الإسلام دين العرب - 1/2

محمود عباس

الحوار المتمدن-العدد: 5016 - 2015 / 12 / 17 - 20:39
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    

لئلا يخلق البحث جدال خارج السياق المطروح، ننوه أن المعروض ليس رؤية في ماهية الإسلام، أو انتقاص من الشعب العربي وقيمه، فنقد الإسلام السياسي العروبي في سياقه السلطوي أو السياسي، ومسيرته التاريخية أو سيرة رواده موضوع خارج السياق القادم. بحث لتبيان بعض الخلافات الفكرية حول شمولية الإسلام، كونيته أو عدمه؟ وهل هو دين قسم على مناهج وتأويلات رواد في طرفي نقيض: الإسلام العنفي، والإسلام الروحي، وبينهما سلسلة طويلة من المذاهب والطوائف، أدت إلى ظهور عدة أديان يسمون جدلا، بالإسلام، فأيهم الإسلام الصحيح أو الإسلام المنحرف؟ فلكل طرف دعاته، ومناصريه، وفقهاءه، وشعوب تتبعه.
دين ظهر للعرب وحدهم، أم للبشرية جمعاء؟ سؤال بحث فيه العديد من الكتاب والمفكرين. بناءً على مبدأ الإسلام ذاته، والراسخ بأن الله أرسل لكل قوم نبياً من ملتهم، فمحمداً كان من أوسط القبائل العربية، قاد الإسلام وغزواته وسيطر عليه قادة العرب الجاهليين، نفسهم الذين كانوا قادة قريش في الجاهلية، ونادرا ما ظهر بينهم من العامة، أو من بؤساء القبائل العربية الجاهلية أو من قريش، وسجالات سقيفة بني ساعدة تؤكد على هذه الحقيقة، كما ولم يبرز أحد من الموالي إلا في نهايات العصر العباسي، وهذه لها خلفيات سياسية عميقة.
تلائم الإسلام وذاتية القبائل العربية وخصوصيات قريش، وفي معظم مفاهيمه يختلف عن الإسلام الذي أقتنع به الشعوب الإسلامية الأخرى، حتى ولو كان ذاك هو ملهمهم، بينهما تناقضات عميقة، حتى في تعريفهم للإله، وعلاقته بالزمن والنهاية أو اللانهاية، وأوسع هوة فصلتهم كان التطبيق العملي، وهي أن معظم دعاة المسلمون العرب خرجوا من شبه الجزيرة العربية على مبدأ الجهاد العنفي وكان هو منطقهم في الغزو، مع فارق في الاسم، وإلى الأن يستمرون على نفس النهج، إلى أن يستسلم آخر فرد على الأرض، ومنهم أكثر الفقهاء والطوائف التي تستند على آيات دون أخرى وردت في هذا السياق.
كما وعكست في مرحلة المدينة العديد من عاداتهم، وأعادت مجد قريش في الكعبة، وركزت على عادة الغزو بين القبائل العربية، والتي استندت عليها الخلفاء والسلاطين لغزو البشرية جمعاء، تحت تأويلات ذاتية لمجازيات في القرآن حول مفاهيم الغزو والجهاد ونشر الإسلام، خدمت مآربهم، للانتقال من غزو البعض ضمن شبه الجزيرة العربية إلى غزو الإمبراطوريتين المجاورتين بعد تصاعد قوتهم.
قبلها كانت عوالم أغلبية القبائل العربية محصورة في الجزيرة العربية وأطراف الصحراء، مع التناسي لآيات مخالفة، تنادي بالسلام بينهم، وحيث الحجج والتأويلات المتنوعة على الظروف التي نزلت فيها تلك الآيات العنفية، والحجج بذاتها تسند منطق الحصر لا الشمولية، وغيرها من المفاهيم التي أدت إلى صراع بين الشعوب منذ ظهور الإسلام، ولا يزال مستمراً، تحولت وعلى مراحل تاريخية، من الصراع على السلطة إلى الصراع على المفاهيم، ومن الخلافات في علم الكلام، إلى الصراع بين المذاهب، وهو في بعده الأعمق صراع بين مفاهيم وعادات وتقاليد العرب والشعوب التي تحاول التغيير في الدين لتتلاءم وخصوصياتهم.
يظهر تلاءم الإسلام في كليته مع القبائل العربية، من خلال سندين أساسيين، وأخرى تكملهما، بخلاف معظم الشعوب الإسلامية الأخرى:
1- العديد من العبادات والمفاهيم تلاءمت مع عباداتهم وتقاليدهم الجاهلية وكرست بعضها، مع بعض التغييرات، استند على عتباته العرب للسيطرة على المناطق المحاطة بصحرائهم، وعليه كان سهلا لهم نشر مفاهيم الإسلام، لترسيخ سلطتهم، وعلى أسس مفاهيم الإسلام نشروا عادات وتقاليد العرب، وباسم الإسلام الكلي دون التعمق في الجزئيات وتأويلات الفكر والبعد الروحي، أخرجوا الإسلام من النطاق العربي، علماً بأن معظم هذه المفاهيم الروحية كانت غير مقبولة لمعظمهم، منقولة من الأديان الأخرى التي كانت قد بدأت تنتشر وبصعوبة في شبه الجزيرة العربية، يتبناها العديد من الذين كانوا ينادون بالنبوة، وينشرون المفاهيم الروحية، وبينهم شعراء.
2- الإسلام بني على لسان قريش، لغة القرآن، لتتطور وتحصر في ذاتها لهجات جميع القبائل وتشكل اللغة العربية، والتي لم تكن مفهومة للعديد من القبائل العربية ذاتها، فقد كان بينهم اختلافات عميقة. ولم تكن لغة مفهومة للشعوب المجاورة، وبقي لسان العرب ولغة القرآن غريبة عنهم على مدى أكثر من قرنين بعد الاجتياحات، وظلت مفاهيم الإسلام أو معاني أجزاء واسعة من القرآن الواردة بلهجة قريش غير مفهومة لديهم على مدى عقود طويلة للنخبة وللمجتمع قرون طويلة، ولا تزال غير مفهومة حتى الأن عند العديد من الشعوب الإسلامية، إلا تلك المفاهيم التي تعكس عاداتهم وتقاليدهم. علما أن العديد من القبائل العربية الجاهلية التي قيل بأنها نشرت الإسلام، لم تكن تعرف من الإسلام إلا فتاته أو لم تكن مسلمة، ومعظمهم كانوا حديثي العهد بالإسلام، ولا يفهون لهجة قريش في كثيره، لكنهم كانوا يغزون من أجل الغنائم، ولم يكونوا مطلعين على لغة القرآن إلا في بعضه، وتلقفوا الأجزاء الملائمة للحض على الغزو والغنائم والسبي، والآيات التي هي من صلب عادات القبائل العربية، وحفظ القرآن بلهجاتهم من الأسباب التي أدت إلى خلافات حادة بين حفظة القرآن، وكانت تلك من الأسباب التي حرضت عثمان بن عفان على جمعها.
3- الإسلام يعكس في معظمه مدارك القبائل العربية في تلك الحقبة من الزمن، ومفاهيمه، وطرق معيشته، لذلك تمكن محمد من جمعهم وبزمن قصير، تحت غطاء لغة واحدة، وقضت على لهجاتهم العديدة والمختلفة، وفرض عليهم العديد من الطقوس الدينية التي كانت محصورة في مكة بين قريش وبعض القبائل المجاورة، وأشركهم ضمن عصبية الإسلام والعرب، والتي لم تنفصل عن بعضها على مدى عصر الخلافات العربية، بعكس الشعوب الأخرى التي دخلت الإسلام إما رغبة أو عنفا، ولم تكن تفهم اللغة العربية ، وكانت تابعة للسلطة السياسية، وفرزوا كموالي على مدى قرون من الزمن، أي كانوا ومازالوا من الطبقة الثانية في الإسلام، في الواقع الفعلي، خاصة وأن معظمهم ظلوا لا يعرفون قراءة القرآن ولا يفهمون اللغة العربية، والإسلام يستند في كليته على هذه اللغة، وهي لغة الدين، ولغة القرآن، حيث تعاليم ومبادئ الإسلام من خلال مجازياته وتأويلاته اللغوية المستسقاة من عصر الظهور، ولا يمكن التعمق في تفاصيل الإسلام إلا بمعرفة اللغة العربية...
يتبع...
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
[email protected]
12-7-2015

#محمود_عباس (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات