أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علي أوعسري - لعبة الإرهاب باتت مكشوفة وروسيا الأشد حزما ووضوحا في محاربته















المزيد.....


لعبة الإرهاب باتت مكشوفة وروسيا الأشد حزما ووضوحا في محاربته


علي أوعسري

الحوار المتمدن-العدد: 5032 - 2016 / 1 / 2 - 23:39
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



لعبة الإرهاب باتت اليوم مكشوفة أكثر من أي وقت مضى، ليس لأن الإرهاب لم يكن لعبة من ذي قبل في يد القوى الدولية الامبريالية (أمريكا وأروبا) ووكلائها من القوى الإقليمية (إسرائيل، تركيا، السعودية وقطر)، بل لأن هذه القوى التي كانت تتوسل -ولا تزال- بالإرهاب لتحقيق مخططاتها التدميرية والتجزيئية بعد فشل لعبتها في ما سمي الربيع العربي، كانت لها من ذي قبل، وتحديدا قبل التدخل الروسي في سوريا، هوامش للمناورات السياسية والإعلامية للظهور بمظهر القوى التي تحارب الإرهاب.
لكن في الحقيقة هذه القوى هي من كانت ولا تزال تمول، تسلح وتغطي على الإرهاب سياسيا وإعلاميا ليس فقط للإطاحة بالنظام السوري كعنوان سياسي محوري للأزمة السورية وكمدخل وحيد وأوحد لتحقيق "الديمقراطية" المزعومة في سوريا، بل لتدمير الدولة في هذا البلد من حيث هي آخر دولة علمانية في الشرق الأوسط كانت تحتضن مجتمعا، وإن لم يكن ديمقراطيا إلا أنه متعدد الأطياف والأعراق والأديان، وهذا لوحده بات يشكل منارة حضارية في ظل التناحر المذهبي والديني والطائفي الذي يسود المنطقة كنتيجة للربيع العربي الإخواني التدميري.
إضافة إلى تدمير هذه الخاصية العلمانية النادرة في سوريا، لا يخفى على أي مبتدئ تحصل لتوه على قدر من الوعي البسيط أن ما يجري من تدمير الكيان السوري يصب جيواستراتيجيا في صالح إسرائيل المستفيدة الأولى من أحداث الربيع العربي وما تمخض عنها من دمار شامل؛ وهذا المعطى الأساس في أواليات الصراع التحرري يجعل كل ذي عقل وبصيرة وضمير–ليس بالضرورة أن يكون مثقفا- يتموقع حيث لا يساهم –بتبريراته الواهية- في إضعاف، أو قل تفكيك، دول المنطقة لصالح تحقيق الهيمنة الإسرائيلية، ولو تطلب ذلك تأجيل البعد الديمقراطي الذي في هذه الحالات يفقد أولوياته في الصراع الوطني التاريخي من حيث هو صراع تحرري له شروطه السياسية والتاريخية التي لا يمكن القفز عليها لتحقيق الديمقراطية "هنا والآن" كما دأب على ذلك هواة "الربيع العربي".
ولئن كان كل ذي وعي بسيط يعرف جليا أن ما يجري من تدمير باسم الربيع العربي لا علاقة له بالديمقراطية التي لا يمكن استنباتها إلا في شروط وطنية تاريخية وظروف اجتماعية واقتصادية وثقافية ومعرفية ودينية ونفسية غير متوفرة بشكل عام في بنى الدول والمجتمعات التقليدية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فإن ما يثير الدهشة والارتياب هو مواقف العديد من "مثقفي" الربيع العربي من بعض "الأساتذة الجامعيين" و"كتاب الرأي" من بقايا اليسار العروبي ومن الإخوان المسلمين والتيار "الحقوقي" المدعوم خارجيا؛ فهذه المواقف لا تأخذ بعين الاعتبار تدخل القوى الدولية الامبريالية والإقليمية الرجعية باسم "الربيع العربي" من أجل إيصال الإخوان المسلمين إلى السلطة في بلدان هذا الربيع كهدف استراتيجي لم يكتب له التحقق في آخر المطاف لظروف لا يتسع المقام هنا للخوض فيها بتفصيل.
ما يهمنا هو تسليط الضوء على مواقف هؤلاء "المثقفون"، مثقفو الأجندات المدعومون من طرف الإعلام المأجور إقليميا ودوليا، الذين في كل تحاليلهم "السياسية" لم يشيروا قط إلى تمفصل الربيع العربي على تدخلات قوى امبريالية وإقليمية رجعية بات يعرفها كل من تحصل لتوه –كما قلنا- على قدر قليل من الوعي. وفي الحالات التي "يجتهد" فيها هؤلاء لتبرير مآلات الربيع العربي التدميرية فهم يلجؤون مباشرة إلى ربط هذه المآلات بقوى الثورة المضادة و"الدولة العميقة" من دون أن يقووا على النظر في واقع الأمور التي ليست سوى التوسل بالإرهاب لتغيير الأنظمة وتدمير الدول والمجتمعات.
لم يسبق للثورات المضادة في التاريخ أن سلطت رقاب سيوفها على الشعوب وأن تفجر كل عوامل التناحر المذهبي والديني والطائفي، فالثورات المضادة كانت تحاول استعادة السلطة ولذا فهي لا تواجه سوى الطليعة الثورية أو السلطة الجديدة ولا تقوم بكل هذا الدمار الذي جاء به الربيع العربي المخطط له سلفا في دوائر الامبريالية الجديدة التي عملت سنوات قبل هذا الربيع على استكشاف "قيادات المستقبل" وتدريبهم على كيفية إنجاز المهام الموكول لها القيام بها في المكان والوقت المناسبين.
أما الحديث عن الدولة العميقة فسنعود إلى تفصيله في قادم الأيام، لكن ما أريد الإشارة إليه بسرعة في هذا الصدد هو أن هواة الربيع العربي كانوا يمنون النفس بوجود دول "غير عميقة"، أي" سطحية" بمعنى ضعيفة حتى يتمكنوا من السيطرة على السلطة فيها، غير أن جهالتهم كانت تحول دون أن يعرفوا أن الدولة إذا لم تكن قوية (عميقة بحسب أسلوبهم) فهي آيلة للسقوط حتى ولو تمكنوا من السلطة فيها، وهذا ما حدث بالضبط إلا في سوريا حيث الدولة "العميقة" صمدت حوالي خمس سنوات في وجه أعتى هجوم إرهابي دولي في التاريخ المعاصر الذي جاء يتغيا إيصال الإخوان المسلمين والوهابيين والتكفيريين إلى السلطة في بلد كان فيه تعدد الطوائف والديانات أمرا عاديا ومحمودا. ولأنهم فشلوا في إسقاط مثل هذه الدولة "العميقة" فهم لا يتوانون في التحرش بأية دولة قوية ولو كانوا ينعمون فيها بالخيرات وبالريع السياسي: هناك مفارقة عجيبة تحيرني وهي أن الشعب الذي لا يستفيد كما تستفيد هذه النخب المخملية من الدولة تراه يعتز بقوة دولته بينما هذه النخبة التي تأكل من الريع السياسي لا تفوت أية فرصة لشتم الدولة "العميقة" لا لشيء سوى لأنها لم تستطع إسقاطها في "فرصتها التاريخية" أي في الربيع العربي.
لنعد إلى الوضع السوري، وقبل الاسترسال فيه لا يسعني هنا إلا التأكيد على أني لست قوميا، وهذا ما أكدت عليه في مناسبات عديدة وأعيده اليوم حتى لا يفهم أني أدافع عن سوريا من خلفيات إيديولوجية قومية عروبية. إن التموقع ضد ما يمارسه الإرهاب –باسم الديمقراطية- من تدمير لكل مقومات الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والدينية في سوريا وفي بلدان أخرى كالعراق واليمن وليبيا ينبع من وعينا بأن ما يجري في هذه المرحلة التاريخية من قتل وتقتيل واقتتال بين مكونات دول المنطقة هو في جوهره يجري بهدف تحقيق شروط جديدة لديمومة الهيمنة الإسرائيلية في منطقة الشرق الأوسط في ارتباط عضوي مع دول إقليمية رجعية، لأن مقومات تلك الهيمنة بدأت تضعف وتفقد بعض عناصر قوتها على الأقل منذ 2006. وعليه فإن ما يجري هدفه الأساس إجهاض محاولات التحرر الوطني من خلال ضرب إحدى مواقعه الأساسية (فلسطين، سوريا وحزب الله) لخلق موازين قوى استراتيجية جديدة لصالح إسرائيل.
ولأن إسرائيل منذ انتكاستها في حربها مع حزب الله وأمريكا منذ فشل احتلالها للعراق لم تعودا قادرتين على الدفع بجيوشها بشكل مباشر في الحروب الاقليمية وخاصة تلك التي تتغيا تغيير الأنظمة، فقد لجأتا إلى لعبة الإرهاب (رديفة لعبة الربيع العربي) في محاولات حثيثة لاستكمال الحلقة الأساسية المستعصية من برنامج الربيع العربي، هذه الحلقة بالضبط هي سوريا بما ترمز اليه كموقع استراتيجي في الصراع التحرري ضد الهيمنة الإسرائيلية.
لعبة الإرهاب التي وصلت إلى مستويات غير مسبوقة من التدمير الحضاري في الساحة السورية ينبغي ألا تحجب عنا ما يجري من تدمير في العراق واليمن وليبيا، حيث الساحات مترابطة بعضها البعض بسبب من ترابط مصالح وأجندات الداعمين للإرهاب في هذه الساحات. غير أن ارتباط الداعمين للإرهاب هنا ليس بالضرورة مرده إلى تطابق في المصالح والأهداف والأجندات؛ فأهداف السعودية الوهابية ليست هي أهداف قطر الإخوانية ولا أهداف تركيا العثمانية السلجوقية التي كانت –ولا تزال- تتوسل بالإسلام السياسي الإخواني لإحياء أطماع تاريخية في السيطرة على ما تعتبره حقا لها في السيطرة عليه في وقت تسعى فيه القوى الدولية والإقليمية المتشابكة في هذه الساحات تحصيل أكبر قدر من الأدوار في رسم مستقبل الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
هناك أمور غاية في الأهمية ينبغي الإشارة إليها، فالإرهاب الذي تحاول القوى الدولية الامبريالية والإقليمية التابعة لها تظهيره بمظهر "الثوار" لم يطلق رصاصة واحدة ضد إسرائيل التي تحتل أراض عربية وسورية. فكيف يمكن قبول وتفهم أن هؤلاء "الثوار" أو "المجاهدون" الإسلامويون ليس في وارد حسابهم مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، لا نقول في سوريا التي عليها خلاف، بل في فلسطين التي ظلت كل فصائل الإسلام السياسي تعتبرها قضية مركزية وبوصلة "التدافع" في المنطقة. وعلى عكس ما كان متوقعا انتصرت حماس من حيث هي فصيل إخواني لإخوانيتها حين انتقلت، وفي تناغم تام مع أجندات الربيع العربي، من سوريا لترتمي في أحضان قطر وتركيا باعتبارهما قوتين داعمتين للإرهاب.
جرى ذلك الانتقال في ظل تغطية إعلامية (الجزيرة وعزمي بشارة ومن لف لفهم) لتظهير تركيا وكأنها تدافع عن القضية الفلسطينية (حكاية سفينة مرمرة ومن عليها من هواة الربيع العربي) قبل أن تتكشف الغبار الإعلامية الكثيفة وتظهر تركيا على حقيقتها من حيث هي كعضو التحالف الأطلسي لا يمكن أن تكون إلا في وئام مع إسرائيل، وهذا ما تم مؤخرا حيث انكشف التقارب التركي الإسرائيلي بوضوح بعد التدخل الروسي في سوريا، هذا دون الحديث عن فشل المخطط التركي القطري الإسرائيلي الذي كان يصبو إلى إقامة إمارة لحماس في غزة كثمن لتصفية القضية الفلسطينية قبل أن تعيد ثورة السكاكين العضيمة التي يقودها الشباب الفلسطيني القضية الفلسطينية إلى حيث هي دائما في مركز الصراع التحرري بوصفه جوهر الصراع الذي يجري اليوم في كامل المنطقة
لذا، يبدو واضحا أنه ليس هناك ثوار ومجاهدين في سوريا، بل كل ما هنالك إرهاب مسخر إقليميا ودوليا لتدمير الإنسان والمجتمع والتاريخ والحضارة، وهي أشياء تسمو حتى على الدولة وبالأحرى النظام في سوريا. فهذا الإرهاب له علاقة عضوية بالكيان الإسرائيلي ينعم على حدود إسرائيل بكل وسائل التسليح والدعم والتمويل والعلاج (جبهة النصرة في القنيطرة والجولان)، وكذلك حال داعش على الحدود التركية التي فتحت كممرات للإرهاب الدولي من جنسيات مختلفة (حوالي ثمانين جنسية) للوصول إلى سوريا حيث "الجهاد" المقدس.
غني عن البيان أنه جرت محاولات حثيثة على الحدود السورية الإسرائيلية والأردنية لدعم الإرهاب في محاولات عديدة لاختراق دمشق قبل أن تفشل كل هذه المحاولات خاصة بعد التدخل الروسي وما فرضه من تغيرات في موازين القوى على الميدان؛ وفي ظل هذا الفشل الاستراتيجي للإرهاب وداعميه استدار الأردن ف"تسلم" ملف تصنيف التنظيمات المسلحة الإرهابية التي كانت سابقا (في سياق الربيع العربي وبعده) تعتبر "ثورية" إلى تنظيمات إرهابية "متشددة" لا يمكن قبولها في أية تسوية سياسية للأزمة السورية وأخرى "معتدلة" تحاول تركيا والسعودية وقطر تبييض سجلها الإرهابي الدموي وإعادة تأهيلها إعلاميا للدفع بها إلى طاولة المفاوضات باعتبارها تنظيمات ديمقراطية ذات مشروع وطني مدني بينما هي بعيدة كل البعد عن الديمقراطية والوطنية والمدنية بسبب من ممارستها الإرهاب كوسيلة إجرامية لتحقيق أهداف سياسية ولارتهانها لمحاور إقليمية لتنفيذ أجندات ليست وطنية وكذا لرفضها الديمقراطية من منطلق خلفياتها الإسلاموية المعادية في الأصل للديمقراطية.
إذن، في الساحة السورية وبعد خمس سنوات عن انطلاق الربيع العربي الإخواني الداعشي التدميري تكشفت حقائق جيواستراتيجية غاية في الأهمية، وهي حقائق لم يكن من الصعب على كل متتبع عقلاني غير إيديولوجي وغير مرتهن لأجندات إقليمية ودولية أن يتلمس إرهاصاتها عند بدايات الربيع العربي الإخواني المدمر. كل فصائل "الثوار" في سوريا هي فصائل إرهابية مسلحة ذات ميولات إخوانية وسلفية متشددة وقاعدية (من القاعدة) سمتها الأساسية أنها لا تؤمن بالديمقراطية ولا بالفكرة الوطنية، وأكثر من ذلك كل التنظيمات المسلحة هي مرتهنة لقوى إقليمية لها حساباتها الخاصة في سوريا، ما يعني أن هؤلاء "الثوار" الإرهابيون لن يتمكنوا البتة من بناء دولة وطنية تتسع للجميع حتى وإن تحقق لهم إسقاط النظام السوري بسبب من كونهم ليسوا ديمقراطيين ولا وطنيين ولا تعدديين، فهم طائفيون ومذهبيون يقتلون ويقتتلون لأسباب مذهبية وطائفية في تشويه لما ينبغي إن يكون عليه الصراع في المنطقة.
كشفت صيرورة الحرب الإقليمية والدولية الدائرة في الساحة السورية من حيث هي ساحة اشتباك وصراع استراتيجيين بين قوى دولية (أمريكا في مقابل روسيا)، لكن بأدوات إقليمية خليجية وتركية، كشفت هذه الصيرورة أن أمريكا ووكلائها كانوا يوظفون الإرهاب الإسلاموي من فصائل إخوانية وسلفية وقاعدية لتدمير الدول وتغيير الأنظمة تحت يافطات الثورة والديمقراطية والإصلاح ابتداء من تونس ومصر فليبيا وسوريا ثم أخيرا اليمن.
كل مخططات الامبريالية ووكلائها الرجعيين من دول وتنظيمات ونخب متورطة ومتواطئة تكسرت على الصخرة السورية فسقطت كل الأقنعة دفعة واحدة، خاصة بعد التدخل الروسي في الساحة السورية بعد استشعار القيادة الروسية للمخاطر الإستراتيجية على روسيا إن سقطت دمشق في يد الإرهاب الإسلاموي الوسيلة المثلى للامبريالية في تحقيق أهدافها دون سفك دماء جنودها.
منذ سنة ونيف قبل التدخل الروسي كان التحالف الدولي "لمكافحة الإرهاب" بقيادة أمريكا يغطي سماء العراق وسوريا، وكان في ذلك يدعي محاربة داعش التي ثبت الواقع أنها باتت أكثر قوة وانتشارا وتمويلا وتسليحا في ظل التحالف الدولي بقيادة أمريكا، ففي ظل هذا التحالف كانت داعش تسرق البترول في شاحنات لبيعه لتركيا في وقت كانت تدعي أمريكا أن محاربة داعش يلزمه عشرات السنين. كان هذا قبل التدخل الروسي الذي بين بشكل لا غبار عليه أن تنظيم داعش يمكن هزمه في مدة أقل، وهذا ما أزعج أمريكا لأنها من جهة لا تريد أن تظهر متواطئة مع داعش ومن جهة أخرى هي كانت لا تزال في حاجة إلى داعش لتمرير مخططاتها في سوريا.
لكن في كل الأحوال هذا يعني أمرين لا ثالث لهما: إما أن التحالف الدولي ليست له الوسائل التقنية التي تمكنه وهو في سماء سوريا والعراق من رصد داعش والفصائل الإرهابية وهي تتحرك في قوافل عسكرية كبيرة وبشاحنات لتهريب البترول إلى تركيا، وهذا أمر لا يقبله أي عاقل، وإما أن التحالف كان يتستر على هذه حركة هذه التنظيمات، وهذا هو الصواب. تبين النتائج على الأرض أن التحالف الذي تشكل "لمحاربة الإرهاب" هو في الحقيقة تشكل لدعم الإرهاب ومنحه مظلة للتمدد وغرس أنيابه في جسد الدولة السورية التي فيها استعصى استكمال الربيع العربي الإخواني التدميري لحلقته الأخيرة والمركزية في تثبيت قوى الاسلام السياسي الإخواني في السلطة في محاولة لتحقيق الأهداف الأمريكية الصهيونية والعثمانية الجديدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
قبل التدخل الروسي كانت اللعبة الأمريكية الصهيونية تجري بدعم دول إقليمية معروفة لتمكين الإرهاب من إسقاط دمشق والنظام السياسي (= الدولة) في محاولة لإعادة السيناريو الليبي لكن بطريقة لا يتدخل فيها الناتو مباشرة في ظل إشهار روسيا والصين للفيتو في كثير من الأحيان وفي ظل عدم قدرة أمريكا على خوض الحروب مباشرة كما حصل في العراق وأفغانستان ويوغوسلافيا سابقا. وبعد التدخل الروسي الذي جاء يصحح الوضع الاستراتيجي ويعيد صياغة المعادلات الإقليمية والدولية الجديدة، تكشفت فجأة حقائق لعبة الإرهاب ورعاته الإقليميين والدوليين في التحالف الدولي بقيادة أمريكا. هكذا كشفت روسيا الأدوار القذرة لتركيا (قبلة الإخوان المسلمين) من خلال تصوير شاحنات البترول الذي كانت تهربه داعش إلى تركيا التي حاولت في دفاعها المستميت عن الإرهاب خلط الأوراق بإسقاط الطائرة الروسية في اعتقاد ساذج أن الحلف الأطلسي سينجر معها إلى ردع روسيا؛ غير أن حزم ووضوح روسيا وقوتها الإستراتيجية عجلت بتقهقر النفوذ التركي في سوريا وتبخر ما كانت تصبو إليه من إقامة منطقة "أمنة" على الأراضي السورية، أي خلق منطقة أمنة بالنسبة للإرهاب حتى يتمكن من تعزيز قدرته على أداء الوظيفة التدميرية الموكولة إليه.
في ظل هذا الوضع الذي ينذر بتحقيق انتصارات إستراتيجية لسوريا وحلفائها في استرجاع الأرض التي سيطرت عليها القوى الإرهابية كان واضحا الارتباك في الحلف الدولي في "محاربة الإرهاب" أي في التوسل بالإرهاب لتحقيق أهداف الحلف؛ واستشعارا منه لخطورة انتظار ما سيسفر عنه التدخل الروسي من مساعدة الجيش السوري لاسترجاع الأراضي إلى سيادة الدولة السورية، تحرك الحلف الدولي من جديد حيث رأينا فرنسا وبريطانيا بين عشية وضحاها تهرولان إلى الرقة لقصف الإرهاب بها وكأنهما اكتشفتا هذا الإرهاب على حين غرة. غير أن هذا التحرك وإن بدا كأنه جاء يحارب الإرهاب إلا أنه في العمق هو تحرك عسكري صوري هدفه الانخراط في الواقع السياسي الجديد الذي أفرزه التدخل الروسي في أفق تأمين مصالح فرنسا وبريطانيا في الوضع الجديد من خلال محاولات حجز مواقع لما يسمى "الفصائل المعتدلة" في أي حوار يخص الوضع الانتقالي في سوريا قبل أن تتمكن هذه الأخيرة ومعها روسيا وإيران وحزب الله من تنظيف الأراضي السورية من الإرهاب، لأن من شأن ذلك إن وقع أن يجعل الحوار مع هذه "الفصائل المعتدلة" وهي فصائل إرهابية، من دون جدوى، ومن ثم عدم تأمين الداعمين للإرهاب لمصالحهم الحيوية في المنطقة.
على هذا المنوال صارت السعودية وتركيا وقطر حيث لم يكتفوا بتشكيل التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب بقيادة السعودية (وهو في الحقيقة تحالف سني)، بل حاولوا من خلال تجميع التنظيمات الإرهابية "المعتدلة" في مؤتمر الرياض إيجاد موطئ قدم في أي تفاهمات دولية تخص الوضع السوري، إلا أن مقتل زهران علوش رجل السعودية في سوريا قوض هذا المؤتمر، وهو ما شكل إرباكا لكل من السعودية وتركيا اللتين شكلتا مؤخرا مجلس التعاون الاستراتيجي السعودي التركي ربما لإيجاد بدائل تصعيدية أخرى لأن عدم حجزهم لما يسمى المعارضة المعتدلة لأي موقع في مفاوضات الوضع السوري الانتقالي مستقبلا يعني خروج السعودية وتركيا وقطر خاوية الوفاض بعد كل هذه الحروب التي شنوها لمدة خمس سنوات على سوريا.
في هذا السياق جاء التفاهم الأمريكي الروسي على أرضية ما صاغته روسيا من حقائق ميدانية تكشف بها لعبة الإرهاب وداعميه، وهو تفاهم فتح المجال لمجلس الأمن الدولي أن يعقد اجتماعا تاريخيا حول الوضع السوري أهم ما جاء فيه بندين أساسيين: وحدة سوريا ومدنية الدولة السورية إن لم نقل علمانيتها. وهذان أمران استراتيجيان وتاريخيان في غاية الأهمية، ذلك أن التنصيص على وحدة سوريا هو اعتراف دولي قانوني بعدم تجزيء سوريا ومعها الدول الإقليمية وهو إحباط للمشروع الأمريكي الصهيوني في تجزيء وإعادة تشكيل المنطقة على قاعدة الانتماءات الدينية والمذهبية والطائفية والعرقية من بعد إسقاط الأنظمة بقوة الإرهاب، أما التنصيص على مدنية الدولة فهو آخر حلقة في إسقاط المشروع الإخواني للمنطقة بقيادة العثمانية الجديدة، بعدما تم إسقاط حلقات أساسية من هذا المشروع في مصر وتونس سابقا.
ليست سوريا هي من ربحت من هذه التطورات التي فرضتها روسيا وهي تتموضع استراتيجيا في منطقة الشرق الأوسط، بل كل الدول التي كانت مهددة بتغيير الأنظمة فيها بالقوة في خرق سافر لحقوق الشعب ربحت أيضا؛ كذلك تم القطع مع الأحادية القطبية الأمريكية التي فيها استعمل الإرهاب بدعوى تحقيق الديمقراطية عوضا عن تطبيق القانون الدولي الذي بات يطبع من جديد العلاقات الدولية، وهذا فضل لروسيا على شعوب العالم، على الأقل تم القطع مع فرض حكومات وكيلة تأتي على الدبابات والطائرات لخدمة مصالح أسيادها الامبرياليين ضدا على مصالح الشعوب.
في الأخير نود الإشارة الى أن انفراط زمن الأحادية القطبية ليس كليا ولا يعني أن العالم اليوم بات في توازن بين أقطاب جديدة، بل يمكن القول أن هناك اليوم فراغات ترتبت عن تراجع الدور الأمريكي بوصفه دورا رئيسيا حاسما وموجها للأحداث الكبرى؛ هذه الفراغات هي ما يفسر تلك التناقضات الثانوية بين القوى الإقليمية الوكيلة (السعودية وقطر وتركيا) وأمريكا صاحبة القرار، فالقوى الإقليمية باتت تجد مساحات ولو صغيرة للتصرف وفق أجندات إقليمية غير منضبطة للتوجهات الأمريكية الجديدة التي وهي غير قادرة على الفعل باتت تقبل أكثر من القوى الإقليمية بتفاهمات مع روسيا على قاعدة ما يفرزه الوضع الميداني الذي يجري حاليا لصالح الدولة السورية.



#علي_أوعسري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأصالة والحداثة في البادية على عكس ما يروجون
- بمناسبة انتخاب الباجي قائد السبسي رئيسا لتونس
- رسائل مغربية في ضوء نتائج استحقاقات 25 نونبر
- قوى اليسار ومواجهة التحديات الراهنة في ضوء ما تعرفه منطقة ال ...
- ملاحظات في الدولة، الأحزاب والحداثة السياسية
- متى كان إسقاط الأنظمة بدعم امبريالي -تحريرا-!
- إشكالية تقرير المصير وبناء الدولة المدنية في ظل الحراك الجما ...
- قراءة متأنية في تطورات الوضع الليبي وتداعياته الاستراتيجية
- تأملات في المسألة الدستورية في ظل المتغيرات الإقليمية والوطن ...
- في نقد البيان الديمقراطي
- أية آفاق بعد إقصاء دكاترة التعليم المدرسي من نتائج الحوار ال ...
- في اعتصام الدكاترة العاملين بقطاع التعليم المدرسي: يوم مأساو ...
- في مخاطر الأزمة الليبية على منطقة شمال إفريقيا
- في إضراب دكاترة قطاع التعليم المدرسي تتكثف أزمة السياسة التع ...
- ملف دكاترة التعليم المدرسي بعد أسبوعين من الإضراب المفتوح
- استثناء الدكاترة من تسوية ملفات الفئات التعليمية وضرورة محاس ...
- في نقد إسقاط ما يجري في تونس ومصر من أحداث على الواقع المغرب ...
- في جديد و تعقد ما يجرى في تونس من أحداث
- في السؤال الثقافي: بخصوص تنامي وتيرة الدعوات والبيانات الثقا ...
- قراءة مركبة في أحداث العيون: رهانات وتحديات ما بعد مخيم أكدي ...


المزيد.....




- فيديو لرجل محاصر داخل سيارة مشتعلة.. شاهد كيف أنقذته قطعة صغ ...
- تصريحات بايدن المثيرة للجدل حول -أكلة لحوم البشر- تواجه انتق ...
- السعودية.. مقطع فيديو لشخص -يسيء للذات الإلهية- يثير غضبا وا ...
- الصين تحث الولايات المتحدة على وقف -التواطؤ العسكري- مع تايو ...
- بارجة حربية تابعة للتحالف الأمريكي تسقط صاروخا أطلقه الحوثيو ...
- شاهد.. طلاب جامعة كولومبيا يستقبلون رئيس مجلس النواب الأمريك ...
- دونيتسك.. فريق RT يرافق مروحيات قتالية
- مواجهات بين قوات التحالف الأميركي والحوثيين في البحر الأحمر ...
- قصف جوي استهدف شاحنة للمحروقات قرب بعلبك في شرق لبنان
- مسؤول بارز في -حماس-: مستعدون لإلقاء السلاح بحال إنشاء دولة ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علي أوعسري - لعبة الإرهاب باتت مكشوفة وروسيا الأشد حزما ووضوحا في محاربته