أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سارة شريف النطار - -1940-















المزيد.....

-1940-


سارة شريف النطار

الحوار المتمدن-العدد: 5019 - 2015 / 12 / 20 - 09:33
المحور: الادب والفن
    


إنه شتاء نيويورك القارس ،يرسم ببخار الماء مع كل فم يفتح،" ألف و تسعمائة و أربعون"أراها تتصاعد ببطء كأن عقرب الساعه توقف أو كسر ،تنساب إلي أذني أصوات مثل أصوات ترانيم الكنيسة بكلاسيكيتها، خيالها، غرابتها، ألف و تسعمائة و أربعون.
سيدتي أنتبهي ! لا. ربما عقرب الساعه كسر حقا، و لكن الآن الزمن أسرع، الجميع علي عجلة .ضجيج أمطار ،رعد، كأن أمرا غريبا سيحدث.
يخرج من كل مدخل لشارع عازف كمان، و بانسيابية يبدأون بإسالة النغمات ،حتي كادت تغمرني حد الغرق.تبدأ هادئة شجية ،و تزيد صخبا، فتبدأ الشوارع بالاهتزاز، و الوجوه بالشحوب، و أراني أسارع لا أعرف إلي أين .تلوح لي فتاة عشرينية، بنمط كلاسيكي راقي ،و ابتسامه هادئة، تقترب ببطء، ثم ما تلبث أن ترفع بيديها فستانها و تدور بانسيابية في دوائر محدثة دوامات، كلما اقتربت مني اتسعت أكثر، تكاد تدخل مجالي و تهزني كليا .
مدت يدها لتلامس وجهي برقة، و اختفت سريعا .لا اعرف من أين جائت و لا إلي أين ذهبت.
"استقيظ أنت تعطل السير أيها المعتوه"
ماء رطب يغطي جسدي كله،إنها تمطر، و أنا ممدد إلي الأرض ،لكنه الليل بلهيب الحنين ،باضاءته المرسلة إلي أعماق الروح، يستدعي أن أنام وسط الطريق ،و استسلم.
هل أنا حقا مجنون؟!
كل شئ يتساقط ،الجدران،الأرصفه تقتلع من مكانها.
يبدأ المكان بالتقلص و الإختفاء تدريجيا، و لا يبقي سوي الفراغ.
لا أعرف شيئا، لا اشعر بشئ، سوي بقايا من احساس، أظنني قد نسيته.
* * *
تبدأ الترانيم من جديد، لكنها الآن في قداس الموتي .يبتسم رجلا من بعيد ،ذو ذقن بيضاء قصيرة مدببه، ووجهه هادئ قليل التجاعيد ،يلبس زيا تقليديا، يسير بطباطؤ يكاد يكون متعمدا . يترنح و يخرج من بين الصفوف الغارقه في الدموع ،لكن العجيب أن الفراغ بينها ضئيل جدا !
في لمح البصر أجده أمامي صارخا، حانقا، أشعس الشعر، مهمل الهيئة.
"أيها الوغد أراك تلحق بي الآن .أتذكر ألف و تسعمائة و أربعون" ينطقها و كأن صوته يبدأ بالتدفق إلي الداخل ،و تتغير هيأته إلي بعض الموجات، و يهوي الرجل ساقطا.
أتراجع سريعا للخلف فأسقط بقوة، و أجد نفسي داخل النعش الملئ بالنقوش!
إنها رسمه لأحد جنود الحرب العالمية الأولي،مقطوع الرأس ،إنه ذبح للتو علي يد ذلك الرجل الآخر، الواقف في شراسة،
لكن المثير للريبة أنه ليس جنديا!

* * *
ما بين أنا و الحقيقة. أنا إنسان متفرد له كيان خاص ،و الحقيقة التي أشعر حيالها أني مجرد عازف كمان، يستجدي العطاء من الماره .فالأوبرا ليست لأمثاله ، إنها للمعدون علي أيدي أمهر العازفين .كنت كل ليلة أراقب نهاية حياة ذلك اليوم ؛ يتهاوي بين الإضاءه البرتقالية المحركه لعصا الكمان. لكنه ليس تحريك كأي تحريك، إنه صراخ الكمان، يريد أن يشق الأرض، و يخترق السماء،
ليجد الأنا المفقوده.
في وسط خضم أفكاري مع الكمان، أراقب الماره. السكير ،و العربيد، ،الحالم ،و الباحث ،الأبله الذي لا يعرف إلي أين ..
آه يلوح لي منزلي من بعيد ،أو قد تقول تلك الغرفه الصغيره، المكونه من سرير قديم مسود الأغطيه، و دولاب صغير يتهاوي أدرفه كل حين، حيث اعيد تركيبها، تلك الجدران المغطاه بسواد الأبخره القادمه من الخارج .إنه الممر الذي أسكن فيه ،
ياله من ممر ملئ بالصخب و الألفاظ الدنيئه، كيف لا يملئ بكل هذا ؟ و تلك الأبخره تغطيه عاليه سافله. إنها صاعده من تلك المداخن حيث يصنع العمال الصغار بعض الحرف، لكنها لا تكتمل دونما النار تبقي أثرها عليها.
آه حتي أنت أيها المسيح! -إنه تمثال للسيد المسيح معلقا علي الحائط- لكن لم تغفر له الأبخره هو أيضا؛ و لا حتي الجدران المهترئه الطبقه الخارجيه .
ما زلت أقترب ،لكن ذكري الغرفه ليست بالذكري السعيده ،التي تجعلني أسرع أكثر.
إنها الحانه الفقيره المناسبه لأمثالي،
حيث عامله البار ذو السواد الكحيل حول عينيها، الذي طاله الذوبان ليصنع هاله سوداء قاتمه حول عينيها؛ و أحمر الشفاه الصارخ، و الشعر المتفرق الخصلات .تسرع من طاوله إلي أخري حامله ابتسامات محمومه .
عندما رأتني هرولت إلي سريعا، علي اريكتي الغير صالحه للجلوس اطلاقا. لكنها إلي جانب الشباك الأرابيسكي، الذي صنعه عامل عربي منذ خمسون عاما، حينما كانت الحانه للأغنياء و كبار الزوار. لكن يال العجب! تفلس و يحدث لها ما يحدث، لأجلس أنا هذا المجلس .
تكونت غيمه من الأحاديث بيني و بينها، تكاد تمطر الشمبانيا من كثره ما شربنا .طالما حدثتني عن عملها و كيف تكرهه. أو بحثها الطويل عن الإحترام ؛إلي جانب الماضي الذي لا يغتفر .تظل دائما تحضره لتواسي نفسها و تشعر كم هي ضحيه؟
هذه المره قبل أن تنهض وضعت بعنف جريده اليوم و مضت دون أن تنبث بكلمه.
لم تهمني كثيرا، حتي كدت ألا أطلع عليها، لكنها تحركت بفعل بعض تيارات الهواء و اصبحت أمامي مباشره.
الإنتحار
الموت
القتل
-آخر طريق العبثيه-
برقت عيناي ،و أصبح وجهي ثابتا بلا معالم، كأنما تلك الكلمات أثارت في نفسي ما حاولت إخفاءه منذ مده طويله؛ حتي ظننت أنه قتل.
خرجت ساخطا من ذلك المكان أطوي الأرض في غضب .كيف أن أذهب بهذه البساطه من تلك الحياه .
في لحظه أنتهي كأن شيئا لم يكن ،أظل عابثا لا ألوي علي شئ،أظل عربيدا متسكعا في الشوارع ،حالما بمئات الأساطير و الفلسفات الإنسانيه ،ظانا مني أني امتلك ذلك العالم ،بل ذلك الكون ،لكن في حقيقه الأمر ما أنا إلا لا شئ .
و بعد كل ذلك دون إذن مني أرحل. رحيلا مهينا ،أو قل حتي مشرفا، ما الفرق؟
مادام الأمر كذلك، إذن لأزعزع ذلك العالم قبل رحيلي، و حتي بعده.لترتعد أرجلهم و يتصبب عرقهم، ليذوقوا ما ذقته و لو لحظه، رغم أني أشك أنهم يستطيعوا أن يفكروا حتي .
هم كالقطيع سواء في الإشتراكيه، فوجودهم من أجل تيسير عجله الدوله و الحياة فقط . حتي تدهسهم تلك العجله بحماقتهم .
أو حتي الرأسماليه داعيه الفرديه. رافعه شعارات عن النجاح الشخصي و التميز .مازالوا كالقطيع لا يسعهم سوا العمل أكثر و أكثر و حتي بذكاء ، و لو شديد لكنه لماذا ؟ ليس إلا لأهداف دنيئه، قطيعيه بحته .لا تحمل أي معني إنساني، أو حتي معني يسود العالم، معني يوحي بروعه أن تحيا.
الناس تتجمع اليوم علي غير العاده .
و الكمان في أوج عهده فلم يعد وحده، المايسترو و العازفين أيضا .أنضممت إلي مجموعه جديده من الشباب المجانين ، كذلك يطلق عليهم من الأرستقراطين. لكن ذلك وحده لم يكن كافيا للفت الأنظار .إنها وقع أقدام تلك الفتاه "فتاه الحانه" تعدد عشرات الرقصات من حضارات مختلفه، في وسط انبهار الجماهير .
يتعالي الصراخ ،و أشعر أني كنت عابث بعد كل تلك الخيالات ،و الأفكار المليئه بجنون العظمه .
تتوقف الفتاه مع انتهاء الرقصه و تصفيق الجمهور،لتتحدث كما لم تتحدث من قبل .في ثقه مبالغ فيها و نظره زعيم من الزعماء.
"كل شئ يتبدل .لم أؤلم أحد يوما إلا نفسي. و لن أسمح لأحد أن يؤملني ثانيه .كنت أظن أن الأحترام أرقي مذاهب الشرفاء .لكنه كثيرا ما هو إلا وهم من الضعفاء. يضفونه كالعطر علي باقات الاستجداء من الشرفاء لتصبح أكثر تأثيرا. لقد وجدت ما هو أرقي؛ الذات ."
صرخت ضاحكا حتي البكاء .الجميع أغبياء و أنا أولهم..
مهما كان ما حدث في ألف و تسعمائه و أربعون .مهما كانت من رغبات متعطشه لجعل الآخرون يشغلون رأسهم الفارغ و يملؤن يومهم الرتيب ببعض الإثاره .فإني كنت هناك و مازلت عالقا!



#سارة_شريف_النطار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- - السادية من منظور مختلف -
- - النزع الأخير-
- - الهروب اللاواعي -
- -خواطر لم تكتمل بعد ! ٢-;--
- -العالم بين يديك.لكنه في وجودي أنا!-
- - الوجه الآخر للعنف -
- -خواطر لم تكتمل بعد !-
- -الساحر٢-;--
- زهرة شباب متوحشة!!
- رسالة إلي الله
- دماء تنذر بالسعادة!!
- الساحر (مسرحية من فصل واحد)


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سارة شريف النطار - -1940-