أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فارس حميد أمانة - هدى جرجيس سعيد .. أيقونة المحبة














المزيد.....

هدى جرجيس سعيد .. أيقونة المحبة


فارس حميد أمانة

الحوار المتمدن-العدد: 5009 - 2015 / 12 / 10 - 14:12
المحور: الادب والفن
    


هدى جرجيس سعيد .. أيقونة المحبة

هدى جرجيس سعيد .. زميلتي المسيحية في كلية الهندسة بجامعة الموصل منتصف السبعينيات والتي زاملتني لثلاث سنوات .. لا أتذكرعنها عندما تمر بخاطري سوى الخلق الرفيع .. والهدوء ..وطيبة القلب المفرطة .. والميل للسلام كحال كل المسيحيين في العراق .. كنا في مجموعة ثلاثية في المختبر لثلاث سنوات متلاحقة وأيضا لمشروع التخرج في السنة النهائية .. أنا القادم من النجف .. وهي الموصلية ..مع زميلنا الثالث غازي خورشيد صديق الكردي الذي يرجع أصل عائلته الى قرية قرب أربيل .. كنا نجتمع على المحبة .. والصداقة العميقة .. والأخوة التي لا مثيل لها .. رغم اختلاف القومية والدين والمذهب .. كنا روحا واحدة تسكن ثلاثة أجساد مختلفة .. لا هم لنا سوى النجاح .. والمرح البريء الذي يغلب عليه الضحك وعمل المقالب ببعض أو مع الآخرين .
أتذكر رغم بعد المسافة الزمنية عن تلك الفترة حادثتين بسيطتين الا ان تأثيرهما ووقعهما كبيران جدا على نفسي .. مرة أخبرتني انها رغم كونها مسيحية الا انها لا تستطيع الحصول على موافقة عائلتها لتشارك في سفرة طلابية الا اذا أكدت لهم اشتراكي أنا في السفرة .. اندهشت طبعا حينها رغم انني لم أكن أعرف أحدا من عائلتها سوى أخاها سعد الذي التحق بالكلية في الدورة اللاحقة .. بررت لي ذلك انها تتحدث لهم دائما عن علاقة الصداقة والأخوة التي تربط بيني وبينها ومدى حرصي عليها .. كان ذلك شيئا رائعا .. بل رائعا جدا .
ومرة ونحن في المرحلة الثالثة استلمت هدى نتيجة أحد الاختبارات الشهرية لمادة المجالات المغناطيسية التي كانت من أعقد المواد .. كانت الفتاة الطيبة قد حصلت على درجة متدنية جدا .. لاح لي انزعاجها الشديد الممزوج بالاحباط والحزن .. فاقتربت منها مبتسما للتخفيف عنها .. الا انها وفجأة ردت بغضب وانزعاج شديدين على غير عهدي بها من الهدوء والابتسام الذين لا يفارقان تقاطيع وجهها الطفولي .. ما كان مني الا ان انسحب عنها مبتعدا ومندهشا .. لم تكن هذه هدى التي أعرفها .. تحاشيت الاقتراب منها طيلة اليوم وعند انتهاء المحاضرات ودع الجميع بعضهم وهم يغادرون الى بيوتهم بينما بقي بعض أزواج العشاق يسترقون لذة القرب والحميمية لساعة أخرى .. ثم ما لبث الجميع ان غادر ..
أعترف انني تألمت لموقفها وتحدثت بالأمر مساءا مع غازي الذي كان يشاطرني غرفة القسم الداخلي مع آخرين .. في الصباح ألفيتها تتحدث مع بعض الزملاء .. ألقيت تحية الصباح على الجميع ثم ابتعدت بكتبي الى مقعدي متحاشيا النظر الى وجه هدى .. ما لبثت المسكينة الا لحظات قليلة حتى استئذنت من زملائها لتقف بجانبي وبارتباك ممزوج بالخجل الشديد كأنه خجل طفل يشعر انه أذنب .. رحبت بقدومها فما كان منها الا ان بادرتني بقولها انها شعرت ليلتها بالذنب لتصرفها ولم تستطع النوم فذهبت ليلا الى الكنيسة وأشعلت شمعة للسيدة العذراء متوسلة اليها أن أصفح عنها .. فما كان مني الا ان أجبتها بأنها لم تفعل شيئا يغضبني واننا بشر ننصاع لضروفنا .. تولاها فرح طفولي غير مصدقة بما أتحدث به .. كان موقفا رائعا لم يمح من ذاكرتي رغم انقضاء ما يقرب من ثمانية وثلاثين عاما على ذلك ..
في الثمانينيات التقيت تلك السيدة الرائعة في الموصل عدة مرات بحكم عملنا في مجال الكهرباء .. ثم تقطعت بنا سبل الاتصال .. حاولت معرفة رقم هاتفها لأطمئن عليها منذ أكثر من سنتين دون جدوى ثم حاولت مجددا أن أعرف مصيرها بعد حوادث الموصل التي جرت قبل أكثر من سنة ونصف واتصلت ببعض الأصدقاء القدامى ممن بقي في الموصل أو هرب الى أربيل أو خارج العراق لكن دون جدوى .. بقيت مصرا على معرفة مصيرها .. " هدى تستحق ذلك " .. هكذا كنت أحدث نفسي لمنعها من الاستسلام وايقاف البحث .. الآن وبعد فترة طويلة وبعد انقطاع لسنوات استطعت أن أحصل على رقم هاتفها حيث هربت من الموصل خالية الوفاض الى برطلة التي ما لبثت ان سقطت بيد داعش فهربت مرة أخرى مستقرة في أربيل .. تحدثنا معها أنا وزوجتي عبر الهاتف طويلا .. آلمني أن أسمع رنة صوتها الممزوجة بالقهر والحزن والاحباط ..ثم اتصلت بعدد من الاصدقاء والزملاء من نفس الدورة سواء ممن بقي في العراق أو رحل الى المهجر ليتصلوا بها ويهنئونها على السلامة وليثبتوا لها اننا جسد واحد في أمكنة مختلفة ولن يفرقنا مذهب أو دين أو عقيدة .. فرحت هذه السيدة فرحا لا يوصف .. عندما أغلقت الهاتف سئلت نفسي ان كنت قد وفيت لها بجزء ضئيل من دين لها علينا ؟







#فارس_حميد_أمانة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عانقيني .. راقصيني
- طيور .. مهاجرة
- وحدة
- الوهم .. والحقيقة
- نهاية امرأة ميتة
- من العراق حتى المانيا .. افراغ واملاء
- أنا .. وأنت .. ولذة الصمت الشهي
- فن تحطيم قدرات العراق
- حلم ..
- خلود
- صناعة الكهرباء في العراق .. أرقام وحقائق
- خطايا شرقية
- دعوة هادئة .. للجنون
- الخيط الرفيع
- الأزمنة الصعبة
- البوق
- الوردة السوداء
- اشراقة صباح
- اكتواء
- مومس .. قط .. وشبح


المزيد.....




- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فارس حميد أمانة - هدى جرجيس سعيد .. أيقونة المحبة