أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - طارق أحمد كامل - الربيع المغدور















المزيد.....


الربيع المغدور


طارق أحمد كامل

الحوار المتمدن-العدد: 5027 - 2015 / 12 / 28 - 00:28
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الربيع العربي المغدور
قراءة سياسية في التاريخ المعاصر للاستعمار
وتحليل الثورات العربية في إطار الظرف العالمي
أهم ما يثير الانتباه في الكتابات ضد معاداة السامية هو مصداقيتها قبل جمهورها. فقبل طرح وجهات نظر، تتصدر المواقع الإليكترونية والصحف الخاصة بالمؤسسات المعنية بالمسألة أرقام وإحصاءات تتضمن رصدا لما وقع لمدنيين أوروبيين من اعتداءات بسبب ديانتهم اليهودية. وبالمثل، تستند الحملة ضد الإرهاب والتي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر إلى منطق رفض "الإعتداءات ضد مدنيين". غير أن ما إنتهت إليه عمليا الحملتين في مجملهما هو هجمة شرسة ضد المجتمع العربي تذهب بالرأي العام الغربي لاعتباره منبع للإرهاب والإرهابيين ولمعاداة السامية مع وضع كافة الأنشطة المناهضة للاستعمار في المنطقة في عداد معاداة السامية أو الإرهاب، بل مع تبرير ممارسات الجيش الاسرائيلي والانجلوأمريكي بوصفها حربا تبغي "مكافحة الإرهاب".
والواقع، إن الأزمة الرئيسية التي يثيرها كل من مفهومي "الإرهاب" و"معاداة السامية" هي إستناد كل من منهما الى وقائع حقيقية من إعتداءات فعلية ضد مدنيين (يهود أو غربيين على غرار حالة الحادي عشر من سبتمبر) وحتى حالات التمييز والتخلف وإنتهاكات حقوق الإنسان في الجنوب. في الحالتين، يهدد تشابك الإشكاليات بخلط المسائل وبتحميل العديد من القضايا على بعضها البعض دون وضع الإنفصال التاريخي بينها في الحسبان: ففي خصوص الكتابات ضد "معاداة السامية" تركز تلك الحملات في أوروبا على تاريخ حقيقي من الإضطهاد ضد الأقليات اليهودية من قبل الحكومات الأوروبية. لكن على الجانب الآخر، ومثلما أسفرت مشكلة الأقليات اليهودية في أوروبا عن إنشاء دولة إسرائيل، يستمر التبرير للممارسات الإسرائيلية والأمريكية في المنطقة تارة بوصفها كفاحا "ضد الإرهاب" وتارة بوصفها كفاح ضد "معاداة السامية". إن ذلك التقدم في مفهوم "الإرهاب/ معاداة السامية" في وسائل الإعلام الغربية مقابل التراجع في إستخدام مصطلحات "إستعمار"/ "إحتلال" وهي الأكثر كثافة في الواقع الفعلي، يكشف أولا عن تضخيم مسائل تاريخية شبه منتهية وتصعيدها إلى قلب الساحة (إضطهاد اليهود) ويكشف بالأخص عن الرجحان الشديد في كفة موازين القوى الإستعمارية التي تقوم بذلك بالتضخيم من وقائع معينة وجعلها حديث العالم لشهور وشهور وتعتيم مسائل أخرى (الإحتلال) وجعلها على هامش الساحة العالمية، وهو ما يظهر على مستوى السياسات العالمية أو التنظيم الدولي وآليات المجتمع الدولي وبشكل خاص على مستوى أليات صناعة الرأي ووسائل الإعلام العالمية.
بناء على ما سلف، يمكن أولا تناول المسائل المشار إليها عن طريق طرح أهم التغيرات في موازين القوى العالمية والتي سبقت وساهمت في تشكل مفهوم "الإرهاب"، وثانيا بتقييم التشابك الشديد بين مفهومي الإرهاب ومعاداة السامية في وسائل الإعلام الغربية، وهو التشابك الذي إنتهى إلى "قانون متابعة معاداة السامية" (الأمريكي) ومن قبله صعود مصطلح "معاداة السامية الجديدة" في الأدبيات الفرنسية المعنية بالمسألة.






الأمن الجماعي الأمريكي وتبلور مفهوم الإرهاب

تشهد وسائل الإعلام الغربية والأوروبية بشكل خاص في السنوات الأخيرة صعود غير مسبوق في الحديث عن الإرهاب ومعاداة السامية –وهو ما يمكن رصده كميا، مع اعتبار المجتمع العربي منبع الظاهرتين، في حين يتم تمرير كل الممارسات الإستعمارية في المنطقة العربية بإعتبارها سبل لمكافحة التخلف والجهل والإرهاب. وبالرغم من أن النتائج الكمية الفعلية (الخسائر في الأرواح والممتلكات) الناجمة عن الممارسات الإسرائيلية والأنجلو أمريكية في المنطقة خلال السنوات الأخيرة تكشف عن خسائر تتفوق بشكل نوعي عن خسائر الإعتداءات "الإرهابية" أو "المعادية للسامية"، إلا أن التركيز الإعلامي الغربي يكون منصبا بالأساس على تلك الأخيرة. ذلك التناقض بين الممارسات الإستعمارية في المنطقة وبين أولويات وسائل الإعلام الغربية يعكس تطورا دوليا في موازين القوى لصالح القطب الأمريكي الذي تقتضي مصلحته تبرير التواجد في المنطقة. تلك المباركة الكاملة للإحتلال في أفغانستان والعراق والأراضي الفلسطينية تعني فقط سيادة القطب الأمريكي: إئتلاف دولي يعلو كل الدول ويعد نفسه مسئولا عن كل ما يحدث في كل مناطق العالم وكل ما قد يحدث فيها من تهديد أو إعتداء. إن ذلك المنطق يعود في الواقع إلى تاريخ أقدم كثيرا من أحداث الحادي عشر من سبتمبر بل ومن تكون التحالف الدولي الأول في حرب الخليج الثانية، حيث نبع من طرح فكرة إنشاء "رابطة بين الأمم" بهدف تقديم "ضمانات متبادلة" تتعلق بالإستقلال السياسي وسلامة أراضي كل دولة وترمي إلى تحقيق "الأمن الجماعي" (خطاب ويلسون أمام الكونجرس الأمريكي 1918)، وكان ذلك هو نواة نشأة عصبة الأمم ومن بعدها الأمم المتحدة. تلك الرؤية تفترض عالمية العالم ووحدته ومسئولية كل عضو فيه عنه. غير أن ذلك قد إصطدم بعقبتين رئيسيتين الأولى هي إستحالة تكوين ألية عسكرية فوق الدول لتكون لها تلك المسئولية الكونية عن سائر أعضاء المجتمع الدولي والعقبة الثانية الحقيقية –ظهرت بوضوح بعد الحرب العالمية الثانية- كانت وجود كتلة الدول الشرقية ووجود قوتين عظمتين. فالأمن الجماعي يفترض بهذا الشكل وجود ألية جماعية لوقف سباقات التسلح وهو ما لم يكن ممكنا خلال حرب المعسكرين. وبسبب تلك الثنائية القطبية وفشل فكرة الأمن الجماعي تم طرح فكرة بديلة في الأمم المتحدة وهي منطق "مناطق النفوذ". وتم تقنين ذلك المنطق بالفعل بعد قيام حلف شمال الأطلنطي عام 1949 وحلف وارسو عام 1955. ففي حين يفترض نظام الأمن الجماعي وحدة كل مناطق العالم تفترض فكرة مناطق النفوذ تقسيم العالم إلى مناطق معينة تخضع لنفوذ كل قوى عظمى.
ومع إنتهاء الثنائية القطبية الدولية وتفرد الولايات المتحدة بقيادة العالم، أدى ذلك الإنقلاب في موازين القوى العالمية للرجوع بشكل سهل إلى منطق "الأمن الجماعي" حيث أصبح من الممكن النظر للعالم كوحدة واحدة يكون لكل العالم أو "للمجتمع الدولي" الإفتراضي مسئولية عن كل تلك الوحدة، وفعليا تكون السيادة بهذا الشكل في يد القوى العظمى الأولى. ذلك المنطق هو الذي نجحت الولايات المتحدة الأمريكية في تسييده بشكل نهائي في حربها ضد الإرهاب على مستوى التنظيم الدولي والتشريعات الدولية. غير أن ذلك لم يستمر في إطار الأمم المتحدة التي بدأت فقط تلك العملية. فمن الناحية الرسمية أدى إنتهاء الكتلتين المتحاربتين بالرغم من عدم طرح مصطلح "الأمن الجماعي" مرة أخرى إلى إنشاء أليات دولية رسمية لنزع السلاح بسبب التوقف الفعلي لسباقات التسلح، كما أدى التراجع في إستخدام حق الفيتو في الأمم المتحدة بعد إنهيار الإتحاد السوفييتي إلى إرتفاع صلاحيات مجلس الأمن (إرتفع عدد القرارات التي إتخذها من 15 فقط عام 1987 إلى 78 خلال عام 1993) كما نشطت الأمم المتحدة بشكل كبير في التسوية السلمية للمنازعات حيث لم تكن قد قامت بأي من عمليات حفظ السلم من إبريل 1978 وحتى مارس 1988. غير أن الجانب الأعظم من عملية "قيادة العالم" كان يتم خارج إطار الأمم المتحدة وبإستخدام القوة العسكرية، وهو ما حدث على الفور خلال "عاصفة الصحراء" أو "حرب الخليج الثانية". ففي تلك الفترة، كانت السيادة ما تزال في يد الأمم المتحدة من أغسطس وحتى نوفمبر 1990 وأصدر مجلس الأمن خلالها 12 قرارا تستند إلى الفصل السابع من الميثاق وتتعلق بالتكييف القانوني لغزو العراق للكويت كعمل عدواني وقرارات تتعلق بالعقوبات المختلفة التي ينبغي فرضها على العراق لإجباره على الإنصياع لمجلس الأمن. بعد ذلك خرجت المسألة تماما من تحت يد الأمم المتحدة في نوفمبر 1990 حيث إستنفذ مجلس الأمن كافة صلاحياته وسلم زمام الأمور إلى "تحالف دولي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية [...] ومتعاون مع الكويت ضد العراق"، وإشتمل "تفويضه الرسمي" لذلك التحالف على حق الإئتلاف في إختيار "الوسيلة المناسبة" لإقناع العراق "بالانصياع لقرارات مجلس الأمن" أو "لإجباره على تنفيذها"، وأيضا لتنفيذ "قرار مجلس الأمن رقم 660 وكل القرارات ذات الصلة" وإعادة "السلم والأمن الدوليين إلى نصابهما في المنطقة".
بهذا الشكل ومع التسليم الرسمي لعملية إدارة شئون العالم على مستوى التنظيم الدولي إلى الولايات المتحدة الأمريكية، أصبحت الأخيرة هي القائد الفعلي وهو ما ظهر بوضوح في حرب العراق الأخيرة التي تمت دون موافقة ولا تفويض رسمي من الأمم المتحدة التي اصبحت مع توجهات باقي الأقطاب العالمية خارج عملية إتخاذ القرار. في ضوء ذلك، تمثل أحداث الحادي عشر من سبتمبر وما تلاها من حملة دولية ضد الإرهاب منعطفا هاما على المستوى العالمي على مستوى توجه وسائل الإعلام العالمية. فقد عرفت تلك المرحلة تشكل المبرر وهو "مطاردة الإرهاب الدولي" قبل نشوب أي حروب وبمجرد وقوع إعتداءات الحادي عشر من سبتمبر وهو ما يعني فعليا قائمة مفتوحة من الحروب غير معروفة المدى. وخلال تلك الفترة، ظهر عدد كبير من المصطلحات ذات الدلالة على غرار "محور الشر" "الدول المارقة" "الشرق الأوسط الكبير"، وإكتسب في ذلك السياق مفهوم "الإرهاب" دلالات جديدة لم يكن يحملها وتعني حتى الآن فقط تبرير الحرب في أفغانستان وحرب العراق- التي لقت بشكل خاص معارضة من كل من الحركات الاجتماعية/الرأي العام والمؤسسات الدولية المعنية بحقوق الإنسان متضمنة جهاز الأمم المتحدة وبعض حكومات الإتحاد الأوروبي، وتبرير الممارسات الإسرائيلية في فلسطين بوصفها كفاحا ضد الإرهاب وضد الجماعات الإرهابية–يبرر الجيش معظم عملياته بمصطلح "أسباب أمنية".
إنتهاء الثنائية القطبية لم يعني فقط انتهاء العوائق التي تعوق ضد منطق الأمن الجماعي لكنه استتبع أيضا من الناحية الاعلامية على الصعيد الأمريكي غياب العدو الخارجي الذي تتم التعبئة ضده، وهنا ورغم غياب الثنائية القطبية يلعب مفهوم الارهاب ذلك الدور ويحل محل الكتلة الشرقية بالنسبة للآلة الاعلامية الأمريكية الضخمة. فعلى الرغم من عدم وجود قطب سياسي مقابل بشكل موضوعي للولايات المتحدة الا أن الخطاب الاعلامي الذي تقدمه الأخيرة يجعل الصورة تبدو كما لو أن ثمة طرفين متقابلين: الارهاب والائتلاف الدولي المناهض للارهاب وهو الموضوع الرئيسي لوسائل الاعلام الغربية والأمريكية في السنوات الأخيرة، وذلك رغم عدم وجود طرفين حقيقيين ورغم عدم وجود خلاف حقيقي على مستوى المحتوى الاجتماعي بين كل من الطرح الليبرالي الأمريكي ومجمل اطروحات المنظمات الاسلامية على عكس ما كان الحال عليه بين الطرف الأمريكي وكتلة الدول الشرقية.
والاحادية القطبية التي تقود تبلور مصطلح "الارهاب" لا تقتصر على الشأن الأمريكي حيث يقابلها فيما يخص يهود العالم وبالأحرى الوجود الإسرائيلي مفهوم "معاداة السامية" الذي يقوم على نفس المنطق من استناده لوقائع حقيقية واستخدامه لتبرير كم من العمليات العسكرية التي لا تمت بصلة لحجم الفعل الأصلي.

إن وجه القوة الرئيسي في مفهوم الارهاب أو معاداة السامية هو استناد ذلك لوقائع حقيقية سواء كان ذلك على مستوى التاريخ الأوروبي مع اليهود أو بالنسبة للممارسات الحالية قبل المدنيين من جانب الحركات الاسلامية بوجه خاص. نفي وقوع تلك الاعتداءات ونفي وجود مسألة يهودية ليس الا أن يزيد من قوة ومصداقية ذلك الخطاب لكن المقابل الذي يعنيه فعليا هو استخدام تلك الاعتداءات في تبرير كم هائل من الممارسات الاستعمارية في المنطقة بصفتها اما حربا ضد الارهاب والعنصرية واما دفاعا عن حقوق الانسان والديموقراطية حتى لو تم ذلك عبر حروب تدوم لسنوات. ذلك الخطاب يكتسب جمهورا متزايدا في أوروبا لأنه ينطلق من رفض العنصرية وحماية المدنيين لكنه في الحقيقة ينتهي لتبرير ممارسات عنصرية ومعادية أيضا للمدنيين وذلك هو الوجه الحقيقي له والذي ينكشف من وراء ستار مناهضة التمييز. فالمنظمات الصهيونية التي تعمل على مسألة معاداة السامية هي منظمات غير حكومية لكن في خلفيتها يكمن موقف حكومي تماما يقع على نفس مستوى الدولة الصهيونية وحسابات الإمبريالية الغربية (وهو ما ينكشف في موقف تلك المنظمات من معاداة الصهيونية). أما الموقف من الارهاب والحملة ضده فمرجع ذلك كما أشرنا سابقا هو استراتيجية عميقة داخل الادارة الأمريكية تسبق بكثير اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر وتمثل نهجا منظما في إدارة العالم لصالح المركز.
جذور الكولونيالية الجديدة
منذ السنة الثانية من رئاسة بيل كلينتون، بدأ حلم إدارة العالم عن طريق المؤسسات الدولية والذي تم التعبير عنه على الفور بتدخلات عسكرية في العديد من المناطق، وأيضا على المستوى السياسي والإقتصادي. وكانت الأحادية القطبية الأمريكية تدفع العالم كله بإتجاه تغيير جديد في الساحة العالمية بدرجة طرح إمكانيات "تحكم عالمي شامل" وتشكيل حكومة عالمية يمكن أن تمثل الوجه السياسي للعولمة الاقتصادية.
كان انهيار الاتحاد السوفييتي وكتلة الدول الشرقية عاملا حاسما في إعادة صياغة المنظومة العالمية وفي إعادة طرح العديد من المصطلحات الجديدة وعلى رأسها العولمة الليبرالية وما تستتبعه من تفسيرات تكون في بعض الأحيان مبهمة لتوصيف إعادة صياغة الأدوات الاسياسية والإقتصادية بالمنظومة العالمية، وما استتبعه ذلك من ظهور العديد من المصطلحات ذات الدلالة والتي ترتبط بتحرير الاقتصاد.
وفي الوقت نفسه الذي بدأت فيه أحداث الحادي عشر من سبتمبر تشكل أمام الجميع محورا رئيسيا في تاريخ العالم المعاصر، كانت الإدارة الأمريكية تجهز لتشكيل جديد للشرق الأوسط، معد من قبل ذلك التاريخ بكثير، يعيد به المكاسب التي خلفها انهيار كتلة الدول الشرقية متمثلة بالأساس في قيادة الأمبراطورية. فعلى الرغم من التحول الشامل الذي اتت به أحداث الحادي عشر من سبتمبر، إلا أنها لم تكن تمثل في حد ذاتها منعطفا جذريا في تاريخ العالم، إلا بما سبقها من تحولات في المنظومة العالمية والتي بدأت من السبعينيات والتي انتهت في أوائل التسعينيات بهزيمة كتلة الدول الشرقية. يمكن فقط القول بأن إعتداءات الحادي عشر من سبتمبر قد شكلت على مستوى وسائل الإعلام العالمية وعلى مستوى صياغات القانون الدولي منعطفا جذريا في تبلور وصياغة بعض المفاهيم كمفهوم الإرهاب ومعاداة السامية الجديدة ومعاداة الصهيونية مع تصاعد المد المعادي للعرب والإسلام كمصدر إفتراضي للعداء ضد الغرب. وأيضا على صعيد السياسة شكلت تلك الأحداث تبلور المبرر العالمي لتكوين الإئتلاف المناهض للإرهاب وعجلت بأمور كان لها أن تحدث وجعلت التطورات والتحولات الحديثة في المنظومة أكثر وضوحا. كما أثرت على العديد من المفاهيم الأخرى وعلى رأسها معاداة السامية وموقف الألة الإعلامية الغربية من الصراع العربي الإسرائيلي.
فمع حرب الخليج بدأت مخاطر عدم الإستقرار الناجمة عن إنتهاء الثنائية القطبية وإنهيار الإتحاد السوفيتيي في الظهور، وهي الفترة التي عانت معها الطبقة العاملة العالمية من تراجعات كبيرة في عقد الثمانينيات. ثمة تطورات عديدة تسمح بفهم ذلك التحول وعلى رأسها تطور الرأسمالية ذاتها، حيث تم فرض العولمة الليبرالية ذاتها لتمنح قوة بلا مثيل للشركات متعددة الجنسيات وكانت ثمة سلسلة من الأزمات تعلن عن ضعف المنظومة من الأزمة المالية التي بدأت في أسيا في عام 1997، ثم الأزمة الإقتصادية انطلاقا من العام 2000، وهي أزمة في إدارة الشركات، وبعد ذلك أزمة السياسة الأمريكية. ومنذ السنة الثانية من رئاسة بيل كلينتون، بدأ حلم إدارة العالم عن طريق المؤسسات الدولية والذي تم التعبير عنه على الفور بتدخلات عسكرية في العديد من المناطق، وأيضا على المستوى السياسي والإقتصادي. وكانت الأحادية القطبية الأمريكية تدفع العالم كله بإتجاه تغيير جديد في الساحة العالمية بدرجة طرح إمكانيات "التحكم عالمي شامل" وتشكيل حكومة عالمية gouvernance globale يمكن أن تمثل الوجه السياسي للعولمة الاقتصادية، وجاء ذلك مع تواصل إنطلاق سلسلة التظاهرات المناهضة العولمة على المستوى العالمي انطلاقا من سياتل.
ان التحول الحقيقي الذي أتت به بحق أحداث الحادي عشر من سبتمبر هو التعجيل بتلك العمليات وجعل بعض التناقضات أكثر وضوحا. حيث طورت بهذا الشكل الولايات المتحدة طورا من الحروب الدائمة ترمي إلى أهداف أعمق من مجرد مطاردة رموز الإرهاب أو إرساء دعائم الديموقراطية الغربية. فالإمبراطورية الأمريكية لها تلك الخصوصية من أنها لا تسعى للعثور على امتداد من الأراضي، لكن لها أهداف أكثر تحديدا، كأن تضمن لشركاتها الإنطلاق وأن تواصل مسيرتها و أن تحتفظ بحرية وهوامش للمناورة على الصعيد السياسي والعسكري دون أن تكون معطلة بأقل عائق أو اتفاقية.
كان نظام التحالفات قائما إبان وجود الاتحاد السوفييتي والثنائية القطبية التي فرضتها ظروف تطوره. أما بعد ذلك فالمنظومة التي تقودها الولايات أصبحت تحتمل التحرك أحادي الجانب للسيطرة على مناطق سوف تصبح مركز رئيسي لإحتياطي الطاقة في العالم لسنوات وسنوات. تلاقى ذلك مع البحث عن عدو جديد يبرر وجود القطب الأمريكي وتدخلاته المتلاحقة في المراكز الأكثر أهمية بالعالم. وتحت رئاسة بيل كلينتون ظهر مصطلح "الدول المارقة" التي تهدد إستقرار العالم. وسمحت أحداث الحادي عشر من سبتمبر للإدارة الأمريكية بإعادة إنتاج تلك النظريات وتحويلها تحت قيادة بوش الإبن لمفهوم "محور الشر"، وهو ثلاث دول تنتمي للدول المارقة التي حددتها ادارةكلينتون. وتضاعفت الميزانية العسكرية والتدخلات العسكرية، وشكل تولي بوش الإبن من قبل بدء أحداث الحادي عشر من عاملا حاسما في تغير رؤية المنظومة الأمريكية . ويمكن للإجراءات التي تم اتخاذها عبر العديد من الحكومات سواء على المستوى الأوروبي أو العالمي للحرب ضد "خطر الإرهاب" منذ 11 سيبتمبر 2001 يمكنها أن تعطي الإنطباع بأنها رد فعل لأحداث الحادي عشر من سبتمبر. ورغم بداية التحول من تاريخ تولي إدارة بيل كلينتون غير أن الكثير من المراقبين قد أعتبروا تولي جورج بوش الإبن منعطفا حاسما في فتح الأفق وإعادة صياغة شكل المنطقة، بالرغم من أن تلك الفلسفة السياسية تكمن في تاريخ أسبق كثيرا للولايات المتحدة. في هذا الصدد، ثمة مركزية خاصة للصراع العربي الإسرائيلي كرأس حربة للمشكلات التي تعاني منها المنطقة. وعلى المستوى الاقتصادي كان ذلك التحول يعني ضرورة خلق منطقة رخاء مشتركة وتحقيق التعاون الإقليمي وزيادة حجم المساعدات المالية ودعم التعايش السلمي والحوار بين الثقافات –وفقا للصياغات المستخدمة من قبلهم.
في هذا الإطار تعيد الامبريالية الأوروبية والأمريكية استخدام صنيعتها من الحركات الاسلامية في لحظات تأجج الربيع العربي وثوراته الباسلة ليختفي شبح الاشتراكية واليسار الذي يحوم في المنطقة العربية ويبقى المجتمع العربي محصورا بين الكيانات القديمة المحروقة وبين البديل أو الشبح الإسلامي يعاد استخدام الأوراق ويبقى الصوت الواحد صوت اليسار الجديد في أوروبا والحلم بعالم بديل ملكا لأصحابه ويختنق مؤقتا الربيع العربي بين اليمين الاسلامي واليمين الكلاسيكي المتمثل في الأنظمة القديمة سواء نجحت في تدارك الموقف أو فلت منها زمام الأمور كل حسب حالته ويبقى حلم الثورة العالمية عنقاء تحرق ريشها ثم تنهض وحلم لا يذوي.
الخيارات بين ما هو قائم وبين طرح بديل يعبر عن مصالح الجمهور البائس ليست في البرنامج. لعب النظام العالمي ورقته الرابحة الأخيرة ولم يعد لديه بدائل في الاحتياطي! عندما تحتج فإنك تهاجم الدين وليس الإسلاميون الورقة الرابحة الأخيرة للبرجوازية العربية. انقلاب الشارع لليسار بشكل عفوي أثار رعب البرجوازية العالمية بدرجة دفعها بعدوها المزعوم وهو الإسلاميين إلى قلب المعركة: إما النموذج الليبرالي وإما الإسلامي؛ ذلك الصراع الرهيب بين البرجوازية الليبرالية والبرجوازية ذات العمة صراع الأصدقاء والأعداء الحقيقيين للنهب لا يجدون من يعبر عن مصالحهم النهائية!
عفوا فقط منذ بدء صعود الحركات المناهضة للعولمة الليبرالية قد يمكننا أن نحلم ببديل وحلم يتحقق عبر مائتي قادمة عام قد ترى بعدها أحفادنا كوكب جديد يحترم أدمية الكائنات الآدمية في أوطان متحالفة في مواجهة قاهريها!



#طارق_أحمد_كامل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- لماذا تهدد الضربة الإسرائيلية داخل إيران بدفع الشرق الأوسط إ ...
- تحديث مباشر.. إسرائيل تنفذ ضربة ضد إيران
- السعودية.. مدير الهيئة السابق في مكة يذكّر بحديث -لا يصح مرف ...
- توقيت الضربة الإسرائيلية ضد إيران بعد ساعات على تصريحات وزير ...
- بلدات شمال شرق نيجيريا تشكل وحدات حماية من الأهالي ضد العصاب ...
- أنباء عن -هجوم إسرائيلي محدود- على أهداف في العمق الإيراني و ...
- قنوات تلفزيونية تتحدث عن طبيعة دور الولايات المتحدة بالهجوم ...
- مقطع فيديو يوثق حال القاعدة الجوية والمنشأة النووية في أصفها ...
- الدفاع الروسية: تدمير 3 صواريخ ATACMS وعدد من القذائف والمسي ...
- ممثل البيت الأبيض يناقش مع شميغال ضرورة الإصلاحات في أوكراني ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - طارق أحمد كامل - الربيع المغدور