أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسن محسن رمضان - الاستقواء بالسلطة كمنهجية – الحالة المصرية















المزيد.....

الاستقواء بالسلطة كمنهجية – الحالة المصرية


حسن محسن رمضان

الحوار المتمدن-العدد: 5004 - 2015 / 12 / 3 - 19:54
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تعتبر ظاهرة تقسيم الشعب الواحد، ضمن الدولة الواحدة، إلى فئات متصارعة فكرياً أو سياسياً بحيث تكون إحدى تلك الفئات "مستباحة" من دون ضوابط وبتشجيع من النظام الحاكم وآلته الإعلامية، هذه الظاهرة تكاد تكون عربية معاصرة خالصة. هذه الظاهرة تؤدي إلى بروز أشكال متنوعة من استقواء فئة من هذا الشعب بالسلطة الحاكمة ضد خصومها هي مضافاً لها معارضي سياسات الفرد الحاكم، وما يترتب عليه من أشكال ومظاهر انتهاكات أبسط الحقوق للإنسان وكرامته وحقوقه. إذ تتبدى أكثر تجليات هذه ظاهرة شذوذاً اليوم في الحالة المصرية الراهنة. فلا يشارك في هذه الظاهرة فئات من الشعب موالية للنظام الحاكم فقط، ولكن تتشارك فيه المؤسسات الدينية الرسمية، الإسلامية والمسيحية، ومعهما رجال دين ومواعظهم، ودعاة وخطبهم، ولاهوت ونصوصه، ويشارك فيه بحماس الإعلام الموالي للنظام، ويتسابق فيه القائمين على المؤسسات المدنية كلها، مضافاً لهذا كله المؤسسة العسكرية والأحكام القضائية عندما يختلطا وتتصادم ممارساتهما داخل المجتمع المدني مع معايير وضوابط الدولة المدنية والقانون المتجرد. بل ما تنفرد به الحالة المصرية هو أن مثقفوها الذين من المفترض أن يكونوا ناقدين ومنافحين عن "الإنسان" كقيمة في ذاته، وذلك بطبيعة "الثقافة" التي من المفترض أنهم ينتمون إليها، قد حوّروا مفهوم الوطنية ذاتها ليُذيبوا "الدولة والأرض ومَنْ عليها" في شخص الحاكم وسياساته ومؤسسته العسكرية، ثم لتنتهي هذه الذهنية إلى إلغاء مصلحة الأرض والإنسان معاً في سبيل الدفاع عن ذات وسياسة الحاكم. هؤلاء المثقفون نبزوا جميع من "يعارض" الحاكم وسياساته وممارساته ومؤسساته بـ "الإرهاب" و "التخوين" [المرادف العلماني لمصطلح "الكفر" الديني] والتسويق لفكرة "المؤامرة والمتآمرين" في كل شيء وعند كل فشل، فإذا بـ "المثقفين" قد شاركوا، بقصد أو بدونه، في شرعنة عمليات التصفية لجميع المعارضين مهما كانت دوافعهم أو انتماءاتهم. وإنْ كانت هذه الظاهرة مشاهدة أيضاً في الأردن والعراق وسوريا ودول الخليج وإلى حد ما في تونس والمغرب ولبنان، إلا أن الحالة المصرية فقد فاقت تلك الدول كافة من حيث الكم والكيف، مضافاً لها بروز الظاهرة في الإعلام الموالي للسلطة علناً ومن دون أية ضوابط في عمليات التحريض والاستقواء أياً كانت، وتميزت أيضاً بمشاركة المثقفين والكُتّاب والممثلين، أي المد الثقافي للدولة بكل تشعباته ومظاهره، وهذا غير مشاهد إطلاقاً في باقي الدول العربية. هو ليس تشجيع رسمي وممنهج للاستقواء بالسلطة ضد خصوم السلطة أياً كانوا فقط، ولكنها أيضاً حالة "اجتماعية – ثقافية - قِيَمية" عامة، لديها قابلية واضحة للانقلاب على الذات، هيأت ظروفها ومعاييرها السلطة الحاكمة وليتفاجأ الجميع بأن فئات لا يستهان بها من المجتمع، بجميع أديانه وتشعباته الفكرية، لا تزال تتعامل مع "الإنسان" تماماً كما كان هذا المجتمع يتعامل معه منذ أكثر من ستين سنة حتى هذه اللحظة وبدون أي فرق سببته الحداثة والتنوير ومعايير التحضر والتعرض المستمر للثقافات المتحضرة الأخرى إطلاقاً. ولا يقف الأمر عند هذا الحد، ولكن مصطلح "الوطنية"، بمفهومها العربي، سوف يتم استخدامها لمعاداة شعوب بأكملها قد تشترك في اللغة والدين والثقافة والتاريخ أو حتى المصلحة بسبب موقف الحاكم منها. ولهذا السبب فإن "الوطنية" عندنا هو شعار لا يحوي من المضامين الشيء الكثير بسبب الحاجة المستمرة من جانب هذا "الفرد الحاكم"، صانع السياسة، والذي يختزل "الوطنية في شخصه هو"، لأن يوجه شعبه بين المتناقضات، فأنتهى هذا الشذوذ في المفاهيم إلى هدم مصلحة "الأرض ومَن عليها" لصالح ذلك الفرد الحاكم. إزاء كل هذا، كان ولابد من نظرة تحليلية لتلك الظاهرة في محاولة متواضعة لاستطلاع المستقبل، بكل ما يحمله هذا المستقبل مع تلك الممارسات من مآسٍ قادمة لا محالة.

منذ عدة سنوات مضت كتبت الآتي كمقدمة في إحدى المقالات عن ظاهرة الاستقواء بالسلطة:

تعتبر نصوص التاريخ، كرؤى شخصية من وجهة نظر كاتبها، بأحداثها المتتالية والمتنوعة أحد أهم المصادر التي تسجل هزائم الإنسانية عبر الزمان. فـ "الهزيمة" هو "الحَدَث" الذي يتكرر في كل سطر يكتبه المؤرخ في نصوصه، ولا معنى للتاريخ بدونه. حتى في قصص الانتصارات والنجاح، فإن ما يمثله لنا التاريخ على الحقيقة هو سرد لهزيمة ساحقة أو فشل ذريع لطرف مقابل من نوع ما. فصراع الأطماع والأفكار والفلسفات والأديان هو ليس صراع في سبيل غاية متجردة ومحايدة ومتعالية، أخلاقياً أو حتى إنسانياً في أغلب الأحيان، ولكنه صراع يحمل في داخله رغبة قاهرة لـ "هزيمة" الطرف المعارض والهيمنة ليس فقط على محيطه الفاعل، ولكن حتى على "إنسانيته" ذاتها بكل ما تفترضها من بديهيات ذات مضمون أخلاقي [انظر تاريخ الأديان السماوية الثلاثة على سبيل المثال]. محاولة الإلغاء أو التصفية هذه، ببعديها الإنساني أو الفكري، قصة الهزيمة هذه، هي نصوص التاريخ. فالتاريخ هو قصص الهزائم الإنسانية بكل تنوعاتها ومحاورها وتشعباتها ومآسيها. والتاريخ أيضاً يكرر نفسه بدرجة أو بأخرى، ليس بالضرورة بتطابق الأحداث، ولكن بتشابه المضمون والفكرة. والحكيم هو من يعتبر من مضامين روايات التاريخ وعِبَره، إذ الغاية الحقيقية من "التاريخ" هو ليس معرفة حوادث الأمم التي سبقتنا بقدر ما هي الفرصة التي تتيحها هذه الحوادث لتجنب مآسيهم.

حكى لنا التاريخ الإسلامي عن المعتزلة. تلك الفرقة التي رفضت رفضاً قاطعاً تقديم "النص"، كألفاظ جامدة ثابتة لا تتغير دلالاتها عبر تعاقب الزمان واختلاف المكان وتراكم المعرفة، على دلالة العقل وبديهياته. وأصرت المعتزلة على أن المعرفة يجب أن تبدأ مع العقل بواسطة التأمل في ذات الإنسان وما هو حوله من مظاهر لترتقي إلى المعرفة القصوى وليس من خلال "النص" نزولاً للبشر. وأصروا على تبني "المجاز" في اللغة والنصوص المقدسة، وليقدموا بذلك للمسلمين حلولاً منطقية لمشكلات العقيدة والنصوص. تلك الفرقة، آنذاك، قدمت النموذج الإسلامي الحداثي العقلاني ضد التوجهات الثابتة الجامدة المتطلعة دائماً للوراء وضد الركود المطمئن لما عمل به عقل "سلف"، سني أو شيعي، من نوع ما دون غيرهم. استطاع المعتزلة بخطابهم العقلاني أن يقنعوا الخليفة العباسي بآرائهم، وبدا حينها أن فكرهم ومنهجهم هذا كان مُهيئاً لأن يهيمن على الذهنية الإسلامية ليدفع "العقل" إلى المرتبة الأولى في الوعي الإسلامي، ولكنهم وقعوا في الخطيئة الأزلية لكل إنسان يرى نفسه قريباً من السلطة. لقد استقووا بالسلطة ضد خصومهم، واستخدموا السلطان لصالح فرض قناعاتهم فرضاً وبالقوة. قناعتهم تلك التي كانت أصلاً في طريقها لأن تسيطر من دون هذا الاستقواء بالسلطة مع توالي الزمان ومر العقود والقرون. فالسلطة دائماً ترى (المصلحة الذاتية لصاحب السُلطة) هي في ذاتها قيمة عليا متعالية، ولكن مضمونها وحلفاؤها وخصومها وأصدقاؤها وأعداؤها يتغيرون دائماً، بل يستبدلون مواقعهم، بتغير الأيام. (لا شيء يبقى ثابتاً أمام مصلحة صاحب السلطة). وما فعلته السلطة العباسية آنذاك من انتهاكات بخصوم المعتزلة وذلك بتشجيع من المعتزلة وقضاتها، فعلت نفس تلك السلطة العباسية أضعاف أضعافه بالمعتزلة أنفسهم عندما تغيرت مصلحة السلطة وقناعاتها بعد أن تغيرت الظروف. وكانت النتيجة تراجع منهج المعتزلة وفكرهم إلى حدود الاندثار في أغلب العالم الإسلامي وهيمنة الرؤية الأشعرية صاحبة أنصاف الحلول، والرؤية السلفية الراكدة الجامدة التي تتطلع دائماً إلى الوراء وتقف على الدلالة المباشرة للفظ "النص" وإن بدا متناقضاً غير عقلاني وغير قابل للاستيعاب، والرؤية الشيعية الماورائية العجائبية والتي تُقدّم النقل على دلالة العقل بشكل فج سافر، وانتهى العالم الإسلامي إلى ما انتهى عليه اليوم من بؤس محيط بهم من كل جانب.

كانت تلك المقدمة منذ سنوات على مظاهر معزولة ومتفرقة، فإذا الحالة العربية اليوم قد فاقت كل ما هو متوقع في ظاهرة الاستقواء بالسلطة ضد الخصوم وقلب المجتمع ضد نفسه. فليس غريباً إطلاقاً أن يتولى الحاكم التسويق لنفسه من خلال الوعود المسرفة في خيالها للمجتمع، الوعد بـ (دولة = ملكوت = جنة) قادمة في الزمان الآتي والتي هي أفضل مما نراه اليوم ونعيش في محيطه، هذا ليس غريب على الحاكم فقد فعلها حكام وآلهة وأنبياء كثيرون قبله. ولكن الغريب اليوم، في هذا الزمان، أن يكون المجتمع هو ذاته من دون تغيير في المفاهيم والمنطق والعقلانية منذ آلاف السنين، وأن يكون لديه الاستعداد والرغبة في أن ينقلب على ذاته لصالح "فرد واحد" وأن يذهب إلى حدود هدم ذاته بيده في سبيل فرد حاكم، وإلى درجة العمى المطلق فيما يسمعه من أوهام. إذ التاريخ وقصصه تتكرر بالفعل، ولكن ليس بتطابق الأحداث بالطبع، ولكن بتطابق النتائج والنهايات. وما يحدث اليوم في ظاهرة الاستقواء بالسلطة ضد الخصوم، والتسويق لأوهام المؤامرات والمتآمرين والخونة، سوف تنتهي، بدون أدنى شك، بسقوط مريع لهذا الفرد الحاكم، ولهذا الإطار المؤسسي المرادف، وبانقلاب المجتمع على ذاته هدماً وتدميراً. كذا تقول عِبَرُ التاريخ وخلاصته، وكذا تقول قوانين الاجتماع.

ما يحدث في بعض الدول العربية الآن سوف ينتهي بمآسي بدون أدنى شك. فالدماء التي تسيل في تلك الدول ليست كلها، ولا حتى أكثرها، لإرهابيين مأدلجين. والمعتقلين ليسوا كلهم، ولا حتى أغلبهم، أعضاء في جماعات محظورة هدفها هدم أركان الدولة [إلا إذا اختزلنا الدولة كلها بأرضها وشعبها في شخص فرد واحد هو الحاكم كما تفعل الذهنية العربية]، وإهدار الكرمات وتهميش الإنسانية لم تكن كلها، ولا حتى أغلبها، نصيب القتلة واللصوص والمحتالين. يومٌ ما، قادم في الزمان لا محالة، سوف ينقلب المجتمع على ذاته بسبب تلك المظاهر. كذا يؤكد لنا التاريخ ويؤكد قوانين الطبيعة الإنسانية في الاجتماع. وقد آن الآوان لهذه الأمة أن تخرج عقدة (الفرد المخلص) إلى رحابة (المؤسسة المدنية) إذا أرادت الخلاص حقاً.



#حسن_محسن_رمضان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نموذج لدوافع التزوير في النص المسيحي
- مقدمة في العقيدة القتالية للجماعات المتطرفة
- حول انعدام براءة النص
- هل كان يسوع سارقاً؟
- أسطرة نصوص العهد الجديد
- أسطورة يسوع والشيطان
- مسألة تعمد تزوير النص المسيحي
- في مسألة الترجمة المسيحية
- بولس – 16 – بولس والنص اليهودي
- المشكلة المذهبية في الوطن العربي
- بولس – 15 – بولس والنص اليهودي
- شذوذ مفهوم الوطنية
- بولس – 14 – بولس والنص اليهودي
- بولس – 13 – عصمة النص المسيحي
- بولس – 12 – بولس والنص اليهودي
- بولس – 11 – بولس والنص اليهودي
- نصوص حرق البشر المسيحية - 3
- نصوص حرق البشر المسيحية – 2
- نصوص حرق البشر المسيحية
- بولس – 10 - بولس وإنجيل مرقس


المزيد.....




- لافروف يتحدث عن المقترحات الدولية حول المساعدة في التحقيق به ...
- لتجنب الخرف.. احذر 3 عوامل تؤثر على -نقطة ضعف- الدماغ
- ماذا نعرف عن المشتبه بهم في هجوم موسكو؟
- البابا فرنسيس يغسل ويقبل أقدام 12 سجينة في طقس -خميس العهد- ...
- لجنة التحقيق الروسية: تلقينا أدلة على وجود صلات بين إرهابيي ...
- لجنة التحقيق الروسية.. ثبوت التورط الأوكراني بهجوم كروكوس
- الجزائر تعين قنصلين جديدين في وجدة والدار البيضاء المغربيتين ...
- استمرار غارات الاحتلال والاشتباكات بمحيط مجمع الشفاء لليوم ا ...
- حماس تطالب بآلية تنفيذية دولية لضمان إدخال المساعدات لغزة
- لم يتمالك دموعه.. غزي مصاب يناشد لإخراج والده المحاصر قرب -ا ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسن محسن رمضان - الاستقواء بالسلطة كمنهجية – الحالة المصرية