أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - أمين نور - أين أودت الثورة السورية الجيل الأول من شبابها















المزيد.....

أين أودت الثورة السورية الجيل الأول من شبابها


أمين نور

الحوار المتمدن-العدد: 5006 - 2015 / 12 / 7 - 18:42
المحور: المجتمع المدني
    


أعدّ نفسي مِن مَن تبقى من الجيل الأول لشباب الثورة السورية. ولست هنا لأستعرض بطولاتي و مآثري و تاريخي النضالي كدليل على صحة كلامي, فانتهت هذه اللهجة البعثية منذ زمن بعيد, و إنما أرى أن من واجبي إيصال الرسالة التي مات من أجلها الكثيرين, مات من أجلها شبابنا و أصدقائنا, و تعذبوا في السجون حفاظاً عليها.. ماتوا من أجل أن نبقى نحن, و نوصل الرسالة.
يدرك جميع أبناء جيلي, أن الثورة الأولى, في حقبتها السلمية, كانت تستحق لقب "العظيمة" , فوصفها بالعظمة كان يخرج في كل مرة من القلب, و باستحقاق. و قد سيطرت أجهزة الثورة بالرغم من حداثة سنّها على العديد من المشاكل, و أعاقت العديد من محاولات الركوب و السطوة و الاستعراض و تسويق الوجوه آنذاك. و أشعر بالفخر لاتخاذي اسماً وهمياً لعدة أسباب إحداها أنني تلقنت درساً لا أنساه, بهدلة, من إحدى شهداء الثورة عن الاستعراض, شارحاً لي فوائد العمل بصمت. فها هي الثورة هنا -و بأماكن أخرى عديدة- تنتقد أبناءها و توجه حراكهم و تضبط أخلاقهم و قراراتهم و تروّض جماح النزوات و الرغبات.
تأمّل العديد من الشباب مثلي بقدوم الثورة التي ستساوي و تنصف الجميع, و تغيير و تصلح هذا المجتمع المنهار, جذرياً إن احتاج الأمر, تعيد بناء التعليم و تركز على الخبز و مستقبل البنى التحتية و الفوقية للبلد, و لا مكان للطائفية, بل على العكس, الكل سيفتخر بانتماءه لأول مرة مع احترام الآخر و حق الإنسان... و ممنتمبيتىلش لهغسيبوءؤوةرىقثعلبشنسيبت نمشستيبمسيب(تخبيص), كنا نغرد في الأحلام الزمردية, رومانسية زائدة عن حدها. ثم لم نلبث أن انجررنا بحماقتنا, نحن شباب الثورة الأولى, إلى الهاوية, و أضعنا كل شيء, و سلّمنا الثورة لمن لا يستحق, لم نقدّر ذواتنا و نعرف أهمية التزاماتنا, كانت طفولتنا لصغر أعمارنا لا تزال حاضرة. ثم تحولنا إلى الاقتتال فيما بيننا, فانهارت الثورة السلمية, و انهار العقد الثوري (على نمط العقد الاجتماعي), و تخلى الكثير منّا عمّا تعهد عليه, كاحترام الغير, أو الالتزام بالسلمية, أو الحد من الكراهية..
شعر بعضنا بعد تحول الثورة إلى المسلحة بخيبة الأمل, و ازدادت الخيبة عندما استلم الفصيل الديني المتطرف راية الثورة المسلحة, فأصبح ثقل الثورة كله في يد المسلحين السُنّة المتدينين. و لم تعد الثورة ذات رسالة عالمية, ولا للجميع ولا حتى يستطيع أن يشارك فيها الجميع. كنت أشعر بالنفاق عندما أستمر بنصرة الثورة بعد ذلك التحول, و بالرغم من أنني لا زلت نصيراً لها, إلا أنني أشعر بالنفاق إن نسبت نفسي إلى بعض أنصارها الحاليين, أشعر أنها ثورة أخرى, و بالفعل هي ثورة أخرى, تختلف كلياً عن تلك الأولى. شاركَني بشعوري هذا العديد من زملائي, ذات الزملاء الذين كانوا حاضرين في اللحظات الأولى من انفجار الثورة, و اعتصام الساعة و مجزرة باباعمرو. و ما لبثت أن كبرت البذرة السوداء و خيبة الأمل في رؤوسنا مع السنين, فأصبح العديد منّا معادياً للثورة و يقرف أن يكرر إسمها المشؤوم, تخيل! فيشتمها و يشتم بشار الأسد معها ليعبر عن كرهه للإثنين, و يبرئ ذمته من الانتماء الأسدي, كأنه يقول ضمنياً "إي أنا بكره الثورة, بس ما يعني إن مع الخ*ا بشار", و لكن الأخطر من هذا, فهو ينسب الثورة لبشار الأسد. هذه حال الأحياء من الثورة الأولى اليوم.
في تأملي لكتابة هذا المقال, أستحضر بقوة "تأثير الفراشة", القائل بأن: كل ما يحصل في الماضي مهما كان صغيراً يؤثر على ما يليه. و لعل انطباع هذا التأثير في وجداني أكثر فلسفية مما أعتقد. يتجلى هذا الانطباع عندما أذكر كيف وصلت أنا, إلى نقطتي هذه, حيث أصف نفسي بأنني "لاديني" إيمانياً, في حين أن إحدى أصدقائي في الثورة, أصبح الآن يقاتل مع جبهة النصرة. هه! تباً لعبثية القدر.صديق آخر من الثورة, في السويد, و آخر في ألمانيا.أما أنا, فاخترت مكاناً محاطاً بالماء من أربعة اتجاهات, ناءٍ, أتأمل البحر الفارغ من شرفتي كل فجرٍ لم أنم ليلته أرقاً, أسبح في قصص الماضي, و أحاول أن أبني حاضراً و مستقبلاً أفضل.
كانت الثورة الأولى, تفجيراً لطاقات الشباب الأذكياء المهمشين بحكم المجتمع أو الدولة, و أقول لكم و صدقوني, كان هؤلاء الشباب أذكياء جداً, نخبة المتفوقين دراسياً, و المجتهدين علمياً, و البارعين داخل الصف و خارجه, الشباب الذين لم يحظوا بالتقدير المتوقع لهم قبل الثورة, و رأوا في تحقيقهم للثورة استعادة لتقديرهم و تقدير كل خامة في هذا البلد.
أين الأحياء من تلك الصفوة الفكرية من الثوار الأوائل اليوم؟ تعيش في بقعة سوداء من العالم, بعد ما رفضها الجميع, الأخوة العرب, الأخوة الأوروبيين, الأخوة اليهود, حتى الله! نعم, تصاعد شعور الرفض من الله عند هؤلاء, فانعزلوا, اكتئبوا. منهم منزوٍ بزاويته, يضيع حياته و وقته على انتظار إشعارات التواصل الاجتماعي بالرغم من طاقته الفكرية الهائلة. و الآخر لا يريد الثورة و كفّرها, و إنما يتلذذ برغبة الانتقام لمقتل أمه و أخيه و عائلته أمامه, هل يلام على اندفاعه؟ لا أعلم, و أخذ الشاب ذو العقل المميز هذا, يستخدم عقله في إقناع نفسه بالحجج الدينية الواهية بواجب القتال لإعلاء كلمة "الله" , إن كان يعرف ما هي تلك الكلمة أصلاً.
يمكنني القول أن الجيل الأول من الثورة, إما كفر بالله, أو كفر بالثورة, أو الإثنين معاً.
و أستطيع أن أقول, أن كل من لم ير الثورة في الداخل, مضحوك عليه, و لا يعرف شيئاً إلا ما يصله. و أما عن هذه, فكان جزءاً من وظيفتي السابقة, أن أحرص على إيصال صورة معينة إلى الخارج دون الأخرى, فلا يحق لأحد خارج سوريا أن يؤمن بعلمه بالثورة لا الآن ولا سابقاً, فصدقني, بالرغم من انحدار مستواها الآن, فهي أسوء بكثير مما تبدو عليه.
نعم, الجيل الأول من الثورة ضحك على العالم, ضحك على أبناء بلده من المغتربين حتّى, و لربما انعكست الآية لاحقاً, إذ في حين كانت البلد في أمس الحاجة لدعم المغتربين الميسوري الحال, كانت الصور المزيفة التي تصلهم عن الوضع صور تثير التفاؤل و أن الناس بمعنويات عالية, في حين أن الوضع كان أسوء ما قد يكون عليه, و أقسم بجميع الأيمان, أن أوضاع الناس ساءت لدرجة أنها أصبحت تتبرز على بعضها. في حين كان العديد من السوريين المغتربين يزغرد و يهلل لتحرير قرية ما في مكان ما, و يعطينا معلّقة خطابية عن معنويات "الشباب" في الداخل و أن النصر آتٍ قريباً و أنهم مكتفون و لا يعتازون شيئاً سوى السلاح.
أؤمن أن ذلك الجيل الأول, الذي استطاع الضحك على العالم, بوسعه أن يفعل ما يشاء اليوم إن أراد, و لكن, كلمة "أراد" هنا في حالة يرثى لها, فقد ماتت كل رغبة, و لم يعد أي شيء مراد, و ضاع الجيل. أضاعته الثورة, و أضاعه المجتمع و أضاعه البلد.. نعم, هل ظل أحد من الشباب و لم يعد يشتم بلده؟ إن لا, فهل ظل شابٌ يشعر بالوطنية؟ , كرهنا البلد! لم تحافظ علينا البلد, و لم تحافظ علينا الثورة, و لم يحافظ علينا المجتمع, و لم يحافظ علينا حتى الإله.. و الأهم, نحن, نحن لم نحافظ على أنفسنا... و صراحةً, لا يهم من المسبب و لا من هو الملام, وليس من المفروض أن ينظر إليهم أحد, بل الواجب إصلاح المشكلة و تنوير الذات.
ليست الدعوة اليوم هي للعودة إلى الثورة الأولى, فتلك الثورة انتهت, أضف إلى أننا نكره بشكل عام كلمة "تعود" أو "ترجع", و نفضّل كلمة "تتقدم" و "تتطور". و إنما, الدعوة هي لإعادة تفجير الطاقة التي شعرنا بها أثناء الثورة, لتوجيهها من أجل المنفعة الشخصية و الفكرية, لا السياسية أو الثورية, و لا أقصد اتخاذ مذهب أناني في الحياة, بل المنفعة الشخصية هي بإعادة المحافظة على الذات, بالتعلم و الدراسة و التنور و التعبير عن الرأي المحترم, لربما رأيك في القضية الشرق-أوسطو-أوروبية قد يكون قوياً كفاية لوصل جسر يسد الهوة بين الشرق و الغرب ! لربما تعلمك للغة التركية سيستجلب دعماً أكبر لشعبنا, و لربما كتابة كتاب, توثيق قصة ذاتية, تعيد اعتبار و احترام العالم لـلسوريين, و لك أنت! قم على الأقل بحملات تعليمية حتى ولو كانت على مجرد المستوى الإلكتروني, قم بأي شيء, أنت أولاً ثم المجتمع ثانياً بحاجة لحركتك و نشاطك.. و إن لم تستطع سبيلاً, فاقرأ كتاباً, لكن أرجوك, لا تنتظر أحداً ليغيير حياتك, لا تعتمد على أحد, لا تضيع وقتك, فوقتك ثمين, و مجهودك ثمين, و أنت ذو قصة ثمينة, و دماؤك ثمينة, كلّفت أصدقاءك الشبّان حياتهم و دمائهم, و ماتوا من أجل أن تعيش أنت, فلا تفرط بتلك التضحية.





#أمين_نور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أسوء أجيال مرت على سوريا و العرب
- أخلاقيات المصورين الإغاثيين
- اكتئابات شباب بلا شمس
- قصة وجودية قصيرة تنتقد سوريي المهجر بعنوان -عبد القادر السور ...
- الثورة السورية و استحقاق ثوراها للحضارة بشجاعة أو الجبن و خس ...
- نظرة توفيقية بين التيار الإلحادي و الإسلام العربي
- في تسويق الأمثال العربية و الدينية للكسل و الانحطاط و تغييب ...
- في تسويق الأمثال العربية و الدينية للكسل و الانحطاط و تغييب ...
- في تسويق الأمثال العربية و الدينية للكسل و الانحطاط و تغييب ...
- عن -تأملات في الثورة الفاضلة- كتابٌ قصير لشاب صغير


المزيد.....




- منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية تؤكد مسئولية المجتمع ال ...
- ارتفاع حصيلة عدد المعتقلين الفلسطينيين في الضفة الغربية منذ ...
- العفو الدولية: المقابر الجماعية بغزة تستدعي ضمان الحفاظ على ...
- إسرائيل تشن حربا على وكالة الأونروا
- العفو الدولية: الكشف عن مقابر جماعية في غزة يؤكد الحاجة لمحق ...
- -سين وجيم الجنسانية-.. كتاب يثير ضجة في تونس بسبب أسئلة عن ا ...
- المقررة الأممية لحقوق الإنسان تدعو إلى فرض عقوبات على إسرائي ...
- العفو الدولية: استمرار العنصرية الممنهجة والتمييز الديني بفر ...
- عائلات الأسرى المحتجزين لدى حماس تحتشد أمام مقر القيادة العس ...
- استئجار طائرات وتدريب مرافقين.. بريطانيا تستعد لطرد المهاجري ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - أمين نور - أين أودت الثورة السورية الجيل الأول من شبابها