أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - حدث في قطار آخن -18-














المزيد.....

حدث في قطار آخن -18-


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 5006 - 2015 / 12 / 6 - 14:05
المحور: الادب والفن
    


غرفة ملابسها كبيرة، نظيفة، حائطها الأيمن أكثر طولاً من الحائط الأيسر، للغرفة نافذة واحدة مستطيلة الشكل، إضاءتها ساحرة بسطوعها، أرضيتها مفروشة بالسَّجَّاد، تحتوي في منتصفها على مرآتين أنيقتين لإظهارك بالطول الكامل، وخزانة ضخمة على شكل صندوق مفتوح، بأبواب قابلة للسحب، نصفها اليساري من زجاج ونصفها الأيمن من خشب أبيض، على الأبواب عُلقت صوراً منتقاة بعناية، كانت لوحة الفنان السويسري ساندرو ديل-بريتي هي أول ما لفت نظره، حين تتحول راحة اليد إلى راقصة، أو العكس، إذ تتحول الراقصة إلى راحة يد مطوية بإبداع، نظر إلى يمينه ليرى أجمل الصور للإيطالية بيانكا لويني، التي استطاعت أن تنجح في خلق لون فني جديد، يتمثل بالجمع ما بين صور المنصة لعارضي الأزياء مع الصور التي تلتقطها للطبيعة والأعمال الفنية التي تشاهدها... وما إن نظر أمامه مباشرةً حتى لمح صورة كبيرة للعجوز المتصابية، للصبية العجوز!

- ماذا ترى في الصورة يا أحمد؟ أهي امرأة عجوز أم امرأة شابة؟ سألته سابينه.
- المتفائل يقول الكأس نصف مُمتَلِئ، المتشائم يقول الكأس نصف فارغ، أما أنا، المهندس فأقول: الكأس أكبر بمرتين مما يجب أن يكون عليه. برأيي هي الصبية والعجوز معاً.
- لا أفهم لغتك أحياناً، هل لك ن تشرح لي وجهة نظرك؟

- الرسم مزدوج، وجهان لأنثى واحدة، الصورة لفتاة صبية في عمر الربيع وامرأة عجوز بشعر أسود في فصل الشتاء بنفس الوقت، لكل عمر جاذبيته ونكهة الفرح الخاصة به، الشباب والخبرة تجتمعان في روح شخص واحد، الكمال والإمتلاء في الكأس والرسم، ولكن أكثر ما أعجبني بالصورة هو معطف الفرو الذي يعطيك الإنطباع بأن الفتاة تتنفس الصعداء، تتنفس الحرية بموت جدتها، رؤية الصورة يعتمد على الحالة النفسية، نفس الشخص قد يراها صبية ثم عجوز، أو عجوز ثم صبية، إبداع في الرسم، أعتقد بأن أذن الصبية هو عين العجوز، وعين العجوز هي أذن الصبية، وأنف الصبية هو ندبة صغيرة على أنف العجوز، وأنف الكبيرة هو الفك السفلي للصغيرة، أما فم العجوز فهو طوق في عنق الصبية، الاثنتان معاً مكملتان لبعضهما، لاعجوزٌ إلا ومرت في الصبا، ولا فتاةٌ تبقى في شبابها وجمالها إلا وستصبح عجوزاً، الصورة لكلاهما معاً حيث يعطي اللباس الفاخر للشابة جمالاً بينما يعطي للعجوز مزيداً من الكهولة! أعتقد أن الصورة كانت مخصصة لدراسة السلوك البصري لدى الإنسان، إن تحديد الشخص لما يرى في الصورة يشبه تحديده و وصفه للكأس نصف الفارغ أو الممتلئ، المتفائل يراها صبية جميلة تضج بالحياة، جالسة على مقعد في حديقة وتتأمل مشهداً، المتشائم يراها عجوزا قبيحة تنظر بخوف داخلي، وكل حسب رؤيته ومنظار قلبه للحياة، هذا النوع من الرسم والتصوير يعلمنا درساً بتقبل رأي الأخر.
- هذا يكفي، أرجوك توقف عن الإسهاب؟ لقد تكلمت معك في هذين اليومين أكثر مما تكلمت مع عشرة رجال في أشهر عشرة. قالت سابينه وضحكت، بعد أن صفعته برفق على مؤخرته الرياضية.


- من أين لك هذا؟
- شاتزي! ألم أطلب منك التوقف عن الكلام، ما الذي تقصده؟
- من أين لديك كل هذا المال؟
- أين هو المال؟
- في هذه البرجزة التي أراها في كل شيء من حولي.
- هل الرأسمالية جريمة؟ هذه أشياء خاصة، لا يجوز السؤال عنها، ثم أن الإنسان في هذا البلد لا يتحدث عن المال ولا يتباهى به، المال إما أن تمتلكه أو لا تمتلكه، مثل العلم!
- معك حق، العلم في ألمانيا شبه مجاني لمن يرغب، كذلك الحصول على المعرفة، هذه حقيقة، لكن هذا البيت الفخم ليس دون تكاليف عالية.
- في كل الحالات هذا ليس من شأنك، تعلم يا كنزي بأن من يرغب أن يأكل العشرة ويهضمها مطمئناً لمستقبله في ألمانيا يتوجب عليه أن يدفع التسعة التي بحوزته. لا تتشكل الشخصيات من خلال إلقاء الخطب الرنانة، كما يقول صديقك أينشتاين، بل من خلال العمل والإنجازات الخاصة. أليس كذلك؟
- أسألك فقط لأني غريب في هذا العالم، أريد أن أتعلم منك، أرغب أن أصبح يوماً ما ميسور الحال، كما أنت!
- عليك بالمواظبة على العمل! حتى لو لم تقنعهم بعملك، واظب على عملك كالضرس، يرسو مكانه يطحن ويمضغ لا يهمه حلوٌ ولا مُرُّ، ولا تجزع من الأخطاء والانكسارات فهي ضرورية، فقط حينئذ سيكون لك شأناً كبيراً في المستقبل.

"المواظبة على العمل اليومي ذكرتني بذاك الرجل القوي، الذي اشترى قطعة أرض تحتوي على بضع شجيرات زيتون، وفي طرفها ثمة جبل صخري أزرق، بالمطرقه والإزميل راح يفتته على مدار السنوات، حتى صار تراباً. ألا يرهقك هذا العمل؟ سألته ذات مرة وأنا أراقب حبات العرق المتساقطة من جبينه وأجهد نفسي للاقتراب منه و شَمّ رائحة تعبه. توقفَ عن مثابرته الدؤوبة على تفتيت الصخر وأجابَ يومها بحكمة فريدة: يتعبنا ذاك العمل الذي ندعه ينتظر منا إنجازه، لا العمل الذي ننجزه! هناك نوعين من الناس، أولئك الذين يعملون بجد ونشاط وأولئك الذين يحصدون المديح للعمل الْمُنجَز من قبل الآخر ويربحون بسببه المال والسمعة، ينبغي أن تكون في قلب المجموعة الأولى، فالتنافس هنا أقل بكثير من المنافسة هناك".
"لم أفهم قصده آنذاك، لكني ما زلت أذكر نصيحته".


- سأريك ما يمكن لك أن ترتديه قبل أن أتركك في هذه الغرفة وحيداً، ينبغي أن أساعد هنيلوري في المطبخ.
- هل أنت جادة فعلاً فيما تقولين؟
- بالتأكيد. انظر! هنا فقط ثلاثة أزواج من الأحذية، مقاسها يناسب مقاس قدمك تماماً، أسود وأبيض وأزرق رمادي، هنا طقم كحلي مع كرافيت وقميص أبيض، هنا جِلباب عربي مع شال خفيف، هنا ثياب مضيف طائرة، هنا زي ظابط بحري وهنا الملابس الكاملة من الجلد الأصلي لسائق موتور جبلي وهنا...
- هذا يكفي، قاطعها أحمد.
- لك أن تتقمص ما تشاء من شخصيات، لكن أرجو منك في كل الحالات أن تسرع قليلاً.
- دقائق قليلة وأكون معكم.
- متشوقة لأرى ذوقك، قالت الممرضة، ثم أحاطت أصابع يدها اليسرى برقبته، وقفت على رؤوس أصابعها، احتضنته، فضّت عذرية شفتيه بلسانها، ثم هدأت، باي باي، شاتسي.
- باي، شاتس.



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حدث في قطار آخن -17-
- حدث في قطار آخن -16-
- حدث في قطار آخن -15-
- حدث في قطار آخن -14-
- حدث في قطار آخن -13-
- حدث في قطار آخن -12-
- حدث في قطار آخن -11-
- حدث في قطار آخن -10-
- حدث في قطار آخن -9-
- حدث في قطار آخن -8-
- حدث في قطار آخن -7-
- حدث في قطار آخن -6-
- حدث في قطار آخن -5-
- حدث في قطار آخن -4-
- حدث في قطار آخن -3-
- حدث في قطار آخن -2-
- حدث في قطار آخن
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -52-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -51-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -50-


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - حدث في قطار آخن -18-