أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامى لبيب - ثقافة الشماته والتشفى-الدين عندما ينتهك انسانيتنا















المزيد.....


ثقافة الشماته والتشفى-الدين عندما ينتهك انسانيتنا


سامى لبيب

الحوار المتمدن-العدد: 5009 - 2015 / 12 / 10 - 22:09
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


- الدين عندما ينتهك انسانيتنا (68) .

فى يوم الجمعة 4 ديسمبر إلتهم حريق هائل ملهى ليلى بمنطقة العجوزة مما أدى إلى حصد أرواح سبعة عشر من العاملين المصريين فيه حرقاً وإختناقاً .. لن أعتنى بتفاصيل وأسباب هذا الحادث الذى جاء نتيجة إنتقام مجموعة من البلطجية لمنعهم من إرتياد الملهى , ولكن سنعتنى بأراء الشارع المصرى يتقدمهم إعلاميه وشيوخه وشرائح من الرأى العام التى شمتت فى القتلى وحقرت من حالهم وأنهم يستحقون هكذا موتة شنيعة .! ولا تسأل هنا أين ذهبت الإنسانية والرحمة بالبشر أو أى درجة من درجات الترفق والرأفة لحال عمال بسطاء يقعون تحت وطأة الفقر والبطالة ليبحثوا عن عمل يسد جوع أبناءهم ليتم التشفى فيهم وفى مصابهم ويتركون الحكومة والنظلم وأصحاب رأس المال المتوحش تعيش وتعربد , مع عدم قناعتنا بحق أحد التدخل فى حرية عمل الآخرين والوصاية عليهم .

- تقدمت تصريحات الإعلامى المصرى تامر أمين على شاشة قناة الحياة هؤلاء الغوغاء معلقاً على ضحايا الملهى الليلى بالعجوزة قائلا : أنهم ماتوا على سوء خاتمة وفى مكان تحفه الشياطين وليست الملائكة .. ولنحظى على نفس الرؤية فى عشرات التعليقات على مواقع التواصل الإجتماعى لمسلمين عاديين يرون أن حرق هؤلاء البؤساء هو عقاب الله لهم على عملهم فى ملهى ليلى وإن هذا هو سوء عاقبتهم .

لن أتوقف أمام هذا الإعلامى السلفى المدعو تامر أمين كما توقف بعض الكتاب المستنيرين ليوبخوه على تصريحاته , فأرى أن الأكثر أهمية هو تناول المسكوت عنه المتمثل فى ثقافة أنتجت هكذا حالة فكرية إجتماعية قميئة لا تمتلك أى درجة من الإنسانية نتلمسها فى سلوك مجتمعاتنا بل تمتد لتعبر الحدود لنجد شماتة فيما يصيب البشر من كوارث وبلايا , وأتصور أن هذه هى القضية الأهم الغائبة عن كثير من المثقفين التى يجب أن تكون مبعث إهتمامهم أفضل من الإعتناء بقول هذا الإعلامى , فكلامه يأتى فى سياق فكر سلفى يريد أن يساير التيار الإسلامى السلفى ليكسب أرضية وشعبية , أو أعزى تصريحات تامر أمين كرغبة منه أن يتصدر الواجهة كداعى ومقاتل شرس من أجل الفضيلة والأخلاق أو على الأرجح هو نتاج ثقافة شائعة متغلغلة فى النفوس والعقول تستمتع بالتشفى والشماتة فى الآخرين , وهذا هو موضوع بحثنا.

- قبل التطرق لثقافة الشماتة والتشفى التى حازت على إنتشار واسع فى نفوس المسلمين يَجدر أن نرصد الحالة النفسية والمزاجية لدى المسلمين فهناك إعتناء غريب بأن يحظى المسلم على لقب متدين طالباً ثناء الآخرين وأشادتهم كونه يحرص على الصلوات والصيام وكأنه يطلب أن يتم تسجيل صلاته ونسكه بالفيديو , بل الطريف فى مجتمع كمصر أن تجد لقب حاج يُلصق بمن يؤدى هذه الفريضة طالبا الإحترام والتبجيل فى الحياة العملية عند ممارسته لأى نشاط تجارى أو زراعى ألخ , وكأن كلمة حاج بديل عن المهنه بل قل تعطيه الإعتبارية التى يبحث عنها فى مهنته .

- فى أجواء تطلب الإشادة بالإيمان والممارسات الإيمانية لتطلب التمايز والفوقية يكون من الطبيعى أن يعتنى المسلم بتحقير سلوكيات الآخرين من باب أنه الأفضل أخلاقياً ودينياً وسلوكياً , وأرى هذا النهج السلوكى يأتى فى مجتمعات يتم سحق الإنسان وتهمييشه ليبحث عن أى شئ يثبت بها وجوده وأنه مازالا حاضراً فاعلاً وذلك بتحقير سلوكيات الآخرين والتشفى فيها فهو الأفضل إيمانياً وأخلاقياً وسلوكياً .

- أعتبر سلوك الشماتة والتشفى مظهر من تمظهرات العنف فى المجتمعات المهمشة ليكتفى بالعنف المعنوى واللفظى , ويمكن فهم أسباب هذا العنف كرغبة فى تفريغ طاقة الغضب من المجتمع الذى يُهمش ويُسخف ويُحقر من الإنسان ليكون التفريغ فى الملعب الخطأ البعيد عن بوصلة الصراع وطبيعته وقطبه المهيمن , ليتم التنفيس فى الجانب الضعيف الذى يتحمل الضرب دون أن يبدى رد فعل قوى , وهذا حال الشعوب الجاهلة المُستضعفة فهى تضرب بعيداً عن الهدف لتنتقى الضعيف لضربه وسحقه كإضطهاد المرأة أو الأقليات أو الشماتة والتشفى فى الآخرين . أى كما نقول فى مصر الإتكاء على الحيطة المايلة التى تستقبل غضبنا وعنفنا بدون أن تبدى رد فعل بالرغم أنها ليس لها شأن بمتاعبنا بل هى واقعة أيضا تحت نفس وطأة الظروف والأوضاع القاسية مثلنا .

- الثقافة الإسلامية داعية للشماتة والتشفى فى الآخر الكافر من خلال فقه البراء الحريص على تصدير الكراهية للآخر "الحب فى الله والبغض فى الله" لتجد سيل من الفتاوى من كبار الشيوخ مُدعمة بالآيات والأحاديث لتعطى مشروعية للتشفى والشماتة والكراهية , فلك أن تكتب فى محرك البحث جوجل : هل يجوز الشماتة فى الآخرين حتى ترى سيل من المواقع والأراء التى تمنح المسلم الحق فى التشفى والشماتة فى الآخر والغريب فى الأمر أنك لن تجد موقع واحد مُغاير عن هذا الرأى طارحاً قبح هذا السلوك , فالكل يعزف معزوفة واحدة.!

- دعونا نتطرق لأقوال بعض الشيوخ والعلماء وفتاويهم التى تستند إلى آيات قرآنية وأحاديث وسيرة نبوية تشجع على الشماتة والتشفى فى الآخرين فيقول الشيخ ابن عثيمين الداعية السعودى المعروف : ينبغي على الإنسان المسلم أن يحمد الله إذا نزل بالكفار نازلة فإن ذلك مما يشكر عليه الله .!

- يقول الشيخ محمد صالح المنجد فى موقع الإسلام سؤال وجواب ردا على سؤال من قارئ جاء فيه : أرجو من فضيلتكم التكرم بالإجابة على هذا السؤال: ما حكم الشماتة بالكافر؟ حيث إني شمت بكافرة أجرت عدة عمليات جراحية ، أدت إلى تشوهها بالكامل ، وأصبحت كالمسخ ، وشَمت بها بقولي : إنها تستحق ما جرى لها ، لأنها كافرة .
ليكون جواب الشيخ محمد صالح المنجد : الحمد لله , الشماتة هي أن يُسر المرء بما يصيب عدوه من المصائب ، قال الله تعالى عن نبيه موسى عليه السلام : ( فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ ) الأعراف / 150 - وروى البخاري (6347) ومسلم (2707) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال : ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَعَوَّذُ مِنْ جَهْدِ الْبَلَاءِ وَدَرَكِ الشَّقَاءِ وَسُوءِ الْقَضَاءِ وَشَمَاتَةِ الْأَعْدَاء ) . وحصول هذا السرور لما يصيب العدو المحارب ومثله المنافقون والطاعنون في الدين والمعادون لعباد الله المسلمين , كما يفعل كثير منهم في كتاباتهم ومقالاتهم هو محمود غير مذموم ، وهو من باب قوله تعالى : ( وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ ) التوبة / 14 – 15 , فإن في قلوب المؤمنين من الحنق والغيظ عليهم ما يكون هلاكهم وحصول البلاء بهم شفاءً لما في قلوب المؤمنين من الغم والهم , إذ يرون هؤلاء الأعداء محاربين لله ولرسوله وللمؤمنين ، ساعين في إطفاء نور الله ، ومعاداة عباد الله . فإن كانت هذه المرأة من أولئك المشاقين المعادين ، الذين يسعون لمحاربة دين الله ومعاداة أوليائه ، فيصيبهم منها الأذى والضر : فنحن نفرح بما يصيبها من البلاء الذي يكبتها ويمنعها من مزيد الأذى ونُسَرّ ، لا سيما وقد أصابها ذلك بسبب معصية لله تعالى ، بتغيير خلق الله ، دون أن يخرجنا ذلك عن حدود الأدب الإسلامي . وحينئذ فلا ضير عليك في قولك عنها أنها تستحق ما جرى لها . أما إن كانت مجرد امرأة كافرة لا تسعى في حصول ما يضر بالإسلام أو المسلمين : فإن الأفضل لنا والأجدر بنا عدم الشماتة بها لما حل بها من المصائب ، وقد يحسن بنا استثمار هذا البلاء الذي وقع بها لدعوتها للدخول في دين الله . والله تعالى أعلم .
ولنتوقف عند تفسيره "وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ" لمن يريد أن يعرف معناها .!

- وفى سؤال آخر : ما رأيك فيم من يقول إن الشماتة ليست من خلقنا نحن أهل السنة والجماعة وإنه لا يجوز التشمت بموت أحد الروافِض أو الكفّار وهل الفَرَح بِموت الفاجر مشروع ؟.
الجواب : مرّ على النبي صلى الله عليه وسلم بجنازة ، فقال : مُسْتَرِيح ومُسْتَرَاح منه . قالوا : يا رسول الله ما المستريح والمستراح منه ؟ فقال : العبد المؤمن يستريح مِن نَصَب الدنيا ، والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب . رواه البخاري ومسلم . وقال المناوي : أفتى ابن عبد السلام بأنه لا مَلام في الفَرح بموت العدو من حيث انقطاع شَرِّه عنه وكفاية ضرره .

- و يجيب الشيخ / عبد الرحمن بن عبد الله السحيم الداعية في وزارة الشؤون الإسلامية في الرياض على سؤال : هل يُفرح المسلم بِموت الكافر ؟ ليدعم فتواه بآيات وأحاديث وسيرة النبى المصطفى ليقول : نعم يجوز الفرح بموت الكافر ، وهو أمْر مشروع ، وقد دلَّت عليه أدلة كثيرة ، منها : ما رواه الإمام أحمد والترمذي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لَمَّا أغرق الله فرعون قال : آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل ، فقال جبريل : يا محمد ، فَلَوْ رَأَيتَنِي وَأَنَا آخُذ مِنْ حَالِ الْبَحْرِ فَأَدُسُّهُ فِي فِيهِ مَخَافَةَ أَنْ تُدْرِكَهُ الرَّحْمَةُ .!

- وفي الصحيحين من حديث أَبِي قَتَادَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ الأَنْصَارِيِّ أنه مُرَّ على النبي صلى الله عليه وسلم بجنازة ، فقال : مُسْتَرِيح ومُسْتَرَاح منه . قالوا : يا رسول الله ما المستريح والمستراح منه ؟ فقال : العبد المؤمن يستريح مِن نَصَب الدنيا ، والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب .

- ووقف نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على قتْلَى بدْر مُخاطِبًا لهم ومُقرِّعا وموبِّخًا . فقد روى البخاري ومسلم مِن حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك قتلى بدر ثلاثا ، ثم أتاهم فقام عليهم فناداهم ، فقال : يا أبا جهل بن هشام ، يا أمية بن خلف ، يا عُتبة بن ربيعة ، يا شيبة بن ربيعة ، أليس قد وَجَدتم ما وَعَد رَبكم حَقًّا ؟ فإني قد وَجَدْت ما وعدني ربي حَقا . فَسَمِع عُمر قول النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله كيف يسمعوا ، وَأَنَّى يُجِيبُوا وَقَدْ جَيَّفُوا ؟! قال : والذي نفسي بيده ما أنتم بأسْمَع لِمَا أقول منهم ، ولكنهم لا يَقدرون أن يُجِيبوا . ثم أمَرَ بِهم فَسُحِبُوا ، فأُلْقُوا في قَليب بَدْر .!

- وعندما وقف نبي الله صالح عليه الصلاة والسلام على قومه بعد هلاكهم ، فقال لهم : ( يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ ) . وقال الحافظ ابن كثير : هذا تقريع من صالح عليه السلام لقومه ، لِمَّا أهلكهم الله بمخالفتهم إياه ، وتمردهم على الله وإبائهم عن قبول الحق، وإعراضهم عن الهدى إلى العَمى - قال لهم صالح ذلك بعد هلاكهم تقريعًا وتوبيخًا ، وهم يسمعون ذلك .

- ووقف نبي الله شُعيب عليه الصلاة والسلام على قومه فقال لهم : ( يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آَسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ ) . قال الحافظ ابن كثير : أي: فَتَوَلَّى عنهم "شُعيب" عليه السلام بعد ما أصابهم ما أصابهم من العذاب والنقمة والنكال ، وقال مُقَرِّعًا لهم ومُوَبِّخًا : (يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ) أي : قد أدّيتُ إليكم ما أُرْسِلْت به ، فلا أسف عليكم وقد كفرتم بما جئتكم به ، ولهذا قال : (فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ) .!

- وفى فتوى أخرى أكثر بشاعة تتناول الإنسانية والفرح بمصائب الكفار سأل سائل الشيخ عبدالرحمن السيحم : هل يجوز الفرح بمصائب الآخرين أم تعاطف معهم إنسانيا ليأتى رد الشيخ : هذ ما يُدندن به العلمانيون وأقلام الصحافة الذين يَهْرِفون بما لا يَعرفون , الذين يُدندنون حول مسألة الآخَر في مسألة إحسان المعاملة مع الكفّار الذين لم يُحارِبونا ، لا في محبّتهم ورجاء سلامتهم ، ولا في اتِّخاذهم أصدقاء ! وإنما هي مُعاملة ظاهرة ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لأسماء في صِلَة أمها المشرِكة : صِلِي أمك . رواه البخاري ومسلم . فهذا إحسان معاملة ، لا دخول محبتهم إلى القلب , لأن الكافر يجب أن يُبغض شرعاً .قال تعالى : ( لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) , ومسألة بغض الكافر مسألة من صميم الإيمان ، ومن مسائل العقيدة الكبرى ، لأن محبة الكافر قد تُخرِج من الملّة , ولأن بُغض الكافر مَبني على محادّة الكافر ومظاهرته لِربِّه تبارك وتعالى (وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا) ، فبُغض الكافر لما يَحمله من مبدأ وعقيدة .
الفَرَح بما أصاب الكفّار لأنهم كُفّار ، سواء كانوا مُحارِبين لنا أو مُسالمين , والفَرَح بما أصابهم من لوازِم الإيمان , وذلك أن مُصاب الكفّار نُصرة لأهل الإيمان , كما أن مُصاب أهل الإيمان رِفعة للكفّار وبين الإيمان وبين الفرح بإنخفاض الكُفر وأهله تَلازُم .فإن انكسار شوكة الكفّار فيها رِفعة لأهل الإيمان وتقَوٍّ لهم .

- الشماتة شفاء للقلوب .. لا يجوز الشَّمَاتَة بالمسلم , لكنها في حق الكفار المحاربين والمنافقين تجوز , قال تعالى : ( قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ ) التوبة: 14-15. وقال السعدي: (فإنّ في قلوبهم من الحنق والغيظ عليهم ما يكون قتالهم وقتلهم شفاء لما في قلوب المؤمنين من الغم والهم ، إذ يرون هؤلاء الأعداء محاربين لله ولرسوله ساعين في إطفاء نور الله، وزوالاً للغيظ الذي في قلوبهم ، وهذا يدل على محبة الله لعباده المؤمنين، واعتنائه بأحوالهم، حتى إنه جعل من جملة المقاصد الشرعية شفاء ما في صدورهم وذهاب غيظهم .!

- ومن موقع الاسلام سؤال وجواب نجد هذا السؤال :علمت أن صديقي غير المسلم أصابتهم كوارث في بلادهم, فهل يجوز لي أن أدعو الله لصديقي غير المسلم بأن ينجيه من تلك الكوارث؟ وما حكم الفرح بما يصيب بلاد الكفار من الكوارث علمًا أن فيها المسالمين والمسلمين كذلك ؟ .
ليأتى الإجابة عليه : الفرح بما يصيب الكفار فلا حرج فيه , لأن الله تعالى يعذب الأمم الكافرة لعلها تهتدي كما قال تعالى: ( وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) الزخرف:48 - وكما قال تعالى: ( وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) السجدة:21, وقال ابن عباس: يعني بالعذاب الأدنى مصائب الدنيا وأسقامها وآفاتها، وما يحل بأهلها مما يبتلي الله به عباده ليتوبوا إليه.
ولأنه يجوز تمني حصول الضرر بالأعداء, والدعاء عليهم بالإصابة بالشدة والقحط , فإذا جاز سؤال الله ذلك لهم فحصول الفرح به من باب أولى, فقد أخبرنا الله عن موسى عليه السلام أنه قال في دعائه: ( رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ ) يونس: 88 , وقد أخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم حين يرفع رأسه يقول : سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد.. يدعو لرجال فيسميهم, فيقول: اللهم أنج الوليد بن الوليد, وسلمة بن هشام, وعياش بن أبي ربيعة, والمستضعفين من المؤمنين ، اللهم اشدد وطأتك على مضر, واجعلها عليهم كسني يوسف, وهذا الدعاء على أهل مكة بالقحط قد يحصل به تضرر المستضعفين الذين كانوا يكتمون حالهم, ومع ذلك دعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم. إنتهى . نكتفى بهذا القدر من عرض ثقافة البشاعة والكراهية ومن يريد المزيد فعليه بالبحث .

* مشكلة الإسلام والمسلمين .
- قد يقول قائل أن أقوال الشيوخ والفقهاء ليس هو الإسلام ولا حجة عليه وكأن هؤالاء العلماء إسرائيليون لا ينتهجون الإسلام ولا يعلمون مرامية وبحوره , فما يقدمونه فى هذه الفتاوى ماهو إلا عصارة فكرهم وبحثهم ودراستهم متكئين فى شرحهم ودلائلهم على القرآن والسنه فهم لم يخترعوا إسلام بل أخرجوا الإسلام من مخابئه .

- قد يقول قائل أقل مرواغة لماذا تهمل الآيات والأحاديث اللينة المترفقة فإذا كنت قد تناولت الأحاديث والآيات التى تحث على الشماتة والكراهية , فلماذا تهمل قول محمد " لا تُظهر الشماتة بأخيك فيرحمه الله ويبتليك " رواه الترمذي ح/ 2430- وقوله كذلك : " تبسمك في وجه أخيك صدقة " رواه الترمذي ح/ 1879 , كذا آية الحجرات 11: " يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُـونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ ولا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ ولا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ ولا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الفُسُوقُ بَعْدَ الإيمَانِ ومَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ".
كلام طيب بالفعل ولكن هناك غفلة لدى المسلمين الطيبين فأولا أين نصرف آيات وأحاديث البغض والكراهية وفقه البراء , كما هناك قصور فى فهم المسلمين لا يخلو من حُسن النوايا فهم لم يفطنوا لكلمة "أخيك" و" يا أيها الذين آمنوا" فالقرآن والحديث يخاطب المسلمين حصراً ويحثهم على أن يكون هكذا نهجهم بعدم السخرية والشماتة فى أخيه المسلم بينما الآخر غير معنى بهذا السلوك , وهذه إشكالية الأسلام الأخلاقية وإشكالية المسلمين مع العصر , فالأخلاق الطيبة فى الإسلام للأخ المسلم بينما الكراهية والبغض والعنف فى القول أو الفعل من نصيب الآخر بل تزداد الامور فجاجة عندما يُحرم ويُقبح بل يُخرج المسلم من ملة الإيمان إلى الكفر إذا ود الكافر وأحسن التعامل معه .!!

- قد يقول قائل أنت هنا لم تمنحنا تفسير لحالة الشماتة فى قتلى الملهى الليلى فهم مسلمون لذا يكون سلوك الشامتون غير لائق , لأقول بداية أنا اتناول سلوك ونهج البغض والكراهية والشماتة فى تعاطى المسلم مع الآخر المختلف معه , أما بالنسبة للمسلمين الذين لقوا حتفهم فى الملهى الليلى فهنا يبرز السلوك القاسى والكراهية فى الفكر الإسلامى الذى يمد ظلاله لنحصل على فكر تقديرى يخرج هؤلاء العمال البؤساء من الإسلام بجرة قلم , فهم يعملون فى أماكن للخمر واللهو والفجور وهذا يعنى أنهم منافقين , كما هناك تراث هائل يخرج المسلم من إسلامه كونه يشرب الخمر أو يمارس الفساد ولنا قول محمد : " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد " رواه مسلم، ح/ 3242. أى أنه اعتبر المسلم مرتد لو عمل عملاً ليس عليه أمر الإسلام ومن هنا سيشمت المسلم فى مصابى الملهى الليلى فهم يفعلون أمور ليست من أعمالنا الحلال , علاوة على إنك عندما تزرع أرض بالكراهية والقسوة والوصاية فسيكون إنتاجها مر وحنظل أى عندما يكون كل نهجك تصدير الكراهية ونار التعصب والقسوة للكفار فلابد أن ينولك من الحظ جانب وتصلى بنارها .

* فلنضع النقط فوق الحروف .
- أعتنى دوما بتأصيل فكرة الثقافة ومدى تأثيرها على سلوك البشر ونهجهم , ولا أعتبر الثقافة هو ذاك المفهوم الشائع عن سعة المعارف بل بمفهومها كطرق وآليات ومناهج تفكير ومعالجات لأمور الحياة فمنها يستقى الإنسان نهجه ومسلكه وأداءه , لذا يعتبر المخزون والإرث الثقافى الدينى هو المُشكل لسلوك الكثير من البشر فى منطقتنا العربية الإسلامية بحكم أنها الثقافة الوحيدة المهيمنة المتفردة التى يستقى منها المسلمون نهجهم وطرق تفكيرهم ومعالجاتهم ولكن هذا لا يعنى أن كل المسلمين فى سلة واحدة , فهناك ثقافات مدنية هبت على منطقتنا وأصبح لها حضور لتخبو الثقافة الإسلامية عند البعض لذا سنجد مسلمون يلفظون سلوك الشماتة والتشفى والإرهاب المدعو جهاد .

- هناك نقطة أخرى إضافية ومهمة حرىّ أن ندركها ونعيها وهى أن الشريعة والتراث القديم يفتح المجال والآفاق فقط لأصحاب الميول العنيفة البشعة للتحقق , أى يمنحهم الغطاء والمظلة والدفء لتحقيق بشاعتهم ومن هنا ليس كل مسلم إرهابى أو بشع بل من يميل للعنف والقسوة والبشاعة لتحقيق ذاته سيجد الحضانة التى ترعاه وتمده بأنبوب الوحشية من خلال نصوص تمنحه راحة ومظلة ولذة فى ممارسة البشاعة , لذا من الخطورة بمكان أن تبقى تلك الثقافة تتمدد فهنا لا ضمانة فى أن ينهج المهمشون سبل الشرع القديم فى معالجة أزماتهم النفسية .

- توضيحا للنقطة السابقة أقول أن الإنسان فى حال سحقه وتهمييشه إجتماعياً أوإقتصادياً أوسياسياً يميل إلى العنف فى ممارسة الحياة كرد فعل ضد التهمييش والقهر والسحق ونتيجة لغياب الوعى الذى يَدرك سبب متاعبه وشقاءه فهو يلجأ لثقافته الوحيدة المهيمنة فى إستلهام حلوله وراحته لتجده يركل الكرسى بتقريغ طاقة عنفه فيمن تطوله يده مع إدراكه أن عواقب ركل الكرسى لن تكون وخيمة كحال تحديه للسلطة القائمة لذا يتجه لممارسة سطوته وعنفه تجاه المرأة وأبناءه والأقليات كعناصر ضعيفة ينفس من خلالها عنفه وغضبه وسطوته ليحس بأهميته وقيمته ولو بأقل أداء متمثل فى الوصاية والعنف اللفظى والمعنوى .

- قد يعارض البعض رؤيتى السابقة ليقولوا لماذا لا ينهج الهندوس والمسيحيون والبوذيون هذا النهج من العنف بالرغم أنهم غرقى أيضا فى مشاكلهم الإجتماعية والإقتصادية , لأرى أن الإنسان عندما يُحاصر يلجأ إلى طرق مختلفة للخروج من أزمته وهذا ما ندعيه بتأثير ثقافته التى يعالج بها أموره ليكون للهندوس والبوذيين ثقافتهم التى يتعاملون معها وليكون للمسلم ثقافته التى يلجأ إليها .

- ما الحل ؟ أرى الحل يتمثل فى الحرية وفتح الآفاق لتعبير الإنسان عن ذاته بديلاً عن القهر والتهمييش مع الوعى بأسباب مشاكلنا ومحاولة حلها بأساليب علمية موضوعية للخروج من الإحباطات الإجتماعية والإقتصادية , يضاف لذلك أهمية تحجيم وحظر ثقافتنا الدينية التى تفتح الآفاق لممارسة الكراهية والعنف وتضليل الإنسان عن بوصلته بخلقها لمعارك وهمية ليست معركته معتدياً فى الطريق على حرية وكرامة وإنسانية الآخرين .. وهذا يعنى أننا فى حاجة ماسة إلى ثقافة إنسانية علمانية مدنية بديلة تطرح معالجات ورؤى جديدة لنعالج مشاكلنا بدون أن ننتهك إنسانيتنا .

دمتم بخير .
- "من كل حسب طاقته لكل حسب حاجته " – أمل الإنسانية القادم فى عالم متحرر من الأنانية والظلم والجشع .



#سامى_لبيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مراجعة لأقوالنا وإيماننا العتيد – خربشة عقل
- الناسخ والمنسوخ تردد إله أم موائمات نبى
- قضية للنقاش: انتفاضة السكاكين إرهاب أم نضال
- ثقافة الإزدواجية القميئة-لماذا نحن متخلفون
- ألهذه الدرجة دمائنا ولحمنا رخيص-مواجهة لثقافة الإرهاب
- هل يصح سؤال من خلق الكون-خربشة عقل على جدران الخرافة والوهم
- أسألك : كيف ترى الله – قضايا فلسفية 2
- زهايمر أم مواقف سياسية-تناقضات فى الكتابات المقدسة-جزء14
- سؤال : لماذا تعيش الحياة, وما معناها وما جدواها
- مفاهيم مغلوطة عن الحياة والإنسان والوجود
- موائمات و تدخلات وإقتراحات وما يطلبه الجمهور
- تأملات مسلم معاصر فى تاريخية النص-جزء ثان
- تأملات مسلم معاصر-إن الله يسارع فى هواك
- خمسة وخمسون حجة تُفند وجود إله
- فى ماهية الوجود-نحو فهم الوجود والحياة والإنسان
- شيزوفرانيا-تناقضات فى الكتابات المقدسة–جزء13
- عاوز أعرف – مشاغبات فى التراث 8
- إستنساخ التهافت-الأديان بشرية الفكر والهوى والتهافت
- الماركسية السلفية وعلاء الصفار
- إستنساخ آلهة البدواة-الأديان بشرية الفكر والهوى والتوحش


المزيد.....




- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامى لبيب - ثقافة الشماته والتشفى-الدين عندما ينتهك انسانيتنا