أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يوسف المحمدي - بغداد لا تتالمي















المزيد.....

بغداد لا تتالمي


يوسف المحمدي

الحوار المتمدن-العدد: 5024 - 2015 / 12 / 25 - 16:58
المحور: الادب والفن
    


ولازال الحال حالكا بسود وتيه في وجه بكر الذي لم يغير دعائه الناتج عن الرعب من شيئا , فبالكاد أدرك أن الأمر صميم حقيقة مُرة نقلته من وضع مريح إلى قلب تراجيدي يندى له جبين اشد الناس تفاؤلا بالحياة , وقف من على الأرض التي تلاقي بين صُوريين يشكلان زاوية من زوايا جهنم أرضية ذاب فيها ماضي الصحافي بكر زوجته , تلمس الحيطان وجرى مكبلا حين سمع أنين رقيق يعود لزوجته , وكانت كالذين يستعطفون الرب من اجل تعجيل المنية , رغم القيد الحديدي الذي يلاصق بين يديه إلا انه استطاع أن يرتطم إراديا بالحائط , وارتفعت الجلبة ودخل الحرس البيض مفروقين بعساكر تبين سحنتهم السمراء على أنهم جزء من الوطن , وتبين هذا لما نطق احدهم وكان صوته يشابه عويل ذئب يحاول إظهار البراءة :
لن تموت يا ابن الق حبة قبل أن تنال العقاب هنا ,
وكان أن أسقطوه أرضا وقيدوا رجليه وبصقوا على وجهه وجروه لزاويته , وكان المسكين يضحك كأنه يريد الحصول على الجنون , هي الآلام الحقيقية تلك التي يطمح صاحبها للجنون والموت ولا يجد لهما سبيلا , ودارت الأيام على بكر ولم يجد سبيل لفناء عقله ولبث في حجرة من حجرات أبو غريب ينتظر حصة أخرى من التعذيب , وعبثا حاول إبعاد شبهة الولاء لنظام صدام حسين في حلته السياسية , فرغم تأكيده لهم على انه صحفي وشاعر ولا علاقة له بالعمل السياسي إلا أن هذا لم يشفع له فكانت الرهبة والرعب علتين للوصل إلى خلق ما يريد الجلاد الذي يتحدث باسم الديمقراطية وحق الإنسان ,
إي حق لنا الله , أي حق لنا الله , أي حق لنا , هكذا سردها بخفوت يتحكم فيه التعذيب والتنكيل الرهيبين , قالها وركبتيه قربتين لفمه ورائحة القذارة المفعمة بأصوات الاستنجاد تتطفل بدون استئذان على قلبه الرقيق , وبتفكير في ما يحدث لزوجه وفي حال ابنه الصغير الذي ترك في العراء ككل أبناء الوطن الذي تشردوا مع الحرية والتحرير , والظلمة لم تكن لتغيب عن عيون بكر لولا تدخل القدر الذي يعكر وعيه بالنوم , فيذوب في المتناهي أملا من الله ألا يستفيق , ولم يكن يتذكر الله إلا في الأعياد وكان تدركه رومانسيا لا يرقى لعلاقة عبد ورب , وها هي لحظة الموت الذي يأبى القدوم جعلته يستنجد أعماقه طالبا الآجلة , ولم يكن ليفكر في الأجل إلا لحظات فقد كان شاعرا يحب زندقة سكان بغداد الأولين وصحفيا استعلائيا , يكتب في إطار الأرض ورمال الصحراء , وها هو تفكيره امتد ليشمل السماء , والحق أن حياته كانت مليئة بالسعادة التي يتخللها السأم أحيانا , وكان شرها في تقبيل السجائر ومستمنيا ممتازا للكتب وكاتبا هاويا لشعر , الذي يمدح أحيانا السلطة , وكانت زوجته تشتغل في جريدة الثورة , واسمها عائشة , ولتوهما أحيا عيد ميلاد لابنهما أمين , وكان هذا قبل سنة من هبوب جحا فل الدبابات التي ضربت العراق وقلب نظامه , وأغلقت صحفه و أدخلت كل الذين يتخندقون في صف السلطة إلى معتقلات تتشبه بجحيم الآخرة , والأشقياء سيقوا لجحيم الدرجة السابعة , وكان عمر من بين هؤلاء هو وزوجته عائشة , اختبئا في بيته أملا في الحصول على عطف القاصفين , آو انتصار بندقية المقاومة , كان موقنا بأنه سيبقى حيا وكان يفكر في طريقة للخروج مع زوجته وابنه من العراق خصوصا حين عاين شنق صدام حسين , وفي أيام تفكيره بالهروب وقف رجال دين معممون بسيارات يلتصق عليها تمجيد للحسين, وكان معهم قاهرو الطغيان الذين اخرجوا الهنود الحمر من التخلف , ولما فتحت لهم عائشة الباب , رُفعت الأيادي ونُقلا في سيارة المعممين بأعين مغمضة, وكانت أخر ذكرى له مع عالم الحرية هي صراخ ونحيب ابنه الذي تركه للمجهول والذي تخبطت صورته في هواجس بكر الذي لم يبارح التفكير فيه , فكان كل دقيقتين يسال العدم الأصم عن مصير ه , والتعذيب أنساه نوعا ما رابطة الدم , وخصوصا لم استقدموه لغرفة حالكة المعالم , وجاءت بيضاء محمولة بدم حيض ضُرب به وجه عمر الذي صرخ صرخت مدوية غطت عليها ضحكة الشقراء , وجاء ورائها عربي قال بصوت ينم عن استكبار مليء بالتحدي , _ ستخبرنا عن مصير وزير الإعلام
, لا اعرف والله لا اعرف ,
ويقاطعه صوت الصفعة وألمها وكلام الجلاد: , لا تعرفه يا ابن الزنا ستعرفه ألان
ويمسح الرجل يده في الحائط من دم البيضاء , وقاطع عمر الرجل والمرأة بعطف , اغسلوا وجهي , وكان الرد صفعة أخرى قال صاحبها , الحس يد , ولما أدار بكر وجهه جاءه ضَرب بكف على فمه فتخلط دم الفم مع الدموع وكمية لا باس بها من دم الحيض والتصقت كيس بلاستيكي صغير كان يحوي الدم المبستر بعنقه , وأمر العسكري حارسين بالقدوم وجاء وجراه نحوى غرفة أخرى بعدما مر من ردهة مظلمة لمح زوجته في حالة يرثى لها فوجهها الأسمر الصافي تعكر بندوب , وشامتها التي تزين الجانب السفلي من وجهه اختفت , وضعف حجمها وكان هذا الأسبوع تفريغ لسعادة وللمقدرة على التفكير وللوزن أيضا , ولما تقدم اسود نحوها وعانقها وقابلها وهي باكية وخلع سروالها وكشر على جانبها العلوي وظهرت ملابسها الداخلية , وتغاضى بكر النظر لما اقرب الزنجي فمه لصدرها , وبكى بحرقة مستنكرا نفسه ما يحصل ’ وأحرمت عيناه وأغلقهما وصمم في قرار نفسه المحطمة على ألا يفتحهما وحك قدميه مع الأرض غضبا , والعسكريين الاسميين الذين ساقوه احنيا رأسهما أرضا, اخرجوا الخائنة لكي لا يشهد خبث النساء , شريفة يا أبناء الكلب شريفة يا أبناء الكلب جعل يقول هذا بأعلى صوته لما جروه وأعادوه إلى المكان , حيث وثب على ضحكة طويلة لمدة قاربت الخمس دقائق , وجعل ينادي بصوت حزين , ومنظم ينم عن إرادة في قول الشعر , هب يا عزرائيل فان الحياة دميمة , أعيدوني لتاريخ لأعيش , وواصل نظمه العربي الفصيح المختلط باللكنة العراقية , أعيدوني ولو كان كاب العلاء كفيفا , ولو كالمتنبي متملقا , أعيدوني فزمنكم جعل من العاهرات اسود , هي ليست كذلك , هي ليست كذلك , وكان هذه أخر رجة تفصل بين عوالم العقل والجنون وذاب في الأخير, ولم أيقنوا انه لا يتظاهر طلبا لشفقة اخرجوا ورموه في الشارع هو وجثة نقحها الم ولم يترك لها مكان إلا ونبش فيه قطعة تدل على خيانة أبناء الوطن وعلى همجية أنصار الإنسان
ورمي وسط ساحة المولد , ولم يجد قبالته غير جثة مبتورة لا تظهر منها غير الندوب ,وقف ورمقها مليا واتكأ على ذاكرته التي ضعفت بفعل التعذيب وأدله الوعي على انه نفس الشخص الذي سيق للمعقل وعذب وشرب قطرات من دم الحيض قسرا ,وعلى زوجته مجهولة المصير , ربما تكون بين يدهم أو أنها لاقت نفس المصير ,ورأى المارة تمشي وتغدو وخيل له شارع فلسطين منكوبا مملوءا بالرعب والهلع , ووضع يديه على عنق الجثة المستلقية أمامه وتحسس موتها فعاود النظر في الوجوه التي تمر بالجانب , جبناء أو لا يريدون التهور هذا ما يمكن لأي مريء أن يستشفه من نظراتهم الخاطفة ومن مشيهم السريع , ولم يترك له غرقه في جب الحزن التضامن مع رأس ألمستطيلي ذو الوجه الخليط بين السمرة الطبيعية الداكنة وبين الحمرة التي أحدثها التعذيب وكان قامته قصيرة وجسمه نحيف جدا حد الدرجة التي تجعل الإنسان يستنتج ان نحافته ليست طبيعية , وتلاشت صورته من تفكير بكر الذي مشى مترهلا مرعوبا راميا برجل في عالم الجنون وبأخرى في عالم التعقل الرهيب , خطوة , خطوة والمصير مجهولا , ما بهم يتمشون بهذه الطريقة الجبانة, لا ينظرون إلا للأرض , ما لهم لا يتحركون كسلاحف البحر كما كانوا في السابق , يبدو أنها قامت , وهو يحاور نفسه في الوعي ترامت أطراف قريته الذي لا يبعد كثيرا عن شارع فلسطين , وصله ولم يكن بحلته السابقة فبدا مكفهرا رغم سياجه الذي يحوي بعد الورد , بخطى ثقيلة طرق الباب فتراخى الأخير ولما دخل بهدوء ليجده فارغا على أثاثه , ولم يتبين على وجهه شيء من الغضب , وهو يتصفح حال بيته الذي كان يوما ما حاويا لحياة عاديته يتخلله وقت كبير يسعد فيه وجد ورقة مكتوب عليها , ماما بابا لقد ذهبت معهم لمخيم في الأردن ومقره في عمان وهو خاص بالأيتام ,أتمنى أن لا كون واحدا منهم , ومجرد أن أنهى الورقة جرى معوجا للحمام , وبدل ملابسه ودخل حجرة توجد فيها بعض الدولارات والحلي ’ أفخاذها وأسرع لسوق المفلوجة المحتضر , فسافر إلى بغداد بعدما ترك ورقة مكتوب عليها , لن يطول بي المقام في الأردن يا عائشة سآتي انا و يوسف وسنكمل حياتنا , وهكذا تجاوزت الطائرة الأجواء العراقية وحطت في عمان و هناك بحث عمر مليا عن ابنه , في العديد من الدور التي تأوي المهجرين ولما أيقن أن عالم العقل يحاول تسهيل مهمته العصيبة ’ تملكته عوالم الجنون تمام فجعل يصرخ بصوت عالي , سأجدك يسوق’ وأزعج بكر شرطة المرور فامسكوه لوهلة وأطلقوا صراحة , وجلس قبالة مقهى العراق , وتهجم على بعد المارة الذين يرافقون أبنائهم بسباب اللفظي , ولما عاين امرأة برفقة طفل في الثانية عشرة قريبة سحنته لسمرة ولده يوسف جرى نحوه فهلعت المرأة وضمت صغيرها , وكان جني ما اجبره على الرجوع لقد عاد وانزوى بجانب المقهى لما سمع دوي أغنية بغداد لا تتألمي



#يوسف_المحمدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاحواز العربية الديمقراطية قضية الحق المنسية
- المأساة
- مصر .... معالم على الجحيم
- الحكمة الصماء في مواجهة سيد الوجود


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يوسف المحمدي - بغداد لا تتالمي