أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - جذور أسطورة الطوفان















المزيد.....

جذور أسطورة الطوفان


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 5012 - 2015 / 12 / 13 - 22:52
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



تــُـعتبر ملحمة جلجامش البابلية أشهر ملحمة تناولتْ أسطورة (الطوفان) ويرى كثير من العلماء والباحثين الذين اهتموا بترجمة ودراسة ملحمة جلجامش أنّ جذورها تعود إلى الثقافة السومرية ، حيث أنّ السومريين والأكاديين شكــّـلوا الأرضية الحقيقية لحضارة ما بين النهريْن. واختلط السومريون – منذ هجرتهم إلى أرض الرافديْن – بالسكان الأصليين حوالىْ منتصف القرن الرابع قبل الميلاد ، وبقى تأثيره الحضارى والثقافى من حيث اللغة والمعتقدات (الدينية/ البدئية) والكتابة المسمارية. وأنّ السومريين قـدّموا النموذج الحضارى والثقافى الذى بقى حيـًـا ومؤثرًا بعد زوال دولهم وتخريب مدنهم وانقراض شعوبهم . وأنّ البابليين والآشوريين أخذوا عنهم – بجانب الكتابة المسمارية على الألواح الطينية – الكثير من التفكير، ومن أشكالهم الفنية والأدبية ، ثم طوّروها بعد ذلك فى أعمال أنضج وأكمل ، وكان من بين تلك الأعمال ملحمة جلجامش (د. عبد الغفار مكاوى فى مقدمته لترجمته ملحمة جلجامش – هيئة قصور الثقافة – عام 2003)
وكتب الباحث العراقى (طه باقر) فى مقدمة ترجمته لملحمة جلجامش ((هناك مجموعات كثيرة بالسومرية والبابلية تدور حول أصل الوجود والخليقة وأصل الكون والآلهة والحضارة وعلى رأسها قصة الخليقة البابلية وما يضاهيها من أصول فى النصوص السومرية مثل ملحمة جلجامش)) (سلسلة الثقافة العامة- وزارة الإعلام العراقية- عام 1971)
وكتب المفكر السورى فراس السواح أنّ أسطورة الطوفان سبق أنْ تكرّرتْ خطوطها العريضة – مع بعض التنويعات – لدى السومريين والبابليين (ثم) العبرانيين . ومع السفن الفينيقية انتقلتْ الأسطورة إلى اليونان ، فتروى لنا الأسطورة الإغريقية أنّ كبير آلهة الأوليمب (زيوس) قرّر تدمير الحياة على الأرض ، فأرسل طوفانــًـا عارمـًـا استمرّ تسعة أيام قضى على الناس أجمعين إلاّ رجلا واحدًا وامرأة واحدة (زوجة الرجل) وطافا بسفينة استقرّتْ بهما على قمة جبل البرناس . وقد رأى (زيوس) بعد ذلك أنْ يـُـسرع بإعادة الحياة إلى الأرض ، فأمر الزوجيْن بأنْ يقوما برمى الأحجار الصغيرة خلفهما ، فتحوّلتْ هذه الأحجار إلى مخلوقات حــية.
ومن المثير للتأمل أنّ أسطورة الدمار الشامل شائعة فى أماكن مُــتفرّقة من العالم ، وبين شعوب لا يربط بينها مكان أو زمان ، ففى بوليفيا نجد لدى السكان الأصليين أسطورة عن دمار العالم بواسطة (نار سماوية) قضتْ على جميع مظاهر الحياة عدا رجل واحد لجأ إلى كهف وتزوّد بالماء والمؤن الكافية. وبين وقت وآخر كان يمد عصا طويلة من ثقب صغير فى باب كهفه ، فتعود العصا مُـسودة ساخنة ، فيعرف أنّ النار مازالتْ مُــلتهبة فى الخارج ، إلى أنْ مـدّها مرة فعادتْ باردة ، فعرف أنّ طوفان النار قد انحسر عن الأرض ، ففتح باب كهفه ليرى الأرض محروقة موحشة وأنه الكائن الوحيد على سطحها. وفى نيوزلندا أسطورة مُـشابهة عن (حريق سماوى) حيث قام أحد الأبطال من البشر بسرقة النار السماوية ، والفرار بها إلى الأرض . وقام هذا البطل بالقضاء على العملاق حارس النار، وسلبه الشعلة المُـقـدّسة وأتى بها إلى قومه ، ولكنها سقطتْ من يده ، فانسكب لهيبها وطغى على الأرض . فرفع يديه وتضرّع إلى السماء مُـستنجدًا بإله المطر الذى حاول إطفاء النار، ولكنه فشل . ثم لجأ الرجل إلى إله العواصف والأعاصير، وأيضـًـا فشل فى السيطرة على النار، التى تابعتْ التهامها للأرض . فاجتمع كل الآلهة وسلــّـطوا فيضاناتهم لتغمر العالم وتــُـطفىء النار. وهذه الأسطورة فيها تقارب مع أسطورة (برومثيوس) اليونانية حيث أنّ برومثيوس سرق النار الإلهية من السماء .
ولدى هنود كاليفونيا أسطورة مُـماثلة ، حيث يقوم أحد الأبطال بسرقة النار من السماء ، ولكنها تقع من يده وتحرق العالم . وتتناقل قبائل البرازيل حكاية (طوفان عظيم) وكذلك قبائل غينيا وأميركا الوسطى الشمالية ، وبعض القبائل الأوروبية (قبل ميلاد المسيح) وكذلك فى أسطورة هندية أنّ فيضانــًـا غمر العالم ولم ينج منه سوى رجل وامرأة كانا على قمة مرتفعة. وبعد انحسار الفيضان ارتجفا من شدة البرد ، فعطف عليهما أهل القمر وأرسلوا لهما نارًا للتدفئة.
وكان من رأى فرس السواح أنّ شيوع أساطير الطوفان والدمار الشامل فى جميع أنحاء العالم ، يـُـثير مسائل شتى تتعلق بتفسير هذا النوع من الأساطير وبواعث نشأتها ، فهل تنقل لنا هذه الرويات المُـرعبة أحداثــًـا تاريخية وقعتْ فى أزمان سحيقة قبل التاريخ المكتوب ، وترسـّـختْ فى ذاكرة البشر؟ ومع ملاحظة أنّ هذا (التفسير/ الاجتهاد) رغم جاذبيته ، لا تؤكده الدراسات الجيولوجية والأركيولوجية حتى الآن . أم أنّ هذه الأساطير تكشف عن نوازع نفسية ورغبة لا واعية فى تدمير الذات ؟ وهل هى (أساطير الطوفان) إحساس عارم بالإحباط من (حضارات) تسير فى اتجاه مُـخالف لسعادة الإنسان ، حضارات يجب تدميرها كلــّـما أحكمتْ حلقاتها وضيـّـقتْ خناقها على البشر؟ (مغامرة العقل الأولى – دار علاء الدين بدمشق – عام 1976- من ص 153- 155)
تتشابه أساطير الشعوب القديمة مع ما ورد فى الديانة العبرية بشعبها الثلاث (اليهودية/ المسيحية/ الإسلام) فى محاور عديدة من محاور أسطورة الطوفان ، ومن بين تلك التشابهات 1- أنّ الطوفان تمّ بناءً على أمر إلهى (أو سماوى) بتدمير الأرض بواسطة الطوفان 2- اختيار واحد من البشر لانقاذ مجموعة صغيرة من البشر وعدد محدود من الحيوانات 3- انتهاء الطوفان واستمرار الحياة من جديد بواسطة الذين نجوا من الدمار 4- وجود سفينة تحمل (المؤمنين) بالقدر الإلهى . وجاء فى الأسطورة السومرية بالنص ((إنــّـا مرسلون طوفانــًـا من المطر.. فيقضى على بنى الإنسان.. ذلك حكم وقضاء مجمع الآلهة.. حيث أمر الإله (آنو) والإله (إنليل) فنضع حدًا لملكوت البشر))
أما أسطورة الطوفان البابلية فإنّ بطل الأسطورة (جلجامش) بطل مدينة (أوروك) وملكها ، ثلثه إله وثلثاه بشر. وقد قضى حياته فى الصيد واللهو والبطش بالناس .
أسطورة جلجامش طويلة يصعب تلخيصها ويمكن الرجوع إليها فى المصادر التى ذكرتها فى بداية المقال ، ولكننى سوف أركــّـز على المقاطع التى انتقلتْ إلى الديانة العبرية ، من ذلك الحوار الذى دار بين أوتونا لشتيم وجلجامش الذى قال للأول : سأكشف لك أمرًا كان مخبوءًا ، وأبوح لك بسر من أسرار الآلهة.. (شوريباك) مدينة أنت تعرفها.. تقع على شاطىء نهر الفرات.. لقد شاختْ المدينة والآلهة فى وسطها.. فحـدّثتهم نفوسهم أنْ يُـرسلوا طوفانــًـا.. كان هناك الإله (آنو) أبوهم والإله (إنليل) قالت الآلهة ل (أوتو) قوّض بيتك وابن سفينة.. اهجر ممتلكاتك وانج بنفسك.. اترك متاعك وانقذ حياتك.. اعمل على حمل بذرة كل ذى حياة.. والسفينة التى أنت بانيها ستكون وفقــًـا لمقاسات مضبوطة.... فقال : سأضع نصب عينىّ ما أمرتنى به.. وأعمل على تنفيذه.. ثمّ قال لخادمه أنْ يـُـبلــّـغ (الناس) رسالته وهى : قل لهم إنّ الإله (إنليل) يكرهنى.. وعلىّ بعد الآن ألا أبقى فى مدينتكم.. وأنْ لا أدير وجهى نحو أرض إنليل.. أما أنتم فسوف ينزل عليكم مطر وافر..... وبعد عدة مقاطع من الأسطورة قال : ((وفى اليوم الخامس أنهيتُ هيكل السفينة)) ثم نقرأ أنه أخذ معه الزيت وعصير العنب والخمر الأحمر والخمر الأبيض.. إلخ.. ثم قال له الإله (شمش) : ((عندما يُـرسل سيد العاصفة مطرًا مُـدمـّـرًا فى المساء.. أدخل الفــُـلك وأغلق عليك بابك)) وما أنْ أزف الموعد.. حتى أرسل سيد العاصفة مطرًا مُـدمّـرًا فى المساء ((قلــّـبتُ وجهى فى السماء.. كان الجو مُـرعبـًـا للنظر.. دخلتُ السفينة وأغلقتُ علىّ بابى.. وما أنْ لاحتْ تباشير الصباح.. حتى علتْ الأفق غيمة كبيرة سوداء.. يُـجلجل فى وسطها صوت (حِدد) إله البرق والرعد والصواعق والأمطار)) ثورة (حِدد) بلغتْ حدود السماء.. ما كان مُـضيئــًـا أحالته إلى ظلمة.. وقام بتحطيم الأرض كما لو كانت مثل (جرة) من الفخار.. عصفتْ الريح العاتية يومًا كاملا.. بعنف عصفتْ.. أتتْ على الناس وحصدتهم كما الحرب.. حتى عمىَ الأخ عن أخيه.. وبات أهل اسماء لا يرون أهل الأرض.. حتى الآلهة ذعروا من هول الطوفان.. وهربوا وانكمشوا كالكلاب الخائفة.. وصرختْ (عشتار) كامرأة فى المخاض.. ناحتْ سيدة الآلهة وقالت ((لقد آلتْ إلىّ طين تلك الأيام فى مجمع الآلهة.. ذلك بأننى نطقتُ بالشر فى مجمع الآلهة.. فكيف استطعتُ أنْ آمر بمثل هذا الشر؟ كيف استطعتُ أنْ آمر بالحرب لتدمير شعبى ؟ تدمير من أعطيتهم أنا الميلاد.. وها هم يملأون اليم (= البحر) كصغار السمك)) ثم بكى آلهة (الأوناكى) وجلسوا يندبون وينوحون.. ستة أيام والرياح تهب والعاصفة وسيول المطر تطغى على الأرض.. ومع حلول اليوم السابع.. العاصفة والطوفان خفــّــفتْ من وطأتها.. وأخذ البحر يهدأ والطوفان يتوقف...... فى اليوم السابع أتيتُ بحمامة وأطلقتها فى السماء.. عادتْ ولم تجد مُـستقرًا.. ثم أطلقتُ (سنونو) ولم يجد مُـستقرًا.. ثم أطلقتُ الغراب.. ولما رأى الماء قد انحسر.. أكل وحطـّ ولم يعد..
بعد ذلك نفهم من النص أنّ جلجامش اطمأنّ وفرح حيث قال ((سكبتُ خمر القربان على قمة الجبل.... تشمّم الآلهة الرائحة الذكية وتجمّـعوا على الأضحية كالذباب.... وفتح الإله (إيا) فمه وقال مُـخاطبـًـا الإله إنليل : كيف جلبتَ هذا الطوفان ؟ حمل المُـذنب ذنبه.. والآثم إثمه.. أمهله حتى لا يُـفنى.. ولا تــُـهمله حتى لا يفسد.. كيف تستطيع بدل الطوفان أنْ تــُـسلــّـط الأسود لتنقض على البشر؟ كنتَ تستطيع أنْ تــُـطلق الذباب فتنقص من أعدادهم.. أو تــُـحدث القحط الذى يهلك البلاد...... ثم قال (أوتو) صعد إنليل إلى السفينة.. وأخذ بيدى وأصعدنى معه.. كما أصعد زوجتى أيضــًـا وجعلها تركع إلى جوارى.. ثم وقف بيننا ولمس جبهتينا مُـباركــًـا وقال : ((ما كنتَ يا أوتو إلاّ بشرًا فانيـًـا.. ولكنك وزوجتك منذ الآن ستغدوان مثلنا خالديْن))
يُـلاحظ على النص البابلى أنه تضمـّـن مغزى غاية فى الأهمية عندما عبـّـرتْ الإلهة (عشتروت) عن ندمها حيث قالت ((إننى نطقتُ بالشر فى مجمع الآلهة.. كيف استطعتُ أنْ آمر بمثل هذا الشر؟ كيف استطعتُ أنْ آمر بالحرب لتدمير شعبى ؟ تدمير من أعطيتهم أنا الميلاد)) ليس ذلك فقط ، وإنما جاء بالنص البابلى أنّ الآلهة شعروا بالندم وبكوا وجلسوا يندبون وينوحون ، وهذا المغزى المُـحمـّـل بشعور الندم (وهو شعور فيه إسقاط ورمزية على أهمية الاعتراف بالخطأ ، وبالتالى فإنّ كاتب النص شبّـه الآلهة بالإنسان ، أى أنه أضفى بـُـعدًا إنسانيـًـا على الأسطورة) وأنّ ذلك المغزى (الإنسانى) لم يرد فى أسطورة الطوفان الواردة فى كتب الديانة العبرية.
وفى نص آخر عن أسطورة الطوفان البابلية وتشابهها مع الديانة العبرية ورد فيه : لقد عمرتْ الأرض وتكاثر الناس.. تكاثروا حتى تخمتْ بهم الأرض.. وتزايدوا حتى أزعجوا الإله (إنليل) بتجمعاتهم.. لقد وصل ضجيجهم إليه فى عليائه.. فقال للآهة الكبرى : لقد ازداد صخب البشر.. وجعل النوم بعيدًا عن عيونى.. فلتــُـقلع الأشجار التى تــُـطعمهم.. ولتعلو بطونهم طلبـًـا للطعام.. وليمنع الإله (حِدد) فى الأعالى مطره عنهم..وفى الأعماق فلتنضب مياه الينابيع.. وليتوقف سيل المياه فى العيون.. ولتهب الرياح.. لتحرم السماء من غيومها.. وتصير الأرض دونما مطر.. لتمنع الحقول غلالها.. قوّض بيتك وابن سفينة. اهجر ممتلكاتك.. وخلــّـص حياتك. ولتعصف الأوبئة والأمراض بالناس أجمعين.. ولتــُـغلق الأرحام فلا حبل ولا ولادة.. فكان كما قال..
000
بعد هذا العرض لنصوص من تجارب الشعوب القديمة ، كتب المفكر السورى فراس السواح ((إنّ التشابه بين النصوص البابلية والنص التوراتى يدعو لكثير من التأمل والتفكير، ومرة ثانية تطرح نفسها مسألة التفسير بقوة أكبر، لقد كتب مؤلفو التوراة نص الطوفان مُـعتمدين بشكل واضح على أكثر من نص بابلى ، مع بعض التعديل والتغيير، ومعظم التعديلات تتعلــّـلق بخاصية الإله الرئيسى ، فبينما تزدحم الرواية البابلية بالآلهة مُــتناقضة الأهواء والرغبات ، يتفرّد (يهوه) بالفاعلية الرئيسية فى الرواية التوراتية ، وفيما عدا ذلك فإنّ الرواية التوراتية تتــّـبع نفس المُـخطط العام الذى أسّـستْ له الأسطورة السومرية)) (مغامرة العقل الأولى- دار علاء الدين بدمشق – عام 1976- ص 181)
ورد الطوفان التوراتى فى الإصحاح السادس والسابع والثامن والتاسع من سـِـفر التكوين وفيه نقرأ ((لما ابتدأ الناس يكثرون على وجه الأرض وولد بنات ، رأى بنو الله بنات الناس أنهنّ حسنات فاتخذوا لهم نساء من جميع من اختاروا . فقال الرب لا تحل روحى على الإنسان أبدًا... وكان على الأرض جبابرة فى تلك الأيام.. وأيضـًـا بعد أنْ دخل بنو الله على بنات الناس وولدن لهم أولادًا.. أولئك هم الجبابرة المذكورون منذ الدهر. ورأى الرب شر الناس قد كثر على الأرض... فحزن الرب على أنه عمل الإنسان على الأرض وتأسـّـف من قلبه. فقال الرب أمحو الإنسان الذى خلقته على وجه الأرض.. الإنسان والبهائم والدبابات وطير السماء لأنى حزنتُ أنى عملتهم.. أما نوح فوجد نعمة فى عينىْ الرب.. ورأى الله فإذا الأرض قد فسدتْ.. فقال الله لنوح قـدّرنا أجل كل بشر بين يدى.. فقد امتلأتْ من أيديهم جورًا فها أنا مُـهلكهم مع الأرض.. اصنع لنفسك فــُـلكــًـا من خشب.. وها أنا ذا آتٍ بطوفان مياه على الأرض لأهلك كل جسد فيه روح... وأقيم عهدى معك فتدخل الفــُـلك أنت وبنوك وامرأتك ونسوة بنيك معك.. ومن كل حى من كل ذى جسد اثنين تدخل الفــُـلك لاستبقائها معك.. ذكرًا وأنثى تكون.. إلخ وقال الرب لنوح : من جميع البهائم الطاهرة تأخذ معك سبعة ذكرًا وأنثى.. إلخ وكان الطوفان أربعين يومًا على الأرض وتكاثرتْ المياه ورفعتْ الفــُـلك فارتفع عن الأرض... فمحا الله كل قائم كان على وجه الأرض.. الناس والبهائم والدبابات وطيور السماء.. فانمحتْ الأرض وتبقى نوح والذين معه فى الفــُـلك فقط.. وبعد أنْ ((نشفتْ الأرض)) أى انتهى الطوفان ، كشف نوح الغطاء عن الفــُـلك ونظر فإذا وجه الأرض قد نشف.. فكلــّـم الله نوح قائلا : اخرج من الفــُـلك أنت وامرأتك وبنوك ونساء بيتك معك.... ولتتوالد فى الأرض وتــُـثمر وتكثر على الأرض.... فبنى نوح مذبحـًـا للرب.. إلخ.
ومن عجائب التوراة أنّ نوح (المُـبارك) كما جاء فى السـِـفر التاسع ((شرب من الخمر وتعرّى داخل خبائه. فأبصر حام أبوكنعان عورة أبيه وأخبر أخويه. فأخذ سام ويافث الرداء ووضعاه على أكتافهما ومشيا إلى الوراء وسترا عورة أبيهما ووجهاهما إلى الوراء ، فلم يُـبصرا عورة أبيهما.. فلما استيقظ نوح من خمره علم ما فعل به ابنه الصغير (أى حام) فقال ملعون كنعان.. عبد العبيد يكون لإخوته. وقال مُـبارك الرب إله سام وليكن كنعان عبدًا لهم))
000
ومما يؤكد الطابع البشرى – كما فى أساطير الشعوب السابقة على الديانة العبرية – التناقض الواضح فى التوراة ، حيث أنّ كاتب الإصحاح السادس ذكر أنّ نوح سيأخذ معه من البهائم بأصنافها من جميع الدبابات ، أى أنه لم يشترط إذا كانت طاهرة أو غير طاهرة ، بينما فى الإصحاح السابع نصّ على أنّ نوح سيأخذ معه ((من البهائم الطاهرة والبهائم التى ليست طاهرة)) والتناقض الثانى ورد فى الإصحاح السابع حيث كان الطوفان أربعين يومًا وأربعين ليلة ، بينما فى الإصحاح الثامن ((ونقصتْ المياه بعد مائة وخمسين يومًا))
ويبدو التشابه الكبير بين الأسطورة البابلية والتوراة فى مسألة الاستعانة بالحمام والغراب لمعرفة أنّ المياه قد انحسرتْ وهو ماور فى الإصحاح الثامن.
000
وبعد التوراة جاء القرآن فأكــّـد على أسطورة الطوفان فقال : أرسلنا نوحًا إلى قومه.. فكذبوه فأنجيناه والذين معه فى الفــُـلك وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا (الأعراف/ من 59- 64) وتكرّر نفس المعنى فى سورة يونس/ من 71- 73. وتكرّر فى سورة هود/ من 25- 48) وتكرّر فى سورة الأنبياء/ 75، 76) وتكرّر فى سورة المؤمنون/ من 23- 29. وتكرّر فى سورة الفرقان /37. وتكرّر فى سورة الشعراء/ من 105- 120. وتكرّر فى سورة الصافات / من 75- 82. هذا بخلاف سورة كاملة بعنوان (نوح) وجاء فى التوراة ((عاش نوح بعد الطوفان ثلاثمائة وخمسين سنة. فكانت كل أيام نوح تسع مائة وخمسين سنة ومات)) (تكوين- إصحاح 9/28، 29) وقد تطابق القرآن مع ما ورد فى التوراة عن عمر نوح ، فنصّ على ((ولقد أرسلنا نوحـًـا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلاّ خمسين عامـًـا فأخذهم الطوفان وهم ظالمون)) (العنكبوت/14)
***



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التكوين الكنعانى والتكوين التوراتى
- الأساطير بين الأديان وانتاج الشعوب
- الديانة العبرية والموقف من مصر
- المخابرات الأمريكية وصناعة الإسلاميين
- زهران وخميس والبقرى
- المتعلمون المصريون والهوس بالأصولية الإسلامية
- الفنون والثقافة القومية لا الأديان
- قراءة فى أحاديث البخارى المتنوعة
- نبى الإسلام المميز فى البخارى
- المُطلق فى أحاديث البخارى
- أسباب النزول فى صحيح البخارى (7)
- البداوة فى صحيح البخارى (6)
- الميتافيزيقا فى صحيح البخارى (5)
- العبودية فى صحيح البخارى (4)
- البخارى وأحاديثه عن الغزو (3)
- قراءة فى صحيح البخارى (2)
- قراءة فى صحيح البخارى (1)
- بورتريه عن شخصية خالتى
- كروان (وحيد) بين الغربان
- كيف نشأ الجيش فى مصر القديمة


المزيد.....




- نزل قناة mbc3 الجديدة 2024 على النايل سات وعرب سات واستمتع ب ...
- “محتوى إسلامي هادف لأطفالك” إليكم تردد قنوات الأطفال الإسلام ...
- سلي طفلك مع قناة طيور الجنة إليك تردد القناة الجديد على الأق ...
- “ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على النايل ...
- مسجد وكنيسة ومعبد يهودي بمنطقة واحدة..رحلة روحية محملة بعبق ...
- الاحتلال يقتحم المغير شرق رام الله ويعتقل شابا شمال سلفيت
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- صالة رياضية -وفق الشريعة- في بريطانيا.. القصة الحقيقية


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - جذور أسطورة الطوفان