أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - إبراهيم ابراش - جدلية العلاقة بين الكتابة والقراءة والإبداع















المزيد.....

جدلية العلاقة بين الكتابة والقراءة والإبداع


إبراهيم ابراش

الحوار المتمدن-العدد: 5025 - 2015 / 12 / 26 - 12:16
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


يعتبر اختراع الكتابة من أهم الاختراعات البشرية بل الاختراع الذي لولاه ما وصلت البشرية إلى ما وصلت إليه من حضارة، وما كانت الكتب السماوية التي قامت عليها الأديان وانتشرت، وما كان التواصل بين الشعوب ومراكمة الانجازات. قطعت الكتابة مشوارا طويلا وتعددت أشكالها وأبجدياتها، بدءا من أول اختراع للكتابة 3600 قبل الميلاد وهي الكتابة المسمارية السومرية ثم الهيروغليفية التصويرية المصرية، وصولا لاختراع الآلة الكاتبة (Typewriter) عام 1714م على يد العالم البريطاني هنري ميل – Henry Mill، وأخيرا لكتابة الالكترونية اليوم حيث أصبحت كتابة بلا أوراق وبلا أقلام، فالكاتب يمكنه كتابة مقال أو كتابا ونشره دون أن تلمس يداه قلما أو ورقة.
لم تكن الكتابة في مراحلها الأولى مرتبطة بالقراءة كما لم تكن شأنا عاما. كانت في بداياتها حكرا على رجال الدين وشأنا مقدسا تُمارَس داخل المعابد وليس من اختصاص العوام، ثم أصبحت خاصة بالفلاسفة الذين يكتبون غالبا انطلاقا من عقلهم المجرد نظرا لعدم وجود كتابات سابقة يعتمدون عليها أو يستلهمون أفكارها، وبعض الفلاسفة كان يستقرئ الواقع – هناك فرق بين القراءة والاستقراء-، ولذا نلاحظ أن كل كتابات الفلاسفة الأوائل في كل الحضارات اليونانية والصينية والإسلامية لم تكن تُحيل لمراجع وأدبيات سابقة، وإن كان بعضهم يستقرى الواقع ، وفي مرحلة لاحقة ومع مراكمة المعرفة الإنسانية وتوثيقها من خلال المخطوطات والكتب والوثائق أصبحت نوعية الكتابة ترتبط بنوعية وكمية ما يقرأ الكاتب بالإضافة إلى قدرته الإبداعية المستمدة من استقرائه لما يدور في البيئة التي يعيش فيها .
مع تطور وتراكم المعرفة الإنسانية أصبحت الكتابة، باعتبارها عملا إبداعيا هادفا، عملية مركبة، تستمد قيمتها ويرتبط تأثيرها من خلال امتزاج الإبداع مع القراءة المُسبقة مع الاستقراء، وكلما كانت قراءة أو مطالعات الكاتب متنوعة ومختارة كلما كانت كتاباته متميزة وغنية في مبناها ومعناها. ومع انتشار التعليم وظهور الثورة التقنية وظهور الانترنيت والكتابة الالكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي كل ذلك جعل عملية الكتابة متاحة للجميع، كما سهلت وصولها لأعداد كبيرة من القراء، إلا أن ذلك كان على حساب نوعية الكتابة وجودتها. وإن حدث تراجع في الكتابة الورقية – كتب وصحف – وفي دور النشر التقليدية، ففي المقابل توجد ثورة أو طفرة في مجال الكتابات الالكترونية - من صحف الكترونية وكتب الكترونية ومواقع ومنتديات أصبح عددها بالملايين - .
كان المثقف أو العالم أو الكاتب في الأدب والسياسة والاقتصاد والاجتماع وفي مختلف العلوم والتخصصات يكد ويشقى حتى يحصل على المراجع والمعلومات الخاصة بمجال بحثه والتي كانت في الأعم ورقية فقط، حيث لم يكن آنذاك النشر الالكتروني ولا الانترنيت ولا الأقراص المدمجة، وكان مضطرا أن يبحث عن أدبيات موضوع بحثه في المكتبات أو عند مؤلفيها وفي كثير من الأوقات كان يضطر للسفر من بلد لآخر بحثا عن كتاب أو مخطوط أو لمقابلة ذوي الشأن بموضوع بحثه، وعليه كانت الكتابة فعلا إبداعيا. أما اليوم فأي إنسان يستطيع وهو في بيته أن يحصل على غالبية ما يريد من أدبيات تتعلق بموضوع بحثه.
لم تقتصر الصعوبة في الحصول على المراجع والأدبيات بل كانت تكمن في النشر أيضا، حيث لا قيمة لإبداع إن لم يصل للجمهور ويؤثر على حياة البشر. كان الكاتب مضطرا لأن يخط عمله بيديه ثم يطبعه إن كان يُحسن استعمال الآلة الكاتبة، أو يكلف أحدا ليطبعه على الآلة الكاتبة ثم يقوم بتصحيح النص المطبوع وإعادته للطباعة، وبعد كل ذلك تأتي عملية النشر حيث كانت الصحف والمجلات ودور النشر محدودة ولا تعتمد عملا للنشر إلا بعد مراجعة وتدقيق، وإن كان الكاتب معروفا فإن نشر عمله يحتاج لوقت لأنه مضطرا لأن يرسله بالبريد العادي – قبل ظهور الفاكس والانترنيت- وهو أمر يستغرق أسبوعا أو أكثر حتى تصل الرسالة لمقر الصحيفة أو دار النشر، وإن كانت الصحيفة أو المجلة في بلد غير بلد الكاتب فتحتاج إلى أيام حتى تنتشر وتوزع عربيا أو عالميا،وإن كان العمل كتابا فكان يحتاج لأشهر لطباعته ونشره .
لا شك أن لكل الاختراعات والاكتشافات العلمية أوجه أو استعمالات إيجابية وأخرى سلبية، من الديناميت إلى الاستنساخ، وهو الأمر الذي ينطبق على الانترنيت ووسائل التواصل الاجتماعي. فهذه الأخيرة ساعدت على أن تصبح الكتابة والنشر والمعرفة الإنسانية بشكل عام أكثر يُسرا وأكثر انتشارا، إلا أنها في نفس الوقت ساعدت على انتشار الأفكار الهدامة والقيم المنحلة، كما ساعدت على تفشي ظاهرة سرقة إبداعات ونصوص المؤلفين، ومع أن هذه الظاهرة ليس جديدة بل صاحبت عملية التأليف والكتابة منذ بداياتها إلا أنها أصبحت مع الثورة التقنية أكثر استفحالا وسهولة .
كَثُر الحديث في الفترة الأخيرة عن موضوع السرقات الأدبية والعلمية وبتنا نسمع كثيرا مفردات التناص والتلاص، وإن كانت هذه المفردات أقرب إلى حقل الدراسات الأدبية إلا أن الأمر تجاوز النصوص الأدبية ليشمل كل فعل إبداعي في كل المجالات. وفي مجال الدراسات الأدبية وفي الأدب المقارن خصوصا يعود الفضل للأديب والمفكر الفلسطيني عز الدين المناصرة في نحت مصطلح (التلاص) عام 1989 للدلالة على السرقات الأدبية، وذلك في كتابه "علم التناص والتلاص نحو منهج عنكبوتي تفاعلي".
التلاص أو السرقات الأدبية تختلف عن التناص، الأول يعني سرقة جهود الآخرين: فكرة كانت أو نصا بدون أي تغيير، وقد يصل الأمر لسرقة كتاب بكامله أو بحثا علميا أو مقالا أو اختراعا وبالتالي فهي تفتقر إلى الإبداع، أما التَّنَاصُّ Intertextuality فيعنى وجود تشابه أو توارد أفكار بين نص وآخر، وهو أمر وارد لأن الكاتب لا يبدأ من نقطة الصفر، وتشابه وتكرار الأفكار أمر وارد نظرا لانتشار المعرفة والفكر وعملية التثاقف بين المجتمعات وحتى داخل المجتمع الواحد، ووجود الحس الجمعي تجاه قضية أو موضوع ما. نعم قد تتشابه الأفكار وقد يستلهم كاتب من كاتب فكرة ما أو يكون الواقع مصدر استلهام مشترك لعديد من الكُتاب أو كما قال الأديب العربي الجاحظ :"المعاني مطروحة في الطريق"، ولكن الخطورة في أن يسرق شخص ما وخصوصا إن كان أكاديمي أو مثقف أو سياسي معروف كتابات الآخرين أو جزءا منها حرفيا وينسبها لنفسه دون الإشارة إلى الكاتب الأصلي.
أما الكتابة كعمل إبداعي فهي جهد شخصي يمتزج فيه، الإبداع العقلي بمعنى الإتيان بالجديد من فكر أو تصور أو خيال وتخيل أو إعادة كتابة أو تناول موضوع قديم بأسلوب جديد أو منهج جديد، مع الجهد الذهني والجسدي في القراءة والإطلاع على ما كتبه السابقون، مع التواضع العلمي والذي يعني أن الكاتب والمُبدع الحقيقي هو الذي يؤمن أن لا حدود للمعرفة وان الإنسان يعيش ويموت جاهلا، ويعترف بفضل الآخرين من الأحياء والأموات الذين استلهم أفكارهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، كما أن الكاتب والمثقف الحقيقي هو الذي يكتب لأنه يؤمن بأنه مكلف برسالة أخلاقية ووطنية عليه القيام بها دون انتظار أجر أو مقابل ، كما أنه يعمل بصمت حيث لا يسعى للشهرة، وإن جاءت فلا تصيبه بالغرور.
احترم المثقفين والكُتَاب – مع الإشارة إلى أنه ليس كل من كَتَب يعتبر كاتبا- الذين يستلهمون أفكاري واسعد بذلك، ولكن لا احترم الذين يسرقون كتاباتي وخصوصا إن كانوا أكاديميين أو مسئولين سياسيين، وإن كان الانترنيت سهل عملية الكتابة والنشر فإنه في نفس الوقت جعل من السهل اكتشاف الكتابات المسروق. بالمصادفة ومن خلال بعض الأصدقاء وجدت أن البعض من سياسيين وصحفيين وأكاديميين مارسوا السطو على كتاباتي بطريقة غير لائقة وغير علمية . فعضو مكتب سياسي لأحد الأحزاب قدم ورقة في مؤتمر في جنوب إفريقيا والورقة بحث لي منشور في أكثر من موقع وصحيفة!، وآخر أكاديمي وكاتب وقيادي في حزب كبير يكتب مقالات نصفها منقول حرفيا من مقالاتي دون الإشارة إلى المصدر، وناشط حقوقي يكتب مقالا في صحيفة عربية مأخوذ في غالبيته من مقال سابق لي، وصحفيون يقومون بترجمة مقالاتي إلى لغات أجنبية ويقدمونها بأسمائهم لجهات أجنبية مقابل جوائز ومكافأة مالية. هذه الأمور موثقة عندي وأرجو أن يتوقف هؤلاء عن سلوكهم حتى لا أضطر لكشفها علنا.
[email protected]



#إبراهيم_ابراش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- متى سيتشكل تحالف عسكري لحماية الشعب الفلسطيني؟
- مقاومة الاحتلال ليس إرهابا
- احتضار السياسة الرسمية في فلسطين
- منزلقات إضفاء طابع ديني على الانتفاضة الفلسطينية
- نعم لمحاربة الإرهاب ،ولكن ما هو الإرهاب ؟
- لم يبدأ الإرهاب مع داعش ولن ينتهي بالقضاء عليه
- الانتفاضة بين حسابات الشعب وحسابات النخب
- الغرب:ضحية الإرهاب أم صانعه؟
- عظمة شعب وأزمة نخبة
- استلهموا تجربته ولا توظفوا ذكراه
- المغرب ومسيرته الخضراء التي لم تنتهي
- التدويل في إطار استراتيجية وطنية شمولية
- في خفايا التدخل الروسي في سوريا
- انتفاضة لاهداف وطنية واضحة ومحددة
- نحو تصويب البعد القومي للقضية الفلسطينية
- إشكالية الثقافة والمثقفين في فلسطين (3) : في غزة إبداع في ظل ...
- إشكالية الثقافة والمثقفين في فلسطين (2)
- إشكالية الثقافة والمثقفين في فلسطين
- المطلوب وحدة وطنية وليس مصالحة إدارة الانقسام
- ماذا بعد تأجيل دورة المجلس الوطني الفلسطيني ؟


المزيد.....




- جبريل في بلا قيود:الغرب تجاهل السودان بسبب تسيسه للوضع الإنس ...
- العلاقات بين إيران وإسرائيل: من -السر المعلن- في زمن الشاه إ ...
- إيرانيون يملأون شوارع طهران ويرددون -الموت لإسرائيل- بعد ساع ...
- شاهد: الإسرائيليون خائفون من نشوب حرب كبرى في المنطقة
- هل تلقيح السحب هو سبب فيضانات دبي؟ DW تتحقق
- الخارجية الروسية: انهيار الولايات المتحدة لم يعد أمرا مستحيل ...
- لأول مرة .. يريفان وباكو تتفقان على ترسيم الحدود في شمال شرق ...
- ستولتنبرغ: أوكرانيا تمتلك الحق بضرب أهداف خارج أراضيها
- فضائح متتالية في البرلمان البريطاني تهز ثقة الناخبين في المم ...
- قتيلان في اقتحام القوات الإسرائيلية مخيم نور شمس في طولكرم ش ...


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - إبراهيم ابراش - جدلية العلاقة بين الكتابة والقراءة والإبداع