أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - مهند بياري - معذبو الأرض وأهمية الثقافة















المزيد.....

معذبو الأرض وأهمية الثقافة


مهند بياري

الحوار المتمدن-العدد: 5016 - 2015 / 12 / 17 - 23:24
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


يصنف كتاب "معذبو الأرض" لمؤلفه المفكر الماركسي فرانز فانون، ضمن فئة الكتب المناهضة للاستعمار في القرن العشرين.
عرف فانون بنضاله من أجل الحرية، كما وكافح ضد التمييز والعنصرية، وهو فيلسوف اجتماعي وطبيب نفسي، من مواليد فور دو فرانس "جزر المارتينيك"، عمل في الجزائر كطبيب عسكري ومع الوقت اصبح من المناديين باستقلال الجزائر، واسندت اليه العديد من المهمات الدبلوماسية والعسكرية والصحفية.
عمل فانون عام 1960 سفير للحكومة الجزائرية المؤقتة في غانا، وتوفي بعد عام عن عمر يناهز السادسة والثلاثون عاما بمرض سرطان الدم، وفي نفس العام نشر كتابه الذي الهم كثيرا من حركات التحرر الوطني في ارجاء العالم.
يقع كتاب معذبو الارض الذي نشر في ديسمبر من عام 1961 في "152" صفحة، توزعت على مقدمة وستة فصول وخاتمة، وبعد أن اتطرق سريعا لأول ثلاث فصول، سأعمل على مراجعة نقدية للفصول الثلاث الاخيرة: "في الثقافة القومية" للفصل الرابع، "الأسس المشتركة بين الثقافة الوطنية وكفاح التحرر" للفصل الخامس، "فجر أفريقي" للفصل السادس.
وصف فانون في هذا الكتاب طبيعة العلاقة التي يتفاعل خلالها المستعمِر والمستعمَر وكيفية تطور هذا الصراع والمدخلات التي تؤثر فيه، فإما ان تسرع عملية التحرر، او تعيق الوصول الى مرحلة التحرر. بين فانون خلال هذه الصفحات المأساة التي يخلقها الاستعمار في الشعوب المستعمرة، وما يمارسه من طمس واضطهاد على شعوب كاملة، بشكل غير انساني، بالإضافة الى تضمينه طرق مقاومة الاستعمار والكفاح ضده، والمقاومة من اجل نيل الحرية، آمن فانون بأن العنف هو الطريق الأفضل و الأمثل لدحض الاستعمار.
في المقدمة التي كتبها الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر، اظهرت مدى تورط الأوربي في تدنيس حقوق الشعوب، وفي ذات السياق اراد ان يقدم صورة تسخر من حال الأوربيون، فهم يعرضون أنفسهم على أنهم أهل المعرفة والفكر والتقدم والانسانية.. الخ، وفي نفس الوقت هم قتلة ومستعمرون ومفلسون انسانيا.
في الفصل الأول الذي جاء بعنوان "في العنف"، أكد فانون على ضرورة استخدام العنف كوسيلة من أجل مقاومة الاستعمار، واعتبر ان العنف والكفاح الوطني هما الطريق الوحيد في سبيل القضاء على الاستعمار والخلاص منه،
أم الفصل الثاني والثالث " الانطلاق العفوي" و " مزالق الشعور القومي"، وضح الكاتب من خلالهما العديد من العلاقات التي تتفاعل فيما بينها من اجل الوصول الى التحرر، فوضح معنى البروليتاريا وعلاقاتها بالأحزاب الوطنية، وكيف يجب ان تستغل هذه العلاقة لخدمة المشروع الوطني، كما وتطرق الى العلاقة التي تربط الاحزاب الوطنية بالأرياف، ومتى يجب توجيه هذه العلاقة نحو المسار الصحيح، حتى تكون الثورة على الطريق الصحيح ضد الاستعمار. ذهب فانون لأبعد من ذلك حيث اسس لمفهوم القومية، وتعرج على نقاط القوة والضعف الكامنة في المشاعر القومية، والتي يحملها المؤمنون بالتحرر، بالإضافة الى طرحه آليات لمنع انزلاق القومية في طرق تخدم الاستعمار.
في الفصل الرابع، استعرض موضوع "في الثقافة القومية"، أي الثقافة كجزء لا يتجزأ من مشروع التحرر. فالدور الذي يعق على عاتق المثقف كبير جدا، فهو يشحذ الهمم، ويوقظ الطاقات الشعبية، ويجندها في سبيل خدمة قضيته ضد الاستعمار، لذلك اعطى فانون فصلا كاملا للحديث التفصيلي عن المكون الثقافي، واهميته ونقاط ضعفه والطرق المثلى لتوظيفه في معركة التحرر، لأن المستعمرون يعملون على ضياع البعد الحضاري والثقافي الذي تتميز به الشعوب، من أجل اقناعهم انهم ليسوا ذو قيمة، وأن الاستعمار انتشلهم من الظلام.

بينما قدم لنا تحفة من السرد الأدبي في الفصل الخامس "فجر أفريقي" عبر الحديث عن شخصية نعمان الذي يبدأ عمله كل يوم عند الفجر، ويطلبه الاستعمار للمشاركة في الحرب عند الفجر، ويغادر قريته عند الفجر، ويعود خبر مقتله الى قريته عن الفجر، وفي هذا الفجر المتكرر رسالة واضحة، تدل وتؤكد على الثبات والاستمرارية والانبعاث والتجدد.
أما الفصل السادس " الأسس المشتركة بين الثقافة الوطنية وكفاح التحرر"، نوه فانون الى أن الاستعمار يسعى لطمس ثقافة الشعوب المستعمرة بالتدرج وبشكل منظم، كما أنه يبذل أقصى جهده من أجل ان يحمل الشعوب المستعمرة على الاعتراف بتخلف ثقافتها وانحطاطها، ومن أجل ان تبقى الثقافة الوطنية ركيزة اساسية في كفاح التحرير، يجب العمل على يقظة الوعي القومي، عندها تتحول الثقافة شكل من اشكال الكفاح الوطني، من اجل التعبير عن الأمة.
يختم فانون كتابه مؤكدا على ضرورة عدم تقليد اوروبا أو الاقتداء بها، لأنها لا يمكن ان تكون نموذج يقتدى به، لأن جرائمها ضد الانسانية ليس لها حصر، حيث باسم الفكر قام الغرب باستعباد خمسة ارباع الانسانية شرعيا.
من حيث الأفكار والمضمون امتازت فصول فانون ببساطة الافكار ووضوحها، واعتقد ان العناوين ملائمة جدا للمضمون ومعبرة عنه، كما ان المصطلحات بسيطة، ومزجه بين الجمل "الطويلة والقصيرة" والجمل "القصيرة والقصيرة" كان ملائما مع تدرجه بالأفكار. اما من حيث الترجمة فهي ضعيفة، هناك الكثير من المصطلحات والمفاهيم التي قتلت المضمون، فمثلا في فصل "فجر افريقي" على الرغم من ضخامة التعبير الذي قدمه فانون في شخصية نعمان، الا ان بعض المصطلحات كانت تقتل المضمون وتبعد الفكرة عن سياقها، خصوصا في المشاهد التي توصف الأحداث التي حصلت مع نعمان.
كما ان ورود هذا الفصل "فجر افريقي" انما هو تأكيد لما صرح به فانون، وهو ضرورة تبلور ادب كفاح ومقاومة.
" لا بد لكل جيل أن ينتشل رسالته من وسط الظلام، فإما ان يحققها وإما ان يخونها" ، في حديث فانون عن الثقافة كان يحذر المثقفين من انجرار الثقافة الى رواية المستعمر، وتحويرها والتلاعب فيها، حتى يقتنع السكان الاصليون ان الاستعمار نعمة لا نقمة، وفي هذا الصدد لم يتطرق فانون بشكل متوسع عن البرجوازيات والنخب الوطنية التي تقوم بعمل الاستعمار الذي يفضي الى تضليل الثقافة، فالبرجوازيات تروج للمواطنين انهم بحاجة للاستعمارـ وتستخدم في ذلك الشعارات المرحلية التي تلتف على الثقافة وتتلاعب على جهل المواطنين، فالناظر الى حال البلدان العربية في افريقيا يعلم تماما كيف تستخدم الثقافة والشعارات السياسية في خدمة ادوات الاستعمار، وتعزيز بقائها.
بلا شك فإن فانون ماركسي، وهذا ما رأيناه ينعكس على تحليله للشعوب المستعمرة والثورة، اذ انطلق في تحليله للشعوب من منظور طبقي، كما أكد على ان الثورة يجب ان تنطلق من الاسفل الى الاعلى حتى تكون مجدية، ونرى في هذا التقسيم لفانون انحياز نحو الارياف جغرافيا، ونحو الفلاح سكانيا، ونحو المثقفين والدور الذي يلعبونه على مستوى نهضة الامة.
الانحياز الاول منطقي جدا ولا غبار عليه، ففي كل البلدان المستعمرة تلعب الارياف دور الحلقة الاضعف على الرغم من الطاقات الهائلة التي تكمن في الريف، والتي اذا انطلقت سوف تبتر البرجوازية قبل ان تواجه الاستعمار...، اما الفلاحين فهم ملح الارض ووقودها، وهم اكثر الناس معرفة بمعنى الارض، وهم سلاح الامة اذا تم استخدامهم، وفي نفس الوقت مرض الأمة اذا تم حصارهم، لذا من الطبيعي ان يركز فانون على طبقة الفلاحين بالإضافة الى طبقة البروليتاريا، اذ فيها من الطاقات ما يشعل الثورة ويقودها، وفيها من الاضطهاد والتهميش والتشويه ما يكفي لتكون شعلة الثورة.
من خلال ما سبق يتضح ان انحياز فانون للفلاح والريف، انما هو من منطلق سيكولوجي نفسي، تركيبي، لا من منطلق كونه ماركسيا كما رأيت في بعض المراجعات النقدية التي قرأتها.
اما من حيث الثقافة فمن البديهي ان تأخذ اهتماما كبيرا، لأنها اداة التعبير عن الامة، كذلك هي الهوية المفقودة للأمة في بعض مراحل الكفاح الوطني ضد الاستعمار، هذا بالإضافة ان اي شعب خاضع للاستعمار بحاجة الى ادب مقاومة وكفاح، ان لم يكن شاحذا للهمم، يكن مؤرخا للأحداث وطابعا صور الحاضر في اذهان الشعوب، على سبيل المثال " الامة التي لم تنجب فانون عليها ان تنجب غسان كنفاني" نعم غسان لا بالجوهر ولكن بالقيمة الأدبية التي اضفاها على الكفاح الفلسطيني ضد الاحتلال، هذا الادب الذي تحول من ادب المقاومة الى مقاومة ثابتة واضحت المعالم، بالإضافة الى اثرها الكبير في نفوس الفلسطينيين.
رغم ذلك، يجب الاعتراف بأن أمر الثقافة اليوم اصبح اكثر تعقيدا من زمن فانون او حتى غسان، فالمستثقفين " الذين يدعون الثقافة" نراهم كالأعلام في الإعلام، يسرحون ويمرحون في هوية الأمة، ويشوهون الحقائق، ويفسدون مخيلات الشعوب، ومن البؤس ان نراهم صوتا للبرجوازية الوطنية والنخبة الحاكمة، وفي نفس الوقت هم صوت الجماهير ويتمتعون بقاعدة جماهرية واسعة يتلاعبون بها متى شاءوا وكيفما شاءوا.
يكفي الاستشهاد بمصر حاليا، ودول الخليج العربي، ومثل هذا التعميم لا يجب تم ينسينا ان هناك عدد لا بأس به من المثقفون الفردانيون، المنفيون في بلدانهم.











#مهند_بياري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- ?? مباشر: عملية رفح العسكرية تلوح في الأفق والجيش ينتظر الضو ...
- أمريكا: إضفاء الشرعية على المستوطنات الإسرائيلية في الضفة ال ...
- الأردن ينتخب برلمانه الـ20 في سبتمبر.. وبرلماني سابق: الانتخ ...
- مسؤولة أميركية تكشف عن 3 أهداف أساسية في غزة
- تيك توك يتعهد بالطعن على الحظر الأمريكي ويصفه بـ -غير الدستو ...
- ما هو -الدوكسنغ- ؟ وكيف تحمي نفسك من مخاطره؟
- بالفيديو.. الشرطة الإسرائيلية تنقذ بن غفير من اعتداء جماهيري ...
- قلق دولي من خطر نووي.. روسيا تستخدم -الفيتو- ضد قرار أممي
- 8 طرق مميزة لشحن الهاتف الذكي بسرعة فائقة
- لا ترمها في القمامة.. فوائد -خفية- لقشر البيض


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - مهند بياري - معذبو الأرض وأهمية الثقافة