أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صادق البصري - أحلام عباس زوره














المزيد.....

أحلام عباس زوره


صادق البصري

الحوار المتمدن-العدد: 5012 - 2015 / 12 / 13 - 21:33
المحور: الادب والفن
    


أحلام عباس زوره

يعيش - عباس زوره - مع أولئك الناس الذين يقيمون اليوم في بيوت على ( ارض التجاوز) أو ما يسمى اصطلاحا بأحياء التنك أو تلك العشوائيات التي بنيت عنوة على ارض تابعة للدولة خارج المدن بدون ترخيص في البناء .
تجمع تلك المساكن رجال ونساء وأطفال وشيوخ وعجائز ، يخرج الرجال والصبية مع بزوغ الفجر ويعودون مساءا إلى البيوت ،
في أماكن أعمالهم لايفكرون أنهم يسكنون بيوت التجاوز ولا يصرحون بذلك ، يعود عباس زوره ليجد إن زوجته أعدت له وجبة عشاء يأكل نصفها ويترك ما تبقى لأطفاله ومن ثم يتحدث مع زوجته عن يوم عمله وما صادفه من حوادث ، ويتطرق إلى طموحاته وآماله وخططه المستقبلية ويشمل الحديث الأطفال وسؤاله عن مدارسهم البعيدة المكتظة ، وبعد إن يفرغ يقلب قنوات التلفزيون بشيء من اللامبالاة وتبهره تلك الألوان والصور وحياة الناس والحوادث والكوارث والحروب والتفجيرات والجرائم المروعة التي تحدث هنا وهناك فيستقر أخيرا على قناة الحيوانات - كما دأب على تسميتها- والتي كان يفضلها من بين أكثر من ألف قناة تلفزيونية حيث تمنحه لساعة استقرارا نفسيا بعد إن تطارده تلك المشاهد المروعة والأخبار السياسية وقنوات الوعظ الديني ولعلعة أصوات المحللين التي يقرف من متابعتها ، يستقر على قناة الحيوانات وغالبا ما تستهويه لأنها تتسم بالهدوء وظرف الحيوانات وتنقلها في الغابات ووسط المساحات الخضراء وحريتها التي لا تحدها حدود كما يراها ، ويشغله طرق كسبها لقوتها وطرق تزاوجها وكدحها وحرصها على مواليدها ، وبعد إن تثقل جفونه يقول لزوجته تصبحين على خير بعد إن يخلد الأطفال للنوم ، هكذا في كل يوم عباس زوره يشتاق إلى النوم الذي يوفر له أحلاما بالأرض الواسعة الخضراء وفتاة حسناء وينبوع ماء وأشجار فاكهة قطوفها دانية ، وهو بذلك يكون فارس أحلامه بصورة لم يسبق لها مثيل تقريبا ، عندما ينام فانه يجد نفسه وسط مزرعة شاسعة يسير ساعات وساعات دون إن يصل إلى نهاية ، يرى في سمائها الطيور بألوان مختلفة وهي تحلق ، وأشجار الفاكهة ويقابل الحيوانات التي تتقرب منه بتودد وألفة ، يتنقل عباس زوره من مكان إلى مكان في مزرعته الشاسعة الحلم ، يقطف الفاكهة ويغرف من ماء النبع ومن ثم ينتقل إلى كوخه وسط المزرعة ليلاقي فتاته الحسناء يداعبها ويتبادل معها القبل وتحدثه بلغة يفهمها وحده بلهجة ساخرة ، يتضاحكان ويتبادلان النكات ثم ينزويان في كوخهما الصغير ليمارسا الحب في وداعة تامة ، وفي مرة من رحلات احلامه عباس زوره أصبح يرى أثناء تجواله وهو في مزرعته الشاسعة رجال غلاظ بلحى يرتدون ملابس غامقة يحملون بأيديهم الفؤوس والمطارق ونساء متوسطات في العمر دميمات بأردية سوداء يقفن في باب الكوخ يطيلن النظر إليه عن بعد ،وبعضهن يتجولن في المزرعة وحولهن صبية يزعقون ويثيرون الضوضاء يقتربن أحيانا منه بلا كلام ونظرات الغضب تشع من عيونهن ، ثم يجرين وكأنهن أ أشباح لاترى ولكنهن يقفن أحيانا لبرهة في مكان قرب ساقية النبع متوعدات يلوحن بأيديهن بغضب ويكيلن بالشتائم له، وهن يرتدين أردية سوداء وجوارب سوداء ويتلفعن بملاءآة سوداء ،ومن شدة هلعه يهرب عباس زوره وفي اللحظة ذاتها يسدل الستار على حلم ليلته تلك .

عندما يكون عباس زوره منشغلا في عمله فانه ينسى تلك الأحلام ولا يشغله سوى عمله ولكنه عندما يعود إلى مسكنه في حي التجاوز والذي حصل عليه بشق الأنفس إذ باع كل ما يملك وما ادخره وما استدانه ثمنا له إذ إن لبيوت التجاوز أيضا أثمان حيث سلم الشيخ مبلغا من المال نظير قطعة الأرض الصغيرة التي بنى عليها غرفته وكان قد استحوذ الشيخ على ارض كبيرة خارج المدينة نظير لاشيء وباعها بالأمتار على زوره وأشباه زوره ممن يتعذر عليهم شراء بيوت ضمن التصميم الرسمي في المدن ، وشرط عليهم ذلك الشيخ انتخابه إن هو ترشح لمجلس النواب ، وكرد للجميل يقوم هؤلاء الناس بانتخاب الشيخ وأتباعه في كل انتخابات . قال عباس والشيخ في المقابل يضمن بطرقه الخاصة وعلاقاته عدم مسائلة الدولة أو أي سلطة لهم لتجاوزهم وضمان عدم ترحيلهم أو تهديم منازلهم .
أكثر ما يشغل عباس زوره هو الحلم لأنه ملاذه الوحيد وكيف انه تحول ألان إلى كابوس بعد إن ظهرت تلك الوجوه المرعبة ومطاردتها له ، وكيف يعود إلى حلمه الجميل ؟ تذكر وأنت تسكن هذه المدن
عليك بإقامة علاقة جوار وثيقة مع الموت
أكثر من أي شيء آخر ..
وهكذا يعود عباس زوره لمسكنه في حي التجاوز بعد عناء عمل يوم شاق يبدأ يتناول عشاءه ثم يجلس مع زوجته وأطفاله يتبادلون الحديث عن الآمال والطموحات وما صادف في يومه ويتحدث مع الأطفال عن مدارسهم البعيدة المكتظة ، ومن ثم يقلب قنوات التلفزيون بشيء من اللامبالاة تعود لتبهره تلك الألوان والصور ويطمئن إن الحروب لا زالت قائمة والتفجيرات والكوارث مازالت مستمرة وحياة الناس في باقي الأصقاع لا تختلف عن حياته ، الناس تركض مثله بالضبط لسد الرمق ، وان النساء لا تختلف عن امرأته بشيء ، فيستقر أخيرا إلى قناة الحيوانات تلك التي يعشقها وهو يفكر في الحلم ، وبعد إن تثقل جفونه يتمنى لزوجته ليلة هانئة بعد إن يخلد الأطفال للنوم ليرى ماذا حل بمزرعته وبفتاة أحلامه ونبع الساقية والطيور وخبر الوجوه المرعبة الأشباح والفؤوس والمطارق واللحى والأردية السوداء والنساء الدميمات التي تحتل حلمه إذ إن الأموات لهم البقاء يمثلون الوقت الذي لا نهاية له حتى في الأحلام .,



#صادق_البصري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جميلة وخياط الخزف ..
- من داروين الى ماركس .. أسرار اليقظة الأنسانية !؟
- نازحون ضمن خارطة وطن ..
- قصص قصيرة ملونة .. (2)
- عيد جميل ..
- تحولات ..
- سارة زهور .. وحدي المساء أقدم من عويلي
- لقطات ملونة ..
- نثار حلم ..
- حوار العالم السفلي .. صادق البصري سطر مطر.. حاوره حسين علي ي ...
- أنا هنا منذ الآف العذابات ..
- أوطان تشد الحقائب ..
- رهان الموت المجيد ..
- وحيد كما الجذور ..
- فراشات الليل ..
- قل بأسم الله وأشرب كأسك ..
- مشهد بلون العتمة ..
- كوكل أيها المبجل ..
- كان يسطع ..
- عبر الماسنجر ..


المزيد.....




- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صادق البصري - أحلام عباس زوره