أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جورج حداد - صعود الدولة الروسية وأفول الدولة الاوكرانية















المزيد.....


صعود الدولة الروسية وأفول الدولة الاوكرانية


جورج حداد

الحوار المتمدن-العدد: 5030 - 2015 / 12 / 31 - 20:48
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تمحور النزاع العالمي الراهن بين الكتلة الغربية وروسيا، في جزء أساسي منه، حول النزاع بين الدولتين الشقيقتين (تاريخيا): روسيا وأوكرانيا.
فروسيا تمسكت بحزم بخطها الشرقي القديم والراسخ، المعادي للغرب الاستعماري.
في حين ان أوكرانيا (او ما تبقى منها) نقلت البندقية من كتف الى كتف، وانتقلت نهائيا الى المعسكر المعادي.
روسيا: النجمة القطبية للعالم الشرقي
والدولة الأوكرانية... تموت!
لقد كانت عصابة بوروشينكو ـ ياتسينيوك ـ ياروش واضرابهم من عملاء الامبريالية واليهودية العالمية تأمل في ان تضطلع بدور شبيه بدور "جمعية تركيا الفتاة" و"الاتاتوركية" في تركيا في القرن الماضي، وان يشقوا الطريق نحو "تغريب" روسيا، ووضع خيراتها اللامتناهية وجغرافيتها الواسعة وامكانياتها العسكرية المرعبة وعظمة وجبروت شعبها الجبار... في خدمة الخط الغربي الموروث من عهد الإمبراطورية الرومانية، لاستعمار واستعباد ونهب وتجويع شعوب العالم العربي والإسلامي والصين والهند وافريقيا وأميركا اللاتينية، وقسمة العالم نهائيا الى: أقلية اسياد يملكون كل مقدرات القوة والثروة، واكثرية عبيد لا يملكون حتى حفرة يدفنون فيها.
ولكن روسيا قبضت على الجمر، وتمسكت اكثر بمسيحيتها الشرقية، وأثبتت انه مهما كانت الامبريالية واليهودية والداعشية الإسلامية والمسيحية قوية، فإن إرادة الشعوب وحقوقها هي اقوى.
وقد انطبعت احداث سنة 2015 بالصعود المتواصل للخط الشرقي لروسيا، وبخذلان الخط الغربي لعصابة "الدواعش" و"الاتاتوركيين" الاوكرانيين.
ونلقي فيما يلي نظرة سريعة على مجريات الاحداث:
استعراض "يوم النصر" ارعب الغرب


1 ـ نظمت روسيا العرض العسكري المميز الذي أقيم في الساحة الحمراء في موسكو في 9 أيار الماضي بمناسبة الذكرى الـ 70 للنصر على النازية في الحرب الوطنية الكبرى (الحرب العالمية الثانية) 1941 ـ 1945. وشاركت في العرض احدث الأسلحة البرية والجوية الروسية، التي تؤكد التوجه نحو تحويل الجيش الروسي الى جيش الكتروني حديث 100%. وقد قاطع القادة الغربيون العرض بسبب الازمة الأوكرانية. وقال الرئيس البولوني برونيسلاف كوموروفسكي ان هذا العرض هو تهديد لبولونيا، وللاستقرار في العالم اجمع.
ولكن بالرغم من التعليق المعادي لـ كوموروفسكي فقد حضر الاحتفال ثلاثون من الرؤساء والقادة العالميين، على رأسهم الرئيسان الهندي والصيني سي تسين بينغ.
وقد اصبح "يوم النصر" اكبر عيد وطني يحتفل به الروس من كل الاتجاهات والانتماءات، اكثر من احتفالهم بأي عيد آخر، حتى أعياد الميلاد ورأس السنة.
وكتبت الجريدة الألمانية Frankfurter Allgemeine Zeitung تقول "ان العواطف تملأ الناس، وكأنه تم الان بالذات الانتصار على المانيا. اما وحدة الشعب في هذا اليوم فتجعل القاصي والداني يفهم ان الروس مستعدون من جديد ان ينتصروا على أي جهة تفكر في الاعتداء عليهم".
التدخل الروسي في سوريا قلب المخططات الغربية رأسا على عقب
2 ـ وفي نهاية شهر أيلول الماضي شرعت روسيا في تنفيذ الحملة الجوية الخاصة لدعم أولئك السوريين الذين يدافعون الان عن بلدهم ضد المنظمات الإرهابية الاسلاموية العالمية. وفي المقابل، يقول بعض المعلقين الروس، "فإن عشرات الاف الشبان والرجال الاصحاء السوريين، يبيتون الان في مختلف الملاجئ الأوروبية بصفة لاجئين. اننا نتفهم كونهم لا يريدون ان يموتوا دفاعا عن "الدكتاتورية الدموية". وفي الاتحاد السوفياتي لم يكن أيضا الجميع يحبون يوسف ستالين، ولكنهم قاتلوا بضراوة دفاعا عن وطنهم. قاتل تلامذة المدارس والمسنون. لم يقاتلوا دفاعا عن سلطة معينة او شخصياتها، بل قاتلوا دفاعا عن الاتحاد السوفياتي".
ضرب الطائرة المدنية لاجبار روسيا على التخلي عن العرب
3 ـ في 31 تشرين الأول 2015 تم اسقاط الطائرة المدنية الروسية فوق سيناء والتي ذهب ضحيتها 224 شخصا من السياح المدنيين الروس وافراد طاقم الطائرة. ودلت هذه العملية الإرهابية على مدى تأثير التدخل العسكري الروسي ضد المنظمات الإرهابية في سوريا ومحركيها، كما على مدى انزعاج الكتلة الغربية وإسرائيل والمنظمات الإرهابية من التقارب الروسي ـ المصري، سياسيا واقتصاديا وعسكريا.
ولكن هذا الاستفزاز لم يدفع روسيا الى التراجع. وبعد الاحداث الإرهابية في باريس في 13 تشرين الثاني 2015 بدأت الدول الغربية تدرك انه ينبغي التنسيق والتعاون مع روسيا في مكافحة الإرهاب الذي يهدد الجميع.
"العقرب التركي" يغامر بوجوده
4 ـ قامت تركيا باسقاط قاذفة روسية "سو ـ 24" فوق الأراضي السورية على الحدود مع تركيا، وقتل الطيار. وهذه اول مرة منذ عشرات السنوات يتم فيها اسقاط طائرة روسية من قبل طائرة أميركية تابعة لدولة عضو في حلف الناتو هي تركيا. وعلى الأثر اتخذت روسيا إجراءات اقتصادية شديدة ضد تركيا، كما انها ضاعفت حضورها العسكري في سوريا. وهذا العدوان يشير الى ان اردوغان وثق كثيرا بايحاءات أوباما. وقد وصف الرئيس الروسي اسقاط القاذفة بأنه "طعنة في الظهر". ولكن ما حدث قد حدث. وكل شيء سيدفع ثمنه، ان لجهة المطامح الخاصة، او الغباء، او الغطرسة. ويقول الخبراء ان هذا الاستفزاز المدبر ضد روسيا سيؤدي الى تعكير مجمل العلاقات الغربية ـ الروسية، وخصوصا الى قطع الطريق نهائيا على التعاون الاقتصادي الروسي ـ التركي مما سينتج عنه الموت المحتم البطيء للاقتصاد التركي ومن ثم للدولة التركية التي ستبدأ التخبط بمشاكلها القومية والسياسية العديدة، داخليا وخارجيا، وروسيا لن تمد بعد اليوم يدها لمساعدة تركيا على التخلص من مشكلاتها، بل ستتركها تتمزق وتغرق في هذه المشكلات وان ينتهي دورها كدولة إقليمية كبرى، على طريق زوالها التام في النهاية كدولة.
أوكرانيا الجائعة تقطع الطريق حتى على... الشفقة عليها!
5ـ ومن اجل لفت نظر الرأي العام الدولي الذي لم يعد يعيرها أي اهتمام قامت أوكرانيا بفرض حصار غذائي وطاقوي على شبه جزيرة القرم. أولا قطعت مياه نهر الدنيبر عن القرم، ثم أوقفت المواصلات بواسطة الباصات والقطارات. وفي 22 تشرين الثاني تم تدمير أربعة أبراج في شبكة نقل الطاقة الكهربائية في منطقة خيرسون، الامر الذي نتج عنه الإيقاف التام لتزويد القرم بالكهرباء. ولاحقا فرضت مقاطعة تامة بالمواد الغذائية من اوكرانيا الى القرم. وحسب تقدير سيرغيي اكسينوف، رئيس إقليم القرم، فان 95% من المواد الغذائية في المحلات هي الان روسية. ويقول "لقد تغلبنا على كل هذه الصعوبات، وقد ادى ذلك الى تدعيم وحدة القرميين". ان الحصار على القرم تحول الى خسارة للأسواق والمداخيل بالنسبة لاوكرانيا. انه قرار انتحاري اخر من قبل السلطة الأوكرانية الانقلابية.
"منشآت القرن" في روسيا
6 ـ بالرغم من العقوبات الاقتصادية الغربية ضد روسيا، فهي قد بدأت في بناء "منشآت القرن":
أ ـ المركز الفضائي المسمى "الشرق" ويقع في الشرق الأقصى الروسي، لاطلاق الصورايخ والمركبات الفضائية. وسيحل هذا المركز محل مركز بايكونور الشهير في كازاخستان، الذي اخذت روسيا تدفع ايجارا عنه بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. وسيتحول مركز بايكونور الى إدارة كازاخستان، والى احتياط لمركز "الشرق" الجديد على الأراضي الروسية.
ب ـ الجسر العملاق فوق مضيق كيرتش، الذي سيربط جنوب روسيا بشبه جزيرة القرم، وبدون ان يعيق الحركة البحرية بين البحر الأسود وبحر آزوف المغلق المتفرع عنه. وستساهم الصين في بناء هذا الجسر الذي لا مثيل له في العالم. وسيتضمن الجسر خطوطا للسكك الحديدية، وطرقات لكميونات الشحن والباصات، وطرقات سريعة، وممرات خاصة للدراجات النارية والدراجات الهوائية، ومنتزهات وملاعب ومقاه ومطاعم وفنادق للتلامذة والسياح، ومنصات خاصة لرياضة القفز بالمظلات.
وبناء جسر كيرتش هو مقدمة لتحويل شبه جزيرة القرم الى لؤلؤة عالمية، سياحيا، وتجاريا، وماليا، وثقافيا، وفنيا ورياضيا.
ج ـ سلسلة ملاعب كرة القدم لمباريات بطولة العالم التي ستستضيفها روسيا سنة 2018. والتي سيتم انشاؤها في مدن روسية مختلفة، وتكون وفق المعايير الدولية المعتمدة من قبل الفيفا.
المفاعيل العكسية للعقوبات الاقتصادية الغربية على روسيا
7 ـ بعد الانقلاب الذي نفذته المخابرات الغربية بالتعاون مع القوى الفاشستية في أوكرانيا في 21 شباط 2014، احتدم الاختلاف بشدة بين موقف كل من روسيا والكتلة الغربية من الازمة الأوكرانية، وخاصة بعد الاستفتاء الشعبي العام الذي جرى في أيار 2014 في شبه جزيرة القرم وسيباستوبول واسفر عن عودة شبه جزيرة القرم الى روسيا. ثم الاستفتاء الذي جرى في مقاطعتي دونيتسك ولوغانسك (في الدونباس في شرق اوكرانيا) واسفر عن انفصال المقاطعتين عن أوكرانيا واستقلالهما. وارتكبت اميركا خاصة والكتلة الغربية عامة ستراتيجية خاطئة تماما وهي انتهاج سياسة فرض العقوبات الاقتصادية على روسيا لاجبارها على تبني الموقف الغربي من الازمة الأوكرانية. ولكن روسيا لم تنجر الى اتخاذ مواقف انفعالية من العقوبات الاقتصادية الغربية، بل عمدت الى اجراء تحول جذري في سياستها الاقتصادية الخارجية، ويتلخص هذا التحول في: الغاء إعطاء الأولوية في العلاقات الاقتصادية الخارجية للكتلة الغربية (اميركا والاتحاد الأوروبي)، وتحويل الأولوية في العلاقات الاقتصادية الخارجية الى الشرق خصوصا وبلدان العالم الأخرى عموما. وتعمل الدولة الروسية بموجب خطة ستراتيجية بعيدة المدى هدفها الأساسي: تقليص رقعة التعامل بالدولار جغرافيا وكميا، تمهيدا لالغاء استعماله كعملة دولية، وارجاعه الى حجمه كعملة وطنية أميركية.
ولهذه الغاية قامت روسيا في 2015 بإجراءات ومبادرات كثيرة داخلية وخارجية أهمها ما يلي:
التعاون الروسي ـ الصيني
أ ـ تعزيز التعاون في شتى المجالات ولا سيما اقتصاديا مع العملاق الصيني، وتوقيع عشرات الاتفاقيات الجديدة مع الصين، احدها يتعلق برفع سقف التبادل الجاري بين البلدين الى اكثر من 200 مليار دولار حتى سنة 2020، والتعاون في بناء صناعات عسكرية ضخمة برساميل روسية ـ صينية مشتركة، والتعاون في بناء جسر مضيق كيرتش العملاق كخطوة كبرى نحو بعث "طريق الحرير" التاريخي بين اقاصي الشرق وأوروبا، استنادا الى الطبيعة الجغرافية لروسيا بوصفها الجسر الاوراسي الأساسي. وبموجب الاتفاقات ستقوم الصين ببناء خط سكة حديد لـ "القطار السهم" بين بكين وموسكو، ويبلغ طول الخط 4000 كلم، وستبلغ التكاليف اكثر من 240 مليار دولار. وفي جميع هذه الاتفاقات ستكون وسيلة الدفع بالعملة الوطنية للبلدين وليس بالدولار.
ترسيخ العلاقات مع ايران
ب ـ ترسيخ العلاقات مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ودعم الموقف الإيراني خلال المفاوضات الصعبة مع الكتلة الغربية حول البرنامج النووي السلمي الإيراني، وانذار الكتلة الغربية ولا سيما إسرائيل بعدم التفكير في القيام بأي عدوان على ايران، لان روسيا ستقف الى جانب ايران. وقد اسفرت تلك المحادثات عن "الاتفاقية النووية" بين ايران والكتلة الغربية، الامر الذي سيؤدي الى رفع الحصار الاقتصادي عن ايران وتجميد حساباتها بمئات مليارات الدولارات في المؤسسات الغربية والدولية، مما يفسح المجال لزيادة التعاون الاقتصادي بين روسيا والجمهورية الإسلامية الإيرانية الى حدود مفتوحة.
انشاء بنك البريكس
ج ـ بموجب مرسوم جمهوري صادر عن الرئاسة الروسية، تقدم البنك المركزي الروسي من الدول الأعضاء في مجموعة بريكس (البرازيل، روسيا، الهند، الصين وجنوب افريقيا) باقتراح مشروع انشاء بنك البريكس، برأسمال اولي وقدره ما قيمته 200 مليار دولار، تدفع بالتساوي، وسيكون مقره المركزي في مدينة شنغهاي الصينية، وتتشكل ادارته العليا من وزير المالية او رئيس البنك المركزي من الدول الخمس المؤسسة. وقد وافق قادة دول البريكس على تأسيس البنك، وتم دفع رأسماله الاولي، وبدأ تشكيل هيئاته العليا، ودعا قادة البريكس جميع دول العالم المستاءة او غير الراضية على سياسة الهيمنة التي يمارسها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والولايات المتحدة الأميركية للتعاون مع بنك البريكس. ويتجه بنك البريكس نحو توفير الشروط المناسبة لاصدار عملته الخاصة للوقوف بوجه الدولار واليورو والعملات الاحتكارية الغربية الأخرى.
د ـ فصل الروبل عن الدولار: منذ العهد "السوفياتي" كانت الدولة تنتهج سياسة دعم الروبل بشكل مصطنع، وذلك لدواع سياسية ـ دعائية اكثر منها اقتصادية. وكان البنك المركزي يشتري يوميا بمليارات الدولارات من سوق الصرف المحلي عشرات ومئات مليارات الروبلات والاحتفاظ بها في المستودعات بلا طائل، بهدف واحد وحيد هو إبقاء سعر الروبل مرتفعا بشكل مصطنع. وكانت هذه السياسة تساعد المواطنين المسافرين الى الخارج على شراء الدولا بسعر ارخص من سعره الحقيقي بالروبل، كما كانت تؤدي الى رفع سعر السلع "السوفياتية" (والروسية طبعا) بأعلى من سعرها الحقيقي بالدولار. وبالعكس بالنسبة للسلع الأجنبية. وكان هذا يسبب ضررا فادحا للتجارة الخارجية "السوفياتية" (والروسية) بالاتجاهين: الاستيراد والتصدير. وكل ذلك لهدف دعائي، كان في السابق أيديولوجيا، لا غير. وبعد توقيع الاتفاقيات الاقتصادية الضخمة بين روسيا والصين في 2014 و 2015 (اكثر من 46 اتفاقا بقيمة تتجاوز مئات تريليونات الدولارات) واتفاق البلدين على الاستغناء عن التعامل بالدولار والانتقال الى التعامل بالعملة الوطنية لكل منهما، قرر البنك المركزي الروسي التخلي عنن سياسة دعم الروبل و"لبررته" وتعويمه، مما أدى الى مضاعفة سعر صرف الدولار بشكل مفاجئ. مما اعتبره بعض المحللين المغرضين والسطحيين بأنه دليل انهيار للاقتصاد الروسي بفعل العقوبات الاقتصادية الغربية. والواقع هو العكس تماما. أي ان الروبل الرخيص هو الرد الأقوى على العقوبات الاقتصادية الغربية، أولا، لانه يشجع التصدير والإنتاج الوطني ويحد من الاستيراد، وثانيا، لان مئات مليارات الدولارات التي توفرت لدى البنك المركزي بفعل وقف الشراء المصطنع للروبل، تم تحويل قسم كبير منها نحو زيادة احتياط الدولة من الذهب، والقسم الاخر تم توجيهه نحو "الاحتياط الوطني" للدولة الذي يستخدم في الحالات الطارئة والمشاريع الكبرى المرادفة للميزانية العامة للدولة، وخاصة في مشاريع المجمع الصناعي الحربي، المحور الرئيسي للاقتصا الروسي، الذي يقوم بصناعة الأسلحة الطليعية الخارجة عن ميزانية وزارة الدفاع، كالاسلحة الليزرية والالكترونية والروبوتية والايكولوجية، الموجهة بطبيعة الحال نحو الرؤوس الحامية في حلف الناتو والقيادات الامبريالية الأميركية واليهودية العالمية.

الانقلابيون الاوكرانيون يمتهنون اللصوصية
8 – بعد الانقلاب الموالي للغرب والفاشستي في كييف في 21 شباط 2014، وعودة شبه جزيرة القرم وسيباستوبول الى روسيا وانفصال الدونباس عن الجسم الاوكراني، نشأت في "بقية" أوكرانيا لوحة سوريالية مذهلة. فالمعلوم ان الشرق (القرم والدونباس) هو الذي كان يطعم كل أوكرانيا، حيث ان مناجم الدونباس الشهيرة والغالبية الساحقة من المعامل والمصانع والمراكز السياحية والحركة التجارية الرئيسية (مع روسيا اساسا) كانت تتركز في الشرق، ومن ثم فإن غالبية مداخيل الدولة والضرائب والرسوم الخ كانت تأتي من "الشرق". وكانت جميع صناديق الدولة وصناديق الخدمات الاجتماعية كالمعاشات التقاعدية والصحة والأمومة والتعليم وصناديق البلديات والمناجم والمعامل والشركات السياحية كلها تتمركز في العاصمة كييف. وكان غالبية سكان أواسط وغرب أوكرانيا يعملون في الوظائف الإدارية والحكومية وقطاع الخدمات وبعض الصناعات الخفيفة. ومع بداية الازمة استولت الحكومة المركزية على جميع الصناديق المالية. وصار الأطباء في "الشرق" يعملون بدون أجور وبدون ان ترسل لهم كييف حبة اسبرين واحدة من الحسابات الخاصة بمستشفياتهم. وصار عمال المناجم انفسهم يعملون تحت الأرض بدون أجور ومع زيادة الخطر على حياتهم وصحتهم لان المناجم لم تعد تحصل على تكاليف متطلبات الصيانة. وحتى متقاعدو عمال المناجم المشهورون تاريخيا انهم قاتلوا الهتلريين كالاسود وقدموا مئات الاف الشهداء والمعاقين والجرحى خلال الحرب العالمية الثانية قطعت عنهم المعاشات التقاعدية وصار عليهم ان يموتوا من الجوع بفضل شعارات "الدمقراطية" و"الفوضى البناءة" الأميركية و"الخيار الأوروبي" و"معاداة روسيا" و"الانضمام الى حلف الناتو".
روسيا ترسل المساعدات الإنسانية لشرق اوكرانيا
وقد حلت روسيا هذه المشكلة بأن بدأت ـ ولا زالت مستمرة ـ في ارسال قوافل المساعدات الإنسانية لسكان شرق أوكرانيا لمنع وقوع كارثة إنسانية. وقد حاولت سلطات كييف الاستيلاء على القوافل بحجة انها هي السلطة الشرعية وهي التي ستوزع المساعدات ولكن الهيئات الروسية المعنية رفضت تسليم القوافل الا لاصحابها.
الدونباس يستقل تماما
ولكن وبالرغم من كل هذه المأساة، وبعد إعادة القرم الى روسيا، فإن منطقة الدونباس استطاعت أيضا، وبمساعدة روسيا، تحقيق استقلاليتها التامة عن كييف، سياسيا وعسكريا واقتصاديا وماليا واداريا، ولم تعد ترسل قطعة فحم حجري واحدة الى كييف، ونظمت صناديقها المالية والاجتماعية، واعادت تشغيل المناجم والمعامل والمصانع والبنوك والمستشفيات والمدارس باشراف السلطة الاستقلالية الجديدة، وشكلت جيشها الخاص المسلح بالأسلحة القديمة للجيش الاوكراني السابق وبالاسلحة والاليات والمدفعية والدبابات الروسية الجديدة، وبدأت "قوات الدفاع الذاتي الشعبي" تدافع عن مناطقها بحزم.
ونشأ خط جبهة قتال على طول الحدود بين شرق أوكرانيا والمناطق التي تسيطر عليها السلطة الانقلابية والفاشست في كييف.
الأحزاب الانقلابية الأوكرانية تسرق "المساعدات" الغربية
وفيما المنطقة الشرقية تعيد تنظيم دورة الحياة فيها، بالتعاون الوثيق مع روسيا، فإن المنطقة "الغربية" كانت ترتمي عند اقدام الناتو والاتحاد الأوروبي، فقط من اجل الحصول على المال، مقابل تسابق أحزاب غرب أوكرانيا على عرض الانضمام الى حلف الناتو والاتحاد الأوروبي، وتحويل أوكرانيا الى قاعدة عسكرية متقدمة، وقاعدة تجسس، وقاعدة تهريب مخدرات وتخريب اقتصادي ضد روسيا.
الكتلة الغربية تخشى الغضب الروسي
ولكن الملفت للنظر ان حلف الناتو ذاته والاتحاد الأوروبي لم يعودا متحمسين لادخال اوكرانيا (او ما تبقى منها) في عضويتهما، أولا، لعدم إغضاب روسيا، وثانيا، لان أوكرانيا فقدت أهميتها السابقة بوصفها اكبر دولة في أوروبا الشرقية بعد روسيا، وتحول احتمال تمركز قوات الناتو فيها من نقطة قوة الى نقطة ضعف، لان أي قوة عسكرية للناتو وغير الناتو تتواجد على شواطئ البحر الأسود او في أوكرانيا او تركيا او بولونيا او جورجيا او مولدوفا ورومانيا وبلغاريا (أي المناطق القريبة من روسيا) لم تعد تمثل أي خطر عسكري على روسيا، بل أصبحت بمثابة "رهائن" في قبضة روسيا القادرة على سحقها بلحظات ولا يوجد قوة في العالم يمكن ان تدافع عنها.
الانقلاب الاوكراني لم يحقق المطلوب منه
9 ـ انفقت الولايات المتحدة الأميركية اكثر من 5 مليارات دولار من اجل إنجاح الانقلاب في أوكرانيا في شباط 2014. وذلك باعتراف فكتوريا نولاند، المختصة بالملف الاوكراني في وزارة الخارجية الأميركية. وكان هدف الانقلاب الاتيان بحكومة قوية تطلب الانضمام الفوري الى الناتو وتقف بقوة بوجه روسيا، وحتى تفتعل حربا معها، لفسح المجال لاميركا والناتو للتدخل ضد روسيا تحت الغطاء الاوكراني واشعال حرب إقليمية ضد روسيا على طريقة الحرب الأفغانية السابقة ضد السوفيات. ولكن الأمور انعكست تماما وانشق الجيش الاوكراني، ورفضت البحرية الأوكرانية الوقوف ضد الاسطول الروسي في سيباستوبول، بل على العكس انضمت غالبية السفن الأوكرانية ببحارتها بما في ذلك قائد البحرية الأوكرانية انضموا الى الاسطول الروسي. وانضمت القرم الى روسيا. وانفصل الدونباس عن أوكرانيا. ولذلك توقف مزراب الدولارات على العملاء "الفاشلين" في أوكرانيا. وتوجب على هؤلاء التفتيش عن بدائل لاشباع اطماعهم.
سنة السرقات والتهريب
10 – وبعد انفصال القرم والدونباس وقطع علاقاته الإدارية والمالية والاقتصادية تماما مع كييف، توقف تماما "استحلاب" شرق أوكرانيا. فلجأت الأحزاب الفاشية والانقلابية الى مصدرين ماليين مهمين:
الأول ـ الصناديق المالية الخاصة بالشرق، بما فيها جميع الودائع البنكية ذاتها، التي كانت عائدة للمواطنين العاديين او للفروع البنكية "من الشرق"، فتم نهب هذه الصناديق بدون أي وازع قانوني او وطني او أخلاقي. وطبعا دخلت هذه الأموال المنهوبة في الدورة الاستهلاكية في مناطق سيطرة الحكومة الانقلابية، وصار اصغر عنصر فاشستي "يلعب بالدولارات".
والثاني ـ التهريب باتجاه الغرب. وتحولت مقاطعة زاكارباتيا (وتحدها من الشمال والغرب بولونيا والمجر وسلوفاكيا) الى قاعدة تهريب ضخمة. فحفرت انفاق ضخمة وطويلة تمر بها التيرات بكل ضخامتها. ومدت انابيب لتهريب السوائل (البنزين والفيول والسبيرتو الخ)، وأقيمت مطارات على جانبي الحدود للطائرات الخفيفة لتهريب اي شيء يتم الاستيلاء عليه. واستفادت عملية التهريب من مصدرين للربح الفاحش:
أ ـ فرق الأسعار الكبير للسلعة الواحدة بين أوكرانيا والدول الغربية (ان تهريب حمولة تير واحد من السجائر الأوكرانية الرخيصة كان يدر على المهربين عدة ملايين الدولارات).
ب ـ السرقات، وخصوصا سرقة الاحتياطات الستراتيجية للدولة، وهو تقليد موروث من العهد السوفياتي، حيث ان الدولة ولا سيما القوات المسلحة كانت تحتفظ باحتياطات ضخمة من المواد الغذائية واللوازم والضرورات الحياتية تحسبا لحالات الحرب والطوارئ. كما ان المخازن والشبكات التجارية تحتفظ عادة بمستودعات كبيرة. كل ذلك تمت سرقته وبيعه الى المهربين، الذين قاموا بالتهريب عبر الحدود.
وكانت السرقة تجري بشكل "مشروع" تماما. أي كانت التيرات تأتي الى المستودعات ومعها أوامر استلام رسمية "من اجل البيع".
وهذا يعني ان جهاز الدولة كلها من رئيس الدولة المافيوزي بوروشينكو الى الموظفين الصغار انخرطوا في الفساد والرشوة والسرقة والتهريب، الى ان وصلت الدولة الى الإفلاس التام.
توزيع الادوار
وقد توزعت الأحزاب "الدمقراطية" الأميركية النشاطات: أحزاب تخصصت في سرقة الصناديق الاجتماعية والمالية والبنكية العائدة للشرق. وأحزاب تخصصت في السرقات. وأحزاب تخصصت في التهريب. وطبعا ان وسائل الاعلام "الدمقراطي جدا" كانت ولا تزال تنال حصتها من اجل المزيد من الصراخ والافتراءات والتزوير والشتائم ضد روسيا والروس والناطقين باللغة الروسية. وصار حتى اتفه صحفي يتبختر بسيارته الغربية او اليابانية الجديدة مسبحا بحمد "الاقتصاد الحر" و"الدمقراطية الغربية".
الداعشية لا دين لها
وبلغت الوقاحة درجة لا تكاد تصدق، وهي مهاجمة الكنائس الروسية في كييف وغيرها. اذ المعلوم ان الكنائس الاورثوذوكسية هي مستقلة لكل بلد (واحيانا عدة بلدان). والكنيسة الاورثوذوكسية الأوكرانية لها بطريركيتها الخاصة، وكذلك الكنيسة الاورثوذوكسية الروسية. ولكن باعتبار ان قسما كبيرا من الشعب الاوكراني (اكثر من 40%) هو من أصول روسية او من الناطقين باللغة الروسية، فقد كان هناك تقليد قديم هو ان الكنيسة الروسية كانت تبني "الكنائس الروسية" في أوكرانيا وهي تتبع لها.
وامام فشل سلطة كييف وفاشييها في استعادة القرم والدونباس، ولتغطية الانغماس قي الفساد والسرقة والتهريب والخيانة الوطنية لم يبق امام الأحزاب والاعلام الموالي لاميركا في أوكرانيا سوى التحريض ضد الكنائس الروسية، وبالفعل اخذ "الشباب" الذين يتباهون بلبس قمصان مطبوعة عليها صور هتلر واوباما والصليب المعكوف والعلم الأميركي يهاجمون الكنائس الروسية ويحطمون الأبواب والجدران والمقاعد ويعتدون على المصلين ورجال الدين المسنين ليجبروهم على... التخلي عن الصلاة باللغة الروسية.
يبدو انه حتى الصلاة باللغة الروسية صارت ترعب قيادة الناتو وحاخامية نيويورك والبيت الأبيض والفاتيكان الأسود!
ويبدو ان "ما تبقى من أوكرانيا" صار يستأهل ان يقام له "قداس وجنّاز روسي"!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل



#جورج_حداد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القيادة البوتينية تتجه نحو العسكرة الكاملة للدولة الروسية
- روسيا تقلب المواجهة تماما ضد داعش واسيادها
- كيسينجر ينعى النظام العالمي لاميركا
- حذار من الغضب الروسي الآتي
- تحطيم الداعشية وكسر نظام الآحادية القطبية العالمية لاميركا
- فشل خطة شرعنة الدولة الداعشية
- الحرب الجوية الروسية في سوريا ستقلب ستراتيجية الحروب الإقليم ...
- بدأ العد العكسي للانهيار الداخلي لاوكرانيا
- الحرب الاهلية الأوكرانية تتجه نحو الغرب
- العلاقات الروسية الإيرانية سد منيع ضد الامبريالية والصهيوني ...
- العقيدة الجديدة للبحرية الحربية الروسية: المحاصرة الكاملة لا ...
- أزمة أوكرانيا ستنتهي بزوالها كدولة
- اميركا تقع في الفخ الذي نصبته لروسيا
- اليونان المتمردة تغيّر ميزان الجيوستراتيجيا العالمية
- بعد اغتيال نيمتسوف روسيا تتجه نحو تغيير كل الخريطة المحيطة ب ...
- اليونان تنتفض ضد التبعية الغربية
- الستراتيجية الروسية وأسلحة الليزر
- بداية ثورة في صناعة الأسلحة الروسية
- العقيدة العسكرية الجديدة لروسيا
- القيادة الروسية تتعلم اللغة اليونانية


المزيد.....




- نيابة مصر تكشف تفاصيل -صادمة-عن قضية -طفل شبرا-: -نقل عملية ...
- شاهد: القبض على أهم شبكة تزوير عملات معدنية في إسبانيا
- دول -بريكس- تبحث الوضع في غزة وضرورة وقف إطلاق النار
- نيويورك تايمز: الولايات المتحدة تسحب العشرات من قواتها الخاص ...
- اليونان: لن نسلم -باتريوت- و-إس 300- لأوكرانيا
- رئيس أركان الجيش الجزائري: القوة العسكرية ستبقى الخيار الرئي ...
- الجيش الإسرائيلي: حدث صعب في الشمال.. وحزب الله يعلن إيقاع ق ...
- شاهد.. باريس تفقد أحد رموزها الأسطورية إثر حادث ليلي
- ماكرون يحذر.. أوروبا قد تموت ويجب ألا تكون تابعة لواشنطن
- وزن كل منها 340 طنا.. -روساتوم- ترسل 3 مولدات بخار لمحطة -أك ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جورج حداد - صعود الدولة الروسية وأفول الدولة الاوكرانية