أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ماجد ع محمد - التعكز الحضاري














المزيد.....

التعكز الحضاري


ماجد ع محمد

الحوار المتمدن-العدد: 5023 - 2015 / 12 / 24 - 15:43
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


معلوم أن هنالك بعض الشعراء يمرون بحالة مَن يعش لحظات الدهشة والانبهار بالعالم المحيط به، وقد تبدو الأمور المألوفة بالنسبة للغير غريبة عليه، أو كمن من صدمته البصرية يغدو وكأنه للمرة الأولى يحظى برؤية الأشياء من حوله، إذ أن هذا الحس الطفولي ربما لا يكون مستقبحاً لدى الشاعر، لأنها قد تمد الشاعر بالصدق والتلقائية والعفوية والبساطة، وبالتالي تندلق الكلمات من ثنايا القريحة وهي رقراقة خالية من أثر السلفِ والتكلف والصناعة.
ولكن عندما يتحول المفكر أو السياسي المخضرم أو المثقف المشغول بقضايا المجتمع الى طفلٍ كبير، فهذه الحالة قد لا تبدو محط سرورٍ لدى كل من يراقبهم، أو مَن ينتظر الحلول منهم، واللا محبذ في الحالة تلك هو التعاطي الصبياني مع المواضيع في الوقت الذي يتطلب فيه الموقف وجوب التعامل الجدي والإدراك التام للأمور من قِبل العاملين في الشؤون الكبرى، باعتبار أن الوعي الكامل هو المطلوب من صاحب الرأي والمشورة وليس حالة اللاوعي على غرار ما قد يمر بها الشاعر وتفيده، والغريب فعلاً هو أن الكثير من مثقفي بلادنا يبدون طفوليين لمجرد أن يطأ بعضهم بأقدامهم أديم دولةٍ ما من الدول الغربية، حتى يبدو الواحد منهم كالغر المنبهر بكل ما يحاق به، فتظن من شدة انبهارهم وتحدثهم باللهفة المبالغ فيها عن عاديات الأمور، وكأن واحدهم قَدِمَ للتوِ من الربع الخالي ووصل مع غبار الصعيدِ الى الفردوس الأعلى.
علماً أن المنطق يقول بأن من يُسكرِه الانبهار بما يرى قد يبقى عاجزاً عن الاتيان بأي شيءٍ يماثلهُ، بل ومن فرط الدهشة قد تتفاجأ أنت الآخر المذهول من ذهول الذي وطئ مضارب ابنة آجينور* وهو يقول: هنا ما كنا نسمعه في كتب الأولين، إذ من نشوة الرؤية قد يبدو فاغر الفاهِ مشدوهاً الى أسخف التفاصيل متنقلاً كالمدله المجذوبِ بين تضاريسها المشتهاة، منبهراً بما يراه من صروح وحدائق وتماثيل، ومن عجب الكشف يغدو بعضهم كالراعي الذي يدخل مدينة الملاهي لأول مرةٍ وهو بحماسٍ يقول: هنا الكلأ كله، هنا مفازات الانشراح، هنا الشرائع الطبيعية على حقيقتها، هنا التآلف بين الكائن والمكان، هنا...، ناسياً بأن الحضارات تصنعها الشعوب ولا شأن للجغرافيا بها، وأن الشعوب هي من تصنع التاريخ حسب الفلسفة الماركسية، وليست الأماكن ومناخاتها مَن اختارت بنفسها لأن تصبح جنات تجري من تحتها الأنهار.
فيما يظل السؤال الذي يرمي بنفسه في حضرة هؤلاء، فيا ترى أين كانت مختبئة عبقرية المدلهين منكم؟ وهل من الممكن أن يخبر المثقف عن انجازاته العلمية أو التكنولوجية أو الفكرية في دياره قبل طرده المزعوم، فيطلع المتابعين على مساهماته الحضارية في بلده ولو على مستوى قريته، ولماذا كان الفطحلُ مستكيناً ولا يُظهر نبوغه؟ وهل منعه من إقامة جنته المزعومة أحدٌ من الناسِ قبل انتقاله الميمون الى المنافي؟ أم أن رمي تبعات الفشل الحضاري للنخب الثقافية على القادة والرؤساء الفاسدين هو من أسهل الأمور، وبالتالي استسهال القصف والانتقاد عن بُعد باعتبار أن "أسهل نشاطٍ بشري هو التحديق في أخطاء الآخرين" حسب قول مريد البرغوثي، علماً أن أغلب المتذمرين والشاتمين عن بُعد ساهم كلٍ على طريقته بتقهقر من هم حوله، وساهم بأسلوبٍ ما على إبقاء مجتمعه على ما هو عليه من تخلفٍ وخرابٍ ودمار لكيلا يفقد واحدهم أوهام مكانته الزائفة في المجتمع الذي رفعه الى الأعلى بالنفخ والتعظيم اللذان استساغهما المعنيُ قبل طيرانه الأخير، بل ومن باب تبرئة الذات من لعنات البلاد وأناسه، يحاول المغترب للتوِ تقديم صورة المواطن الشرقي بأسوأ حُلة، ككائنٍ متخلفٍ غير متطورٍ وبحاجة ماسة للتأهيل الحضاري.
لذا وبناءً على تلك المعطيات التي يشير إليها ويقدمها اخواننا المغتربون للآخر، فمن جهتنا ومن باب تتبع ما يطمحون إليه، نطالب الحكومات الشرقية كلها بفتح حدودها ومعابرها أمام كل راغبٍ بأن يغدو مع الزمن من المتحضرين في أية مقاطعة من المقاطعات الغربية التي ستتكفل بترويضهم على نفقاتها الخاصة في إحدى محمياتها، عسى ولعلها بفعلها ذاك تقوم بتأهيلهم بأسرع مدة ممكنة، فبذلك تخلص القادمين من جهة الشرق من بدائيتهم ووحشيتهم الكامنة، ولكي مع الزمن تجعل منهم بشراً جديرون بالحضارة المعاصرة، وحتى يبدو المواطن الشرقي آنئذٍ مقبولاً من لدن مَن كان جزءًا من ماكينة الفساد والتخلف قبل تأوربه*!!!.
مع أن صاحب العقل المثمر، أو أي عقلٍ مؤججٍ بالحيوية يرى بأن الواقع الذي لا يتشارك المرء بصنعه يكون بمثابة الدخيل عليه، حيث يكون حظه من الوجود كحظ المُطارَد من ذويه، ذلك الذي فر من سربهِ وانضم للسرب الذي يليه، وفي يومٍ حارٍ رأى نفسه في ظلال خيمة شيخ عشيرةٍ أخرى علهُ كأي كائنٍ من كائنات مضاربه يأويه.
وفي نهاية المطاف نقول يا ترى ماذا يُرتجى من شخصٍ يرى نفسه هنا قطباً كونياً فيما هو هنالك لا يزال ينظر الى ما حوله بمنظارٍ طفوليٍّ بدائيٍّ صرف؟ فكيف سيشمِّر عن سواعده ويبني وطناً مَن لا يزال مذهولاً بالذي يراه؟ وكيف سيرسم الاستراتيجيات المستقبلية لبلده من لا يتجاوز عتبة ملذات أناه؟ وكيف سيكون صاحب قرار الحل والربط مَن لم يتخطى حالة العربشة؟ ومتى سيكون صانع مجدٍ مَن لم يتجاوز عادة الحبوِ، ولا هو بقادرٍ على التخلص من خصلة التعكز الحضاري، أليس على من يدّعي بأنه من أعمدة الأمة أن يكف أولاً عن ارتجاء مَن يهتم به كطفلٍ يعوز الرعاية والاهتمام، وهنا ليس القطب وحده من نقصده طبعاً، إنما ومعه كل مَن كانت حالته في ديار الآخر تبدو للناظرين وكأنه كائنٍ لا يزال يمر بمرحلة الطفولة في الرؤى والأفكار والحاجات والتصورات؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ *أوروبا حسب الميثولوجيا اليونانية، هي إبنة آجينور ملك صور الفينيقي، وفينيقيا جغرافياً وفق أيامنا هذه تشمل المناطق الساحلية في كل من لبنان، فلسطين، سوريا، وقيل بأن القارة الأوروبية سميت على اسمها.
ـ *المتأورب: هو الشرقي الذي ولمجرد أن يغدو ضيفاً على فضاءات أوروبا حتى يبدأ بجلد بني جلدته بسياط الحضارة الغربية بدلاً من المساهمة في اصلاح ولو نفرٍ واحدٍ منهم.



#ماجد_ع_محمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المُنهارُ وعوائد السقوط
- الذريعة ومنافعها
- أحمد سعيد: العلويون اختاروا النظام خوفاً على ذواتهم وليس حبا ...
- متعلقاً بأهدابها
- عندما نناهض ما ندعو إليه
- الأوهام وزارعيها
- دونك أو دونه
- ما بين الخنوع والإباحية
- أكثر ما يؤلم الحمار
- من السهروردي الى أشرف فياض
- ليلى زانا والقَسمُ الكردي من جديد
- أطفال سوريا في يوم الطفل العالمي
- المتضرر الحقيقي من الحرب لا يمتلك ثمن الوصول الى أوروبا
- جاذبية متن الدواعش
- عندما يستهدفك اخوانك
- ماذا لو تغيرت قاعدة التضحية؟
- أسرع الناس اندماجاً
- كن مثلكْ
- الاقتداء ببائعة الجسد أم بالمثقف؟
- سوريا تحتاج الى سنين لكي تكون مكان آمن للعيش فيها


المزيد.....




- قائد الجيش الأمريكي في أوروبا: مناورات -الناتو- موجهة عمليا ...
- أوكرانيا منطقة منزوعة السلاح.. مستشار سابق في البنتاغون يتوق ...
- الولايات المتحدة تنفي إصابة أي سفن جراء هجوم الحوثيين في خلي ...
- موقع عبري: سجن عسكري إسرائيلي أرسل صورا للقبة الحديدية ومواق ...
- الرئاسة الفلسطينية تحمل الإدارة الأمريكية مسؤولية أي اقتحام ...
- السفير الروسي لدى واشنطن: وعود كييف بعدم استخدام صواريخ ATAC ...
- بعد جولة على الكورنيش.. ملك مصر السابق فؤاد الثاني يزور مقهى ...
- كوريا الشمالية: العقوبات الأمريكية تحولت إلى حبل المشنقة حول ...
- واشنطن تطالب إسرائيل بـ-إجابات- بشأن -المقابر الجماعية- في غ ...
- البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ماجد ع محمد - التعكز الحضاري