أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الإله السباهي - كورسكي















المزيد.....



كورسكي


عبد الإله السباهي

الحوار المتمدن-العدد: 5019 - 2015 / 12 / 20 - 02:34
المحور: الادب والفن
    


كورسكي
كان زحام المسافرين شديدا ذلك اليوم في محطة القطار( كورسكي فكزال) الوقعة في وسط موسكو، وبعد أن وصل القطار وتوقف عند الرصيف المحدد له راح المسافرون يتدافعون من أجل ولوج العربات قبل غيرهم، فعدد المساطب التي في العربات لا تكفي الحشد الكبير الهارب إلى الريف من زحمة الحياة في صيف موسكو فيضطرون عندها إلى الوقوف طيلة السفرة داخل العربات التي تظل تهزهزهم حتى المحطة التي يقصدونها رغم أن سكة الحديد التي تسير عليها القاطرات من النوع الحديث العريض.
لم يدرك سعد اللعبة فراح ينتظر دوره بأدب مبالغ به في الصف الذي انفرط بمجرد وصول القطار إلى الرصيف فصعد إلى العربة بعد أن صعد الجميع قبله وظل يبحث عن مكان يجلس فيه طيلة السفرة إلى ( أوريخوفا زويفا) والتي تبعد عن موسكو بحدود الساعة والنصف في ( الالكتريجكا) وهي القطارات الكهربائية التي تربط العاصمة موسكو بالضواحي ودون جدوى.
راح سعد يذرع العربات الواحدة تلو الأخرى علّه يجد مكانا يسند فيه جذعه على الأقل أو يضع فيه حقيبته التي أثقلت ظهره رغم صغرها ولكن كل المساطب كانت مشغولة والمكانات التي يمكن الوقوف فيها ليسند ظهره عليها مشغولة كلها أيضا وأخيرا وقف بجانب فتاة جميلة في مقتبل العمر كانت قد تعودت حشر نفسها كيفا اتفق وفي يدها كتاب كعادة الروس والتي لم يرى سعد مثل تلك العادة في أي مكان قصده في حياته فلم ير فردا روسيا دون كتاب حيثما يمم وجهه في عربات المترو أو الترام والباصات وحتى في طوابير الوقوف لشراء المواد. كل فرد في يده كتاب وقد إنغرست عيونه بين أسطره ولا ير غيره، انه ادمان يثير الحيرة، حتى في هذا الزحام وفي هذه الاهتزازات تقرأين كتابا يا آنستي الجميلة راح سعد يحدث نفسه!
أخذ سعد يتطلع بالكتاب الذي تقرأه الفتاة عله يجد صورة أو أي علامة ترشده لما تقرأه الحسناء فارعة الطول هذه وسط هذا الزحام، ولكن دون جدوى فالكتاب يظهر من الكتب الجديّة كصاحبته، لقد كتب بأحرف صغيرة لا يعرفها إلا الروس، وبعد أن رأت الفتاة فضول الشاب الذي في جوارها راحت تطلعه على الكتاب لترضي فضوله فيكف من مضايقتها ضانة إنه من (حشريّ) جمهوريات الجنوب .
ترك سعد الكتاب وراح يتطلع هذه المرة بالفتاة علها ترضي فضوله الذي أخذ يكبر فأخذ يتفرس بها من حذاء الرياضة إلى الخصر النحيل إلى الصدر الناهد وحتى مشد الشعر الذهبي الذي افترش مساحة كبيرة على الأكتاف.
لم تصمد الفتاة أمام نظرات تلك العيون السود الساحرة التي راحت تفترسها فقدمت نفسها له أنا (نتاشا) ما الأسم الكريم؟
لم يفهم سعد طبعا ما قالته الفتاة ولكنه قدر ذلك وأجابها بلغة انجليزية طليقة، اسمي سعد، ارتبكت الفتاة وراحت تجرب مخزون الكلمات الانجليزية التي تعلمتها في المعهد الذي تدرس فيه الرسم الهندسي دون جدوى.
أنطلق سعد يحدثها بطلاقة ليعرفها بنفسه ويشتكي لها ما يعانيه من الوقوف طول الطريق في العربة وحيرته في الوصول إلى العنوان الذي يقصده معرجا على اعجابه بها ولكن ناسيا أنه يكلم فتاة لا تعرف من اللغة الانكليزية إلا النزر اليسير تعلمته كيفما اتفق وبالطريقة الروسية !
لم تستوعب نتاشا من كل ما سرده سعد سوى اعجابه بها وهذا ما تريده طبعا. ولكنها ظلت محرجة في متابعة الحديث معه ربما بسبب الضوضاء او بسبب قلة مخزونها من مفردات وقواعد اللغة الانكليزية أو ربما محرجة أصلا بالحديث مع شخص أجنبي في هذا الزحام ولم تدم رحلتها طويلا فقد وصلت إلى محطتها المطلوبة ولكنها أخذته من يده معها فنزلا بسرعة كون القطار لا يتوقف هناك طويلا وقد تفوتهم المحطة و سعد أسلم أمره لهذه الحسناء دون نقاش أو تردد شعاره ليكن ما يكن ففي كل الأحوال سوف لن يخسر شيئا يا سعد سواء أوصلتك إلى مكانك المطلوب أو احتفظت بك لنفسها فكله يعد ربحا وراح يجرب سياسة الامر الواقع!
بعد أن اصبحا على رصيف ( أوريخوفا زويفا) راح سعد يطمئن على الحقيبة التي أثقلت ظهره وعلى قنينة ( الوسكي) بشكل خاص والتي ظل يحملها طيلة السفرة.
أجلست نتاشا سعدا على المسطبة الخالية التي على الرصيف وجلست معه ليلتقطا أنفاسهما ولتتعرف عليه من جديد بشكل موثق .
كان رصيف المحطة فارغا من الركاب فنتاشا وسعد هما الوحيدان اللذان نزلا في تلك المحطة والكل واصل سفره إلى أعماق غابات موسكو التي لا ترى لها نهاية.
أخذ سعد يعرف نفسه من جديد بشيء من التفصيل اسمي سعد جئت بالأمس من كندا قاصدا زيارة عمي الذي يعيش في موسكو ولم أجده في بيته حسب العنوان الذي معي وهناك أخبرني جاره إنه قصد البيت الصيفي الذي يمتلكه في تلك الارجاء ليقضي بضعة أيام فيه هذا كل ما فهمته من حديث الجيران وبصعوبة وأعطاني هذا العنوان وطريقة الوصول إليه وقضيت ليلتي في فندق قريب من محطة القطار وهناك تبرع العديد من الروس في ايصالي إلى محطة القطار الذي كنا فيه رغم جهلهم باللغة الانكليزية التي لا اعرف غيرها من لغات الغرب، والله إنكم شعب رائع! وأخرج سعد ورقة كتب عليها عنوان المكان الذي يقصده مكتوب باللغة الروسية ولكن بخط اليد تشابكت حروفه فلا تميزها بدقة وأعطاه إلى نتاشا علها تسعفه في حيرته تلك. فرحت نتاشا عندما قرأت العنوان كونها تقصد مكانا قريبا جدا من ذلك المكان الذي يريده سعد فتبرعت بايصاله إلى هناك قائلة له:
إطمأن أيها الصديق وعليك أن لا تقلق بعد الآن سوف اقودك إلى هناك بالتأكيد فأنا أعيش هناك أيضا فلنقلب تلك الصفحة الآن ودعنا نتحدث عن أمور أخرى إلى حين وصولنا.
من أنت وماذا تريد من هذا المكان المقطوع النائي وسط غابة منسية ولماذا أنا بالذات تأتي إليها وتستعين بها، وكأنها قد طربت لإطرائه السابق وأرادت أن يعيد عليها كلمات الإطراء التي تسهر الفتيات الليالي من أجلها؟
آنستي الكريمة إنه يوم سعدي أن أحضى بك، أنا مهندس معماري تخرجت حديثا جئت خصيصا من كندا إلى بلدكم الجميل بعد تخطي صعوبات كبيرة بين الحصول على الفيزا والحجز على الطائرات الروسية وغيرها من متطلبات السفر وقد جئت لزيارة عمي الذي لم ألتقي به منذ كنت في سن الخامسة عشر من عمري كي أتعرف من جديد على رجلا كبيرا من أهلي نسيه الجميع بعد أن تفرقنا نحن المندائيين في كل مكان، وإن سنحت لي الفرصة ووجدت آنستي الجميلة رغبة في معرفة من نحن وما هي أصولنا فسأثقل عليها بهمومنا ولكن ليس في مثل هذا الجو الرائع .
كنت قد اتفقت مع عمي على زيارته في بيته الصيفي في غابة قرب موسكو على ان نلتقي في بيته في موسكو في منطقة ( تمريازف) ولكون الاتصالات التلفونية صعبة لم أستطع التواصل معه قبل سفري الذي لم استطع تحديد موعده بالضبط فوصلت البيت في ( تمريازف) ولكنه كان قد غادره بعد ان يئس من وصولي وترك عنوانه عند جاره وعند حارس العمارة التي يسكن فيها، وقد أخبرتك كيف حصلت على العنوان الذي أريتك اياه وأنا الآن أجازف في الذهاب إلى هناك ولا أدري هل سأجده أم لا وماذا سأفعل إن لم أجده؟ أظنني سأقضي رحلتي هذه متسكعا في هذه الغابات أو العودة إلى شوارع موسكو ومسارحها فهي عاصمة الفن والثقافة العالمية كما قيل لي بدلا من التعرف على عمي البروفسور صبري.
أما لمذا أنت بالذات من قصدته فأظنك قد خمنتي أعجابي بك، فإنني أراك رائعة الجمال وقد القاك قدري الجميل في طريقي ملاكا للحب والرحمة.
أحست نتاشا بشعورا من الفخر فنفخت أوداجها وراحت تتغنج ثم قالت الطريق إلى هناك لا تزال بعيدة فعلينا أن ننتظر وصول( الباص) الذي سيقلنا إلى مكان قريب من العنوان الذي معك ومن هناك علينا أن نسير على الأقدام ربما خمسة عشر دقيقة وأنا بعدها سأواصل المشي مرة أخرى وإن لم نجد من تقصده فبيتنا مفتوح لك والآن هل ترغب بقدح من ( الكفاز)؟
اعذريني آنستي الجميلة لا أعرف ما هو الكفاز ولكنني لا أمانع بشرب قدح من يدك مهما كان ولكن لا أرى مخازنا في الجوار فمن أين ستجلبين هذا ( الكفاز)؟
لا عليك اتبعني فقط والكفاز شراب روسي منعش يصنع من القمح ويباع في عربات خاصة سنجد واحدة منها واقفة قرب محطة الباص.
تفضلي فأنا أسير عيونك ورهن اشارتك قال كل ذلك وغيرها من عبارات الغزل وهو لا يعرف اين وجد الجرأة لينطق بتلك العبارت ثم هل فهمت نتاشا كل ما قاله لها؟
أخذت لغة الكلام تتلاشى ووجدا لغة تفاهم أخرى فالأنامل توصل بدون لبس أوترجمة الشعور الدافئ الذي راح يزداد دفئا كلما مضى الوقت.
لم يبقى لمجيء الباص الذي سينقلهم إلى المكان المطلوب سوى بضع دقائق والباص سيارة كبيرة قديمة صبغت بلون أصفر فاقع تتسع لعشرين راكبا تطوف القرى القريبة وعربة (الكفاز) بجوار منطقة الباص كما قالت نتاشا .
اشترت الفتاة قدحان كبيران من الكفاز أعطت واحدا لسعد وراحت تشرب الآخر بسرعة بعد أن أخذ منها العطش جل اهتمامها. وجد سعد الشراب منعشا وفيه شبه كبير من بيرة ( بود لايت الكندية) ثم استعجلا بشربه فالباص وقف في مكانه المخصص وراح الناس يأخذون أماكنهم فيه، أعادت نتاشا الاقداح إلى البائع قبل أن تنتهي منها وأسرعا إلى الباص فوجدا مقعدين متجاورين في آخره، جلسا هناك ثم ذهبت نتاشا إلى السائق لتقطع تذكرتين وتركت سعدا يجلس الى جوار النافذة وهو مرتبك وغير مصدق بما يجري حوله وكما يقول المثل العراقي(مثل الأطرش في الزفة).
راح الباص يشق طريقه بين غابات مكتضة بأشجار لا تخترقها الشمس إلا بين الفينة والأخرى وظل الباص يسير عشر دقائق توقف بعدها بعد أن طلبت نتاشا من السائق أن يتوقف فنزلا مسرعان وتركهما الباص وسط الغابة وحدهم وأنطلق في طريقه.
أخذ سعد يلتفت شمالا ويمينا عله يجد علامة دالة تشير إلى منطقة سكنية أو إلى عالم مأهول أو معالم حضارة كيفما كانت ولكن دون جدوى فليس هناك من حوله سوى أشجارا مكتضة فسلمّ أمره لله ثم إلى نتاشا.
في البداية راودته شكوك مبررة ترى أين تأخذه هذه الفتاه وهو الأجنبي وحيدا وسط هذه الغابة التي لا أثر فيها لبشر؟ سألها ألا توجد حيوانات مفترسة هنا في هذه الغابة؟ فراحت نتاشا تضحك كطفل بصوت عالي لا تخشى شيئا ( ساااد) فلن يفترسك هنا أحد غيري وراحت تضحك من جديد.
لم تتركه ذاهلا مترددا وإنما راحت تجرجره في دروب غير مطروقة وسط أشجار ( البريوزكا) مئات من السيقان البيضاء اصطفت على مسافات متقاربة لتصنع جدارا أبيض اللون وفوقه مظلة خضراء يخترقها نور الشمس بصعوبة، وهكذا سارا لأكثر من عشر دقائق لم تتركها نتاشا دون دلع ومزاح وسعد الذي كان مرتبكا كأنه طفل تائه لا يجد تفسيرا لما يجري حوله، وأن الفتاة والتي اعجبت به بشدة سوف لن تهدر الوقت سدى وسط هذه الغابة وليتها تفعل!
طالعتهم أعمدة مرتفعة من الكونكريت تحمل أسلاكا للضغط العالي ثم لاحت لهم من بعيد وسط الغابة طريقا ترابية سارا فيها مسافة قليلة فأخذت البيوت الصغيرة تكشف عن وجودها،عندها فقط اطمأن سعد وعادت إليه روح الدعابة فضم نتاشا إلى صدره منتشيا فلم تضع هي الفرصة وطبعت على شفتيه قبلة لم تكن خجلى.
واصل سعد ونتاشا السير مسترشدين بأرقام البيوت الصيفية الجميلة والتي تفوح من حدائقها عطور أزهار الورد البري حتى وصلا الدار المطلوبة.
لم يكن هناك جرس ليدق، وإنما باب خشبية صغيرة دفعها سعد بسهولة ودخلا الدار فاستقبلتهم زهور الكلاديولس والتولب بالوانها الساحرة وقد نمت بطول كاف ليجعها كجند في اصطفاف لاستقبال الزوار المميزين، وسارا تحت عريشة مغطاة بزهور لم يريا مثلها من قبل قط حتى أن نتاشا حارت في العثور على اسم لها وتبين لاحقا إنها زهور نادرة تعد من أجمل زهور الدنيا ( زهرة القلب النازف وزهرة الأجراس الزرقاء).
لم يكن أحد في الدار ولكن الآبواب جميعها مشرعة لابد أن أصحاب الدار في الجوار فجلسا على مسطبة خشبية بدائية الصنع زرعت ارجلها في مكان ظليل ليريحا أقدامهما بعد تلك المسيرة.
لم يطل أنتظارهم فقد جاءت امرأة في شتاء العمر جميلة الملامح، وبادرتهم بالسلام بمحبة دون سابق معرفة وظلت ترحب بهم قبل أن تتعرف عليهم عندها قام سعد والذي تعرف عليها من الصور التي كانت عندهم في كندا وبادرها هل أنت العمة( روزا) ؟ أنا سعد ابن أخ عمو صبري وهذه صديقتي نتاشا.
رحبت بهم العمة روزا ترحيبا حارا وراحت تطبع القبلات على خدودهم ودعتهم لداخل الدار فالعم صبري سيأتي قريبا لقد ذهب مع ( ماليش) في مشوار قريب.
من هو ماليش ايتها العمة؟
إنه كلب عمك المدلل من نوع ( الولف دوك الالماني) جمعتهم ظروف صعبة يطول شرحها ولكنه كلب مسالم ذكي سوف يرحب بكم هو أيضا.
راحت العمة روزا تقدم كل أنواع الضيافة المتوفرة في ريف نائي، وفي الحقيقة لا تدري كيف تعبر لهم عن فرحتها، ولكونها لا تتقن الانجليزية انشغلت مع نتاشا في حديث طويل لم يفقه منه سعد شيئا، لابد إنهن يتندرن على حياءه وقلة جرأته، ولكنه ترك النساء يتقاسمن الحديث وخرج يستطلع البيت الصيفي ويتعرف على الخضار التي زرعها عمه، وهنا تذكر كيف إنه في طفولته قطف حبة من الطماطة من شجرتها التي زرعت في حديقة عمه في بغداد وكانت خضراء اللون لم نضجت بعد، وعندما شاهد عمه قادما إليه راح يعتذر له بأنه قطفها ليشاهدها فقط ثم يعيدها إلى شجرتها!
وأثناء تجواله في الحديقة سمع نباح كلب فقدر أن عمه قد عاد من جولته وعندما رأى العم أن رجلا يتجول في الحديقة تفاجئ وراح ينادي باللغة الروسية ( كتو تام ) من هناك؟ فأسرع سعد إليه وتعانقا بحرارة وراح ماليش يلسح أقدام سعد بعد أن شعر أن الرجل مرحب به.
كم هائل من الأسئلة انهارت على سعد مرة واحدة ولم يعرف من أين يبدأ في الاجابة عليها ولكنه أوجز حديثه بأن الكل بخير، وعندنا أياما سنقضيها بالحديث عن الأهل فأنا جئت الى هنا لاسمع منك كل ذكرياتك، ولكن الآن دعني أعرفك بنتاشا رفيقة دربي فربك كريم وأنا على نياتي كما تعلم تعرفت عليها في القطار وهي التي جاءت بي إلى هنا لندخل ونرى ماذا يعملن في المطبخ فأنا جائع.
رحب صبري بنتاشا بلغة روسية على طريقة العراقيين وراح يقبلها وكأنها فرد من أفراد العائلة فلم يسع نتاشا إلا أن تجاريه وترحب به ولكنها ألمحت إلى أنها لا تستطيع المكوث هنا طويلا فهي في طريقها إلى بيتها القريب، ولكن صبري وعلى عادته لم يترك لها فرصة القرار بل أصر على بقائها معهم طيلة بقاء سعد، وراح يفصل لهم طريقة عيش الايام القريبة القادمة وكانه ولي أمر الطرفين وربما سوف يزوجهم أيضا ؟ ولا يرضى حتى مناقشة الموضوع.
ظلت نتاشا حائرة لا تعرف كيف تتصرف ولم تجد القوة الكافية على الرفض وربما وجدتها فرصة لتأكل وجبة شهية بدلا من ( الكلباصا) شرائح اللحم المتبلة والمدخنة الباردة وقد تجد فرصة لتخلي بهذا الصيد السمين ذو العينين الساحرتين!
بعد أن أخذوا قسطا من الراحة أخذهم صبري في جولة صغيرة في المنطقة ريثما تنهي روزة إعداد الطعام، وهكذا تركوا البيت ثلاثتهم ورابعهم كلبهم بعد أن راحت روزا تعد المائدة تجولوا في الغابة المجاورة حتى وصلوا بحيرة صغيرة في الجوار أكد لهم صبري أنه إصطاد فيها سمكة كبيرة ذات مرة!
عادوا إلى البيت بسرعة وكانت روزا قد أعدت مائدة توسطتها قنينة من ( الفودكا) الشراب المسكر الأكثر شعبية في روسيا. وكانت وجبة شهية .
بعد أن انتهوا من وجبتهم اللذيذة أصرت نتاشا على الذهاب إلى أهلها والعودة إليهم غدا وأمام إصرارها رضخ صبري لطلبها وعيون سعد تتوسل طالبة بقاءها.
ذهبت العمة روزا هذه المرة معهم ليوصلوا نتاشا إلى بيتها وكانت مسيرة جميلة تخللها المزاح والضحك وكان ( ماليش) يتقدم الجميع كأنه يعرف أين تسكن الفتاة ولم يكن المكان الذي قصدوه بعيدا فوصلوا وهم في قمة النشاط.
دعتهم نتاشا أن يدخلوا معها ليتعرفوا على أمها ولكنهم أكتفوا بالتحية على إمرأة ذات جدائل ذهبية وملامح قروية مميزة والظاهر كانت هي أم نتاشا ورغم إصرار المرأة وعلى الطريقة الروسية في اكرام الضيف للدخول وشرب قدح من الفودكا لكنهم لم يتخطوا سياج الدار واعتذروا من المرأة ووعدوها بالمجيء مرة أخرى لأخذ نتاشا لزيارتهم مساء الغد بعد أن تأخذ قسطا من الراحة .
وفي طريق العودة لم يترك صبري ابن أخيه لحظة ولم يتوقف سؤاله عن العائلة فردا فردا لقد كان أشبه بالاستجواب الذي كانت تقوم به السلطات في العراق، وبعد أن ارضى سعد فضول عمه طلب منه أن يحدثه هو عن حياته وبالتفصيل مدعيا أن هذا هو هدف سفرته الأساسي إلى موسكو فضحك عمه وهو ينظر إلى بعض أغراض نتاشا التي تركتها عندهم لحين عودتها.
حل الليل مسرعا واختفت الغابة والأشجار وراء ستار من الظلمة وأخذت الدار تدور بسعد بعد أن تناول القدح الثاني من الفودكا التي تجرعها بصعوبة وراح صرير الجنادب يكبر في راس سعد الذي غدا يؤلمه من كثرة الوخز. تركوه ينام بعد أن أغمض عينيه فعلا فاليوم كان حافلا.
أفاق الجميع مبكرا صباح اليوم الثاني، وراحوا يتناوبون في الذهاب إلى مكان خلف الدار حيث بنيت غرفة صغيرة بمساحة متر مربع تقريبا وسطها حفرة عميقة ليقضي كل واحد منهم فيها، وكان سعد أولهم وقد أصابته تلك الحفرة بالقرف وكانت أسراب الذباب تطن فيها فقضى حاجته على عجل وربما لم يقضيها وهرع إلى حنفية( صنبور) وحيدة في مقدمة البيت كان الماء يسيل منها وكأنه حبلا رفيعا.
تركوا سعد يبدأ طقسه اليومي فراح ينظف أسنانه ببطئ وكأنه يجليها وعمه وزوجته لم يريا نهاية قريبه لهذا الطقس غير المبرر فالفودكا كفيلة بأن تطهر الفم والاسنان من أعتى المكروبات ولكنهم صبرا عليه وأخذا دورهما بعد لأي .
اجتمعوا حول مائدة احتلت ( الكلباصا) مكانا مميزا فيها استغرب سعد لمثل هذا الافطار ولكنه عرج على صحن أبيض من مشتقات الحليب ( الاسمتانه) صحن من القشطة التي لم يتذوق مثلها من قبل ثم وراح يلتهم ( الكاشه) الرز المطبوخ بالحليب والسكر وبعد أقداح الشاي المغلي عاد النشاط لسعد وراح يتطلع صوب الغابة التي أخفت نتاشا خلفها.
أخذ صبري يتطلع بوجه ابن اخيه ضاحكا وخاطبه أن الوقت مبكرا، سنذهب خلفها حتما فاصبر، ارتبك سعد وكأنه قد أمسك به متلبسا بجريمة ما.
لم يمض وقتا طويلا وإذا بنتاشا تطل عليهم بطلعتها البهية، حيتهم مقبلة الجميع وتركت سعدا إلى الأخير لتطيل قبلتها له وتضع فيها كل صبرها ومعانات لليلتها التي لم تنقضي بيسر.
شربت قدحا من الشاي على عجل وانطلقت مع سعد وصبري وماليش للسير في الغابة بحثا عن ( الفطر) وتلك هواية الروس ولكنهم في العادة يمارسونها قبل أن يفطروا ليسرعوا في جمعه. تركوا روزا تعد لهم الطعام وتجرب زجاجة العطر الفرنسي التي جلبها سعد لها وتاهوا هم في غابة كثرت فيها الثمار البرية الصغيرة والتي اهتم بها سعد بعكس صبري الذي راح يبحث عن محبوبه ( الفطر) ونتاشا اخلت بمحبوبها أيضا وراحت تأخذ سعدا لأحراش تحجب النظر لتمتص رحيقه قبل الثمار الشهية وهو ذاهل لا يعرف كيف يجاريها وهي المدربة منذ الصغر وهو الغشيم إلى حد اليأس وبعد ان أدرك صبري لعبة نتاشا تركهم يسترسلون بها وابتعد عنهم. بعد أن جمع صبري الكثير من الفطر وجمعت نتاشا وسعد الكثير من الشهوة عادا إلى الدار وراح صبري يعد الفطر للأكل وصار الغداء جاهز وهو متكون بالأساس من أضلاع الخراف المشوية، ولم تترك قنينة الفودكا المائدة هنا أيضا فقد احتفظ عمه بقنينة الوسكي دون ان يفتحها ولكن سعد لم يقرب الفودكاهذه المرة بعد الذي عاناه بسببها ليلة الأمس.
بعد أن تناولوا وجبة الغداء طلبت منهم نتاشا السماح لها بالعودة لأهلها ولكنها لم تكن صادقة في طلبها وإنما من باب الدلال وغنج البنات فقد اتفقت مع العمة روزا على أن تبقيها لتنام عندهم هذه الليلة واليلتين المتبقيتن من عطلة نتاشا وهكذا قضت نتاشا ليلتها بأحضان سعد وكان هذا درسه الأول والذي ظل يذاكرة بمهارة إلى حد الاتقان وكيف لا يتقنه ومدرسته فتاة روسية!
أيقن سعد أن اليام الرائعة قد انتهت مسرعة برحيل نتاشا بعد أن ظل وحيدا مع ( العجائز) فعاد إليه هوسه في تدوين مذكرات عمه والتي يراها مهمة ويجب أن يدونها التاريخ في سفره أو ربما لم يجد ما يشغل نفسه به غيرها بعد سفر نتاشا وسط هذه الغابة الموحشة.
عاود سعد الأمل بلقاء نتاشا من جديد بعد أن ترجم له عمه ما قاله لنتاشا قبل مغادرتها:
نتاشا العزيزة سوف لن أبقي سعد معي هنا كثيرا فهو لا يصبرعلى طريقة العيش البدائية التي نعيشها في الريف سأرسله إليك بعد ثلاثة أيام والتحق بكم أنا بعد عشرة أيام ، انتظريه هناك خذيه من محطة كورسكي إلى شقتي في موسكو وهذه مفاتيحها. خذيه إلى ( تريتكوفسكي كالريه) متحف الرسم ، خذيه إلى قصر الكرملين ، إلى قاعة الأسلحة وإلى خزنة الماس المدفونة تحت أبراج الكرملن خذيه إلى متاحف موسكو لا تتركي معلما ثقافيا دون أن يراه، أريه مسارح موسكو الجميلة (البلشوي تياتر) ومسرح الغجر وغيرها، وإذا استطعتي السفر معه إلى مدينة ( لينينكراد) سيكون ذلك شيئا رائعا فقصر بطرس الاكبر تحفة معمارية ليس لها مثيل في العالم وهذا "اختصاصكم" أنتم المعماريين وليشاهد عظمة متحف ( الارمتاج) واذا استطعت خذيه إلى قصر( يكترينا الاولى) الصيفي، إنه يعيش في بحبوحة في كندا فلا تقلقي على المصاريف،اجعلي الايام الباقية من رحلته تلك لا تنسى مدى العمر. سأراكم هناك لأودعه قبل سفره وأتمنى لكم أن تقضوا تلك الايام بسعادة فوافقته نتاشا على كل طلباته بشرط أن تجد وقتا لذلك.
عمي العزيز "صبر" اشكرك على حفاوتك بي وشكري ومحبتي لنتاشا هبة الله لي في سفرتي الشاقة هذه ولكنني جئت بالأساس لأسجل بعضا من ذكرياتك الاولى فأرجو أن لا تقضيها معي سياحة. حل المساء وراح سعد وصبري يقطعون الغابة من جديد ليوصلوا نتاشا إلى بيتها وبعد أن شربوا الشاي الذي أعدته لهم أم نتاشا تواعدا مع الفتاة على اللقاء عند محطة الباص في الغابة صباح الغد ثم ودعوا النساء وتركوهن لشؤنهن عائدين إلى بيتهم وسعد يتلفت إلى الوراء باستمرار.
محطة قطار الموصل
نهضا مبكرا صباح اليوم التالي وذهبا إلى محطة الباص في الغابة وهناك التقيا بنتاشا التي سبقتهم إليها وبعد دقائق قضوها بالمزاح جاءهم الباص وركبوا ثلاثتهم وبعد أن أوصلهم صبري إلى محطة القطار الذي جاء في موعده تماما. قبلا نتاشا بحرارة وظلا واقفين حتى انطلق القطار من جديد بنتاشا في رحلتها إلى موسكو على أمل مجيء سعد إليها.
حرص سعد أن يشرب قدحا من ( الكفاز) قبل أن يعودا إلى البيت الصيفي في ذات الباص الاصفر فشربه سعد لوحده بعد أن رفض عمه ذلك.
وافقه عمه على أن يسجل له بعض الذكريات ولكنه وضع شروطا صارمة ليحدث سعد عن نفسه. اولها أن يظل الحديث بينهم ولا يشرك باقي أفراد العائلة ولا ينشره على الملأ وأن لا يشغلهم الحديث عن متعة التجوال بين أشجار( البيريوزكا) وجمع حبات الكمأ فجر كل صباح، وأن يكون لطيفا مع ( ماليش) وأن يبدء الحديث( الأستجواب) هذا اليوم فالوقت قصير، وبعد أن عادوا إلى البيت وجدا فطارا دسما أعدته العمة روزا .
أنهيا فطارهما على عجل و بدأ صبري يروي قصة حياته وسعد يسجلها على جهاز التسجيل وعيونه محمرة من السهر.
حبيبي سعد ليس هناك شيئا استثنائيا أو ما هو مثير في حياتي فانا انسان عادي جدا ولدت في محلة صغيرة اسمها ( اللطلاطة) تابعة لمدينة لا تثير الانتباه هي ( قلعة صالح) في جنوب العراق، وأظن أنني ولدت في صيف عام 1931 وتعلمت في مدرسة قلعة صالح المرحلة الابتدائية ثم انتقلت للخدمة ولا أقول للعمل في البصرة بعد ان عجزت الآم عن اطعامنا والتي ترملت وانا في الثامنة من العمر.
في البصرة لاقيت القهر والحرمان في محلات الصاغة حيث كنت اعمل صانع ( صبي) طيلة اليوم فالعمل مجاني بحجة أنهم يوفرون لي الطعام والمسكن ويعلمونني الصنعة حتى نفذ صبري وهربت منهم ورحت أعمل حمالا في ميناء البصرة واتابع تعليمي في مدرسة مسائية وهناك كانة باكورة معرفتي بالسياسة وبالحزب الشيوعي بالذات فأصبحت واحدا من أصدقاء الحزب وأشتركت في نشاطات عمال الميناء وفي اضراباتهم.
ثم انتقلت عائلتنا الى بغداد فالتحقت بها وهناك رحت اعمل في شتى الأعمال منها توزيع قوالب الثلج على (البايسكل) الدراجة الهوائية للمحلات وبأجور يومية قدرها 200 فلس وهو مبلغ يمكنه إعالة الأسرة لذلك اليوم، كان ذلك في منطقة الكرادة الشرقية حيث استأجرنا بيتا بني من الطين في محلة الزوية بعد أن اعتقل أباك الذي كان معلما في مدرسة الكرادة في (البوليسخانة) ولم يبقى لنا بعده من يعيلنا، ثم انتقلنا إلى محلة ابو سيفين في الرصافة، ورحت اعمل في محلات الصياغة مهنة أجدادنا و اواصل الدراسة المسائية في مدرسة الجعفرية المسائية في شارع الملك فيصل قرب( العبخانة) شركة الكهرباء، وإلى هنا لا جديد في حياتي فأغلب العراقيون يعيشون حياة الضنك والكدح هذه.
لا عمي لا ( تشربت) تختصر الموضوع وحدثني بالتفصيل وبالتواريخ عن الاحداث التي مرت بك في حياتك فهل يعقل انني سأكتفي ب(موجز الأخبار) هذا؟.
طيب (سعودّي) أنت تتدلل:
بعد ان القي القبض على مؤسس الحزب الشيوعي( فهد) وترأس الحزب مالك سيف والذي القي القبض عليه أيضا بعد عدة أشهر إنهار هذا القائد وخان حزبه وتعاون بكل ذلة مع "التحقيقات الجنائية" مما ساعد الحكومة في أن تلقي القبض على المئات من المنخرطين في صفوف الحزب والمتعاطفين معه ومنهم أباك الذي استضاف مالك سيف هذا مدة ثلاثة ايام في بيتناعند قدومه من مدينة العمارة.
بعد مدة شكلت محاكم صورية فأصدرت حكما بحبس أباك عشر سنين وعلى العديد من رفاقه بأحكام أثقل وأرسل فهد ورفاقه حازم وصارم إلى المشنقة في شباط عام 1949 لقد كانت ضربة قاصمة للحزب وتنظيماته. ثم راحت الشرطة تعتقل من خلف مالك سيف في قيادة الحزب الواحد بعد الآخر في غضون أسابيع وكان آخرهم حميد عثمان.
كانت تلك الأحداث بمثابة ضربة قاصمة لحياتنا بعد أن كنا ننعم بحياة المدينة وهكذا انقضى كل شيء بحبس أباك الذي يعيلنا براتبه الشهري كونه عمل معلما في مدرسة (البوليسخانة) الابتدائية فاضطررنا للكفاح من أجل لقمة العيش ورحت اوزع الثلج كما قلت لك.
ذات يوم وانا منشغل بتوزيع الثلج وبعد أن أوصلت آخر( قالب) منه إلى مقهى في البوليس خانة شاهدت رجلا وامرأة ومعهم طفل جالسين في الظل وقد بدى عليهم التعب والضياع، دققت النظر بالرجل فإذا هو ممن التقيت به سابقا وقد كلفني حينها بارسال رسالة حزبية مع أمي إلى أبيك في سجن نقرة السلمان .
نهض الرجل بعد أن عرفني وضمني إلى صدره وكأنني قد هبطت عليه رحمة من السماء فقد جاء ( بهاء الدين نوري) بعد ان تسلم قيادة الحزب بتوصية من القائد السابق حميد عثمان هاربا من وكر القيادة في محلة( باب الشيخ عبد القادر الكيلاني) بعد أن القي القبض على أحد رفاقه الذين يعرفون محل سكناه وانقطعت به السبل فلم يعرف أين يتجه مع العائلة التي معه وجاء إلى الكرادة ملتجأ عند واحد من رفاقه القدامى ولكن هذا الاخير لم يستقبلهم وتركهم حائرين في الشارع.
لم أطل التفكير وأخذتهم معي إلى بيتنا الطيني في محلة الزوية وهناك استقبلتهم أمي بترحاب وطيبة رغم تجربتها السابقة المريرة في استضافة مالك سيف.
ارسلني بهاء مع أم نضال ( المرأة التي معه) لأخذ بعض حاجياتهم من ذلك الوكر الذي يقع في منطقة ( باب الشيخ ) وأهم شيئ اوصانا بجلبه هو جهاز الاستنساخ ( الرونيو) مع أخذ الحيطة والحذر والتأكد أن الدار آمنة .
وصلت الى هناك مع أم نضال التي تركت طفلها عند امي قبل ان تكتشف الشرطة الوكر وتصل اليه وهكذا جلبنا اهم الاغراض والرونيو طبعا.
لم يبقى بهاء فترة طويلة في بيتنا فقد استأجرت له كوخا قريبا منا بدينارين في الشهر وانتقل اليه ولكن بعد يومين طردهم صاحب الكوخ الذي ظن انهم من اليهود فانتقلوا بعدها الى صوب الكرخ قرب مستشفى العزل واسمه اليوم مستشفى( الكرامة) واستمرت علاقتي به حيث خضنا سوية مغامرات من أجل اعادة بناء الحزب بعد أن قضت الحكومة على الحزب تقريبا بعد شنق قادته الاوائل وبزج اعضاء قياداته في السجون بالتعاقب وكثيرا منهم راح يشي برفاقه بعد التعذيب القاسي الذي كانت تمارسه معهم دوائر الامن.
خضت ذات مرة مطاردات بوليسية حقيقة كما في قصص ( أجاثا كرستي) في القطار النازل من الموصل إلى بغداد .
لم يبقى بهاء طويلا في بغداد بسبب ملاحقات الامن المكثفة فسافر الى مدينة كركوك ونقلت معه جهاز الطباعة إليها وظل يدير شؤون الحزب من هناك، ولكنه لم يجد في كركوك بيئة مرحبة حاضنة لأفكار الحزب فقرر العودة إلى بغداد فارسل خلفي لنقل جهاز الطباعة من جديد إلى بغداد، ولكي لا نقع في قبضة الشرطة عدنا بما نملك من كركوك عن طريق الموصل ولا اذكر من هو الشخص الثالث الذي كان معنا، وكنت احمل معي ملابس كردية من اجل التمويه في حالات الضرورة ، وصلنا الموصل بالسيارة وعند ركوبنا قطار الموصل بغداد جلس الاثنان بهاء وصاحبه على مقعدين متجاورين في بداية العربة وابتعتد انا عنهم مع الجهاز إلى آخر العربة وحشرت نفسي بالقرب من الباب، وهناك اخذت دورية من الامن التحقيق مع الركاب وتوجهت راسا إلى بهاء وصاحبه كأنهم مراقبون سلفا فافترقت أنا عنهم وتركتهم وغادرت القطار على عجل وأبدلت ملابسي ولبست الزي الكردي الذي معي في مرحاض المحطة وخرجت بما أحمل قاصدا فندق المحطة.
قضيت ليلتي في فندق المحطة الراقي كواحد من الاغوات، وركبت القطار في اليوم التالي فوصلت إلى بغداد معززا مكرما ومعي حملي الثقيل، وهناك التقيت ببهاء من جديد فروى لي قصة تخلصهم من الشرطة وكانت قصة طويلة تستحق أن تروى أو تمثل فلما.
سأحكي لك ما حدث معي في الكاظمية اثناء المظاهرات التي نظمها الحزب احتجاجا على تقسيم فلسطين إنها قصة قديمة ولكن تستحق أن أرويها لك، ولنتوقف الان ونرجئ الحديث إلى غدا وقضيا بقية يومهم هذا بالحيث عن الذكريات العائلية التي راح سعد يسجل البعض منها .
عاد العم وابن أخيه في اكمال الحديث عن الايام الخوالي، وكان العم صبري يشعر بمتعة كبيرة وهو يتحدث عن الماضي، أما سعد فقد اختلطت عليه الاحداث ولكنه كان على ثقة بأنه سيعيد تسلسل الحديث من جديد ليظل مفهوما فكل شيء مسجل، وكان يتمنى أن ينهي عمه هذا الحديث بسرعة ليلتحق هو بنتاشا بعد أن ظل يعيش كل لحظة قضاها معها حتى أنه لم ينتبه إلى آلة التسجيل المقفلة وعمه متابعا حديثه فيرجوه أن يعيد الحديث من جديد
عمو أين وصلنا بالحديث؟
وصلنا إلى المظاهرات التي دعى اليها الحزب الشيوعي دعما للقضية الفلسطينية قبل قرار التقسيم في 29 تشرين الثاني عام 1947 وربما بعده فقد اختلطت التواريخ على عمك بعد تلك السنين الطويلة.
عمو صبر الله يخليك السياسة لا تهمني اريد ان اعرف عن حياتك أنت.
وهل ننفصل نحن عن السياسة يا سعد؟ على كل حال سأروي لك حادثة طريفة حدثت معي في تلك المظاهرات وأحاول بعدها أن أبتعد عن السياسة نهائيا فالسياسة لم تعد تثير اهتمامي:
كنت في احدى المظاهرات التي انطلقت صباح يوم مشمس في مدينة الكاظمية شارك فيها العديد من الشباب اليهود وأذكر أن احدى شعاراتها كان يقول :
( نحن أخوان اليهود وأعداء الصهيونية) ، (وما كل يهودي بعرف الدين صهيوني) لا أذكر غير ذلك ولا متى بالضبط حدثت تلك المظاهرة، وبعد أن فرقتها قوات الشرطة وركض المتظاهرون في أزقة الكاظمية هربا ليختلطوا بالناس ويضيعوا بينهم، راحت الشرطة تمسك بمن تشتبه به ولتتأكد من أنه مواطن من أهل الكاظمية وليس دخيلا راحت تسأله من هم الأمة الاثني عشر؟
إن عد بعضهم ممن مسكته الشرطة الأئمة الأثني عشر بشكل صحيح أطلقوا سراحه وإن لم يعرف من الأئمة الاثني عشر تأخذه سيارات الشرطة كونه يهودي!
مسكني شرطي وراح يضربني ويصرخ بي و(لك) عدّ الائمة، (كيف لي أن أعرفهم وأنا الصابئي المندائي) ولكن بحكم اختلاطنا بالشيعة في قلعة صالح عرفت بعضهم فأجبته بسرعة نعم سيدي هم الحسن والحسين وفاطمة الزهراء! وهنا راح الشرطي يضربني ويصرخ بي ولك يهودي فاطمة الزهره (اشجابها بالنص) ماذا تعمل هنا في الكاظمية؟ . رحت اتوسل إليه بأن يتركني كون امي خبازة وقد جئت بنذر لها سلة من الخبز خبزته فجر اليوم وكلفتني بأن أوزعه على الفقراء عند ضريح أبو الجوادين ورحت أصرخ دخيلك أبو الجوادين وعندما سمع الشرطي لهجتي الجنوبية سألني (ولك) أنت من أين ؟ فأجبته إنني من الجلعة .
كذاب آنه من الجلعة تضحك عليّ تعرف منو من أهل الجلعة؟ أجبت بسرعة أعرف بيت رسن وبستانهم يم النفطخانة وبيت فرعون وراءهم واعرف مكي مدير الروضة ومهتم الصبي معلم المدرسة وبعد أن رحت أعدد الاسماء راح الشرطي يضحك وساعدني في الخلاص من تلك المحنة كونه من الجلعة أيضا.
عدت مشيا إلى الكرادة الشرقية بعد أن فقدت الدرهم الذي كان معي في جيبي فلم استطع أن أركب باص الامانة وعدت منهك القوى مرعوبا وفوق كل هذا راحت أمي تعنفني لغيابي طيلة النهار الذي أقلقها والعودة دون المصروف اليومي.
جربت عملا جديدا في الكرادة غير توزيع الثلج فغامرت بأن أذهب إلى بساتين بعقوبة وأشتري كمية كبيرة من الرمان لأبيعه إلى محلات بيع الخضرة والفاكهة وإلى الناس مباشرة.
سافرت فجرا إلى بستان قريب من مدينة بعقوبة فوجدت شاحنة كبيرة مليئة بالرمان مغطات بأغصان( البطنج) تنوي السفر إلى بغداد لتبيع حملها في ( العلوة) اشتريتها كاملة وعدت بها مع سائقها إلى البيت في الكرادة. أفرغنا الحمولة في الغرفة التي كنت أنام فيها مع عمك صبيح، وبعد أن أفرغناها من أثاثها البسيط إمتلأت بالرمان إلى سقفها وراحت رائحة ( البطنج) تملأ الدار ولم تك عملية بيع هذه الكمية الكبيرة من الرمان بتلك البساطة التي كنت أتصورها.
لم يكن توزيع الرمان بواسطة البايسكل مسألة عملية لذا اتفقت مع صاحب العربة التي يجرها حمار هزيل والساكن قريبا منا في توزيع الرمان، ولكن كانت اجور النقل من البستان والى المحلات قد أخذت القسم الاكبر من الارباح وليتني بقيت مكتفيا بتوزيع قوالب الثلج ولكنها مغامرة على كل حال تركت تغييرا في حياتنا وتفكيرنا وكذلك شبعنا جميعا رمانا والى حد التخمة حتى أن أمي ملأت قناني عدة من عصيره.
انتقلنا كما قلت لك إلى (أبو سيفين في رصافة بغداد مقابل سوق الشورجة ) وهناك بدأنا نعيش حياة جديدة بعد ان تركنا عمك صبيح واحترف العمل الحزبي، أما أنا فعملت في مجال الصياغة فتبدلت حياتنا. استأجرت دكانا صغيرا في سوق ( الالوسي) وهو سوق قريب من شارع المتنبي ورحت أعمل بالقطعة أي اصنع مصوغات لاصحاب محلات الصياغة في سوق الشابندر .
بعد الحرمان الطويل الذي يعيشه الشاب العراقي من أمثالي ثم ينفتح على الحياة ينغمس فيها وخاصة أن ( النتاشات) هن الزبون الاول لمحلات الصياغة، ولكنني لم اهمل الدراسة فالتحقت بالمدرسة الجعفرية المسائية وهناك انهيت المرحلة الاعدادية وبعد أن قامت ثورة تموز بقيادة الزعيم عبد الكريم قاسم كلفت بعد انقطاع طويل عن الحزب بتأسيس نقابة لعمال الصياغة وكذلك جمعية للصاغة فترأست نقابة العمال ورحت اقود العمال في دفاعهم عن حقوقهم، وكذلك ننظم اسهاماتهم في المناسبات الوطنية والدفاع عن الجمهورية.
ها عمو رجعنا إلى السياسة؟
لا، لاسياسة بعد اليوم!
تبدلت حياتي تماما بعد أن جئت إلى هنا إلى الاتحاد السوفياتي( العظيم) والتحقت بجامعة الصداقة لدراسة الزراعة والتي احببتها بشغف رغم إنني لم أمارس الزراعة قط في حياتي، قاطعه هنا سعد: لحظة من فضلك عمي العزيز كيف تسنى لك أن تحب الزراعة وانت عامل في الميناء ثم عامل في توزيع الثلج وعامل للصياغة؟ وكيف اخترت رسالتك التي نلت بها شهادة الدكتوراه؟
عزيزي سعد كان السبب في ذلك أبو الطيب المتنبي.
عمو هل تسخر مني أم تمزح معي أم ماذا؟ ما علاقة أبو الطيب المتنبي بدراستك وبحوثك وبالزراعة التي لم يكن الرجل قد امتهنها يوما كما نعرف وإنما عاش مداحّا للملوك والأمراء ويتنقل بينهم من بلد إلى آخر؟
اسمع سعد انا لم اسخر من أحد يوما ولا اسخر منك هنا ولا حتى أمزح معك، ما قلت لك كان حقيقة فهناك بيت شعر للمتنبي رسم حياتي وهو بيت شعر حفظته منذ الصغر ورحت ارسم حياتي بموجبه يقول المتنبي فيه :
( ملأى السنابل تنحني بتواضع والفارغات رؤوسهن شوامخ)
رحت افكر لماذا تنحني السنابل الملأى ولا تنحني الفارغات لابد إن الخلل في السيقان التي تحمل السنابل كما الخلل في العقول التي ترعى السلوك. في بدايات حياتي رحت أرعى العقل وأعمل على تثقيف ذاتي كي لا ينحرف السلوك وينحني، وهنا رحت أدرس وأبحث عن طريقة تجعل الساق أكثر متانة ليحتمل ثقل السنبلة فتظل منتصبة ولا ينحني مع ثقلها فيصعب جمع جنيها، واستعنت باساتذة الرياضيات في الجامعة ليضعوا لي معادلة رياضية تحدد العلاقة بين سمك الساق وثقل السنبلة فأخذت أعمل على زيادة سمك الساق وراثيا اي تعديله جينيا وكان هذا العلم في بداياته في تلك الحقبة كي اجعل الساق قادرا على تحمل الثقل الذي ينوء به دون أن ينحني فتظل "السنبلة الملأى شامخة" أيضا ليسهل جنيها وتحتفظ بعطائها،ولكن بنسبة لا تجعل سمك الساق مبالغ به، هل تجد في هذا مزاحا أو سخرية؟
آسف عمي العزيز فالظاهر إنني بعيد عن المعاني العميقة للحياة وفهم ما يقوله الشعراء، وكنت أتصور أن الشعر شيّ من البطر وربما للمتعة فقط، تفضل واصل حديثك أرجوك.
بعد ان أنهيت الدراسة الجامعية بدرجة بكلوريوس شدني البحث الذي كرست له مستقبلي وهو تطوير طريقة انتاج الحبوب حسب قول المتنبي، وأتاحت لي الجامعة فرصة مواصلة بحثي في قسم الدراسات العليا كوني كنت متقدما وجادا في دراستي وتخرجت بدرجة دكتوراه في الزراعة، ورحت كذلك أدير مجموعة بحثية من الشباب في مجال تطوير زراعة الحبوب في أكاديمية العلوم الزراعية ( تمريازف) في موسكو، وترأست بعدها قسم تطويرعلم زراعة الحبوب وراثيا ( جينيا) وأدرّس تلك المادة في الاكادمية.
تزوجت قبل العمة روزا من امرأة روسية أنجبت لي ابن عمك ثم عدت إلى العراق مع اسرتي للعمل على زيادة انتاج الرز في الفرات الاوسط، وخاصة في منطقة المشخاب في السبعينيات عليّ اساهم في القضاء على جوع العراقيين المزمن، وفي تلك الفترة التقيت أنت بنا عزيزي سعد "وقطعت ثمرة الطماطة وهي خضراء لتشاهدها وتعيدها لشجرتها".
لم استطع الصمود امام الحاح المسؤولين في الدائرة التي كنت اعمل فيها في ( ابو غريب) من أجل الانضمام الى حزب البعث الذي كان يقود البلاد بالحديد والنار، فهربنا من جديد الى موسكو واشتريت هذه المزرعة، وتزوجت من عمتك روزا التتارية بعد أن توفت زوجتي الاولى رحمها الله، وهذه هي حياتي بسيطة لا تعقيد فيها فما الذي يثيرك فيها بشكل خاص.
لا اراى ابن عمك الا قليلا الآن فهو منشغلا بعمله وباسرته التي راحت تكبر بعد ان جاء ابنه البكر الى الحياة وأسميناه في الحقيقة زوجته هي التي أسمته على اسم أبيها ( فاديم).
عمي العزيز ستظل متواضعا كما عرفناك رغم عطائك المميز، ورغم جهودك في تطوير زراعة الرز والشعير في العراق وهنا، أريد منك أن تحدثني كيف استقبل السوفيت انجازاتك في هذا المضمار وكيف كافؤك على عطائك الذي وفر لهم الملايين من الروبلات.
تعرف ( سعودي) انا لا تهمني المكافأت ولكن حينها، أي بعد نجاح بحوثنا واعتمادها من قبل اللجان المختصة في الدولة، أعطوني مكافأة قدرها ثلاثمائة روبل اي ما يعادل ثلاثين دولارا! اقمت بها وليمة للعاملين معي وتحولت النقود إلى ( فودكا) في تلك الليلة وفي ظل الحكم الجديد أي بعد ( البريسترويكا) لم يعطونني شيئا ولكنهم منحوني شهادة اعتراف بجهودي وتسجيل انجازي في تطوير زراعة الشعير بشكل خاص وسوف اريك تلك الشهادة وهي ورقة بسيطة كتبت باللغة الروسية طبعا فهل انتهينا من استجوابك؟
دعنا نقضي الوقت بطريقة انسانية اكثر فالفتاة ( نتاشا) ملت من انتظارك في موسكو سأوصلك إليها لتقضي سفرة العمر هناك وتعود إلى كندا محملا بتحياتي للجميع ولا تهدر وقتك مع العجائز من أمثالي مرة أخرى.
ظل سعد يحن لآيام موسكو ويتابع أخبار عمه فيها بعد أن عاد هو إلى كندا. فأضاف ما بقي من الحديث إلى تسجيلاته ولكن بصوته هو:
بعد ان قامت ( البريستريكا) كإصلاح لنظام الحزب الشيوعي في روسيا وبعد تفكك الاتحاد السوفياتي وظهور السوق الحرة لم يعد الراتب التقاعدي الذي يتقاضاه البروفسور صبري وزملائه يسد رمق الحياة فراحوا يجمعون القناني الفارغة من الشوارع والعيش بالروبلات التي يجنوها من بيعها لاعالة زوجاتهم المتقاعدات ايضا واطعام كلابهم التي تشاركهم سكنهم وهمومهم وتحرسهم من السراق حتى ايامهم الاخيرة.
عند كتابة سعد لمذكرات عمه صبري، رحل الأخير من هذه الدنيا فقد توفي الدكتور صبري سباهي وحيدا في موسكو بعيدا عنا والبسمة لم تفارقه.



#عبد_الإله_السباهي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مسلسل تركي
- قصة الكنز المفقود
- الباص رقم واحد
- شجرة التفاح الأحمر
- المخرز والجمل
- نصائح منسية
- تموز وسيف الدين
- أبيت اللعن
- الحب في زمن طغرل بيك
- لطلاطة سلمان
- الصدفة
- خروف البنجة
- جذور واهية...قصة قصيرة
- الخل والخمرة والصديق
- دردشة عجائز مغتربات
- كشف الأسرار عن سحر الأحجار *(4)
- كشف الأسرار عن سحر الأحجار *(3)
- كشف الأسرار عن سحر الأحجار *(2)
- كشف الأسرار عن سحر الأحجار
- أولاد المهرجان


المزيد.....




- فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024
- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة
- مهرجان كان: اختيار الفيلم المصري -رفعت عيني للسماء- ضمن مساب ...
- -الوعد الصادق:-بين -المسرحية- والفيلم الأميركي الرديء
- لماذا يحب كثير من الألمان ثقافة الجسد الحر؟
- بينهم فنانة وابنة مليونير شهير.. تعرف على ضحايا هجوم سيدني ا ...
- تركيز أقل على أوروبا وانفتاح على أفريقيا.. رهان متحف -متروبو ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الإله السباهي - كورسكي