أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة أُخرى 5















المزيد.....

سيرَة أُخرى 5


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5010 - 2015 / 12 / 11 - 16:10
المحور: الادب والفن
    


1
خلال العشرين سنة الأخيرة، اجتاحَ أوروبا ما اعتدنا على تسميته " المطعم الصيني ". هذه التسمية، أطلقت على كل مكان يقدّم مأكولات جنوب شرق آسيا. لقد صار العالم قرية صغيرة، وبدأت الثقافات تنفتحُ على بعضها البعض. أهم ما يميز أطعمة تلك البلاد القصية، هو خضارها الغريبة بالنسبة لبقية بقاع الأرض. اللحوم أيضاً، وخصوصاً الدجاج، يتم تتبيلها بطريقة فريدة وتكون مفلفلة حدّ ذرف الدموع. مثلما أن الرز، كما هو معروف، ضروريّ لكل وجبة سواء استعملتَ في تناوله الملعقة أو الشوكة أو العود.
بحسب ذائقتي، فإن مأكولات المطبخ الأندونيسي هي الأفضل جودةً وتنوّعاً. مع أن كثيرين يفضلون المطبخ التايلندي. حينما عادت إحدى زميلات العمل من رحلة إلى تايلند، فإنها دأبت في كلّ مرة على رواية مشاهداتها وما تناولته من أطعمة. صديق من كردستان العراق، لم يجد شيئاً في تلك البلاد يستحق أن يذكره لي سوى فتياتها. وعلى ذكر الرحلات، فإن لديّ بدَوري ذكرى جميلة. ذلك كان أثناء وجودي في الإسكندرية مع مجموعة دارسين. إذ قررنا دعوة مدير المعهد السويدي إلى المطعم الآسيوي، الكائن على سطح الفندق التاريخي الشهير " سيسيل "، الذي كنا ننزل فيه. إذاك، توقعت أن يكون الطعام سيئاً، بسبب تجارب سابقة في مصر. لحُسن الحظ، أن سوء ظني لم يكن بمحله. علاوة على الطعام اللذيذ، فإنني استمتعت مع الآخرين بجلسة ساحرة تطلّ على الكورنيش والبحر المتوسط.

2
قلنا، أن المطاعم الآسيوية لاقت اقبالاً كبيراً في بلاد الغرب. هناك، سنجد أن مطاعم البيتزا يمتلكها أجانب ( أتراك بشكل خاص ) وليس أبناء الطليان، المفترض أنهم مبتدعوها. غير أن المطاعم الآسيوية على العكس من ذلك، إذ بقيت حصرياً بأيدي مواطنيها الصينيين والتايلنديين والأندونيسيين والفيتناميين. ولا يمكن إحالة الأمر إلا لكون أكلات تلك المطاعم تحتاج لخبرة أهلها، مثلما أن بعض موادها الأولية غير متوافرة سوى بمحلات مواطنيهم. أما الخضار الضرورية للأكل الآسيوي، كالصويا والفليفلة والقرنبيط والكرنب والبازلاء والحلبة والقلقاس، فإنك ستعثر عليها في أي " سوق هال " بالمدن الأوروبية.
الغداء، هوَ الفترة المثالية لتناول وجبة متنوعة ورخيصة من ( بوفيه ) المطعم الصيني. زجاجتا صلصة الصويا والحار، لا تفارقان موائد هذا النوع من المطاعم. صلصة الصويا، عدا عن كونها تدخل في الطبخ الصيني مع صلصة المانغا، فإنها أيضاً ترش على الرز كي تعطيه مذاقاً حَرّيفاً. شخصياً، فإنني تشجعتُ على تجربة طبخ هذه الوجبة بعدما سبقَ لي أن دُعيت مع آخرين إلى فيلا زميلة دراسة، صينية، كانت تقيم فيها مع الزوج السويدي. علاوة على جمالها المميز ولطفها، فإن زميلتنا كانت موهوبة بالرسم. وعلى كل حال، فإنّ هواة الطبخ لن يجدوا صعوبة في تحضير أكلة Wok بسيطة اعتماداً على ارشادات غوغل. أما أصدقاء الفيسبوك، فإنني بخدمتهم على العام والخاص.

3
بداية وجودي في موسكو بمنتصف الثمانينات، رغبتُ بتذوق شراب ( الكفاس ) التقليدي، الذي لطالما قرأت عنه في الروايات الروسية الكلاسيكية. ولكن، يا للخيبة، فإن طعمه كان شبيهاً بشراب زيت الخروع. في يوم آخر، دخلنا مطعماً بالمدينة فلحظتُ ما يشبه ( الجيلاتي ) موضوعاً بالبوفيه. وبدون سؤال، تناولتُ الصحن وأضفته للأصناف الأخرى على طاولتي. انتهيتُ من الغداء، وحان وقت الحلوى. فأخذتُ ملعقة كبيرة من ذاك ( الجيلاتي )، فما أن ذابَ في فمي حتى بدأت عيناي بالجحوظ بسبب النكهة الكريهة والطعمة اللاذعة. الزملاء الأقدم، الخبثاء، راحوا يقهقهون حينما رأوا معاناتي بابتلاع اللقمة: " هذا شحم الخنزير؛ وهوَ من أفخر مأكولات الروس! ".
على سيرة الروايات الروسية، فإنك تقرأ فيها دوماً كلمات السخرية بالمطابخ الأوروبية، وخصوصاً الأكل الألماني. إلا أن المطبخ الروسي، عموماً، لا يمكن أن يستسيغ أصنافه سوى الروس أنفسهم. لقد تأثروا ولا شك بمطابخ مواطنيهم المشرقيين السابقين ( زمن الإتحاد السوفييتي ) أو الحاليين؛ مثل أهل القوقاز والأوزبك والتركمان والطاجيك وغيرهم. فمخلل الثوم القوقازي الرائع، يُعدّ من أساسيات المازة كالسَلَطة الروسية، الجديرة حقاً بالإعجاب. في تلك البلاد، فإن صنف الخضار الدائم على المائدة هو الملفوف. وإذا كنا في سورية نحضّر الملفوف كاليبرق، بحشوة الرز واللحم، فإنهم في روسيا يقطّعونه ناعماً مع البصل ثم يطبخونه وبعدئذٍ يحشونه في فطائر. هذه الأكلة الأخيرة، لا يعادلها زناخة سوى شقيقها ( الشوبريكي )؛ وهو الششبرك بحسب لفظهم.

4
كلمة المطعم restaurant اللاتينية، مدلولها عند الروس هو الديسكو. أما المطعم، مثلما نعرفه عموماً، فإنهم يدعونه بلغتهم stalovia. هذا الأخير، لا يقدّم لضيوفه وجبات الطعام بنفس جودة الرستوران. ولكن، كون سكننا الطلابي في موسكو فندقاً أيضاً، فإن أصناف الأكل في الستالوفيا هناك كانت جيدة. كنا إذاً طلاباً في أواسط الثمانينات، واعتدنا على السهر في الرستوران صُحبة الموسيقى والرقص. آنذاك، كان الواحد منا يدفع حوالي ست روبلات ( دولاراً واحداً بسعر السوق السوداء ) مقابل طاولة متخمة بأصناف المقبلات والأطعمة والمشروبات.
مكاننا المفضل في موسكو أيام زمان، رستوران " صوفيا "، كان يقدّم أكلات الشواء البلغارية الفاخرة مع عَرَقهم المعروف بالماستيكا. كنتُ أؤثر هذا المطعم، لأنه يشرف على ساحة تحمل اسم الشاعر ماياكوفسكي، الذي يتوسطها تمثاله المهيب. ما لم يكن يخطر لي وقتئذٍ، أنني سأتعرّف في الرستوران على من سيصبح بعد سنواتٍ قليلة أحد رؤوس المافيا القفقاسية في المدينة. إذ قام أحدنا، ذاتَ سهرةٍ، بإغلاق النافذة القريبة من طاولتنا. إلا أن الكرسون عاد وفتحها. فلما تكرر الأمر، عرفنا أن من يأمره هو زبونٌ يجلس وحيداً على طاولة مجاورة. كان شاباً أسمرَ، ذو بنية رياضية وملامح شرقية. حينما سمعَ بعضنا يشتمُ باللغة الكردية، فإنه تقدّم منا مبتسماً وعرّفنا بنفسه. كان ايزيدياً جورجياً، يعمل سائقَ شاحنة بين تفليسي وموسكو. في تلك السهرة، أصرّ الرجلُ على دفع حساب طاولتنا: " أنتم طلبة وفقراء! ".

5
عن طريق أسلافنا، القادمين إلى الشام من كردستان العثمانية، وصلنا اسمُ " المسقوف "؛ والذي يعني الروس في لغة ذلك الزمن. كان اسماً مشنوعاً، حَمَل دلالات الجلافة والعدوان. إلا أن الحديث هنا لا يبغي الإبتعاد عن ثقافة المطبخ الروسي، والتي تهيأ لي ملاحظتها أثناء فترة إقامتي في موسكو الثمانينات. الجلافة ( أو سمِّها البساطة لو شئتَ )، كان يمكن تلمُّسها عياناً في مشهد أناس يأكلون ويشربون فيما هم متحلقون حول قصاصات صحف مفروشة على الأرض وقد تناثرت فوقها الأسماك المدخَّنة وزجاجات الفودكا. في واقع الحال آنذاك، فالمواطن كان يحمل دوماً قصاصات الصحف في جيوبه كي يستعملها أيضاً كبديلٍ عن ورق التواليت.
في الثمانينات إذاً، كان الروس قد أصابهم الهوَس بكل ما هو إيطالي بعدما أحيت فرقة Bagara الشهيرة حفلة صاخبة في موسكو. محلات البيتزا، بدأت عندئذٍ تنتشر وكان الدخول الى إحداها شاقاً بسبب الطابور. إلا أننا، نحن الطلبة الأجانب، كنا نتجاوز الطابور بفضل الرشوة. بل لقد كان بإمكاننا شراء زجاجات الشينزانو ( المخصصة لزبائن المطعم )، لكي نأخذها معنا إلى المسكن. الدفع للشيف من تحت الطاولة، كان ضرورياً لتجنُّب إزعاجات أخرى. كأن يُحضروا لك زجاجة الشينزانو ساخنة، أو أن تأتي البيتزا وهي مزينة بثلاث من الأسماك الصغيرة، النيئة. ذاتَ مأدبة، في بار ومطعم " حديقة الثقافة " المعروفة، كاد الكرسون الجلف أن يستدعي لنا البوليس. ذلك، كان سببه قيام أحدنا بسحب ستارة النافذة العريضة تجنباً لأشعة شمس الصيف.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حكايات
- أمستردام
- سيرَة أُخرى 4
- مراهق
- حكايتان
- ثلاث حكايات
- سيرَة أُخرى 3
- مجنون عبّاد الشمس
- قانون فرعوني
- مثير الغبار
- سيرَة أُخرى 2
- الطليعي
- البطة الطائشة
- أدباء وعملاء
- سيرَة أُخرى
- تحت شجرة بلوط
- الفلك
- الفخ
- الإختيار
- صداقة


المزيد.....




- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة أُخرى 5