ابراهيم الخياط
الحوار المتمدن-العدد: 1372 - 2005 / 11 / 8 - 11:45
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
مثل كل القرى، آوت بساتينها جموع الرافضين للحرب العراقية – الايرانية من شيوعيين واسلاميين ونافذين بجلودهم من الموت الحوام، كما ضمت جذلانة سفرات الشبيبة والطلبة وناشطات النساء في سبعيناتنا الزاهية، وتمايلت البساتين دهراً مع اغاني (شيلي تمر بالليل) و(عمي يابو الجاكوج) و(الدنية قبة خضرة) و(يمة الحيدري)، وكثيراً ما كانت تصفق لقصائدنا الغضة، وتحرس محاضرنا الشفيفة. وتتباهى القرية الدمث اهلها بأن وجهاً وطنياً ناصعاً هو طلعت الشيباني ينتسب اليها، ولطالما افتخرت ببنيها الابرار خزعل السعدي ومحمد الدفاعي وجاسم كسارة المقاومين لأنظمة الملك وشباط وصدام المنبوذين، وافتخرت ايضاً – قبل عام – ان ابنها الشيوعي موفق الشيباني صار عضواً في مجلس المحافظة. وتحسب القرية الظليلة من فألها الحسن ان فيها رجل دين بوزن الشيخ عبدالرزاق الاسدي الذي كانت أطراف المحافظة تمنحه ولاءها أيام الطاغية لأنه كان مقارعها وربما نكاية بوعاظ السلطة وابواقها، فكان الشيخ الجليل محط إعتزاز وإيثار البلدات والقرى الغافية على وسادة نهر ديالى. كانت "الهويدر" الباسلة مع التغيير الجديد خطوةً خطوة، فهي خرجت بقضها وقضيضها الى الانتخابات.. والى الاستفتاء.. ولما تزل تقيم طقوسها الدينية والريفية بتواصل وتبتل وبشيء من الزهو، ولسطوتها كان يخشاها أزلام أمن ديالى حتى تركوها تقيم شعائر محرم بعد منعها في جل العراق، فكانت تستقدم قراء ذوي صيت، والعامة من ارجاء المحافظة كانت تولي وجهها شطر "الهويدر" المعلاة للتوحد مع شجن عباس ترجمان ووطن وياسين الرميثي وجاسم الحادي. في "الهويدر" أصلب المناضلين، وأحلى البرتقال، وألذ التمور، وأرق الفتيات المتبخترات بعباءاتهن السود، فتراهن أقماراً في دارة الليلين. في "الهويدر" ثأر عتيق، لانها (شاكست) كثيراً، وأقلقت لردحين مضاجع الطغاة، فكيف يسامحونها، ويدعونها لحالها وهي المترعة بالجمال والنضال... في "الهويدر" ليس من الغرابة بمكان ان يجزر القبحاء قرابينها، بل كان المستغرب لو لم يعاقبوها، وهي موئل المعارضة الشيوعية والاسلامية ايام حكم الطاغية، ثم بعد الخلاص من الدكتاتورية المقيتة صارت إنموذجاً للامان وبوتقة لألوان الطيف السياسي. ولأن اعداء "الهويدر" الرؤوم هم بضعات من القتلة وما هم بمقاتلين كي يحاربوا على مرأى ومسمع الاشهاد، لذا خاتلوا جبن وخسة ليغدروا بالقرية السمحة التي صعدت آهات صغارها وبناتها واشياخها الى سماوات الوطن الجريح. لكنها مثل العنقاء، تنهض "الهويدر" الطعينة نافضة عنها الدم والتراب واسمال البائدين.
#ابراهيم_الخياط (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟