أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - حدث في قطار آخن -24-















المزيد.....

حدث في قطار آخن -24-


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 5027 - 2015 / 12 / 28 - 17:59
المحور: الادب والفن
    


- الأنابيب جاهزة للسحب، صاحت سابينه باحتفالية.
- جَفَّ رِيقي، أريد أن أشرب الماء، هل لدى المؤمنات بعض ماء؟ سأل الضابط.

- أنت رجل غريب الأطوار! سابينه تقول: "الخراطيم جاهزة للسحب" وأنت تقول: "جَفَّ رِيقي"، اشرب الماء كما تشاء، تفضّلْ يا سيادة الضابط، ها هي زجاجة الماء!
- مياه غازية؟
- بالتأكيد!
- حسناً، أريد فقط جرعة صغيرة... سأشرب لأني أخاف من ضيق التنفس، أخاف من الموت بالسكتة القلبية، أخاف من الموت بالسكتة الدماغية، أخاف من السرطان! أعتقد أنّ الكثير من الأزمات القلبية والنوبات الدماغية في الشرق مَرَدّها نقص الماء...
- كل ألماني تقريباً، من مختلف الأعمار، يحمل في حقيبته زجاجة ماء غازية، لا تفارقه، عليه أن يشرب حوالي ليترين أو ثلاثة لِيترات يومياً، بجرعات خفيفة وفي كل الأوقات. قالت هنيلوري.
- يستطيع الإنسان أن يصبح إنساناً فقط من خلال التربية. علّق أحمد.
- نعم، إنه لا شيء إلا ما عملت منه التربية، كما تفلسف الألماني إيمانويل كانت. قالت هنيلوري.
- كنزي أحمد، لا داعي للخوف، أنت تعيش في ألمانيا، نظام التأمين الصحي في هذا البلد هو الأقوى والأشمل عالمياً. الحكومة الألمانية بأحزابها تَكَفَّلَت بضمان صحي متساوٍ لكل الشرائح الاِجتماعية، على قاعده التساوي كبشر، الفرق يكمن فقط في المساهمة، من لا يعمل أو من لا يستطيع العمل، تدفع عنه الدولة للحصول على العلاج الجيد. من يعمل، يدفع رسوماً شهرية أعلى، مناصفة مع رب العمل. من يكسب شهرياً أكثر، يدفع أقساطاً أعلى بكثير من مبدأ التعاضد الاِجتماعي، لكنه يتمايز بعض الشيء عن الآخرين من حيث الرفاهية الطبية. قالت سابينه.
- أعرف، أعرف هذا! قاطعها أحمد.


- أنتم في الشرق تعرفون كل شيء! دعني أكمل ما أود قوله أولاً... من ناحية أخرى، لم ولا تسمح الحكومة للأطباء والصيادلة أن يتحولوا إلى مقاولين وتجار كما معظم الحال في شرقكم...
- معظم أطباء وصيادلة الشرق فقراء! قاطعها أحمد.
- دعني أكمل فكرتي، لا تقاطعني من فضلك... هنا يوجد سقف دخل محدد لكل طبيب، كي تُتاح فرص العمل والربح للآخرين، لكن بالمقابل له الحق في الشهرة وأن يتمايز بمهاراته ومتابعاته للجديد في الطب ومُعَدّاته.
- هل يعني هذا، أنّ للطبيب الحق في عدم قبول مرضى إضافيين؟ سأل أحمد.
- يُسمح له ودون حدود بقبول وعلاج كل شخص يحمل بطاقة تأمين صحي خاص، لكن تبقى تسعيرة المعالجة وسقف الأجور دون تغيير بحسب القوانين للناظمة.
- وحدهم الأجانب في هذا البلد، كما يقول أبي دائماً، قد بَرَعَوا، لكن بحدود ضيقة، في التجاوزات الطبية والتهرب من الضرائب والرسوم والاحتيال على شركات التأمين الصحي. علّقت هنيلوري.
- كنزي أحمد، مرة ثانية أقول لك: لا داعي للخوف، أنت تعيش في ألمانيا، بين المستشفى والمستشفى يوجد مستشفى، بين العيادة والعيادة يوجد عيادة، بين الصيدلية والصيدلية يوجد صيدلية. بهذا أنهت الممرضة سابينه خطابها، تناولت خرطومها وغرقت في نوبة ضحك.
- الخراطيم جاهزة للسحب! الخرطوم ينتظر جوفك، اسحب هرمون السعادة منه يا أحمد، وكما ترى بين الخرطوم والخرطوم يوجد خرطوم، وبين النَفث والنَفث ينبغي أن تَنْفُث الدُّخَّانَ يا أحمد، من أذنيك، من خصيتيك، من مؤخرتك، من أنفك دون أن تَتَأَلَّم ودون أن تُعَانِي من الوَجَع أو الذكريات أو الخوف من السكتات القلبية والدماغية، ابدأ يا أحمد، اِصعد إلى قطار السعادة، سافر سريعاً وطويلاً، كي نسافر معك. قالت الشرطية هنيلوري، تناولت خرطومها، سحبت منه بعض سعادة ثم نَفثت مخروط دُخَّانٍ من عينيها.
- تتكلمون عن كل شيء، حتى عن الطب والصيدلة! تقولون: "بين الصيدلية والصيدلية ثَمّة صيدلية"، وأين الغرابة في ذلك؟ في الشرق، بين الجامع والجامع ثَمّة جامع، كما هو الحال أيضاً في مدينة دير الزور، بين المقهى والمقهى ثَمّة مقهى. تمتم أحمد، ثم أمسك خرطوم السعادة باليسرى ونظف رأسه باليد اليمنى.

*****
"منذ يومين كنت على موعدٍ مع طبيب الأسنان، بعد الكشف الوقائي، استفسرت ممرضته مني عمّا إذا كنتُ استخدمُ "دير تسانشتوخير"!؟
لعلها قصدت المِسْوَاك!
ضحكتُ وقلتُ لها بخجل: بالتأكيد لا!
ثم أضافت: هل ترغب بالاِطلاع عليه وكيفية استخدامه؟
أجبت بتهذيب: ولم لا!
قامت السيدة بشرح طريقة الاستعمال وفوائده.
خرجتُ من العيادة راضياً، توجهتُ إلى أقرب صيدليةٍ واشتريتُ تلك العيدان... حينئذ ندمتُ وخجلتُ من نفسي، إذْ تذكّرتُ أنّ بدني قد اِقْشَعَرَّ ذات يومٍ عندما رأيتهم يستخدمونه...
لحظتها أدركتُ أنني لمْ أزر سد الفرات في حياتي، لا أعرف مدينة الطبقة، لم أتعرف إلى مدينة الرقة، لم أدخل إلى مدينة الميادين ولا إلى مدينة البوكمال، لم أرَ مدينة الباب ولا مدينة منبج، لم أتعرف إلى مدينة السلمية ولا إلى مدينة معرة النعمان، لم أكن في مدينة أدلب يوماً، لم أمر بمدينة السويداء مطلقاً، لا أعرف شيئاً عن مدينة درعا...
لحظتها أدركتُ أنني لا أعرف هذه المدن ولا القرى المحيطة بها.
لكنني مررتُ ذات يومٍ بمدينة جسر الشغور في طريقي لزيارة صديقي المصري في ضيعة اشتبرق، وسافرت إلى مدينة الحسكة بالقطار لمدة يومين مع نادي العمال الرياضي بإشراف المدرب الدولي النجّار، وقمت بزيارةِ أحد المعارف الأكراد في مدينة عامودا لمدة يومٍ واحد، وسافرت إلى مدينة حماه مرتين وطبعاً فقط مع نادي العمال الرياضي، وشّمّمتُ رائحة مصياف وطرطوس.
أعرف مدينة دمشق قليلاً جداً، لا أعرف شيئاً عن محيطها، لا أعرف دوما ولا الغوطة، وأعرف مدينة حلب بمقدار أقل مما أعرف به دمشق، ولا أعرف شيئاً عن محيط حلب، والأمر ذاته ينطبق على علاقتي بمدينة حمص ومحيطها.
لم يتسنّ لإمبراطوريتي ذات العمر القصير القيام بالزيارة الدبلوماسية إلى بلد عربي ما! باستثناء زيارتي العابرة إلى مدينة بيروت... وعدا ذلك لم تطأ قدماي أي بلد عربي في حياتي!
يقولون إن أصولي تعود إلى أحد الجبال في مدينة اللاذقية، جبال صلنفة... لكنني أقسم لكم أني لا أعرف مدينة اللاذقية، مدينتي، كما ينبغي، ولا محيطها ولا منتجعاتها ولا عاصمتها السياحية صلنفة ولا جبل العائلة، رغم حياتي المتواصلة في اللاذقية لأكثر من خمسة وعشرين عاماً! ولست بصدد تدارس الأسباب...
اليوم، وأقولها خجلاً، صرت أعرف مدن ألمانيا كافة، محطات قطاراتها، فنادقها، مطاعمها، شوارعها معظمها...
تذكرت شيئاً، لقد سافرتُ إلى دير الزور، بسيارة أجرة صفراء، مع أحد الأصدقاء واسمه "جمال" وبصحبة رجلين آخرين الأول اسمه "ابراهيم" والثاني "مصطفى"، رافقتهم لمدة أيامٍ ثلاثة أو أكثر بقليل، وذلك لقضاء بعض المعاملات هناك، كنتُ فخوراً بالرحلة والصحبة، وَدِدْتُ أن تطول...
شعرتُ به وأستذكرهُ جيداً، مناخها الصحراوي...
وكذا شاهدتُ بأمِّ عينيّ رياح "السموم" الهابّة المحمّلة برمال الصحراء وأتربتها...
رأيت الجسر الذي كان ما زال معلّقاً هناك...
رأيت المقاهي العديدة الموزعة في كل مكان...
قال لي صديقي جمال يومئذٍ: يقولون عن المدينة إنها مدينة المقاهي... كما ترى، بين المقهى والمقهى يوجد مقهى...
وصديقي يتنقل من مقهى إلى مقهى... وفي كل مقهى يجلس الرجال متشابهين بالعباءة، بالشوارب وحتى بنظرات العيون... أمامهم كأس شاي أو فنجان قهوة... وبجانبهم النارجيلة أو باكيت دخان... والشَمَلات الحمر تغطي الرؤوس...
يجلسُ الرجال وبين أصابع اليد اليمنى لكل منهم عودٌ رفيعٌ، ينكشون به أسنانهم... اِقْشَعَرَّ جِسْمي... علمتُ فيما بعد أنّهم يسمونه المِسْوَاك... بينما تقبض أصابع أياديهم اليسرى على خراطيم الناراجيل، وبأفواههم يرسمون أشكال هندسية لمخروطات دُخَّانٍ حزينةٍ...
اليوم، وبعد زيارة الطبيب، عفواً منهم، أقول: كانوا ينظفون به أسنانهم...
وأنا الحائرُ أتساءلُ: من هم هؤلاء الرجال؟
هل أتوا من السعودية لشراء قطعان الماشية؟
هل أتوا لشراء بنات الشرق؟
أم هم فعلاً رجال دير الزور الأُباة!
ولأنني كنتُ في بدايات ولعي بالسيجارة... تمنيتُ لو يجلس جمال كي ندخن بهدوء ونشرب الشاي الخمري الغامق... لذا رجوته في البداية توضيحَ سبب تنقله من مقهى إلى مقهى...
أجابني: هناك من أبحثُ عنه... أبحثُ عن صديقٍ حميمٍ يرتادُ المقاهي...
وكأني فهمت أو خُيِّل لي أني سمعتُ بأنّ صديقه الحميم يعيشُ متوارياً!
في المساء وقرب مدفأة المازوت في غرفة الاستقبال في أحد الفنادق الرخيصة، جلستْ مجموعةٌ من الرجال برفقة المِسْوَاك والتبغ ومخروطات الدُخَّان والشاي... وجلستُ قربهم أَتَدفّأ وأسترقُ السمع إلى أحاديثهم المتنوعة.
بعد ساعات قليلة من عودتنا إلى اللاذقية اعتقل رجال الأمن سيارة الأجرة الصفراء...
****

- تعلم أن تباعد ما بين فخذيك يا أحمد، إذْ تُمسك خرطوم هرمون السعادة بين يديك، اِسْتَرْخي على أَرِيكَتِك كحَبْل غَسِيلٍ اِرْتَخَى من ثقل الذكريات، اِجلسْ وادفع صدرك للأمام، اسحبْ السعادة إلى داخلك الحزين ودعْ شفتيك تُهندس مستويَ دُخَّانٍ من فرح، تقطعُ به مخروطاتنا الشَبِقة. قالت سابينه بلهجة آمرة!



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حدث في قطار آخن -23-
- حدث في قطار آخن -22-
- حدث في قطار آخن -21-
- حدث في قطار آخن -20-
- حدث في قطار آخن -19-
- حدث في قطار آخن -18-
- حدث في قطار آخن -17-
- حدث في قطار آخن -16-
- حدث في قطار آخن -15-
- حدث في قطار آخن -14-
- حدث في قطار آخن -13-
- حدث في قطار آخن -12-
- حدث في قطار آخن -11-
- حدث في قطار آخن -10-
- حدث في قطار آخن -9-
- حدث في قطار آخن -8-
- حدث في قطار آخن -7-
- حدث في قطار آخن -6-
- حدث في قطار آخن -5-
- حدث في قطار آخن -4-


المزيد.....




- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - حدث في قطار آخن -24-