أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - محمد سمير عبد السلام - تجليات التداخل و التجاور- قراءة في نثار المحو لجمال الغيطاني















المزيد.....

تجليات التداخل و التجاور- قراءة في نثار المحو لجمال الغيطاني


محمد سمير عبد السلام

الحوار المتمدن-العدد: 1372 - 2005 / 11 / 8 - 02:58
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


من أهم ما يميز كتابة الأديب جمال الغيطاني ذلك الوعي الفائق بخروج النص السيري لآفاق جمالية نصية غير محدودة ، فالواقع متحول و ممتزج في بنيته بتداعيات النص و ما فيه من التشظي و الفراغ ، كما يلامس الصور الجدارية الثقافية و تداعياتها في واقعه كأن السيرة تحاكي ما هو جمالي أو تؤوله بعلامات جديدة . فلا يسعى الراوي إلى تكوين معرفة بالذات أو بالكون ابتداء فى نص " نثار المحو" – دار الشروق 2005 – إذ تتغير مواقع ووظائف الذات فى نتف تصويرية متشابكة الدوال للمشهد الكوني ، في تجلياته غير المكتملة واللانهائية فى الوقت نفسه . من هنا تنتفي عن الراوي وظيفته المعرفية ، ولو كان عاكساً للأحداث ، إذ يبقى دائماً فى نقطة انفصالية عن الحدود الزمكانية ، غير مرئية لأى منظور شمولي أو نسبي يؤكد خصوصية الرؤية الإنسانية ، لكنها تستشرف تشابكات اللحظة وتعي بوجود متحول أبداً من خلال تبديل موقعها . إن تكثيف الصور فى هذا النص يصنع " كتابة فريدة " تقوم على جماليات التداخل والتجاور بين وظائف الذات وشظايا المعرفة المتناثرة التى تفتت مسألة التتابع السردي . من هنا تمتد العلاقات الخفية / الاندماجية فى هذه الكتابة إلى تأويل وتحريف المادة التشكيلية المصاحبة للفنان ( ديفيد فريد ريش ) ، دون أن تعبأ بالفواصل الزمنية ، فيمكن للأساطير المصاحبة لتضخم البحر أو الشجر أن تحيا فى مكان يستدعى ضآلة الذات مثل السجن أو ضوء فريد تتوحد به الذات كالغصن الذهبي المصاحب لملك القبيلة ، وفق ما ذكره " جيمس فريزر " – بشكل دائم التفكك . هكذا تكمن أساطير التحول فى واقع السارد الوظيفى عند استشرافه لحادث بلوغ سن المعاش ، فينفصل عن ذاته ويراها بعيني طائر محلق كنقطة آتية من المجهول . الانشطار هنا يؤسس لإمكانات تعدد مواقع الذات خارج حدودها الفيزيقية ويحجبها عن نقاط البدء أو الانتهاء ، ليقيم نقطة بدء جديدة ، دورة أخرى للوجود تستدعى مفهوم الخروج إلى النهار عند الفراعنة ، فالخروج يعيد تمثيل ديناميكية الحياة فى تصاوير القبور خارج أى روابط للحضور الانفصالي عنها .
وبهذا الصدد يرى " ريجيس دوبريه " أن الموت شرط لولادة الصورة وحياتها ، ويدلل على ذلك بقوارب الآخرة والهبات على الجدران الفرعونية والحياة الكامنة فى التوابيت ذات العيون الكبيرة المصبوغة فى مصر العليا ( راجع – دوبريه / حياة الصورة ت / فريد الزاهي - المغرب 2002 ) . تتجاور اللحظات التاريخية إذا فى الوعي المبدع للسارد لينشد أسطورة حياته الأخرى فى موقعه الطائر . ويلامس راقصان من الغجر أحلام السارد بالوجود الطيفي من خلال شكلية رقصهما التعاقبي ، دون سبب أو هوية فى الواقع سوى الصورة التي يلتقطها لهما فلا يحرصان على اقتنائها . إنهما أعلم بانتشارهما كأسطورة فى الوعي المبدع والكتابة ، بهذا التكوين الأسطوري في الواقع ، حيث الوجود والنفي ، واستبدال منظور العاكس حين يظن أنه يرصد المشهد فهو لا يستطيع الإمساك بما رأى لأنه منفلت أبدا مثل منظوره الفوتوغرافي . وقد يتلاشى المنظور فى نظرة سلام من الأب إلى الذات ، حاملة لأشباح معرفة الأم والأب . هل هى أسطورة الموت المهددة والحية فى آن ؟ أم أنه صخب بدائي يكمن في صمت العالم ؟ ويبرز دير أبى تيج من ذاكرة ملتبسة من آثار قلق العدم فى مساحات الأصفر والممر الخشبي المؤدى إلى التلاشي في الأبدية ، فى الفراغ التالي لأصداء صراعات دينية وطائفية قديمة ، تمحو صورة الذات والراهب عقب تشكيلهما .
وقد تصير اللحظة الفوتوغرافية حلماً يحقق فيه السارد نوازع المتخيل من دوال الأنوثة ، فلا وجود لامرأة عجوز فى الفندق خارج الممر وفضاء اللحظة ، يعقبها اندماجه فى تشكيل فوتوغرافي آخر باللون الأزرق الهادئ يستعصى على زوايا النظر حين يصير مدلولاً للذوبان الكوني ومقاومة حدود المشهد بالأساس من داخل محدودية اللون . وقد يذكرنا بغموق ضوئي فريد يعانيه السارد بمغارة بورخيس فى قصة ( الألف ) حيث تتداخل الموجودات والأساطير والأصداء الداخلية كالذرات والشظايا ، إلا أنها هنا أكثر تعلقاً بتفتيت الرصد نفسه ، والمعرفة المغرقة فى غموض اللون الأحمر الفريد . ويصنع البخار المتصاعد من التنباك فى مشهد آخر- نافذة للكشف عن احتمالات تلاشى أو تصاعد عناق فريد بين فتاة وشاب على الجانب الآخر ، هل هو تبديل الرغبة أم تصاعدها كالرائحة الفريدة ؟ البخار هنا يعانق ويشاركهما المشهد كبديل عن الذات ووجودها الخفي . وتلح على السارد – فى أكثر من موضع – صورة امتلاء الفراغ كأنه يقاوم الحياد بخصوصية الامتلاء ، فقد انتشرت رائحة برزخية بين الحياة والموت فى أحد فضاءات أماكن السجاد ، فبعثت فى الألوان والأواني الخزفية والسجاد وآثار المرأة الميتة ورنين البلبل ، حياة لا واعية ، تنبع من أعماق الصمت ، وتهديد الفراغ لمحاولات اختزاله .
لقد صار الخواء مصدراً لحياة الصورة عقب الموت ، حيث إمكانية التمدد والاتساع عندما ترفع نائحات وزير اخناتون أيديهن فى الفضاء بصياح غير مسموع فى وعى السارد ، فيكاد يؤدى الطقس الحركي نفسه لملامسة اللانهائي أو الاندماج بصورة الموت فى وعى الآخر ثم يستحضر حركة النائحات غير المستقرة بين قيام وجلوس وتمدد يحمل مدلول الرقص والاحتفاء بالجسد فى الوقت نفسه . أما الرجل الذى بزغ من الفراغ ثم قام باللطم فقد لامس حركة شكلية للرقص دون أى غاية أو مدلول أو سبب . كأن الرقص صار بحد ذاته فراغاً ولعباً أمام العاكس / السارد وتصل حركة الامتلاء إلى ذروتها عندما تنفجر فتاة أمامه فى إحدى الدول الأجنبية ، هل هى صورة الانفجار الكوني وإعادة دورة الوجود ؟ هل هى فعل الأنوثة الأول ؟ أم أنه امتلاء الفضاء بأساطير الكتابة .
وقد يعيد السارد فى فضائه التكويني تعاليم بوذا بإعادة تمثيل فلسفة الألم ، ولكن من خلال الرغبة المتناقضة فى الاتساع الكوني أو التلاشي ، فصورة المعصوب المتوقع للخطر أثناء نزوله تتجسد كتيمة تحرك وجود السارد تسيطر عليه حتى تفجر رغبته فى التطهير بالألم فى لحظة اندماجية أصلية بأطياف ( بوذا ) وبالتداعي يوضع السارد فى موقع الأول فيصير المعصوب الثانى ليتلذذ بمعاينة غريزة الموت والتوحد بنغمات الألم فى صوت الصبي في زنزانة أخرى .
يذكر ( ول ديورانت) أن ( بوذا ) كان يرى أن الألم أرجح كفة من اللذة ، بل إنه يتولد منها . من هنا كان التناسل وتكراره يجدد الألم دون غاية ( راجع – ديورانت – قصة الحضارة – م2 – ح 3 صـ 76 ، 78 ) هكذا يتجسد الخوف كنبوءة مفاجئة ، متجددة كالنصل فى جسد الراوي ، ويتجدد فى حضوره . مثل هذه اللحظة تولد من داخل لذة الموت والتلاشي ، وسط أصحابه ، دون مبرر ، تحاكى التحام الإنسان الأول باتساع العالم وتهديده ، مثلما هو مصدر للتوحد بالظواهر الفريدة .



#محمد_سمير_عبد_السلام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الذاكرة و استشراف الحياة قراءة في عصافير النيل لإبراهيم أصلا ...
- سيمفونية الروائح و الأمكنة - قراءة في مجموعة أوتار الماء لمح ...
- الإنتاجية الإبداعية أهم شروط الإصلاح
- من الذات إلى أنوثة النص
- اندماج الثقافات في كولاج إدوار الخراط
- أحلام نجيب محفوظ مضامين متجددة للتجربة الإنسانية
- جماليات الإبداع تواكب طفرات البيولوجيا
- فرجينيا وولف صوت إبداعي متفرد
- حضور ديريدا
- حول العالم في ثمانين يوما الوجه الجمالي للحقيقة الروائية
- فوكوياما بين تحديات و مخاطر الديمقراطية الجديدة


المزيد.....




- ?? مباشر: عملية رفح العسكرية تلوح في الأفق والجيش ينتظر الضو ...
- أمريكا: إضفاء الشرعية على المستوطنات الإسرائيلية في الضفة ال ...
- الأردن ينتخب برلمانه الـ20 في سبتمبر.. وبرلماني سابق: الانتخ ...
- مسؤولة أميركية تكشف عن 3 أهداف أساسية في غزة
- تيك توك يتعهد بالطعن على الحظر الأمريكي ويصفه بـ -غير الدستو ...
- ما هو -الدوكسنغ- ؟ وكيف تحمي نفسك من مخاطره؟
- بالفيديو.. الشرطة الإسرائيلية تنقذ بن غفير من اعتداء جماهيري ...
- قلق دولي من خطر نووي.. روسيا تستخدم -الفيتو- ضد قرار أممي
- 8 طرق مميزة لشحن الهاتف الذكي بسرعة فائقة
- لا ترمها في القمامة.. فوائد -خفية- لقشر البيض


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - محمد سمير عبد السلام - تجليات التداخل و التجاور- قراءة في نثار المحو لجمال الغيطاني