أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - انمار المهداوي - مفهوم القانون الدولي الإنساني















المزيد.....



مفهوم القانون الدولي الإنساني


انمار المهداوي

الحوار المتمدن-العدد: 5025 - 2015 / 12 / 26 - 10:19
المحور: حقوق الانسان
    


لقد كانت ولادة ونشأة القانون الدولي الإنساني نتيجة طبيعية ورد فعل على المآسي والآلام التي عاناها الإنسان بسبب الحروب، أثناء النزاعات المسلحة الدولية، وغير الدولية أي الداخلية، وقد كان من أهداف هذا القانون تخفيف المعاناة عن الإنسان، فالقانون الدولي الإنساني لا يطبّق أو يختص ببلد معين دون غيره، بل يطبّق في جميع البلدان التي تشهد نزاعات وصراعات، ويتعذب فيها الإنسان ويعاني من ويلات وآلام الحروب.
وعليه فإن تناولنا لهذا القانون يقتضي منا التعرف على مفهومه، والمصادر التي يستمد منها قواعده وأحكامه، والوقوف على العلاقة التي تربط هذا القانون بغيره من القوانين الأخرى التي تعمل في ظل إطار مماثل أو مشابه للإطار الذي يعمل وينشط فيه هذا القانون، كما يستدعي تسليط الضوء على المبادئ التي يستهدف هذا القانون تحقيقها والتي تشكل جوهراً لعمله، وتحديد المجال الذي يعمل فيه سواء من حيث النطاق المادي، أي النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية، والنطاق الشخصي الذي تطبق فيه قواعد هذا القانون، أي الأشخاص الذين يخضعون لهذا القانون.
لذا فإن تناولنا لهذا الموضوع سيكون من خلال المبحث الأول الذي ندرس فيه التعريف بالقانون الدولي الإنساني، أما في المبحث الثاني فنتناول نطاق تطبيق القانون الدولي الإنساني.

المبحث الاول
التعريف بالقانون الدولي الإنساني

تعددت تعريفات الفقه للقانون الدولي الإنساني إلا أن هذه التعريفات وإن اختلفت في تعابيرها فقد اتفقت في المفهوم والغاية، حيث يرى (الزمالي، 1997، ص7) أن القانون الدولي الإنساني هو مجموعة القواعد الدولية المكتوبة والعرفية، التي تهدف في حال وجود نزاع مسلح إلى حماية الأشخاص المتضررين من هذا النزاع وما ينتج عنه من أضرار، كما تهدف الى حماية الممتلكات التي ليست لها علاقة مباشرة بالعمليات العسكرية.
أما (صلاح الدين، 1976، ص86) فيرى أن القانون الدولي الإنساني، هو مجموعة المبادئ والقواعد المتفق عليها دولياً، والتي تهدف إلى الحد من استخدام العنف في وقت النزاعات المسلحة، عن طريق حماية الافراد المشتركين في العمليات الحربية، أو الذين توقفوا عن المشاركة فيها والجرحى والمصابين والأسرى والمدنيين، وكذلك عن طريق جعل العنف في المعارك العسكرية مقتصراً على تلك الأعمال الضرورية لتحقيق الهدف العسكري.
ويعرف (أبو زيد، 2003، ص165) القانون الدولي الإنساني بأنه مجموعة من القواعد القانونية تهدف في حالات النزاع المسلح إلى حماية الأشخاص الذين يعانون من ويلات هذا النزاع، وكذلك حماية المباني والممتلكات التي ليس لها علاقة مباشرة بالعمليات العسكرية.
أما اللجنة الدولية للصليب الأحمر فتعرف القانون الدولي الإنساني بأنه "مجموعة القواعد القانونية الدولية المستمدة من الاتفاقيات أو العرف الدولي، والتي ترمي إلى حل المشكلات الإنسانية الناتجة بصورة مباشرة عن المنازعات المسلحة الدولية أو غير الدولية، والتي تقيد لأسباب إنسانية حق أطراف النزاع، في استخدام طرق وأساليب الحرب التي تروق لها أو تحمي الأعيان والأشخاص الذين تضرروا أو قد يتضرروا بسبب النزاعات المسلحة"(اللجنة الدولية للصليب الأحمر، 1981، ص79).
ويتضح من خلال التعريفات السابقة، أن القانون الدولي الإنساني لا يتدخل أو يناقش مشروعية أو عدم مشروعية الحرب، فليس في القانون الدولي الإنساني حرب عادلة أو حرب ظالمة، بمعنى أن هذا القانون يقف محايداً فيما يتعلق بأسباب الصراع ودوافعه، ومن يتحمل مسؤوليته، ويقتصر هدفه وغايته على حماية الإنسان من أثار الحروب المدمرة ونتائجها الكارثية، بصرف النظر عن أسباب اندلاع الحرب، كما تتميز قواعد القانون الدولي الإنساني بأنها ذات صفة آمرة وليست تكميلية، بمعنى أنه لا يجوز للأفراد الاتفاق على ما يخالفها، وقد تم التأكيد على هذه القاعدة في معاهدة فيينا لقانون المعاهدات لسنة 1969، وعليه فإن موضوعات هذا القانون تهتم بحماية ضحايا النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية، كما تهتم أيضاً بتنظيم سير الأعمال العسكرية (بن عمران، 2009، ص14).
ونحن نرى أن القانون الدولي الإنساني أصبح حاجة ماسة للبشرية بعد إنتشار بؤر الحروب في العديد من بقاع العالم وخاصة في منطقتنا العربية، لما يلعبه من دور في حماية المدنيين وضحايا الحروب من المصابين والجرحى، وضبط سلوك المقاتلين أثناء العمليات الحربية، فالحرب وما يستخدم فيها من وسائل قتالية لا يجوز أن تكون منفلتة من عقالها بل يجب أنسنتها فالقتل يبقى قتلاً مهما تعددت المسميات التي يتم خلالها، ومهما كانت دوافعه نبيلة أو شريرة.
لذا قسم هذا المبحث إلى مطلبين حيث نتناول في المطلب الأول مبادئ القانون الدولي الإنساني، أما في المطلب الثاني فسنطرق للمصادر التي يستمد هذا القانون منها مشروعيته.

المطلب الاول
مبادئ القانون الدولي الإنساني

على الرغم من أن القانون الدولي الإنساني قانون كباقي القوانين الدولية، إلا أنه ينفرد في عمله بمبادئ معينة يستند إليها، وينفرد بسمات خاصة تميزه عن غيره من القوانين الدولية، ومن هذه المبادئ :
أولاً- مبدأ الإنسانية:
يقضي مبدأ الإنسانية أن تكون الشخصية الإنسانية محل اعتبار دائم وفي كل الظروف، وبما يفيد تمتع الكائن الإنساني بالحماية هذه وبمعزل عن أي اعتبار أخر اجتماعي، أو سياسي، أو اقتصادي، أو ديني أو عسكري، فهذا المبدأ بطبيعته محايد لا يقيم وزناً لهذه الاعتبارات، ويتجاهل أي تمييز مبني على أساس العنصر، أو الجنس، أو العرق، أو العقيدة (العنبكي، 2010، ص55).
وقد نصت على هذا المبدأ (المواد المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع لسنة 1949 المواد 12/12/12/13 ، في الفقرة الثانية) بالقول " .... على أطراف النزاع الذين يكونون تحت سلطته أن يعاملهم معاملة إنسانية، وأن يعنى بهم، ويحظر بشدة أي اعتداء على حياتهم أو استعمال العنف معهم، ويجب على الأخص عدم قتلهم، أو إبادتهم، أو تعريضهم للتعذيب، أو للتجارب الخاصة بعلم الحياة، أو تركهم عمداً دون علاج أو رعاية طبية، أو خلق ظروف تعرضهم لمخاطر العدوى بالأمراض، أو تلوث الجروح.
2- تقرر الأولوية في نظام العلاج على أساس الدواعي الطبية العاجلة وحدها، وتعامل النساء بكل الاعتبار الواجب لجنسهن" (دباح، 2003، ص18).
كما تضمن النظام الأساسي للجنة الدولية للصليب الأحمر النص على هذا المبدأ، حيث أشار إلى أن اللجنة تستند في عملها إلى مبدأ الإنسانية، وهذا المبدأ يعد قاعدة قانونية وأخلاقية، وقاعدة مؤسسية تربط جميع عناصر العمل الجماعي ورسالة اللجنة الدولية للصليب الأحمر (ديلابرا، 2000، ص395).
واستناداً لما تقدم فإن القانون الدولي الإنساني يطبق على جميع الناس بصرف النظر عن جنسهم، أو جنسيتهم، أو لونهم، أو عرقهم، أو معتقداتهم، أو انتماءاتهم الثقافية أو الأثنية في المناطق والبؤر التي تشهد صراعات مسلحة.
ثانياً- مبدأ الضرورة العسكرية:
ويقصد بهذا المبدأ امتناع أطراف النزاع عن القيام بأعمال عسكرية لا تبررها ضرورة، أو الإفراط في القيام بهذه الأعمال دون مبرر، أو انتهاك الحرمات والاعتداء على الأعيان المدنية وتكريساً لما تقدم نصت (الفقرة الثانية من المادة 54 من البروتكول الإضافي الملحق باتفاقيات جنيف المعقودة في 12/8/1949) والمتعلق بحماية ضحايا المنازعات المسلحة الدولية على أنه "يحظر مهاجمة أو تدمير أو نقل أو تعطيل الأعيان والمواد التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين، ومثالها المواد الغذائية والمناطق الزراعية التي تنتجها، والمحاصيل، والماشية، ومرافق مياه الشرب، وشبكاتها، وأشغال الري إذا تحدد القصد من ذلك في منعها عن السكان المدنيين أو الخصم، لقيمتها الحيوية مهما كان الباعث سواء كان بقصد تجويع المدنيين، أم لحملهم على النزوح أم لأي باعث أخر"، ثم جاءت الفقرة الخامسة لتنص على السماح بذلك الفعل في حدود معينة لضرورة عسكرية ملحة حيث نصت على أنه "يسمح مراعاة للمتطلبات الحيوية لأي طرف في النزاع، من أجل الدفاع عن إقليمه الوطني ضد الغزو، بأن يضرب طرف النزاع صفحاً عن الخطر الوارد في الفقرة الثانية في نطاق مثل ذلك الإقليم الخاضع لسيطرته إذا أملت ذلك ضرورة عسكرية ملحة".
ثالثاً- مبدأ التمييز:
تنص المادة 48 من البروتوكول الإضافي الأول لسنة 1977 على أنه "تعمل أطراف النزاع على التمييز بين السكان المدنيين والمقاتلين، وبين الأعيان المدنية والأهداف العسكرية دون غيرها، وذلك من أجل تأمين احترام وحماية السكان المدنيين والأعيان المدنية"، ويقصد بالأهداف العسكرية وفقاً لنص المادة 52 من البروتوكول الإضافي الأول لسنة 1977 ".... الأهداف التي تسهم مساهمة فعالة في العمل العسكري سواء كان ذلك بطبيعتها، أو بموقعها، أو بغايتها، أو باستخدامها، والتي يحقق تدميرها التام، أو الجزئي، أو الاستيلاء عليها، أو تعطيلها في الظروف السائدة حينذاك ميزة عسكرية أكيدة".
ويقضي مبدأ التمييز تحريم استخدام أي سلاح عشوائي الأثر، و يلحق بالبيئة أضراراً بالغة وطويلة الأمد (الدمج، دون تاريخ، ص175)
رابعاً- مبدأ التناسب:
يقصد بمبدأ التناسب وجوب عدم تجاوز الأعمال العسكرية للمتطلبات الكفيلة بتحقيق الهدف العسكري المنشود، وهو تدمير أو إضعاف القوة العسكرية للعدو، وألا يلحق المتحاربون بخصومهم أضراراً لا تتناسب مع الغرض من النزاع المسلح (بن عمران، 2009، ص17).
ويرى (الدمج، دون تاريخ، ص145)، أن مبدأ التناسب يعني "كيفية التعاطي مع الهدف المراد مهاجمته بعد تحديد شرعية هذا الهجوم بفضل مبدأ التمييز، ويحدد مبدأ التناسب الوسيلة، ومستوى التدخل لتحقيق التوازن بين الضرورة العسكرية، والمعاملة الإنسانية، وأن أي خلل في تطبيق هذا المبدأ إنما يعرض مرتكبه لواقع انتهاك القانون تحت عنوان الاستخدام المفرط".
وقد أرسى إعلان بيترسبورغ لسنة 1868 أسس هذا المبدأ في ديباجته التي جاء فيها ".... يجب أن يكون من شأن تقدم المدنية التخفيف بقدر الإمكان من كوارث الحرب، ويجب أن يكون الغرض الشرعي الوحيد الذي تستهدفه الدول أثناء الحرب، هو إضعاف قوات العدو العسكرية" (عتلم، 2005، ص110).
كما تكرس هذا المبدأ في المادة 35 من البروتوكول الاضافي الأول لسنة 1977 والتي نصت على: "1- أن حق أطراف النزاع في اختيار أساليب ووسائل القتال ليس بالحق الذي لا تقيّده قيود.
2- حظر استخدام الأسلحة والقذائف والمواد ووسائل القتال التي من شأنها إحداث إصابات أو آلام لا مبرر لها.
3- يحظر استخدام وسائل وأساليب القتال يقصد بها، أو قد يتوقع منها أن تلحق بالبيئة الطبيعية أضراراً بالغة واسعة الانتشار وطويلة الأمد" ( دباح، 2003، ص190).
خامساً- مبدأ المحاكمة العادلة:
وفقاً (للمادة 3 المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع لسنة 1949 والمادتين 11 و58 من البروتوكول الإضافي الأول لسنة 1977) فإن الانتهاكات الجسيمة لقواعد القانون الدولي الإنساني ترقى إلى جرائم حرب وتعتبر محرمة دولياً، ويتعين معاقبة فاعلها.
وقد حددت (المادة 8 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لسنة 1998) الانتهاكات الجسيمة بأنها:
"أ- الانتهاكات الجسيمة وفقاً لاتفاقيات جنيف المؤرخة في 12 اّب 1949.
ب- الانتهاكات الخطيرة الأخرى للقوانين، والأعراف السارية على المنازعات الدولية المسلحة في النطاق الثابت للقانون الدولي.
جـ- في حالة وقوع نزاعات مسلحة غير ذات طابع دولي، تعتبر الانتهاكات جسيمة وفقاً للمادة 3 المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع المؤرخة في 12 اب 1949.
د– الانتهاكات الخطيرة الأخرى لقوانين الحرب والأعراف السارية على المنازعات المسلحة غير ذات الطابع الدولي، في النطاق الثابت للقانون الدولي".
وتتميز هذه الانتهاكات بما تتخذه الدول من إجراءات عقابية من جهة، والالتزام بالتعاون القضائي، وتسليم المجرمين للدولة المختصة بمحاكمتهم من جهة أخرى، وهذا التزام لا تتحمله أطراف النزاع فقط بل تتحمله كذلك كل الأطراف السامية المتعاقدة، أما الانتهاكات غير الجسيمة فتعتبر أفعالاً غير قانونية تعرض مرتكبها للمسؤولية الفردية، ويجب على الأطراف السامية المتعاقدة اتخاذ إجراءات إدارية أو تأديبية أو جزائية.
ونحن نرى أن المبادئ الخمسة السابق عرضها تشكل أساساً ومنطلقاً للقانون الدولي الإنساني، وأن نجاح هذا القانون في تحقيق أهدافه يتوقف على مدى التزامه بمبادئه، فكلما التزم بمبادئه اقترب من تحقيق أهدافه، وكلما ابتعد عن مبادئه ابتعد عن أهدافه وغاياته وفقد مبررات وجوده وما يتمتع به من احترام في المجتمع الدولي.
أما بالنسبة لعلاقة القانون الدولي الإنساني بالقوانين الأخرى فيمكن إيجازها بما يلي:
أولاً- العلاقة بين القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي العام:
يرى (سعد الله، 2005، ص95) أن القانون الدولي العام هو "مجموعة القواعد القانونية المقررة للحقوق، والواجبات بين أعضاء المجتمع الدولي وعلاقة بعضهم ببعض وحماية كرامة الأفراد والشعوب والمحافظة على التعايش السلمي بين الدول وانماء التعاون بينها".
أما (الغنيمي، دون تاريخ، ص27) فيرى أن القانون الدولي هو "مجموعة المبادئ والقواعد التي تعتبرها الدول المتمدنة ملزمة في علاقاتها المتبادلة".
ويظهر الارتباط بين القانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي العام بصورة جلية في نص المادة 38 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية الصادر في 16 ديسمبر1920 الذي نص على أن "مهمة المحكمة هي الفصل في الخلافات المعروضة عليها وفقاً للقانون الدولي وهي تطبق في هذا الشأن:
أ- الاتفاقيات الدولية ب- العرف الدولي جـ- مبادئ القانون العامة د- القرارات القضائية ومذاهب كبار المؤلفين في القانون العام هــ- لا يترتب على هذا النص أي إخلال بصلاحية المحكمة في أن تفصل في القضية استناداً الى مبادئ العدل والإنصاف إذا وافق المتداعون على ذلك" (المجذوب، 2004، ص114).
ثانياً- العلاقة بين القانون الدولي الانساني، والقانون الدولي لحقوق الانسان: يرى (سعد الله، 2005 ص12) أن القانون الدولي لحقوق الانسان "عبارة عن مجموعة القواعد والمبادئ القانونية الدولية، التي تكفل لجميع الأفراد والشعوب التمتع بحقوقهم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، وبالحقوق المدنية والسياسية، وتهدف بصورة مباشرة إلى تحقيق رفاهيتهم".
ويتشابه القانونين في أن كل منهما يسعى إلى حماية حقوق الانسان، ويختلفان من النواحي التالية:
‌أ- قواعد القانون الدولي الإنساني تهدف إلى حماية حقوق الإنسان وممتلكاته أثناء النزاعات المسلحة، في حين أن قواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان تمتد إلى حماية حقوق الانسان في زمني السلم والحرب.
‌ب- يتمتع ضحايا النزاعات المسلحة وفقاً لقواعد القانون الدولي الإنساني بالعديد من الحقوق للتخفيف من آلامهم ومعاناتهم، ومن هذه الحقوق، الحق في الرعاية الصحية، وحق المحتجزين في مراسلة عائلاتهم، أما قواعد القانون الدولي لحقوق الانسان فتهتم بمسائل حرية التفكير، والعقيدة، وتكوين الجمعيات، والحق في التنمية.
‌ج- قواعد القانون الدولي الإنساني ملزمة لأطراف النزاع، في حين أن قواعد القانون الدولي ملزمة للحكومات في علاقتها بالأفراد (بن عمران، 2009، ص41).
ثالثاً- العلاقة بين القانون الدولي الإنساني والقانون الجنائي الدولي: يتفق القانونان في أن كل منهما يسعى إلى تأكيد المسؤولية الجنائية الدولية للفرد عن الجرائم التي يرتكبها، والعقاب الذي يجب أن يخضع له عن جرائمه، ويرى (شلالدة، 2005، ص115) أن قواعد القانون الدولي الجنائي، تمثل النصوص الإجرائية لقواعد القانون الدولي الإنساني، فهي تحدد إجراءات التقاضي أمام المحاكم الجنائية الدولية، وطرق الطعن في الأحكام القضائية الدولية في حالة الانتهاك الجسيم لقواعد القانون الدولي الإنساني، أما قواعد القانون الدولي الإنساني فتشكل القواعد الموضوعية لقواعد القانون الدولي الجنائي.
رابعاً- العلاقة بين القانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي للّاجئين: اللّاجئ هو كل شخص يجد نفسه، أو يكون خارج بلده الأصلي مهدداً بالتعرض للاعتداءات أو للانتهاك لحقوقه الأساسية، بسبب شخصه، أو معتقداته، هذا الشخص لا يستطيع أو لا يرغب بالعودة إلى وطنه لأن حكومة بلده غير قادرة، أو لا تريد حمايته (وزارة الدفاع الجزائرية، 2007، ص28).
ويختلف تطبيق كلاً من هذين القانونين على اللاجئ وفقا للاعتبارات التالية:
- اللاجئ إلى دولة ليست طرفاً في النزاع المسلح، تطبق عليه قواعد القانون الدولي للاجئين.
- اللاجئ الى دولة طرفا في النزاع المسلح، تطبق عليه قواعد القانون الدولي الإنساني وبخاصة اتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949 المتعلقة بالمدنيين، والمادة 73 من البروتوكول الإضافي الأول لسنة 1977 على أساس أنهم أجانب يقيمون في أرض دولة ليست طرفاً في النزاع (بن عمران، 2009، ص43).
خامساً- العلاقة بين القانون الدولي الإنساني والقوانين الداخلية: يقصد بالقوانين الداخلية، مجموعة القواعد القانونية التي تطبقها الدول على مواطنيها داخل الدولة. وتبرز العلاقة بين القانون الدولي الإنساني، والقوانين الداخلية من خلال ما يلي:
- ترجمة التشريعات الوطنية لأحكام القانون الدولي الإنساني.
- تبني تشريع داخلي مطابق لمعايير القانون الدولي الإنساني.
- إنشاء هيئة وطنية في مجال القانون الدولي الإنساني (عتلم، وعبد الواحد، 2005، ص303) .
ونحن نرى أن علاقة القانون الدولي الإنساني بغيره من القوانين علاقة وثيقة وجوهرية، على الرغم من وجود فضاء خاص يعمل من خلاله القانون الدولي الإنساني، غير أن علاقته بباقي القوانين هي علاقة تكاملية، يستمد منها الكثير من القوة في عمله، ولا يوجد أي تنافر أو تضاد أو تعارض بينه وبين القوانين الأخرى.

المطلب الثاني
مصادر القانون الدولي الانساني

لكل قانون مصادره التي يستمد منها مشروعية قواعده، ومبادئه، وأحكامه، وكذلك فإن القانون الدولي الإنساني له العديد من المصادر التي يستقي منها أحكامه، ويشير إلى عمله من خلالها، ومن هذه المصادر الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، التي تم التوافق والتعاهد عليها بين الدول والتي تضع قواعد للحرب كمعاهدة لاهاي، كما يعتبر من المصادر اتفاقيات جنيف التي صاغها المجتمع الدولي لتطبق على المدنيين زمن الحرب التي وضعت قبل عام 1949 وبعده، والبروتوكولات الملحقة بالاتفاقيات الأخيرة. كما يلعب العرف الدولي، والمبادئ العامة للقانون، واجتهادات المحاكم الدولية والفقه الدولي دوراً هاماً في شرح قواعد هذا القانون وتطويرها.
أولاً- معاهدة لاهاي:
يقصد بالمعاهدة بصورة عامة كل اتفاق توقعه الدول بواسطة سلطاتها المختصة دستورياً بذلك، أوهي اتفاق يعقده أشخاص القانون الدولي كالمنظمات الدولية، وينتج عنه آثار قانونية خاصة أو عامة، تقع في دائرة العلاقات، أو الأوضاع التي يحكمها القانون الدولي العام.
وبهذا يخرج عن نطاق المعاهدة الاتفاق الذي لا يكون أطرافه من أشخاص القانون الدولي العام، سواء كانوا دولاً أو منظمات.
اتفاقيات الجنتلمان: وهي اتفاقات شرف دولية تلزم أشخاص عاقديها أدبياً أي بصفتهم الشخصية، كرؤساء الدول والحكومات ووزراء الخارجية، ولكن ليس لها آثار قانونية ملزمة للدول، ولا يترتب على نقضها أي مسؤولية دولية .
الاتفاقات التي ترتبط الدول بها مع المنظمات الدولية الانسانية (كمنظمة الصليب الاحمر الدولي) في ظروف النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية، بقصد تمكين هذه المنظمات غير الحكومية من القيام بأنشطة الغوث الإنساني للسكان المدنيين.
أي اتفاق وإن كان معقوداً بين أشخاص القانون الدولي العام، لكنهم ينزلون بمقتضاه منزلة أشخاص القانون الخاص، ويقبلون أن يسود الاتفاق المعقود بينهم حكم القانون الداخلي.
وبالمقابل يعد كل اتفاق دولي معاهدة ولو أطلق عليه لفظ أو تسمية اتفاق، اتفاقية، ميثاق، عهد، بروتوكول، مذكرة تفاهم، إذا تم ابرامه من قبل السلطات المختصة بعمل المعاهدات بإسم الدولة، أو بإسم شخص القانون الدولي الذي ينسب إليه الاتفاق، وكان الغرض من إبرامه إحداث آثار قانونية، ويكون محكوماً بالقانون الدولي العام ، وقد عرف (البند 1 من الفقرة أ من المادة الثانية من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات المعقودة بين الدول لعام 1969) المعاهدة، بأنها اتفاق دولي يعقد كتابة بين الدول ويخضع للقانون الدولي سواء تضمنته وثيقة واحدة أو وثيقتان، أو وثائق متعددة مترابطة، وأياً كانت التسمية الخاصة التي تطلق عليه (العنبكي، 2010، ص134).
ويستند القانون الدولي الإنساني بصورة رئيسية، إلى قانون لاهاي المتعلق بتنظيم سير الأعمال العسكرية، الذي وضع عدة اتفاقيات دولية تهدف إلى تحديد حقوق وواجبات الدول في إدارة الحرب (بكتيه، 1984، ص 7)، وتحد من الوسائل المستخدمة في القتال عن طريق تنظيم الأعمال العدائية وتحديد حقوق المقاتلين وواجباتهم في إدارتها، ابتداء من لحظة شن الحرب وحتى انتهائها، أملاً في التخفيف من مآسيها بقدر ما تسمح به الضرورة العسكرية.
كما يدخل في نطاق قانون لاهاي، عدة اتفاقيات منفصلة عن مؤتمر لاهاي ومن هذه الاتفاقيات:
تصريح باريس البحري 1856: في أعقاب حرب القرم، والذي تضمن تنظيم دولي لبعض الجوانب القانونية للحرب البحرية.
التعليمات التي أصدرتها الحكومة الأمريكية لجيوشها عام 1863: والتي تعد بمثابة تقنين ينظم قواعد السلوك في الحرب، ويتعلق بتسيير العمليات العدائية، ومعاملة السكان المدنيين والأسرى والجرحى والمقاتلين غير النظاميين (العنبكي، 2010، ص152-153).
إعلان سان بطرسبرغ 1868: المتعلق بحظر استعمال بعض القذائف في وقت الحرب، والذي تضمن حظر استخدام القذائف المتفجرة التي يقل وزنها عن 400 غرام.
إعلان بروكسل 1874: والذي كان من أثاره حظر أو تقييد استعمال أسلحة تقليدية معينة، يمكن اعتبارها مفرطة الضرر أو عشوائية الأثر.
اتفاقية أوتاوا 1997: المتعلقة بحظر واستعمال وتخزين وإنتاج ونقل الألغام المضادة للأفراد وتدميرها (بن عمران، 2009، ص23).
ونحن نرى أن قانون لاهاي يعتبر مصدراً أساسياً من مصادر القانون الدولي الإنساني، لما يتضمنه هذا القانون من قواعد تنظم العمليات العسكرية، وما يستخدم فيها من وسائل وأدوات قتالية.
ثانياً- اتفاقيات جنيف ما قبل عام 1949:
تعتبر هذه الاتفاقيات بداية ولادة القانون الدولي الإنساني المعاصر، حيث تم التنبه من خلالها الى الماّسي التي تخلفها الحروب، وآثارها على السكان المدنيين، وقد تم صياغة العديد من الاتفاقيات نذكر منها:
1- اتفاقية جنيف لعام 1846 المتعلقة بتحسين حال الجرحى العسكريين في الميدان: حتى منتصف القرن التاسع عشر، كان الجنود الجرحى يتركون لمصيرهم في ميدان القتال بدون اي علاج أو إغاثة، كما كان الأطباء والممرضون المرافقون للقوات المسلحة، يعدون وفقاً لأعراف الحرب حينذاك، مقاتلين يجوز احتجازهم من قبل الخصم، الأمر الذي يضطرهم إلى التخلي عن هؤلاء الجرحى في الميدان.
واستناداً إلى ما رواه هنري كونان، عن المشاهد المأساوية لمعركة سولفرينو، تبلور الدافع إلى حماية جرحى الحرب لدوافع إنسانية، فانعقد في مدينة جنيف يوم الثامن من آب 1864 المؤتمر الدولي لتحسين الخدمات الطبية في الميدان، وفي 22 من ذات الشهر اعتمد المؤتمر نص اتفاقية تحسين حال الجرحى العسكريين في الميدان، وقد تضمنت الاتفاقية عشر مواد أكدت وجوب العناية بجرحى الأعداء أياً كانت الدولة التي ينتمون إليها لدوافع إنسانية، كما نصت على الطابع المحايد لسيارات الاسعاف والمشافي العسكرية، واقرت بناء على ذلك حمايتها واحترامها، وشملت حمايتها لأفراد الخدمات الطبية العاملين في المشافي، والإسعاف بالحماية أثناء أدائهم لواجبهم، وعدم جواز اتخاذهم أسرى، أو هدفاً للهجوم طالما بقي هناك جرحى في الميدان يتعين إسعافهم، وتكريساً لمبدأ حياد الخدمات الطبية، نصت الاتفاقية على ضرورة تمييز المستشفيات براية موحدة تحمل شارة الصليب الأحمر مرسومة على أرضية بيضاء، كما نصت الاتفاقية على ضرورة أن يحمل أفراد الخدمات الطبية هذه الشارة المميزة، كدليل على حقهم في الحماية المستمدة من هذه الاتفاقية.
2- اتفاقية جنيف لعام 1906 المتعلقة بتحسين حال الجرحى والمرضى العسكريين في الميدان: تضمنت هذه الاتفاقية تحديثاً للاتفاقية السابقة، وتوسيعاً لتشمل تطورات الحرب البرية والمرضى الى جانب الجرحى العسكريين في الميدان.
كما تضمنت هذه الاتفاقية أيضاً نصوصاً تتعلق بحظر الانتهاكات المتعلقة بإساءة استخدام الشارة المميزة للصليب الاحمر، وتبني الشارة الموحدة للصليب الأحمر، وتقرر أن اعتماد هذه الشارة المرسومة بشكل معكوس لرسم العلم الاتحادي السويسري، يأتي تقديراً لسويسرا، التي تبنت الدعوة الى إبرام هذه الاتفاقية.
3- اتفاقيتا جنيف لعام 1929: انعقد في جنيف مؤتمر دبلوماسي بمبادرة من اللجنة الدولية للصليب الأحمر، تمخض عن اعتماد اتفاقيتين أدخلت إحداها تعديلات جديدة على اتفاقية تحسين حال الجرحى والمرضى في الميدان، وأما الثانية فكانت اتفاقية قائمة بذاتها، تتعلق بمعاملة أسرى الحرب.
أ- اتفاقية جنيف الأولى 1929: (تحسين حال الجرحى والمرضى العسكريين في الميدان)
يعتبر من أهم ما تضمنته هذه الاتفاقية إلغاء شرط المعاملة بالمثل، الذي جاءت به المادة 24 من اتفاقية عام 1906 المعدلة، حيث لا يشترط لتطبيق الاتفاقية بين الأطراف أن تكون جميع الدول المتحاربة أطرافاً في الاتفاقية، بل تبقى الاتفاقية مع ذلك ملزمة للدول الأطراف، بالرغم من كون أحد المتحاربين ليس طرفا فيها، ولا يترتب على تحلل أحد الأطراف من الاتفاقية أثناء الحرب أثراً قانونياً، إلا بعد انتهاء الحرب ذاتها، بحيث يظل استمرار سريانها على الأطراف مكفولاً طيلة فترة الحرب.
كما تضمنت هذه الاتفاقية الاعتراف للدول الإسلامية الأطراف فيها، بالحق في استخدام شارة الهلال الاحمر بديلاً عن شارة الصليب الأحمر لتلافي مشكلة أي مدلول رمزي أو ديني قد تحمله شارة الصليب الأحمر، التي أريد لها في الأساس أن تكون شارة محايدة.
كما أعادت هذه الاتفاقية التأكيد على مبدأ عدم جواز احتجاز أفراد الخدمات الطبية، ونصت على واجب إعادتهم إلى أوطانهم، باستثناء الحالات التي يتفق فيها على خلاف ذلك.
ب- اتفاقية جنيف الثانية لعام 1929 المتعلقة بمعاملة اسرى الحرب:
تضمنت هذه الاتفاقية 77 مادة تناولت الوضع القانوني لأسرى الحرب، والمعاملة الواجبة لهم ابتداء من عملية الأسر وبما يكفل حمايتهم وعدم الاساءة لهم، وفرضت حظراً مشدداً على ارتكاب أي أعمال انتقامية ضدهم، وأكدت على حقهم في تلقي خدمات الدولة الحامية وخدمات اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وأقرت مبدأ الرقابة الدولية على تطبيق هذه الاتفاقية (الزمالي، 1997، ص19).
ثالثاً- اتفاقيات جنيف الأربع ما بعد عام 1949: كان للخروقات الخطيرة التي تعرض لها قانون جنيف إبان الأحداث المروعة للحرب العالمية الثانية، وتجاهل تطبيق هذه القواعد من قبل المتحاربين، وضعف وسائل وأليات الرقابة الدولية على حسن تطبيقه، وعدم انطباق أحكامه على المنازعات والحروب الأهلية، أثرا كبيراً في دفع اللجنة الدولية للصليب الأحمر للمطالبة بإجراء مراجعة شاملة لقانون جنيف لتطويره جذرياً.
ولتحقيق هذه الغاية، انعقد في جنيف بسويسرا بتاريخ 21 نيسان عام 1949 مؤتمر دبلوماسي أجرى مراجعة شاملة وجذرية لقانون جنيف أسفرت نتائجها عن توقيع أربع اتفاقيات بشأن ضحايا النزاعات المسلحة، وقد أدخلت هذه الاتفاقيات تحسينات كبيرة على الاتفاقيات الثلاث السابقة، واستبدلتها باتفاقيات منقحة ومطورة، هي اتفاقية جنيف الأولى بشأن تحسين حال الجرحى والمرضى بالقوات المسلحة في الميدان، واتفاقية جنيف الثانية بشأن تحسين حال جرحى ومرضى وغرقى القوات المسلحة في البحار، واتفاقية جنيف الثالثة بشـأن معاملة أسرى الحرب والمؤرخة جميعها في 12 اب 1949 كما تم اعتماد اتفاقية رابعة تتعلق بحماية المدنيين في وقت الحرب.
ومن الأمور التي استحدثتها هذه الاتفاقيات توسيع نطاق اتفاقيات جنيف ليشمل، إلى جانب الحرب المعلنة والنزاعات المسلحة الدولية بدون إعلان حرب، النزاعات المسلحة غير الدولية، وأيضا التدابير التي يجب على الدول الأطراف في الاتفاقيات الأربع اتخاذها ضد الأشخاص الذين يأمرون بارتكاب انتهاكات جسيمة أو مخالفة لهذه الاتفاقيات، حيث تضمنت جميعها أحكاما عامة تسجل تعهد الدول الأطراف باتخاذ التدابير العقابية والتنظيمية اللازمة لوقف الأفعال المخالفة للاتفاقيات والمعاقبة عليها (المواد 49 جنيف 1/50 جنيف 2/129 جنيف 3/146 جنيف 4).
كما أحرز قانون جنيف لعام 1949 تطوراً مهماً يتعلق بتوسيع النطاق الشخصي لاتفاقيات جنيف، ليشمل إلى جانب أفراد القوات المسلحة والميليشيات أو الوحدات المتطوعة التي تشكل جزءاً من هذه القوات، أفراد حركات المقاومة المسلحة المنظمة (المادة 2/ 4 من اتفاقية جنيف 3).
رابعاً- البروتوكولان الإضافيان لعام 1977:
لقد تم استناداً إلى هذه البروتوكولات توسيع نطاق المشمولين بالحماية، استناداً إلى اتفاقيات جنيف الأربع السابق ذكرها، ومن هذه البروتوكولات:
1- البروتوكول الإضافي (الملحق الأول) لاتفاقيات جنيف الأربع: يحتوي هذا البروتوكول على 102 مادة أدرجت في عدة أبواب، تمثل في جوهرها معظم القواعد الموضوعية التي تضمنتها أحكام قانون لاهاي وقانون جنيف.
ـ ( الباب الاول المواد 1-7 ) تناول شمول البروتوكول المنازعات المسلحة لنضال الشعوب ضد التسلط الاستعماري والاحتلال الأجنبي، وضد الأنظمة العنصرية، وذلك في إطار ممارستها لحق تقرير المصير، طبقاً لميثاق الأمم المتحدة، ضمن المنازعات التي تشملها أحكام المادة الثانية المشتركة فيما بين اتفاقيات جنيف، والتي ينطبق عليها هذا الملحق المكمل لتلك الاتفاقيات.
ـ ( الباب الثاني المواد 8-34 ) وبموجبه صار الجرحى والمرضى والمنكوبون في البحار والمدنيين، وبغض النظر عن الطرف الذي ينتمون إليه، مشمولين بالحماية ذاتها التي تمنحها هاتان الاتفاقيتان إلى أمثالهم من العسكريين.
ـ ( الباب الثالث المواد 35-47 ) وكان تحت عنوان أساليب ووسائل القتال والوضع القانوني للمقاتل وأسير الحرب، وفيه تظهر الصلة الوثيقة بين قانون لاهاي وقانون جنيف حيث أعاد تأكيد نصوص قانون لاهاي المتعلقة بالنزاعات المسلحة وحق أطراف النزاع في اختيار وسائل وأساليب القتال.
ـ (الباب الرابع المواد 48-79 ) وقد تناول موضوع حماية المدنيين والأعيان المدنية وأعمال الغوث والإمدادات الغذائية والطبية، ووسائل الإيواء والإكساء.
ـ (الباب الخامس) وفيه تم تنظيم القواعد المتعلقة بتنفيذ هذه الاتفاقيات (فهمي، 2011، ص 279).
2- البروتوكول الاضافي (الملحق الثاني) لاتفاقيات جنيف الأربع: ويتعلق هذا البروتوكول بحماية ضحايا المنازعات المسلحة غير الدولية، ووفقا (للمادة الأولى من هذا البروتوكول) أصبحت عبارة المنازعات المسلحة غير الدولية محددة وواضحة، كالحروب الاهلية، وحركات التمرد والعصيان، تدخل في صميم السلطان الوطني للدول، كما قرر البروتوكول عدم جواز الاحتجاج بأي حكم ورد فيه، من شأنه أن يمس بسيادة أي دولة، أو بمسؤولية أي حكومة، في الحفاظ بكافة الطرق المشروعة على النظام والقانون في الدولة، أو في إعادتهما إلى ربوعها، أو الدفاع عن الوحدة الوطنية للدولة وسلامة أراضيها.
واستناداً لما تقدم نصت (المادة الرابعة من البروتوكول) على مجموعة من الضمانات الأساسية للأشخاص غير المقاتلين، وحددت بصورة واضحة ماهية هذه الضمانات، كما تضمن البروتوكول مجموعة من النصوص التي تتعلق بالمعاملة الإنسانية الواجبة للأشخاص الذين حرموا حريتهم لأسباب تتعلق بالنزاع المسلح، سواء كانوا معتقلين، او محتجزين، كما نص البروتوكول على واجب حماية ورعاية الجرحى والمرضى والمنكوبين في البحار (فهمي، 2011، ص350).
ونحن نرى أن القانون الدولي الإنساني لم يصل إلى ما وصل إليه اليوم إلا بعد مخاض عسير، ومرحلة طويلة من الصراع والمعاناة، وما لقيته قواعد هذا القانون من عنت ومقاومة من بعض الدول بغية تفلتها من الخضوع لأحكامه، كما ظهر لنا من خلال العرض السابق حجم المعاناة التي عاناها الجندي الجريح في الميدان، والمدني الذي لا حول له ولا قوة. كما نرى أن تعدد الاتفاقيات وتطورها خير دليل على مدى أهمية هذا القانون للبشرية.
خامساً- العرف الدولي:
القاعدة العرفية هي قاعدة غير مكتوبة أو مدونة، تنشأ داخل المجتمع الدولي عندما تقوم الدول بمجموعة من السلوكيات الإيجابية أو السلبية في إطار علاقاتها المتبادلة، أو في الشأن الدولي وعلى نحو مضطرد، بحيث ينشأ عن تكرارها المتطابق في الزمان وانتشارها في المكان، أو عموميتها من حيث الأشخاص، عادات واجبة المراعاة داخل المجتمع الدولي، وتعرف السوابق وفقاً لمفهومها المتقدم بأنها العنصر المكون للركن المادي للعرف الدولي، بينما يؤلف عنصر الاعتقاد بإلزامية هذه السوابق الركن المعنوي للعرف الدولي (العنبكي، 2010، ص109).
وعلى الرغم من حداثة نشوء القانون الدولي الإنساني إلا أن ذلك لم يمنع من وجود جذور له في سلوك بعض القادة العسكريين عبر التاريخ، حيث كان بعض القادة العسكريين يأمرون جنودهم بعدم قتل الأسرى وحسن معاملتهم، وعدم إيذاء السكان المدنيين المنتمين للعدو (بن عمران، 2009، ص26)، كما كان المتحاربين عادة يلجؤون إلى تبادل الأسرى فيما بينهم، ومع الزمن تشكلت قواعد عرفية للحرب، وعليه فإن العرف الدولي سابق لظهور الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، ويشكل مصدراً هاماً من مصادر القانون الدولي الإنساني، وقد صارت القواعد العرفية ملزمة مع الزمن للعديد من الدول نتيجة لتواتر استخدامها وشعور الدول بضرورة احترامها، وقد تكرس التأكيد على احترام الأعراف الدولية بقاعدة مارتينس الشهيرة التي وجدت تعبيراً لها سنة 1899 في مؤتمر لاهاي للسلام، وأكدتها ديباجة اتفاقية لاهاي الثانية الخاصة بالحرب البرية سنة 1899 حيث تعذر على الأطراف المشاركة الوصول إلى حل لجميع المشكلات، وتم الاتفاق على أن عدم الوصول إلى حل لا يعني أن تترك المسائل التي لم يتم التطرق إليها في غيبة تعهد مكتوب بشأنها، لتقدير القادة العسكريين ليقرروا ما يشاؤون بشأنها، بل يبقى المدنيون والمقاتلون على السواء في هذه الحالات غير المنصوص عليها تحت حماية وسلطان مبادئ القوانين الدولية المستمدة من الأعراف المستقرة بين الشعوب المتمدنة وقوانين الإنسانية وما يمليه الضمير العام.
وعليه فإن الحالات التي لم يشملها نص اتفاقي وينطبق عليها حكم العرف هي:
- حالة ما إذا كان أحد الأطراف المتحاربة ليس طرفاَ سامياً في هذا النص الاتفاقي.
- حالة ما إذا كانت هناك مسائل جديدة غير منظمة بقواعد اتفاقية.
سادساً- المبادئ العامة للقانون: هي عبارة عن القواعد المشتركة في الأنظمة الدولية المتطورة، حيث تستطيع الدول في حالة عدم وجود علاقات قائمة لديها على قاعدة اتفاقية أو عرفية أن تستند إلى هذه المبادئ العامة في إيجاد الحلول لخلافاتها (الزمالي، 1997، ص27).
سابعاً- اجتهادات المحاكم الدولية: ومن الأمثلة على القضايا الدولية التي تشكل أحكامها مصدراً للقانون الدولي الإنساني، محاكمة غليوم إمبراطور ألمانيا على أثر الحرب العالمية الأولى، ومحكمة نورمبرغ لسنة 1945 الشهيرة بمحاكمة مجرمي الحرب من رعايا دول المحور الأوربي (المسدي، 2006 ، ص15).
ثامناً- الفقه الدولي: تعتبر كتابات كبار فقهاء القانون الدولي الإنساني وآراؤهم مصدراً هاماً من مصادر القانون الدولي الإنساني، وذلك عن طريق الكشف عن العيوب والثغرات والنواقص في الاتفاقيات الدولية، ولفت أنظار الدول إليها، وحثها على تبنيها في الاتفاقيات الدولية (المجذوب، 2004، ص140).
ونحن نرى أن الاتفاقيات والأعراف الدولية تشكل مصدراً أساسياً لقواعد القانون الدولي الإنساني، أما المبادئ العامة للقانون، واجتهادات المحاكم، وأراء الفقهاء وشروحاتهم فإنها تشكل مصدراً تكميلياً لقواعد القانون الدولي الإنساني، يمكن الرجوع إليها في حال خلو الاتفاقيات والأعراف من حلول للواقعة المعروضة.

المبحث الثاني
نطاق تطبيق القانون الدولي الإنساني

إن تطبيق القانون الدولي الإنساني يستدعي تحديد النطاق الذي يعمل فيه، على الصعيدين المادي أي النزاعات التي يشملها، والشخصي أي الأشخاص الذين ينطبق عليهم .
ولذا فإن تناولنا لهذا الموضوع سيكون من خلال المطلب الأول الذي ندرس فيه النطاق المادي لتطبيق القانون الدولي الإنساني. والمطلب الثاني الذي نتناول فيه النطاق الشخصي لتطبيق القانون الدولي الإنساني.

المطلب الأول
النطاق المادي لتطبيق القانون الدولي الانساني

سبق لنا القول أن النطاق المادي للقانون الدولي الانساني يقصد به تحديد النزاعات التي يطبق عليها هذا القانون. ويمتد النطاق المادي لهذا القانون ليشمل النزاعات المسلحة الدولية، والنزاعات المسلحة غير الدولية.
أولاً- النزاعات المسلحة الدولية:
يقصد بالنزاعات المسلحة الدولية، الحرب التي تقوم بين دولتين مستقلتين وجيشين نظاميين، وقد طبق القانون الدولي الإنساني في بداية ظهوره على حالات الحرب المعلنة والمحددة بموجب قانون لاهاي لسنة 1899 والتي تكرست في المادة ( 1 ) من اتفاقية لاهاي الثالثة، الخاصة ببدء العمليات العسكرية والتي نصت على أن "تعترف جميع الدول المتعاقدة بعدم جواز بدء العمليات العدائية دون إنذار مسبق وصريح، إما في شكل إعلان حرب مع بيان الأسباب، أو إنذار أخير مع إعلان مشروط للحرب" واستناداً لما تقدم فإن إعلان الحرب يسري فقط في مواجهة الدول الأطراف في الاتفاقية، مما يخرج العديد من النزاعات المسلحة من دائرة سريان قانون الحرب عليها.
وللتصدي لهذا الوضع ظهرت الحاجة إلى تعديل قانون الحرب، حيث تم وضع نص المادة ( 2 ) المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع لسنة 1949 والتي جاء في فقرتها الأولى "علاوة على الأحكام التي تسري وقت السلم تنطبق هذه الاتفاقية في حالة الحرب المعلنة، أو أي اشتباك مسلح ينشب بين طرفين أو أكثر من الأطراف السامية المتعاقدة حتى ولو لم يعترف أحدها بحالة الحرب"، وبذلك لم يعد عدم وجود الإعلان المسبق سبباً في إنكار وجود حالة الحرب بين الأطراف المتنازعة، ويعتبر نزاع مسلح دولي، النزاع الذي يحدث حال قيام مواجهة بين القوات المسلحة لدولتين أو أكثر، حتى ولو لم يعترف أحدهما رسمياً بحالة الحرب (حمدي، 2002، ص356).
واستناداً إلى الفقرة الرابعة من المادة الأولى من بروتوكول جنيف الأول لعام 1977 الملحق باتفاقيات جنيف الأربع لسنة 1949 تم توسيع دائرة النزاعات المسلحة الدولية لتشمل حروب التحرير الوطنية حيث نصت هذه الفقرة على أنه ".... تتضمن الأوضاع المشار إليها في الفقرة السابقة المنازعات المسلحة التي تناضل بها الشعوب ضد التسلط الاستعماري والاحتلال الأجنبي، وضد الأنظمة العنصرية، وذلك في ممارستها لحق الشعوب في تقرير المصير، كما كرسه ميثاق الأمم المتحدة والإعلان المتعلق بمبادئ القانون الدولي، الخاصة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول طبقاً لميثاق الأمم المتحدة".
ويلاحظ على النص السابق أنه أخرج من نطاق النزاعات المسلحة، النضال المسلح الذي تخوضه الشعوب ضد الأنظمة الاستبدادية، أو الصراعات التي تهدف لتقسيم دولة ما.
ويمكننا إيجاز النزاع الدولي المسلح بالحالات التالية (شلالدة، 2005، ص406).
- النزاع المسلح بين الدول.
- النزاع الداخلي المسلح والذي اعترف بأنه حالة نزاع دولي.
- النزاع المسلح الداخلي المنطوي على تدخل أجنبي.
- النزاع المسلح الداخلي المنطوي على تدخل الأمم المتحدة.
- حروب الاستقلال الوطني.
- حروب الانفصال.
ثانياً- النزاعات المسلحة غير الدولية:
قبل توقيع اتفاقيات جنيف الأربع لسنة 1949 كانت النزاعات المسلحة غير الدولية تعتبر شأناً داخلياً، يخضع للقانون الداخلي للدولة غير أنه بعد توقيع هذه الاتفاقيات، وضعت المادة الثالثة المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع تعريفاً لهذه النزاعات بوصفها "بالنزاعات التي تثور في أراضي أحد الأطراف السامية المتعاقدة بين جماعة منشقة أو أكثر في مواجهة السلطة القائمة، أو بين جماعات متمردة فيما بينها دون أن تكون الحكومة القائمة طرفاً فيها، شريطة استيفاء هذه الجماعات المنشقة لعنصرين أساسيين هما عمومية حجم التمرد من جانب، واستيفاؤها لمقتضيات التنظيم من جانب آخر"، إلا انه تم التضييق على هذا التعريف وفقا للمادة ( 1 ) من البروتوكول الإضافي لسنة 1977 حيث أصبح تعريف النزاعات المسلحة غير الدولية بأنها "التي تدور في إقليم أحد الأطراف السامية المتعاقدة بين قواته المسلحة وقوات مسلحة منشقة أو جماعات نظامية مسلحة أخرى وتمارس تحت قيادة مسؤولة على جزء من الإقليم من السيطرة ما يمكنها من القيام بعمليات عسكرية متواصلة ومنسقة وتستطيع تنفيذ أحكام هذا الملحق من البروتوكول".
وعليه يشترط لقيام حالة النزاع المسلح غير الدولي الشروط التالية:
- أن يكون هناك حداً أدنى من العنف يتجاوز في درجة شدته الاضطرابات والتوترات الداخلية. مثل أعمال الشغب العرضية والمألوفة.
- أن يكون هناك حد أدنى من التنظيم والبنية العسكرية، وأن تكون هناك قيادة مسؤولة وقادرة على احترام قانون الحرب.
- أن يكون هناك حد أدنى من السيطرة على الأراضي بمعنى القيام بعمليات عسكرية متواصلة ومنسقة.
ويستثنى من هذه النزاعات ما يلي:
- الاضطرابات الداخلية: وتتضمن مواجهات داخلية خطيرة كالانتفاضات ضد أنظمة الحكم الدكتاتورية، والمظاهرات السلمية والتي تستخدم فيها السلطات قوات شرطة كبيرة وحتى قوات مسلحة لاستعادة النظام داخل البلاد، وقد تعلن حالة الطوارئ لمنح المزيد من السلطات لأجهزة المخابرات والأمن والقوات المسلحة (بن عمران، 2009، ص35).
- التوترات الداخلية: وعادة لا ترقى إلى مرتبة الاضطرابات الداخلية وتكون أقل خطورة منها، وكثيراً ما تكون أسباب هذه التوترات سياسية، أو دينية، أو عرقية، أو عنصرية، أو اجتماعية، أو اقتصادية وقد تتعلق بمخلفات حرب أهلية أو توتر سياسي، وتؤدي إلى تعطيل الضمانات القانونية (عواشرية، 2001، ص37).
ونحن نرى أن توسيع النطاق المادي للقانون الدولي الإنساني ليشمل النزاعات المسلحة غير الدولية إلى جانب النزاعات الدولية، كان خطوة موفقة، كذلك فإنه لا يشترط اعتراف الدول بحالة الحرب فيما بينها لتطبيق القانون الدولي الإنساني، لأن الدول في حروبها سوف تسعى إلى عدم الإعلان الصريح لحالة الحرب بغية عدم الخضوع لأحكام هذا القانون، وحسناً ما أورده القانون فيما يتعلق بالحالات التي يشملها، إلا أننا نرى ضرورة توسيع نطاقه المادي ليشمل الأعمال القمعية التي تمارسها الأنظمة الاستبدادية ضد شعوبها، من قتل وتعذيب وانتهاك للحرمات، والتي ترقى في كثير من الحالات إلى أن تكون جرائم ضد الإنسانية. ومع ذلك يتم التغاضي عنها لقصور في قواعد هذا القانون، أو لغايات سياسية، ويفلت المجرمون من العقاب.

المطلب الثاني
النطاق الشخصي لتطبيق القانون الدولي الإنساني

ويشمل النطاق الشخصي حماية المقاتلين وأسرى الحرب، كما يشمل حماية الجرحى والمرضى والمنكوبين في البحار، ويشمل أيضاً حماية أفراد الخدمات الطبية والدينية. وجمعيات الإغاثة التطوعية، وأيضاً حماية المدنيين.
أولاً- الحماية المقررة للمقاتلين وأسرى الحرب:
وفقاً للفقرة الأولى من المادة 43 من البروتوكول الإضافي لسنة 1977 "تتكون القوات المسلحة لطرفي النزاع من كافة القوات المسلحة والمجموعات والوحدات النظامية التي تكون تحت قيادة مسؤولة عن سلوك مرؤوسيها قبل ذلك الطرف حتى ولو كان ذلك الطرف ممثلاً بحكومة أو بسلطة لا يعترف الخصم بها ويجب أن تخضع هذه القوات المسلحة لنظام داخلي بما يكفل إتباع قواعد القانون الدولي التي تطبق في النزاع المسلح".
وعليه فإنه يشترط في الشخص لكي يكون مقاتلاً أن ينتمي إلى قيادة مسؤولة عن سلوك عناصرها، وأن يخضع المقاتلين لنظام داخلي، يكفل تنفيذ قواعد القانون الدولي (بن عمران، 2009، ص37).
كما يعتبر من المقاتلين أسرى الحرب الذين ورد ذكرهم في المادة 4 من اتفاقية جنيف الثالثة الخاصة بحماية أسرى الحرب، والتي نصت على أنه ".... أسرى الحرب بالمعنى المقصود في هذه الاتفاقية هم الأشخاص الذين ينتمون إلى إحدى الفئات التالية، أو يقعون في قبضة العدو:
1- أفراد القوات المسلحة لأحد أطراف النزاع، والميليشيات أو الوحدات المتطوعة التي تشكل جزءاً من هذه القوات المسلحة.
2- أفراد الميليشيات الأخرى والوحدات المتطوعة الأخرى، بمن فيهم أعضاء حركات المقاومة المنظمة، الذين ينتمون إلى أحد أطراف النزاع ويعملون داخل أو خارج إقليمهم، حتى ولو كان هذا الإقليم محتلاً، على أن تتوفر الشروط التالية في هذه الميليشيات أو الوحدات المتطوعة، بما فيها حركات المقاومة المنظمة المذكورة:
‌أ- أن يقودها شخص مسؤول عن مرؤوسيه.
‌ب- أن تكون لها شارة مميزة محددة يمكن تمييزها من بعد.
‌ج- أن تحمل الأسلحة جهراً.
‌د- أن تلتزم في عملياتها بقوانين الحرب وعاداتها.
3- أفراد القوات المسلحة النظامية الذين يعلنون ولاءهم لحكومة أو سلطة لا تعترف بها الدولة الحاجزة.
4- الأشخاص الذين يرافقون القوات المسلحة دون أن يكونوا في الواقع جزءاً منها، كالأشخاص المدنيين الموجودين ضمن أطقم الطائرات الحربية، والمراسلين الحربيين، ومتعهدي التموين وأفراد وحدات العمال أو الخدمات المختصة بالترفيه عن العسكريين، شريطة أن يكون لديهم تصريحاً من القوات المسلحة التي يرافقونها.
5- أفراد الأطقم الملاحية بمن فيهم القادة والملاحون ومساعدوهم في السفن التجاري، وأطقم الطائرات المدنية التابعة لأطراف النزاع الذين لا ينتفعون بمعاملة أفضل بمقتضى أي أحكام أخرى من القانون الدولي.
6- سكان الأراضي غير المحتلة الذين يحملون السلاح من تلقاء أنفسهم عند اقتراب العدو لمقاومة القوات الغازية، دون أن يتوفر لهم الوقت لتشكيل وحدات مسلحة نظامية، شريطة أن يحملوا السلاح جهراً وأن يراعوا قوانين الحرب وعاداتها".
أما المادة 43 من البروتوكول الإضافي الأول لسنة 1977 فنصت على أنه "1- تتكون القوات المسلحة لطرفي النزاع من كافة القوات المسلحة والمجموعات والوحدات النظامية التي تكون تحت قيادة مسؤولة عن سلوك مرؤوسيها قبل ذلك الطرف حتى ولو كان ذلك الطرف ممثلاً بحكومة أو بسلطة لا يعترف الخصم بها، ويجب أن تخضع مثل هذه القوات المسلحة لنظام داخلي يكفل فيما يكفل اتباع قواعد القانون الدولي التي تطبق على النزاع.
2 – يعد أطراف القوات المسلحة لطرف النزاع (عدا أفراد الخدمات الطبية والوعاظ الذين تشملهم المادة 33 من الاتفاقية الثالثة) مقاتلين بمعنى إن لهم الحق في المساهمة المباشرة في الأعمال العدائية". ويترتب على ذلك:
‌أ- حقهم في المساهمة المباشرة في الأعمال العسكرية، بالشكل المحدد قانوناً.
‌ب- استفادتهم من مركز أسير حرب عند وقوعهم في قبضة الطرف الخصم بموجب أحكام الاتفاقية الثالثة من اتفاقيات جنيف الأربعة.
‌ج- حق الطرف الخصم في استهدافهم بالأعمال العسكرية مع مراعاة القواعد القانونية المحددة لممارسة هذا الحق(بن عمران، 2009، ص39).
ثانياً- الحماية المقررة للجرحى، والمرضى، والمنكوبين في البحار:
عرفت الفقرة ( أ ) من المادة الثامنة من البروتوكول الأول، الجرحى والمرضى بالقول ".... هم الأشخاص العسكريون والمدنيون الذين يحتاجون إلى مساعدة، أو رعاية طبية، بسبب الصدمة، أو المرض، أو أي اضطراب، أو عجز بدنياً كان أو عقلياً، الذين يحجمون عن أي عمل عدائي، ويشمل هذان التعبيران أيضاً حالات الوضع، والأطفال حديثي الولادة، والأشخاص الآخرين الذين قد يحتاجون إلى مساعدة أو رعاية طبية عاجلة، مثل ذوي العاهات، وأولات الأحمال الذين يحجمون عن أي عمل عدائي" ويشمل هذا التعريف أيضا وفقا لمفهومه الواسع، جميع المقاتلين الذين أصبحوا عاجزين عن القتال لأسباب أخرى غير الأسباب المذكورة أنفاً كفقد الوعي، أو عدم القدرة على الدفاع عن النفس (الفقرة 1 من المادة 41 من البروتوكول الأول).
أما فيما يتعلق بالغرقى فقد نصت المادة 12 من اتفاقية جنيف الثانية على أن مصطلح الغرقى "يقصد به الغرقى بأي أسباب، بما في ذلك الهبوط الاضطراري للطائرات على الماء، والسقوط في البحر".
ولكي يتمتع هؤلاء الجرحى والمرضى والغرقى بالحماية التي تكفلها اتفاقيات جنيف لعام 1949 يجب، وفقاً لنص المادة 13 الفقرة 1 من اتفاقيتي جنيف الأولى والثانية، أن يكونوا منتمين أساساً ومن حيث المبدأ، إلى فئة أفراد القوات المسلحة التابعين لأحد أطراف النزاع، وكذلك أفراد الميليشيات والوحدات المتطوعة التي تشكل جزءاً من هذه القوات.
ويشار هنا إلى أن استفادة المرضى والجرحى والغرقى وانقاذ منكوبين في البحار من المساعدة والعناية الطبية مشروط بأن تكون اصابتهم من جراء نزاع مسلح، ومقترنا بتوقف هؤلاء الأشخاص عن الاشتراك في العمليات العدائية.
كما يدخل ضمن نطاق تطبيق هاتين المادتين بعض الفئات من الأشخاص غير المقاتلين الملحقين بالقوات المسلحة دون أن يكونوا جزءاً منها، وأفراد الأطقم الملاحية في السفن التجارية، وأطقم الطائرات المدنية التابعة لأطراف النزاع الذين لا يتمتعون بمعاملة أفضل، بموجب أي أحكام أخرى من أحكام القانون الدولي (الفقرات من 2 إلى 6 من المادة 13 من اتفاقيتي جنيف الأولى والثانية).
وتطبيقاً لمبدأ الحماية والرعاية للجرحى والمرضى والغرقى، فقد نصت (المادة 12 من اتفاقيتي جنيف الأولى والثانية، والمادتين 10 و11 من البروتوكول الإضافي الأول) على جملة قواعد يمكن ايجازها بما يلي:
1- يمنع منعاً باتاً أي اعتداء على حياة الجرحى والمرضى والغرقى واستخدام العنف ضدهم أو معاملتهم معاملة غير إنسانية أو غير لائقة أو مهينة، ويحظر قتلهم أو إبادتهم، أو تعريضهم للتعذيب أو للتجارب الطبية البيولوجية (الخاصة بعلم الحياة) أو أية تجارب طبية أخرى غير مشروعة، أو إخضاعهم إلى اجراء عمليات جراحية وطبية لا تستدعيها حالتهم الصحية، كعمليات البتر واستئصال الأنسجة والأعضاء واستزراعها حتى ولو تم اجرائها بناء على موافقتهم.
2- الأفضلية في تقديم العلاج للجرحى والمرضى بناء على الاعتبارات الطبية البحتة والحاجة الإنسانية والمرضية، دون أي تمييز في تقديم العناية الطبية على أن تعامل النساء وفقاً للاعتبار الخاص الواجب إزاء جنسهن.
3- للجرحى والمرضى رفض إجراء أي عملية جراحية، ويمكن لأفراد الخدمات الطبية في هذه الحالة الحصول على إقرار كتابي موقعاً من المريض أو مجازاً من قبله يؤكد هذا الرفض، فلا يجوز إكراه الجرحى والمرضى على إجراء أي عملية جراحية مالم يكونوا راغبين بذلك وتستدعي حالتهم الصحية إجراءها، ويعد بناء على ذلك كل عمل طبي غير مشروع ما لم يكن مرخصاً ابتداء.
4- يعتبر من الانتهاكات الجسيمة، كل عمل أو امتناع عن عمل، يلحق ضرراً بالغاً بالصحة أو بالسلامة البدنية أو العقلية لهذه الفئة من ضحايا النزاعات المسلحة ولسائر الاشخاص المحميين (الفقرة 4 من المادة 11 من البروتوكول الأول).
5- تقع مسؤولية حماية الجرحى والمرضى على عاتق الطرف الحاجز، كما يتعين على الدول المحايدة أو أي طرف لا ينتمون إليه، أن يطبق عليهم أحكام الحماية الملائمة وضماناتها أينما وردت في اتفاقيات جنيف، ذات الصلة والبروتوكول الإضافي الأول، وفي المجال الذي تنطبق فيه كل اتفاقية او بروتوكول (المادة 4 من اتفاقيتي جنيف الأولى، والمادة 5 من اتفاقية جنيف الثانية، وأيضاً المادة 19 من البروتوكول الأول).
6- يتخذ أطراف النزاع بعد كل اشتباك، جميع التدابير الممكنة دون إبطاء، للبحث عن الغرقى والجرحى والمرضى وجمعهم وحمايتهم من السلب، وسوء المعاملة وتأمين الرعاية اللازمة لهم وكذلك للبحث عن جثث الموتى ومنع سلبها (المادة 15 من اتفاقية جنيف الأولى، والمادة 18 من اتفاقية جنيف الثانية). كذلك على كل طرف من أطراف النزاع تسجيل البيانات، التي تساعد على التحقق من هوية الجرحى والمرضى والغرقى والموتى، الذين يقعون في قبضته وينتمون إلى الطرف الأخر وإبلاغها بأسرع ما يمكن إلى مكتب الاستعلامات الوطني التابع له والذي يتعين على كل طرف في النزاع انشاءه حال نشوب النزاع المسلح، ويتولى هذا المكتب بدوره إبلاغ المعلومات المتاحة إلى الدولة التي يتبعها هؤلاء الأشخاص، وإلى الوكالة المركزية لأسرى الحرب (المادة 16 من اتفاقية جنيف الأولى، والمادة 19 من اتفاقية جنيف الثانية).
7- يعتبر الجرحى والمرضى والغرقى التابعون لدولة محاربة الذين يقعون في قبضة الخصم، أسرى حرب، وتنطبق عليهم أحكام القانون الدولي المتعلقة بأسرى الحرب وللطرف الاّسر أن يقرر تبعاً للظروف، ما إذا كان من المناسب أن يستبقيهم أو ينقلهم إلى أحد الموانئ في بلده أو في بلد محايد، بعد موافقة السلطات المحلية أو إلى ميناء في إقليم الطرف الخصم، شريطة ألا يعودوا إلى الاشتراك في العمليات العدائية (المادة 14، من اتفاقية جنيف الأولى، والمادة 16 من اتفاقية جنيف الثانية).
ثالثاً- الحماية المقررة لأفراد الخدمات الطبية والدينية، وجمعيات الإغاثة التطوعية:
تشمل حماية القانون الدولي الإنساني الأفراد العاملين في نطاق الخدمات الطبية والدينية، كما تشمل أيضاً الأفراد العاملين في المجال الإغاثي والتطوعي.
1- الحماية المقررة لأفراد الخدمات الطبية والدينية: يقصد بأفراد الخدمات الطبية لأغراض الحماية كما عرفتهم الفقرة (ج) من المادة الثامنة من البروتوكول الأول "هم الأشخاص الذين يخصصهم أحد أطراف النزاع إما للأغراض الطبية دون غيرها ... وإما لإدارة الوحدات الطبية، وإما لشغل او إدارة وسائط النقل الطبي، ويمكن أن يكون هذا التخصيص دائماً أو وقتياً ويشمل تعبير أفراد الخدمات الطبية وفقا لهذه الفقرة:
1- أفراد الخدمات الطبية عسكريين كانوا أو مدنيين التابعين لأحد أطراف النزاع المسلح بمن فيهم من الأفراد المذكورين في الاتفاقيتين الأولى والثانية، وأولئك المخصصين لأجهزة الدفاع المدني.
2- أفراد الخدمات الطبية التابعين لجمعيات الصليب الاحمر الوطنية والهلال الاحمر، وغيرها من جمعيات الإسعاف الوطنية الطوعية، التي يعترف بها ويرخص لها أحد أطراف النزاع المسلح وفقاً للأصول المرعية.
3- أفراد الخدمات الطبية التابعين للوحدات الطبية أو وسائط النقل الطبي المشار إليها في الفقرة الثانية من المادة التاسعة".
أما الحماية المقررة لأفراد الخدمات الطبية والدينية بوجه عام فتتمثل ما يلي:
أ- تقديم الحماية اللازمة لهم، للعناية بالجرحى والمرضى والغرقى من الناحيتين الصحية والروحية، والبحث عنهم أو نقلهم أو جمعهم أو معالجتهم او وقايتهم من الامراض، او إسداء خدمة روحية لهم إذا كان الأمر يتعلق برجال الدين، والسماح لهم بالقيام بواجباتهم الطبية والروحية وتقديم المساعدة الممكنة والضرورية لهم بحسب الأحوال، بغية تمكينهم من أداء هذه المهام الإنسانية (المواد 24 و25 و26 من اتفاقية جنيف الاولى، والمادتين 36 و37 من اتفاقية جنيف الثانية).
ب- منع الهجمات ضد أفراد الخدمات الطبية والدينية والوحدات الطبية ووسائط النقل الطبي، والامتناع عن أي عمل من شأنه أن يعيق أداء تلك الخدمات، بما في ذلك حظر أي تدابير انتقام ثأرية أو احتجازهم أو إجبارهم على تقديم خدمة غير راغبين بأدائها، وتخرج عن نطاق المهام الطبية المناطة بهم، أو تتعارض مع هذه المهام (المواد 24 و27 و46 من اتفاقية جنيف الأولى، والمواد 36 و37 و47 من اتفاقية جنيف الثانية، والمواد 15-20 من البروتوكول الأول، والمادة 9 من البروتوكول الثاني) .
ج- لا يجوز اتخاذ أفراد الخدمات الطبية والدينية الموجودين أسرى حرب، كما لا يجوز استبقاءهم إلا بقدر ما تستدعيه الحالة الصحية لأسرى الحرب واحتياجاتهم الروحية وعددهم، وفي هذه الحالة يجب أن ينتفعوا كحد أدنى بجميع أحكام اتفاقية جنيف الثالثة بشأن معاملة أسرى الحرب (المادة 28 من اتفاقية جنيف الأولى، والمادة 33 من اتفاقية جنيف الثالثة).
د- على الخصم في النزاع الذي استبقى أفراد الخدمات الطبية والدينية أن يعمل على عودتهم بمجرد أن يفتح طريق لعودتهم وتسمح بذلك الضرورات العسكرية، وعند ذلك لهم أن يحملوا عند رحيلهم كل ما يتعلق بهم وبمهامهم من أشياء ذات قيمة بحسب تقديرهم (المادة 30، والمادة 37 من اتفاقية جنيف الثانية).
هـ- يتوجب على الطرف الخصم تسهيل انتقال موظفي الخدمات الطبية والدينية إلى الأماكن التي يكون وجودهم فيها ضرورياً، لتقديم العلاج والعناية الطبية والروحية للجرحى والمرضى (المادة 15 الفقرتين 2 و4 من البروتوكول الأول)، ويحق لموظفي الخدمات الطبية والدينية، أن يقوموا بزيارات دورية لأسرى الحرب الموجودين في فصائل العمل، أو في المستشفيات، وعلى السلطات الحاجزة أن تضع في تصرفهم وسائل النقل المطلوبة (المادة 28، الفقرة أ من اتفاقية جنيف الأولى).
و- يحق للطرف الخصم تقييد حرية موظفي الخدمات الطبية والدينية لدواعي أمنية وعسكرية للدولة الحاجزة، على أن لا تعيق هذه القيود أداء مهامهم الإنسانية أو يحرمهم من الانتفاع كحد أدنى، من الفوائد والحماية التي تقررها اتفاقية جنيف الثالثة لصالح أسرى الحرب، بالرغم من كونهم لا يعتبرون أسرى حرب (المادة 33 من اتفاقية جنيف الثالثة).
وفي مقابل الحماية الممنوحة لموظفي الخدمات الطبية والحقوق والضمانات المرتبطة بها، هناك مجموعة من الواجبات التي يتعين عليهم مراعاتها (العنبكي، 2010، ص235) وهي:
- عدم الاشتراك في العمليات العدائية.
- تقديم المساعدة الطبية إلى الجرحى والمرضى والغرقى بدون تمييز.
- احترام مبدأ الحياد.
- احترام أخلاقيات مهنة الطب.
- حمل الشارة المميزة وبطاقة تحقيق الهوية.
2- الحماية المقررة للجمعيات الإغاثية والإنسانية التطوعية: ويندرج ضمن هذه الفئات:
أ- أفراد جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، الذين يقومون بمهام أفراد الخدمات الطبية والدينية، ويتمتعون بنفس الحقوق والحصانات وأحكام الحماية المتعلقة بهم، أسوة بسائر أفراد الخدمات الطبية والدينية.
ب- أفراد جمعيات الاغاثة التطوعية التابعة لدولة محايدة الذين تضعهم الجمعية التابعين لها بتصرف أحد أطراف النزاع للقيام بالمهام ذاتها التي يقوم بها أقرانهم، ولكي يكون استخدام هذه المجموعات التابعة لدولة محايدة قانونياً، يجب أن تبلغ حكومة الدولة المحايدة موافقتها إلى الطرف الخصم للدولة التي قبلت المساعدة وأن تقوم الأخيرة بدورها بإبلاغ خصمها، قبل أي استخدام لهذه المساعدة، ولا تعد المساعدة المقدمة على هذا النحو من أفراد الجمعيات التطوعية التابعة لدولة محايدة تدخلاً في النزاع (المادة 27 من اتفاقية جنيف الأولى).
رابعاً- أحكام الحماية المتعلقة بالمدنيين:
وفقا للمادة 50 من البروتوكول الأول، المدني هو أي شخص لا يعد من أفراد القوات المسلحة أو المقاتلين بحسب المفهوم العام للقوات المسلحة ومن في حكمها من مجموعات ووحدات نظامية وغير نظامية، التي تكون تحت قيادة مسؤولة عن سلوك مرؤوسيها قبل أطراف النزاع.
وتعرف (المادة الرابعة من اتفاقية جنيف الرابعة) المجال الشخصي لتطبيق قواعد الحماية بالقول "الأشخاص الذين تحميهم هذه الاتفاقية هم أولئك الذين يجدون أنفسهم في لحظة ما، وبأي شكل كان، في حالة قيام نزاع أو احتلال، تحت سلطة طرف في النزاع ليسوا من رعاياه أو دولة احتلال ليسوا من رعاياها" وتستبعد الاتفاقية بموجب الفقرة الثانية من المادة الرابعة من مجال تطبيقها على الأشخاص الذين استهدفتهم بالحماية في حال قيام نزاع مسلح أو احتلال، الفئات التالية:
- رعايا الدولة غير الطرف أو غير المرتبطة بالاتفاقية.
- رعايا الدولة المحايدة المتواجدون في أراضي دولة محاربة، ورعايا الدولة المحاربة، مادامت الدولة التي ينتمون إليها تحتفظ بتمثيل دبلوماسي عادي لدى الدولة التي يقعون تحت سلطتها.
- الأشخاص الذين تحميهم اتفاقيات جنيف الثلاث (الجرحى والمرضى في الميدان والجرحى والمرضى والغرقى في البحار وأسرى الحرب) باعتبار أن لهم قواعد ونطاق حماية خاص بهم.
وقد تضمن الباب الرابع من البروتوكول الأول قواعد الحماية العامة للأشخاص والسكان المدنيين من أثار النزاعات المسلحة يمكن ايجازها بما يلي:
1- يتمتع السكان المدنيون بحماية القانون الدولي الإنساني، مالم يشتركوا بدور مباشر في العمليات العدائية (المادتان الأولى فقرة 2و51 الفقرة 3 من البروتوكول الأول)
2- تمنع الهجمات ضد المدنيين في أي إقليم تشن منه بما في ذلك الإقليم الوطني الخاضع لسيطرة العدو(المادتين 49 فقرة 2 و51 فقرة 2 من البروتوكول الأول).
3- تحظر أعمال القصاص ضد السكان المدنيين والأشخاص المدنيين، كما تحظر كل الأعمال التي تهدف بشكل خاص إلى بث الذعر في صفوف المدنيين وترهيبهم (المادة 51 الفقرات 2 و6 من البروتوكول الأول).
4- يحظر القصف أو الهجوم على مراكز تجمع السكان المدنيين برياً أو جوياً أو بحرياً (المادة 49 الفقرة 3 من البروتوكول الأول).
5- لا يجرد السكان المدنيون من صفتهم المدنية وجود أفراد بينهم لا يسري عليهم تعريف المدنيين (المادة 50 الفقرة 3 من البروتوكول الأول).
6- تبذل رعاية متواصلة في إدارة العمليات العسكرية من أجل تفادي السكان المدنيين والأشخاص والأعيان (الفقرة 1 من المادة 57 من البروتوكول الأول).
7- لا يجوز التوسل بوجود السكان المدنيين أو الأشخاص المدنيين أو تحركاتهم في حماية نقاط أو مناطق معينة ضد العمليات العسكرية، ولا سيما في محاولة درء الهجوم عن الأهداف العسكرية أو تغطية أو تحييد أو إعاقة العمليات العسكرية، ولا يجوز أن يوجه أطراف النزاع تحركات السكان المدنيين أو الأشخاص المدنيين بقصد محاولة درء الهجمات عن الأهداف العسكرية أو تغطية العمليات العسكرية. (المادة 51، الفقرة 7 من البروتوكول الأول).
8- يحظر الهجوم على المواد الغذائية والغلال والمناطق الزراعية التي تنتجها والماشية ومرافق مياه الشرب ولا يجوز تدميرها أو نقلها أو تعطيلها عن القيام بوظائفها، ويحظر بأي حال أسلوب تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب (المادة 54، الفقرات 1 و2 من البروتوكول الأول).
9- لا يجوز أن تكون الأشغال والمنشئات التي تحتوي على قوى خطرة، والتي يمكن في حالة تدميرها أن تسبب انبعاث القوى الخطرة منها إلى إلحاق خسائر كبيرة بين المدنيين، هدفاً للهجوم حتى ولو كانت أهدافاً عسكرية، كما لا يجوز تعريض الأهداف العسكرية الواقعة على مقربة منها للتجمعات أيضا، إذا كان من شأن هذه الهجمات أن تؤدي الى انبعاث تلك القوى الخطرة (المادة 56 من البروتوكول الأول).
10-لا يجوز وقف الحماية التي تتمتع بها المستشفيات، إلا إذا استخدمت لأداء أعمال لا تتماشى مع الخدمة الإنسانية التي تؤديها، بقصد الإضرار بالعدو ولا يجوز تحت أي ظرف الهجوم على المستشفيات المدنية التي تقدم الرعاية الطبية للمرضى والجرحى والعجزة والنساء النفاس، ويجب على أطراف النزاع احترامها وكفالة احترامها بوسمها بالعلامات والشارات المميزة للمستشفيات، ووضعها بالطريقة التي تمكن العدو من تمييزها بوضوح، ولا يعتبر ضاراً بالعدو وجود عسكريين يعالجون في هذه المستشفيات، أو ذخائر أو اسلحة صغيرة، أخذت منهم ولم تسلم بعد إلى إدارة المشفى، وتسري أحكام الحماية التي تتمتع بها المستشفيات على الموظفين المخصصين كلياً وبصورة دائمة لتشغيلها وإدارتها (لمواد 18-20 من اتفاقية جنيف الرابعة)
11- يجوز لأطراف النزاع المسلح أن تنشئ في أراضيها أو في الأراضي المحتلة عند الضرورة مناطق وأماكن استشفاء وأمان، يتم تنظيمها بطريقة تسمح بتوفير الحماية للجرحى والمرضى والعجزة والمسنين والأطفال دون سن الخامسة عشرة، والنساء الحوامل، وأمهات الاطفال دون سن السابعة، كما يجوز بالمثل لأطراف النزاع اقتراح إنشاء والاتفاق على إنشاء مناطق محايدة عن طريق دولة محايدة، أو منظمة إنسانية في الإقليم الذي تجري فيه العمليات العدائية بقصد حماية الجرحى والمرضى من المقاتلين وغير المقاتلين، أو الأشخاص المدنيين الذين لا يشتركون في العمليات العدائية، ولا يقومون بأي عمل له صفة عسكرية أثناء اقامتهم في هذه المناطق (المادتان 14 و15 من البروتوكول الأول).
12- يسمح أطراف النزاع بمرور إرساليات الأدوية والمهمات الطبية، ومستلزمات العبادة، المرسلة إلى السكان المدنيين للطرف الخصم، وكذلك مرور إرساليات الأغذية والملابس والمقويات المخصصة للأطفال دون سن الخامسة عشرة، والنساء الحوامل والنفاس، وينبغي على أطراف النزاع كفالة واحترام وحماية عمليات نقل الجرحى والمرضى المدنيين والعجزة والنساء النفاس، ووسائط النقل المستخدمة لهذه الاغراض (المواد 21 و23 من البروتوكول الأول).
13- على كل طرف من أطراف النزاع أن يعمل على تسهيل البحث عن أفراد العائلات المشتتة بسبب الحرب، وذلك من أجل إعادة الاتصال بينهم وجمع شمل شتاتهم والتعاون مع المنظمات والهيئات المكرسة لهذا العمل، شريطة أن تراعي التدابير الأمنية التي اتخذها الطرف الذي اعتمدها ورخص لها القيام بهذا العمل. ويتعين عليهم بوجه خاص اتخاذ التدابير اللازمة لكفالة عدم إهمال الأطفال دون سن الخامسة عشرة من العمر، الذين تيتموا أو تفرقوا بسبب الحرب، والعمل على إعالتهم ورعايتهم (المادتان 24 و26 من اتفاقية جنيف الرابعة).

ونحن نرى من خلال العرض السابق أن النطاق الشخصي لتطبيق قواعد القانون الدولي الإنساني يشمل عدة فئات، وهي المقاتلين وأسرى الحرب، والجرحى والمرضى والمنكوبين في البحار، وأفراد الخدمات الطبية والدينية، وجمعيات الإغاثة التطوعية والمدنيين ولو دققنا النظر في هذه الفئات لوجدنا فعلاً أنها تستحق الحماية الإنسانية، فالمقاتل عندما يقع في الأسر أو يصاب، فإنه يفقد صفته كمقاتل، ويصبح من الضروري تقديم شتى أنواع المساعدة الإنسانية له، ونجد أن مساعدته لا تعتبر تحيزاً لطرف ضد اّخر، بل تفرضها مقتضيات السلوك الإنساني، أضف إلى ذلك أن القانون الدولي الإنساني يتصف بالحياد وعدم التمييز، كما أن مساعدة المرضى والمنكوبين في البحار، والأشخاص المدنيين العالقين في النزاع بين المتقاتلين، هو عمل يمليه الضمير الإنساني، وتقديم المساعدة الإنسانية لهذه الفئات لن تتحقق، ما لم يتم تمكين العاملين في تقديم المساعدة من الوصول للمحتاجين إليها، ومن هنا فقد تم تشميل أفراد الخدمات الطبية والإغاثة بالحماية التي يوفرها القانون الدولي الإنساني، ويعتبر من هذه الفئات اللجنة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر التي تلعب دوراً رئيسياً في مد يد العون والمساعدة للمحتاجين إليها، وتعتبر أداة تنفيذية من أدوات تطبيق القانون الدولي الإنساني.

المراجع:
- أبو زيد، عبد الناصر(2003)، حقوق الإنسان في السلم والحرب، دار النهضة العربية، القاهرة.
- بكتيه، جان(1984)، القانون الدولي الإنساني، تطوره مبادئه، جنيف، معهد هنري دونان.
- بن عمران، إنصاف(2009)، دور اللجنة الدولية للصليب الأحمر في تنفيذ قواعد القانون الدولي، رسالة ماجستير مقدمة إلى جامعة الحاج خضر، باتنة، الجزائر.
- حمدي، أحمد صلاح الدين(2002)، دراسات في القانون الدولي، منشورات أولفا.
- دباح، عيسى(2003)، موسوعة القانون الدولي، المجلد السادس، دار الشروق للنشر والتوزيع، ط1، عمان.
- الدمج، أسامة(دون تاريخ)، القانون الدولي الإنساني، آفاق وتحديات، الجزء الثاني، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت.
- ديلابرا، ديفيد(2000)، اللجنة الدولية للصليب الأحمر والقانون الدولي الإنساني، دراسات في القانون الدولي الإنساني، دار المستقبل العربي واللجنة الدولية للصليب الأحمر.
- الزمالي، عامر(1997)، مدخل الى القانون الدولي الإنساني، إصدارات المعهد العربي لحقوق الانسان واللجنة الدولية للصليب الأحمر، تونس.
- سعد الله، عمر(2005)، تطور معجم في القانون الدولي، دار المطبوعات الجامعية، بن عكنون، الجزائر.
- شلالدة، محمد فهاد(2005)، القانون الدولي الإنساني، منشأة المعارف، الإسكندرية.
- صلاح الدين، عامر(1976)، قانون النزاعات المسلحة، دار الفكر العربي، القاهرة .
- عتلم، شريف(2005)، المحكمة الجنائية الدولية، اللجنة الدولية للصليب الأحمر، الطبعة الرابعة.
- عتلم، شريف، ومحمد ماهر عبد الواحد(2005)، موسوعة اتفاقيات القانون الدولي الإنساني، بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالقاهرة، الطبعة السادسة.
- العنبكي، نزار(2010)، القانون الدولي الإنساني، دار وائل للنشر، ط1، عمان.
- عواشرية، رقية(2001)، حماية المدنيين والأعيان المدنية في النزاعات المسلحة غير الدولية، رسالة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة عين شمس.
- الغنيمي، محمد طلعت( دون تاريخ)، الغنيمي في قانون السلام، منشأة المعارف، الاسكندرية.
- فهمي، مصطفى خالد(2011)، القانون الدولي الإنساني (الأسس والمفاهيم وحماية الضحايا)، دار الفكر الجامعي، ط1.
- المجذوب، محمد(2004)، القانون الدولي العام، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت.
- المسدي، عادل عبد الله (2006)، المحكمة الجنائية الدولية، دار النهضة العربية، القاهرة.
المقالات:
- وزارة الدفاع الجزائرية(2007)، مشكلة اللاجئين مأساة لا تنتهي، وزارة الدفاع الجزائرية، مجلة الجيش، العدد 527.
الاتفاقيات والمعاهدات:
- اتفاقيات جنيف الأربع، 12/8/1949.
- اللجنة الدولية للصليب الأحمر، 1981.
- البروتوكولين الإضافيين لاتفاقيات جنيف الأربع، 10/6/ 1977.
- نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، 17/7/1998.

المحامي
م.م أنمار المهداوي



#انمار_المهداوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحقوق الأساسية للمرأة دولياً وانتهاكها اثناء النزاعات المسل ...
- الخطأ المستغرق في جريمة التسبب بالوفاة (دراسة مقارنة)


المزيد.....




- مسؤولون في الأمم المتحدة يحذرون من مخاطر ظهور جبهة جديدة في ...
- الأمم المتحدة: 800 ألف نسمة بمدينة الفاشر السودانية في خطر ش ...
- -خطر شديد ومباشر-.. الأمم المتحدة تحذر من خطر ظهور -جبهة جدي ...
- إيران تصف الفيتو الأمريكي ضد عضوية فلسطين في الأمم المتحدة ب ...
- إسرائيل: 276 شاحنة محملة بإمدادات الإغاثة وصلت إلى قطاع غزة ...
- مفوضية اللاجئين تطالب قبرص بالالتزام بالقانون في تعاملها مع ...
- لإغاثة السكان.. الإمارات أول دولة تنجح في الوصول لخان يونس
- سفارة روسيا لدى برلين تكشف سبب عدم دعوتها لحضور ذكرى تحرير م ...
- حادثة اصفهان بين خيبة الأمل الاسرائيلية وتضخيم الاعلام الغرب ...
- ردود فعل غاضبة للفلسطينيين تجاه الفيتو الأمريكي ضد العضوية ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - انمار المهداوي - مفهوم القانون الدولي الإنساني