو يخشى من قريش أنْ يعرضوا له بحرب أو يصدوه عن البيت ، فأبطأ عليه كثير من الأعراب ، وساق معه الهدى ، وأحرم بالعمرة ليأمن الناس حربه وليعلموا أنه إنما خرج زائرًا لهذا البيت مُـعظمـًـا له. وأضاف بانّ عدد الذين ذهبوا معه كانوا أربع عشرة مائة)) وكان تعقيب د. عبد الهادى عبد الرحمن فى كتابه (جذور القوة الإسلامية) أنّ التوقيت ((كان ذكيـًـا ، فمكة واضعة سلاحها ، ومحمد يُـريد أنْ يفرض وجوده ، فالأمر ليس أمر عمرة أو حج ، وإنما هو إبراز للقوة المحمدية الجديدة ، وبأنّ هذا الذى طــُـرد من أرضه ووطنه وحاربوه وحاربهم ، عائد ليقول لهم بأنّ عداءهم له لم يفت فى عضده وبأنه قادر- على الأقل – أنْ ينتزع حقه فى دخول مكة ولو مُـعتمرًا ، فهو ما كان له أنْ يدخلها فاتحـًـا إلاّ بعد اختبار للقوى ، مُـحاولا توريط بعض القبائل (غير المسلمة) وضمها لحشده ، ومُـستخدمًـا فى ذلك أيضـًـا بعض الأحلاف مع (غير المسلمين) من العرب ، مُـستنفرًا من له حق فى أداء وظائفه الدينية ، مُـعلنــًـا أيضـًـا أنّ الحج والعمرة هما جزء من فرائض وطقوس الدين الجديد ، ولعلّ دخولهما الدين الإسلامى لم يكن إلاّ تعبيرًا عن أساس من أسس الصراع على السيادة الدينية والاقتصادية ، وبالتالى السيادة السياسية ، ولعلّ قريشـًـا بعد الفتح قد رضيتْ عن بقاء أهم طقس من طقوس عبادتها جزءًا من فروض الدين الجديد الأساسية- رغم ما صحبه من تغيرات ثانوية وانضاف إليه- وتنازلتْ – ولو إلى حين – عن سيادتها الروحية والاقتصادية فى بلاد العرب)) (ص161)
أرادتْ قريش أنْ يمر عامها هذا دون تعكير صفو، فأرسلتْ سهيلا بن عمرو وقالوا : إئتِ محمدًا وصالحه ، ولا يكن فى صلحه إلاّ أنْ يرجع عنا عامه هذا ، فوالله لا تتحدث العرب أنه دخلها عنوة أبدًا.. وفى الصلح تغاضى محمد عن الشكليات ، فلم يكتب (بسم الله الرحمن الرحيم) وإنما كتب (باسمك اللهم) ولم يكتب (محمد رسول الله) وإنما كتب (محمد بن عبد الله) فاصطلحا على وضع الحرب عن الناس عشرسنين يأمن فيهم الناس ويكف بعضهم عن بعض.. واشترطوا على محمد أنْ يعود فيقيم بمكة ومعه سلاح الراكب والسيف فى القـِـرب ولا يدخلها بغيرها . وكان المسلمون مُـتعجلين فثاروا على المعاهدة ، لكن محمدًا كان واعيًـا بموازين القوى حوله. وأتاح صلح الحديبية للمسلمين أنْ يأخذوا أنفاسهم وأنْ يعقدوا أحلافــًـا مع بعض القبائل العربية.
وأنّ جهود محمد خلال سنتيْن قد تــُـوّجتْ بإنتصار كبير، فلقد أعطى ذلك الحلف لمحمد شرعية كانت تنكرها عليه مكة ، وانتقصتْ من سيادتها فى نفوس العرب ، فلمَ إذن لا يُحالفونه أو ينصرونه ؟ كما أنّ الصراعات (القبلية القديمة) فعلتْ فعلها مثل الصراع بين خزاعة وبنى بكر، فدخل بنو بكر فى حلف قريش ، فلمَ – إذن – لا تدخل خزاعة فى حلف محمد ؟
وعندما دخل البعض فى الإسلام وانتقلوا من مكة إلى يثرب ، نصحهم محمد بالعودة إلى مكة ، ثم تطوّر الأمر بأنْ أفلت كثيرون من قريش ولم يعودوا وخرجوا حتى اجتمعتْ منهم عصابة ، وما إنْ سمعوا بخروج عير لقريش إلى الشام إلاّ اعترضوها ، وقتلوا من كانوا عليها وأخذوا أموالهم ، وهكذا جاء الأمر عكس ما توقعتْ قريش ، فأرسلتْ إلى محمد تــُـناشده بالله والرحم ، وتــُـذكــّـره بشروط المعاهدة (أى عدم الاعتداء وتسليم الخارجن من جانب الطرفيْن)
ومما له دلالة على ثقة نبى الإسلام فى قوته ، وبداية التفكير فى الانتقال من (السيطرة على العرب) إلى مرحلة جديدة فى مسيرة دعوته (الدينية/ العسكرية) أنه بعد صلح الحديبية مباشرة أرسل (بعثة) مُـكوّنة من ستة أشخاص إلى (المقوقس) حاكم الإسكندرية وكان ضمن الرسالة قول محمد له ((اسلم تسلم)) كذلك أرسل محمد شجاع بن جذيمة إلى الحارث الغسانى ملك عرب (النصارى) وأرسل (دحية بن خليفة الكلبى) إلى قيصر هرقل الروم ، وأرسل عبد الله بن حذافة السهمى إلى كسرى ملك الفرس ، وأرسل عمرو بن أمية الصخرى إلى النجاشى . وتلك (البعثات) كانت البداية للغزو خارج حزيرة العرب.
ومما يؤكد قوة (جيش محمد) أنّ (صحيفة المعاهدة) نصـّـتْ على أنْ تتوقف الحرب بين محمد وحلفائه ، وبين مكة وحلفائها لمدة عشر سنوات ، فهل توقف محمد فعلا عن الحرب ؟ وهل التزم بشروط المعاهدة ؟ كتب د. عبد الهادى ((كلا.. فجيش محمد كان قد تعوّد القتال ، وجيش هذا حاله لا يمكن أنْ يتوقف ، ربما ترك مكة فى حالها ، وانطلق يحسم مواقع أخرى ، فما إنْ رجع من الحديبية حتى مكث فى يثرب أقل من شهر، ثم خرج إلى خيبر، وفى الأشهر الحرم ، فنزل ب (الرجيع) وهو وادى بين خيبر وغطفان ، فتخوّف أنْ تمدهم غطفان ، وفعل خدعة أتتْ أكلها مع غطفان ، حيث أرسل خلفهم نفرًا من جيشه فأثاروا الرعب ، فأقاموا فى أموالهم وأهاليهم ولم يخرجوا ليـُـظاهروا أهل خيبر. وكان محمد إذا غزا قومًـا لم يغر عليهم حتى يُـصبح ، فبات ليلة فى خيبرحتى أصبح فانقضّ عليها ، وكان عمال خيبر غادين ، فلما رأوا محمدًا وجيشه قالوا : محمد والخميس (= الجيش) معه فأدبروا هربًـا ، فقال محمد : الله أكبر خربتْ خيبر. إنــّـا إذا نزلنا ساحة قوم فساء صباح المنذرين)) (صحيح البخارى رقم 371، وورد كذلك فى صحيح مسلم) وهكذا باغتهم محمد دون سابق إنذار، وأجبرهم على الاستسلام فقتل الرجال وسبى النساء ، وكان من بين السبايا (صفية بنت حيى) التى وقعتْ من نصيب (دحية الكلبى) ، فلما رآها النبى (وكانت جميلة جدا) قال لدحية : اذهب وخذ من السبى غيرها.. فأخذها محمد لنفسه (صحيح البخارى – المصدر السابق)
كانت غنائم خيبر كثيرة جدًا ، الأمر الذى جعل محمد يُـقسّـمها تقسيمًا مُـختلفـًا وفق ما نصّ عليه القرآن ، حيث أنه لم يُـقسّـم الغنيمة كلها ، وإنما وزّع نصفها فقط ، (أى خمـّـس النصف) فعل هذا رغم أنّ عدد قوات جيشه كان حوالى 1500 رجلا وذكرت بعض كتب السيرة أّنّ خيبر كان بها 40000 نخلة. وبناءً عليه ازدادتْ ثروة النبى زيادة كبيرة ذكرتها كتب السيرة بسبب (الخـُـمس) أو تلك الأسهم التى اقتطعها لنفسه ، كما حدث فى فيىء بنى النضير وفدك بكاملها ، ونصيبه من أرض خيبر.. فكانت هذه الأموال له (فقط) وكان يعزل منها نفقة أهله لمدة سنة. ثم جعل ما تبقى ليصرفه على شراء السلاح ، وقد أثار هذا مشكلة بعد موته ، فاعتقدتْ فاطمة (بنت محمد) وزوجات النبى وأقاربه أنّ هذه الأراضى تكون موروثة عنه ، لكن أبا بكر رفض واستشهد بكلام قاله النبى ((لا نــُـورث.. وما تركنا صدقة)) ولم يأخذ ورثة محمد نصيبهم من (الخـُـمس) إلاّ فى عهد عمربن الخطاب ، بعد أنْ اتسعتْ (الدولة الإسلامية) وكثرتْ (الغزوات العربية) خارج جزيرة العرب.. وكتب د. عبد الهادى فى هذا الشأن ((وبالطبع لم يأخذ (العبيد المسلمون) ولا النساء مثلما أخذ الرجال (الأحرار) وإنما أعطاهم النبى عطاءً محدودًا من الغنيمة ، ولم يُـسهم لهم من أموال خيبر. وذكر ابن كثير- ج3 – ص 374 وما بعدها وص 386 وما بعدها أنّ محمدًا أعطاهم ((تمرًا وبعض المتاع))
وبعد خيبر.. لم يهدأ محمد ولم يركن إلى الراحة ووفق صياغة د. عبد الهادى (بعد أنْ اكتسب السيف المُـشهر شرعيته فى قطع الطرق والاغارات المستمرة ، انطلق إلى وادى الرى ، وحاصر أهلها لعدة ليالى ، وقاتلهم حتى أمسوا.. فلم ترتفع الشمس قيد رمح حتى أعطوا بأيديهم.. (وفتحها) عنوة وغنم هو وجيشه أموالهم وأصابوا متاعـًـا كثيرًا.. وأقام محمد أربعة أيام ليـُـقــّـسم الغنائم (من كثرتها) وترك الأرض والنخيل فى أيدى من صالحوه من اليهود.. وعاملهم عليها (أى عيـّـنهم عليها مقابل أنْ يدفعوا خراج الأرض على شطر من تمر وزرع غير الجزية) وفعل ذلك فى يهود بنى تيماء ، فصالحوا النبى على الجزية. وهكذا وصلتْ يد محمد قرب الشام ، لأنّ تيماء ووادى القرى فى أقصى الشمال.. وبذلك سيطر على بلاد شمال الحجاز تقريبًـا ، ولم يبق أمامه سوى مكة وبعض القبائل ليحسم أمر جنوبها)) (ص168)
ومن تأثير هيبة محمد فى جزيرة العرب ، كان عند عودته من تلك الفتوحات (الغزوات) تفزع القبائل والعشائر، وتولى هاربة فى الجبال والكهوف ، بعيدًا عن غبار خيوله وإبله ورجاله ، كما حدث مع (بنى فزازة) أثناء عودته من خيبر، حيث قتل من مرّ بهم ، وذكرتْ كتب التراث العربى / الإسلامى أنّ شخصـًـا اسمه (سلمة) كان فى غزوة خيبر فى جيش محمد ، وهذا الرجل قال ((نظرتُ إلى الناس من بنى فزازة نحو الجبل ، فرميتُ بسهم فوقع بينهم وبين الجبل ، فجئتُ بهم أسوقهم إلى أبى بكر (وكان على رأس سرية بنى فزازة) حتى أتيته على الماء وفيهم امرأة من فزازة عليها فرو ثمين ومعها ابنة لها من أحسن العرب ، فنفلنى أبو بكر بنتها (أى منحه بنتها) قال : فما كشفتُ لها ثوبـًــا حتى قدمتُ المدينة ، ثم بتُ فلم أكشف لها ثوبـًـا ، حتى لقينى الرسول فى السوق وقال لى : يا سلمة هب لى المرأة ، فقلت له : والله لقد أعجبتنى وما كشفتُ لها ثوبـًـا ، ثم لقينى فى اليوم الثانى وسألنى إياها فقلتُ مثلما قلتُ . وفى اليوم الثالث قال لى ((يا سلمة هب لى المرأة)) فقلتُ والله ما كشفتُ لها ثوبًـا وهى لك يا رسول الله)) وظلــّـتْ معه حتى أرسلها مكة ففادى بها أسارى المسلمين (رواه البيهقى عن عكرمة ، ومسلم فى صحيحه ، وسيرة ابن كثير- ج- ص 417)
وكان تعليق د. عبد الهادى ((وهنا يبدو قانون السبى شرعيًـا كما كان فى أى مكان بحيث يفقد الأطفال والنساء حريتهم ويمكن أنْ يباعوا)) (ص169)
ولم تتوقف سرايا محمد فأرسل عمر بن الخطاب على رأس سرية من ثلاثين رجلا إلى (هوازن) وراء مكة بأربعة أميال ، وكانوا يسيرون بالليل ويكمنون بالنهار. وكذلك سرية عبد الله بن رواحة إلى (يسير بن حزام) اليهودى بعد خيبر. وسرية بشير بن سعد إلى (بنى مرة) من أرض (فدك) فاستاق أنعامهم لكنهم قتلوا من كان معه.. فرجع إلى المدينة فأرسل النبى سرية انتقام بقيادة أسامة بن زيد ... وكانت القبائل التى تتعرّض لهجوم سرايا محمد تضطر إلى أنْ تــُـعلن إسلامها.. ورغم ذلك لم تنج من سيوف (المسلمين) مثلما حدث مع (محلم بن جثامة بن الأضبط) سيد بنى عامر، حيث قتلوه وأخذوا بعيره ومتاعه رغم إعلانه (شهادة لا إله إلا الله) وكان تعقيب د. عبد الهادى ((فالخضوع لاسم الإسلام يعنى شكلا من أشكال الانتصار، ولذا وافق محمد وتقبـّـل الشهادتين (لا إله إلا الله ومحمد رسول الله) وهو يعرف أنهم لم يؤمنوا ولم يدخل الإسلام قلوبهم.. فالأمر يحتاج فترة طويلة من الصراع مع النفس والانتصار الدائم وترسيخ العقيدة جيلا بعد جيل.. بل إنّ حركة الارتداد بعد محمد لم تكن إلاّ تعبيرًا عن قبول الأمر الواقع أكثر منها الاقتناع بالإسلام كعقيدة بديلة عن عقائدهم القديمة.. ظنــًـا منهم أنّ موت محمد يعنى أنّ شوكة جيشه ستنكسر.. وأنّ الغارات المسلحة لابد ستتوقف وتعود الحياة إلى سابق عهدها)) (ص 170)
يتميّـز د. عبد الهادى بالمنطق العقلاتى الذى يستبعد البعد العاطفى (دينى أو عرقى) ولا يضع عقله (عبدًا للتراث) لذلك فقد توقف أمام فريق المُـدافعين عن الإسلام الذين دافعوا عن محمد وحروبه العديدة ، وقالوا أنه لم يكن يُحارب إلاّ دفاعـًـا عن نفسه. واستشهدوا بالقرآن ((وإنّ جنحوا للسلم فاجنح لها)) وينتقون من التاريخ أحداثــًـا لتأييد وجهة نظرهم ، ويبحثون عن مُـبرّر فردى لكل غزوة ، وسبب كل غارة ، فيقولون أنّ ((تلك السرية انتقامية)) و((تلك لنقد عهد)) أو (لفض حلف) دون أنْ يعملوا النظر فى ديمومة هذه الحرب من أول سرية حتى آخر سرية.. ودون أنْ يبحثوا عن ذلك الخيط الذى يجمع كل هذه المعارك الصغيرة والكبيرة فى سلسلة واحدة.. وإذا كان القرآن قال ((وإنْ جنحوا للسلم فاجنح لها)) وقال ((لا إكراه فى الدين)) فإنه قال أيضـًـا ((ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون)) (آل عمران/139) ولكنه كان أكثر وضوحـًـا فى مسألة الجنوح إلى السلم فقال ((فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون)) (محمد/35) بل إنه ختمها ب (والله معكم)) بل أكثر من ذلك قال ((قاتلوهم يـُـعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين)) (التوبة/ 14) وقال ((قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله... إلى قوله ((حتى يعطوا الجزية عن يـدٍ وهم صاغرون)) (التوبة/ 29) وكان شديد الوضوح فى اجبارالمُـخالفين لمحمد ليختاروا بين الإسلام أو القتال فقال ((تقاتلونهم أو يسلمون)) (الفتح/ 16) وفى التحريض على القتل قال ((سألقى فى قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان)) (الأنفال/ 12) وهذه الآيات مجرد عينة من آيات كثيرة فيها تحريض على القتال وعلى حصار أية قبيلة حتى ترضخ وتدخل فى طاعة الدين الجديد (أى تدخل فى طاعة محمد)
وقال أصحاب العاطفة الدينية أنّ ((قريشـًا هى التى نقضتْ عهدها مع محمد)) وكان من رأى د. عبد الهادى أنهم ذكروا سبـبًـا تافهًـا ، وهو أنّ (بنى بكر) حلفاء قريش وثبوا ليلا على (خزاعة) بماء يقال له (الوتير) قريب من مكة وذلك طلبـًـا لثأر قديم من خزاعة.. وقيل إنّ قريشـًـا عاونتهم فى القتال الذى اندلع حتى وصل الحرم نفسه.. فأمر النبى الناس بالاستعداد وكتمهم مخرجه وسأل الله أنْ يعمى على قريش حتى يُـباغتهم فى بلادهم لنصرة من فى عهده من خزاعة (سيرة ابن كثير- ج3- ص 527) وكان من رأى د. عبد الهادى أنّ هذا السبب غير مُـقنع ، بينما السبب الحقيقى فى (فتح مكة) لم ((يكن سوى الخطوة التالية لمحمد ، وبالطبع لم يكن ينتظر عشر سنوات أخرى ليحتل مكة (سنوات صلح الحديبية) ولم يكن لينتظر مُـبرّرًا ليُـباغت مكة بجيشه الضخم الذى قيل إنه وصل إلى عشرة آلاف رجل ، ولا يمكن جمعهم بهذه السرعة وبشكل سرى ، إلاّ والأمر لابد مدبّـر مُـسبقــًـا ، للدرجة التى يمكن أنْ يكون هناك احتمال بإثارة حمية الثأر لدى (بنى بكر) بشكل ما من الأشكال ، أو حتى بمهاجمة بعض (خزاعة) ليلا ، فلا يعرفون من أين أتى الهجوم.. ولابد أنّ نظرهم سيتــّـجه مباشرة إلى (بنى بكر) أعدائهم التقليديين ، خاصة أنّ محمدًا فى حلف معهم ، وربما أتاحتْ تلك المصادفة الفرصة ليأخذها مُـبررًا لاحتلال مكة.. فالفتح لم يكن عملية انتقامية لبعض القتلى (الوثنيين) من خزاعة فى وقعة ثأر تافهة لا قيمة لها فى جو جزيرة العرب.. ولم تكن تحتاج كل هذا الجيش.. وقبل كل شىء فإنّ خزاعة لم تكن كلها قد دخلتْ الإسلام ، لكى يتبنى محمد الدفاع عن مسلميها ومشركيها.. وأيـًـا كانت الأحلاف والمعاهدات ، فالأمر كان أكبر من معاهدة ، اتفق محمد عليها لا ليتبعها عشر سنوات.. ولكن اتبعها لينقضها.. وهى المعاهدة التى لم تعترف بسلطته ، أى بنبوته ولا بإلهه ، أى بدينه ، رغم أنها كانت شكلا من أشكال الرضوخ لمتطلبات الأمور، ثم إنّ فتح مكة يأتى تتويجـًـا لكل ما سبق من صراع ، واجبار لقريش للاعتراف بسلطته وسيادته وسيادة إلهه الواحد على كل آلهة الكعبة والقبائل ، فكانت الوقعة إذن مُـبررًا وقتيًـا حدث بالصدفة أو خـُـلق خلقــًـا ، وفى الحالتيْن كان يمكن خلق مئات المُـبررات أو حدوثها تلقائيـًـا ، فأمر الفتح كان قد حـُـسم وكان قد جـُـهز له منذ مدة وحانتْ ساعة التنفيذ)) (ص 177)
وأعتقد أنّ تحليل د. عبد الهادى يتفق تمامًـا مع ما ذكره ابن الأثير الذى كتب ((إنّ النبى عندما أراد أنْ يغزو مكة عام الفتح ، دعا الله أنْ يعمى الأخبار على قريش ، فكتب إليهم حاطب يُـعلمهم بما يريده رسول الله من غزوهم)) وأكثر من ذلك يوجد دليل آخر – ذات أهمية – على نية غزو مكة واحتلالها ، وهذا الدليل جاء على لسان محمد الذى قال بعد فتح مكة ((ألا إنّ دماء الجاهلية وغيرها تحت قدمى إلا السقاية والسدانة)) وكان تعقيب ابن الأثير الذى ذكر كلام محمد ((أراد محمد إذلال أمر الجاهلية ونقض سنتها إلا فى هذيْن الأمريْن : ما كانت تسقيه قريش الحجيج من ماء والسدانة خدمة الكعبة)) ومع ملاحظة أنّ تعبير ((غزو مكة)) هو التعبير الذى استخدمه ابن الأثير. (أسد الغابة فى معرفة الصحابة – عزالدين بن الأثير- كتاب الشعب - عام 1970- ص 102، 432) فهل كان من الممكن أنْ تكون ((دماء الجاهلية تحت أقدام نبى الإسلام)) بغير القوة المسلحة ، التى ستنطلق بعد ذلك لغزو واحتلال فارس والشام والعراق والمغرب ومصر؟
***



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- توالى انتصارات جيش محمد (4)
- تثبيت أركان الدعوة المحمدية (3)
- كيف انتصرت الدعوة المحمدية ؟ (2)
- كيف انتشر الإسلام ؟
- الآخرة فى أساطير الشعوب والديانة العبرية
- جذور الصراع بين الرعاة والزراع
- الولع بالدمار فى الأساطير وفى الديانة العبرية
- جذور أسطورة الطوفان
- التكوين الكنعانى والتكوين التوراتى
- الأساطير بين الأديان وانتاج الشعوب
- الديانة العبرية والموقف من مصر
- المخابرات الأمريكية وصناعة الإسلاميين
- زهران وخميس والبقرى
- المتعلمون المصريون والهوس بالأصولية الإسلامية
- الفنون والثقافة القومية لا الأديان
- قراءة فى أحاديث البخارى المتنوعة
- نبى الإسلام المميز فى البخارى
- المُطلق فى أحاديث البخارى
- أسباب النزول فى صحيح البخارى (7)
- البداوة فى صحيح البخارى (6)


المزيد.....




- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى
- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...
- بعد اقتحامات الأقصى بسببه.. ماذا نعرف عن عيد الفصح اليهودي ا ...
- ما جدية واشنطن في معاقبة كتيبة -نيتسح يهودا- الإسرائيلية؟
- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - كيف تكون الدعوة للدين بالسلاح ؟