عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 5033 - 2016 / 1 / 3 - 00:07
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
كانوا أشد قوة
في نص قرآني قد يكون نبؤه أو شبيها بها في التحذير والإعلام يذكرنا النص بخبر أظنه تحدي للعقل البشري أو تعجيز للعقل العلمي سواء بصيغته التي فسرها البعض على أنها مقارنة بين حال من خاطب النص في حينه وهم العرب والأعراب أهل الجاهلية والذين لم تتبلور لديهم مقومات القوة الحضارية بشقيها القوة المنظمة أو الآثار التي تدل على عظمة المجتمع وعظمة الحضارة التي أنتجها ,النص منقولا كما هو {أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها } يقول معظم الشراح والمفسرين أن ما ورد مخصوص بزمان ومكان محدد كما في تفسير الطبري مثلا ((يقول أولم يسر هؤلاء المكذبون بالله ، الغافلون عن الآخرة من قريش في البلاد التي يسلكونها تجارا ، فينظروا إلى آثار الله فيمن كان قبلهم من الأمم المكذبة ، كيف كان عاقبة أمرها في تكذيبها رسلها ،فقد كانوا أشد منهم قوة ،(وأثاروا الأرض)واستخرجوا الأرض وحرثوها وعمروها أكثر مما عمر هؤلاء.
مع تحفظنا لهذا التفسير المهلهل والذي ببساطته وسذاجته يكشف حقيقة فهم الكثير ممن تولى الشرح والتفسير للنصوص الدينية وضحالة التفكير الذي هم عليه وكأن النص جاء مخصوصا ومنطلقا من حالة محدودة ,وبالتالي أن مجرد وصول المعلومة والمقارنة بين الحال الذي يرد في النص والواقع المشار له بالنص كما يظنون ينتهي النص ويموت ما عدا الجزء الذي يهم هذه المدرسة ويركز عليها أهتمامهم عليها , وهي مسألة التصديق والتكذيب بالرسل وما يترتب على ذلك من أحكام وقرارات يتولون هم تشريعها وتمديدها ,لأغراض تتعلق بعقيدتهم القريشية المبنية على أن الله أرسل الإسلام ليس للإنسانية قاطبة بل لغرض إجلال وإعظام قريش ورهطها ومن أمن بها , لذلك كان النص هذا ومن مثله العشرات يخاطب قريش وحدها ولها بالمخصوص ,مع العلم أن النص وسورة الروم أختلف الفقهاء وأهل المعرفة في تفسير الكثير من الأفكار التي وردت فيها منها مفهوم الإثارة والعمار والغلبة وقصص الحقت بها لاحقا تؤكد وجود حالة من التناقض بين المسلمين الذين كانت قلوبهم مع الروم أهل الكتاب والمشركين من قريش وحلفائها وأحزابها الذين كانوا مع المجوس .
هذا التناقض سيبقى شرخا لا يمكن ان يتدارى عنه عن تفكير المدرسة القرشية , المهم بالعودة للنص ومن المبادئ العامة التي يتناقلها علماء العقيدة أو كما يسمون أنفسهم أن النص القرآني له قابلية التعايش والتصديق مع تبدل الظرف الزماني والمكاني وأنه صالح لكل الأحوال ولا ينفصل بأحكامه عن الواقع مهما تغيرت وتبدلت الظروف الموضوعية والذاتية , وبناء على هذا الفهم يكون حكم النص أعلاه ليس محدودا بزمن ومكان وخال مخصوص إذا كان النص محكوم أساسا بالتخصيص إعمالا للقاعدة المنطقية التي تقول المطلق يسري على إطلاقه ما لم يرد نص بالتحديد او بالتقصير أو القصد , وحيث أن قراءتنا للنص وما قبله وما بعده ومن مجمل سورة الروم وكل النصوص التي ترتبط بالأخبار عن الأقوام السابقة لم نجد ما يشير للتخصيص أو التقصير من مطلقية النص .
في عودة للموضوع وقراءة علمية للنص بعيدا عن التفسيرات الذاتية والاعتباطية ومما موجود في أرض الواقع من لقى وأثار وشواهد تركها أسلافنا ممن عمروا الأرض من قبل أن يأت الإسلام بالدين الذي نتحدث عن نص منه نؤكد على جملة من الحقائق هي .
1. إن الكثير مما تركه الأولون ما زال شامخا ومعاند لعوادي الزمن وقادرا على البقاء في تحدي أكيد للعوامل البيئية , وهذا لا يأت من كون العوامل البيئية والزمنية ضعيفة غير قادرة على محو هذه الآثار وإنما تشير إلى عظمة التقنية التي تم فيها بناء هذه الأثار والمشيدات وفق نظريات عصية على الفهم التام والمعرفة بكامل أسرارها بالرغم من التطور العلمي المعاصر وأبرز ذلك مثلا تقنية بناء الأهرامات وكيفية سقي حدائق بابل المعلقة وتقنية بناء سور الصين العظيم وغيرها مما يسمى بعجائب العالم القديم .
2. هذه الآثار والعجائب بنيت في ظروف كنا نعتقد والكثير من علماء الأنثروبولجيا وعلم الأجتماع في مراحل مبكرة من التطور العلمي والمعرفي للإنسان في الألف الثامن وما بعده قبل الميلاد , وهذه العصور تمثل لحظات ولادة الحضارة الحالية مما يخالف بعض المشاهد المصورة والمنقوشة على الكثير من الآثار التي تشير إلى حالات سفر لخارج الفضاء الكوني بمركبات فضائية وتقريبا بالشكل الذي نشاهده حاليا , مما يحطم الكثير من النظريات والأفكار التي تدع تفوق واقعنا العلمي الحالي عما مضى وكان .
3. اذا سلمنا أن ما كان من حضارة راقية وقوة بمعنى امتلاك القدرة على تسخير وأستخدام العقل وأننا الآن ليس في نهاية التطور , بل في مرحلة العودة لمواقع تركها الإنسان نتيجة عوامل الخوض في تنازع وتصارع على قضايا لا علاقة لها بالعلم واليقين مما سبب لنا ارتداد فغن كل ما يحصل اليوم هو مجرد تجديد لواقع قديم كان أكثر نضجا وأقوى في مقدماته ونتائجها البعيدة التي نتلمسها اليوم في أثار أسلافنا .
4. هل هذا يعني أن ما وصله الإنسان القديم هو الكمال العلمي ونهاية النقطة الحرجة في البناء والقوة , وأننا مهما فعلنا لا يمكننا أ ننافس ولو على مستوى الفرض بالمقارنة ,خاصة وأن المجالات التي خاض بها الإنسان اليوم قد لم يتطرق لها الإنسان القديم , ولو أيضا عدنا لبعض التفاصيل لا يمكن أعتمادها كما هي دون أن تكون متعلقة بسلسلة من التطورات والبحوث والنظريات العلمية الراقية والدقيقة والتي تعني أننا أيضا نعيد ذات التجربة السابقة ولكن بمظاهر وعناصر جديدة .
من كل ذلك نصل لنتيجة مهمة وأكيدة ولا ندع أنها من إعجاز النص الديني ولكن لنفند به من يقول أن النص ولد ومات بمجرد أن أخبر كفار ومشركي قريش بحقيقة أن الروم والفرس وغيرهم من الأمم كانوا أشد قوة منهم لأنهم كانوا يطيعون أنبيائهم ولما عصوا غضب الله عليهم وجاء بقريش ومدرستها لتعيد القصة من جديد , نعم كان العصر العلمي القديم بحضارته وانجازاته أقوى وأعظم من الكثير من العصور ووصولا ليومنا هذا , الذي عجز فيه العلم والمعرفة مع كل التطور والتسارع في عجلة العلم لم يكشف الكثير عن أسرار من سبقونا ولا فهم تقنيات تفوقهم ولا عن الكثير من القضايا التي تم ركنها على جنب لأنها بلا تفسير معقول .
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟