أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - مسعود محمد - مطران الانسانية ... غريغوار حداد















المزيد.....

مطران الانسانية ... غريغوار حداد


مسعود محمد

الحوار المتمدن-العدد: 5023 - 2015 / 12 / 24 - 08:25
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


صبية يافعين مليئين بالحماس والاندفاع، نحمل شعار جمول ونفتخر انها من كل الوطن الى كل الوطن بهذه الصفة التقيت به مع بعض الرفاق اول مرة.
ناديته بسيدنا، قال لي ناديني غريغوار، خجلت وقلت له دعني على سجيتي، راحتي بأن أناديك سيدنا، بادرته بسؤال فوري وقلت له هل صحيح انك مطران أحمر، ضحك وقال " شايف لوني احمر شي" كانت روح النكتة لا تنقصه، وحاضرة عندما يستدعيها. قال لي يومها انا إنسان مثل كل البشر همي الأول والأخير هو الحفاظ على الانسانية. كانت تجمعه صداقة بخال الوالدة جميل محو فرح عندما عرف صلة القربة بيننا وقال لي " كان إنسانا منع التعديات في منطقته حافظ على تنوع منطقته وحمى حتى يهودها" سألني يومها عن الهم الكردي واكراد لبنان، وسألني عن أكراد العراق وفاتحته بهموم أكراد ايران، واتفقنا على جلسة خاصة نحكي فيها انا وهو عن وضع الأكراد عامة، كان رغم ثقافته العالية، ومكانته الخاصة، متواضعاً يستمع إليك باهتمام، ويستفسر عن التفاصيل. كان المطران حداد زاهداً بالدنيا ومظاهرها بعكس رجالات الكنيسة، تخلى عن زينة الدنيا وتمثل بالانسان الأرقى السيد المسيح بتواضعه، كان رجال الكنيسة يتململون من بساطته وفقره وافتقاره الى مظهر الأبهة، ومن انه لا "يمثّل" خير تمثيل مركز مطران يترأس اكبر ابرشية للروم الكاثوليك في البلاد العربية واهمها، عدديًا واقتصاديًا. والأب غريغوار حداد (هكذا رغب في ان يدعوه الناس) كان واحدًا من المطارنة الذين وقّعوا وثيقة يتعهدون فيها ممارسة الفقر في حياتهم الشخصية، وقد صدرت تلك الوثيقة في الدورة الاخيرة للمجمع الفاتيكاني الثاني عام 1965، لذلك لقب المطران حداد بالمطران الاحمر فهو كان أقرب الناس لرعيته وخاصة الفقراء منهم كان يهتم بأوضاعهم ويوئيد قضاياهم، فاصبغوه بصبغة اليسار ولونها الأحمر، أما لسان حاله فكان كلسان معلمه الأول السيد المسيح الذي قال " لا تدعوا لكم على الارض احداً سيداً، ولا معلّماً ولا أباً، لانكم كلكم اخوة". كان يحب ان يكون أخاً للجميع.
ابرز الشعارات التي حملها المطران حداد وطمع من خلال حركته لتأسيسها وجلبت له الكثير من العداوات كانت " علمنة المجتمع ... العلمانية" وكان يضعها على رأس أولوياته ويليها " اللاحزبية، اللاطائفية، اللاعنفية، اللاارتجالية، اللاانعزالية"، قضى ردحاً من الزمن وهو يثقف المجتمع والأجيال على تلك القيم، كان يرى بالطائفية علة العلل ومدافع عن العلمانية حتى الرمق الأخير حتى تظنه ليس برجل دين، وتكاد تقتنع إنه أحمر، الا ان الصفة الأحب لنفسه كانت "الانسانية" كان بكل تواضع إنساناً راقياً كمعلمة الأول السيد المسيح.
" الحوار" كلمة كان المطران حداد يرددها بنغم موسيقي، فهو يؤمن بان الحوار حق لكل الناس ومن حقهم التشكيك حتى يؤمنوا فيكون إيمانهم نابع عن قناعة، مع أن رجال الدين والكنيسة عموما تعتبر الحقائق التي تنطق بها مقدسات لا نقاش فيها الا انه كان يقول هذا رأيهم هم وليس رأيي أنا. رأيهم أنهم يستطيعون قول الحقيقة النهائية. رأيي أنا واتجاه الكنيسة عالميا اليوم هو الى نوع من التعددية"pluralisme" ,وهذا يفتح باب الحوار واسعاً فلا شيء مطلق و نهائي.
كانت الصورة الأجمل للسيد المسيح بذهنه هو المسيح الانسان، الذي لم يمح اللاهوت رغباته البشرية، مثل الرغبة في النوم، وفي الطعام، وفي أن يحزن، أن يفرح، أن يكتئب. كل المشاعر الطبيعية، ولكن بلا خطية، وبلا مشاعر خاطئة أو منحرفة أو شريرة..، فاللاهوت لم يلغ إنسانية السيد المسيح، فإن اللاهوت لم يلغ الرغبات الطبيعية لطبيعتنا في السيد المسيح ولكنها كانت في حالة انسجام تام مع الرغبات الإلهية، مثل خلاص البشرية والفداء. لم يكن هناك اصطدام بين الرغبة البشرية (والإلهية) لذلك بإرادة واحدة اتخذ المسيح قراره بأن يُهان ويصلب، بالرغم من انه بحسب بشريته، كانت هذه الأحزان والآلام كلها أحزانًا وآلامًا حقيقية، فقد قال {نفسي حزينة جدًا} إذًا اللاهوت لم يلغ فيه إحساسه بالألم وشعوره بأن الخيانة شيء مؤلم.." وهذا كان يشكل فرق كبير بين كيف كان يرى المطران حداد السيد المسيح كإنسان اله، وبين الكنيسة التي تألهه، وتجرده من صفاته الانسانية. كان يقول انه دعا دعوته على الارض ولأهل الأرض لذلك كان يؤمن ان كل ما يفعله يجب ان يكون له جذور في الارض وتأثير فيها. كان يقول انه عندما يقول يقول السيد المسيح "مهما صنعتم لاخوتي هؤلاء الصغار فلي صنعتموه" هذا يعني انه يجب ان نعيش بين الناس الحقيقة التي نؤمن بها، لذلك التصق بالناس وبقضاياهم، فكان إنساناً
تقدمياً الى حد المثالية يجعلك حائرا، بين انتمائه الكنسي، والصبغة الحمراء التي حاولوا إضفاؤها عليه، لَبْس حباً به بل لإخراجه من الهيكل الكنسي وبالتالي إلغاء أفكاره التي تهدد الأبهة التي تحيط بالاكليروس. ايمانه بالانسان كقيمة مطلقة يختصر مسيرته. لكن هذا الايمان ليس الا عنوانا لعناصر متشعبة من حوار يختزل العديد من نقاشات الفكر الفلسفي والسياسي على مدى سنوات، كان همه الأول والأخير أنسنة المجتمع، وتحويل الكنيسة من إطار ملزم مبني على التسليم دون نقاش، الى إطار للنقاش يؤسس للإيمان.
كان يقول في الجلسات الممتعة معه عندما تسأله عن الكنيسة ونظرتها للمسيح " لسوء الحظ، فُهمت المسيحية تاريخياً خطأ، على أنها كنيسة،او مجموعة كنائس متناقضة أو متباينة على الأقل، وهذا اختزال مدمّر للمسيحية مناقض لطبيعتها الأصلية. فعندما تكون المسيحية كنيسة يصبح المسيح مسيح جماعة معدودة بأشخاصها وبطقوسها، والمسيح لم يقدّم طقوساً لأحد ولم يأت لجماعة تحتكره لها وفيها، وكأنه زعيم عصابة أو مسيح فئة ضد فئة معاكسة. وهذا الخطأ ترجم سابقاً بأن المسيح أتى لبعض الناس، أي للمسيحيين، بينما الآخرون مصيرهم الهلاك والجحيم. وحقيقة المسيح أنه خلاص مطلق للبشرية جمعاء، رحمان رحيم. فهو للبشر كافة بمساواة كاملة".
كان الحوار المسيحي الاسلامي، والتقريب بينهما أحد هموم المطران حداد،
كان يظن ان قدر المسيح كان ان يصلب ويموت ويقوم من جديد ليطلق مفهوماً جديداً للانسانية، كان يستشهد بقولاً للسيد محمد حسين فضل الله، ينكر فيه اختلاف المسلمين مع المسيحيين حول حقيقة السيد المسيح فكان السيد فضل الله يقول " ان يقال نحن والمسيحيون مختلفون فذلك خطأ. فهم يقولون إن المسيح صُلب ومات وقام. ونحن المسلمين نقول رفعه الله إليه". تلك تعابير مختلفة لحقيقة واحدة. المسيح الحي القيّوم". كان المطران حداد يرى أن تطور الفهم المسيحي والإسلامي يرسم قدرهما معاً وهو اللقاء في توحيد الله والمسيح القيّوم. فيقبل كل منهما الآخر ليكون الإيمان الواحد في الله الواحد الكلمة الأزلية، وإن تعددت تعابيرها عبر العصور والحضارات والأجيال.كان المطران حداد يدعو المسلمين الى أن يتعمقوا في الإسلام والمسيحيون للتعمق في المسيحية ليدركوا أن المسيح يجسد علاقة الإنسان بالله الواحد الأحد الفرد لا إله إلا هو.
سأل المطران حداد في أحد المقابلات ان كان يخاف على مصير المسيحيين في ظل هذا التشدد الاسلامي الذي يحيط بهم، وهل يخاف ان يقتلع مسيحيو الشرق من منطقتهم اجاب " نعم، أخشى من هذه التطورات العربية على المسيحيين الذين اختزلتهم المسيحية التاريخية في كنيستها ولم يتكشفوا روح المسيحية الحقة انطلاقاً نحو الآخر بحبٍّ. هذه المسيحية الروح الكاملة للقاء المتجسدة في كل إنسان وفي كل فرد بلا استثناء. هذه المسيحية الأصيلة لا أخشى عليها مطلقاً مهما كانت الظروف، لأنها بقوة الحب تقهر التحديات وتنتصر عليها".
انعم الله علي وعلى الكثيرين من أبناء جيلي بالتتلمذ على يد إنسان يشبه المسيح بإنسانيته، سنفتقد تحديه الأبوي لنا بحوارات تساعد على التفكير بعمق وتحدي العقل لينتج الأفضل، كان ملهماً ومحفذاً للثورة، وللخروج عن قواعد التفكير التقليدية. ترك للأجيال القادمة ارثاً يشكل مادة خصبة للحوار، هو المسيحي المسلم، المؤمن بالله الواحد العلماني الزاهد، نصير الفقراء، ابهته كانت بتواضعه، رفعه محبيه الى اعلى المقامات نادوه بأخي كما أحب المسيح بأن ينادى.



#مسعود_محمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ايران تعيش بثروات الأهواز ... انا عربي ولست فارسي
- جبران ... قتله قسم الوحدة
- المستقبل والقوات ... تفريط بالسيادة والاستقلال
- بيار امين الجميل .... كلنا للوطن
- ايران تعدم معارضيها ... والغرب يتجاهل
- حسين همداني ... مجرم باعتراف النظام
- دواعش الكرد
- روحاني روح النظام ... إعدامات بالجملة
- سيدي هاني فحص ... طال ارتحالك ما عودتنا سفرا
- حزب الله سرق الإنجاز ولكنه لن يسرق التاريخ .... جمول
- أمريكا كروسيا وايران ... لا تريد إسقاط داعش
- بيجاك ... الكونفيدرالية والديمقراطية لإيران
- علاقة PKK بايران بعد كوباني ليست مثل قبل كوباني
- بالاني القيادي في كومله الكردستاني ايران الدول العربيه انبطح ...
- خامنئي أمر باغتيال د.قاسملو ... حزبه باق والنضال مستمر
- داعش برعاية الائتلاف والمجلس الوطني السوري
- الى جبران خليل جبران وفيروز ... لبنان لا بلد ولا أخضر
- تطهير عرقي لا تطهير ... سوريا تترنح بين الوحدة والتقسيم
- هل تتكلم تركيا بالكردي ....
- في الليلة الظلماء يفتقد البدر ... مشعل الثورة


المزيد.....




- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...
- بعد اقتحامات الأقصى بسببه.. ماذا نعرف عن عيد الفصح اليهودي ا ...
- ما جدية واشنطن في معاقبة كتيبة -نيتسح يهودا- الإسرائيلية؟
- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...
- -تصريح الدخول إلى الجنة-.. سائق التاكسي السابق والقتل المغلف ...
- سيون أسيدون.. يهودي مغربي حلم بالانضمام للمقاومة ووهب حياته ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - مسعود محمد - مطران الانسانية ... غريغوار حداد