أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد بولس - حول زيارة البابا تواضروس للقدس















المزيد.....

حول زيارة البابا تواضروس للقدس


جواد بولس

الحوار المتمدن-العدد: 5004 - 2015 / 12 / 3 - 09:59
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



أثارت زيارة البابا تواضروس الثاني، بابا الاسكندرية والكرازة المرقسية، إلى القدس، في الأسبوع الماضي، حراكًا إعلاميًا متواضعًا وسجالًا برزت معالمه، بشكل أساسي، في مواقع التواصل الاجتماعي، وفي الصحافة المصرية، وهو بكل تجلّياته لم يشذ عن سيناريوهات الماضي المتشابه والتي بقيت على طيّاتها، رغم مرور العقود واختلاف النجّارين والعقد!

فمن عارض الزيارة التجأ إلى ضرورة التمسّك بالموقف التقليدي الرافض للتطبيع العربي مع إسرائيل، ومن برّرها وقبلها لم يعتبرها خطوةً تطبيعية، بسبب ما ساقه البابا والمتحدثون باسم الكنسية القبطية، كمعطيات وضرورات حتّمت مشاركة الوفد الكنسي في جنازة أحد أعمدة هذه الكنيسة في الشرق،الأنبا أبرام، والذي شغل منصب مطران القدس والشرق الأدنى، لمدة جاوزت العقدين من الزمن، عرفته فيها المدينة، كشخصيّة جليلة وكأنسان صالح أحب الناس فبادلوه الحب والتقدير.

لن يعترض أحد على حق المنتقدين الغيورين على مصلحة فلسطين أو المدفوعين بمشاعر قومية عربية، من أن يناقشوا هذا القرار أو ذاك، لاسيّما إذا كان على رأسه شخصية بمقام البابا تواضروس الثاني وفي مكانته المحلية والعالمية، ولكن يجب أن لا ينسى هؤلاء، أن الرئاسة الروحية للكنيسة القبطية هي التي بادرت في العام 1980، إلى اعلان موقف واضح تبنّت من خلاله ضرورة عدم التطبيع مع الاحتلال الاسرائيلي، ودعت أتباعها في مصر إلى التوقف عن زيارة الأراضي الفلسطينية المقدسة، حتى لو كان ذلك يعني حرمانهم من أداء فريضة الحج إلى أقدس مقدساتهم على وجه المعمورة.

لم يكن، برأيي، البابا تواضرس والناطقون باسم الكنسية القبطية، بحاجة إلى ذلك الخطاب التبريري والدفاعي، حين اجتهدوا وشرحوا وكرروا، أن الوفد الكنسي سيصل إلى القدس في مهمة إنسانية وللمشاركة في وداع رفيقهم في الإيمان، وهي لذلك ليست زيارة رسمية، كما قالوا، ولا يمكن اعتبارها تطبيعًا، وأكدوا أن الكنيسة القبطية ما زالت على موقفها المعلن منذ العام 1980 من عهد البابا الراحل شنودة.

كتبنا في الماضي كثيرًا حول قضية التطبيع وما تستثيره من أزمات ولغط لم يعالج بمساطر مسؤولة وموضوعية، وقلنا أن الاستبقاء على هذه المسألة وكأنها "مفهوم" بديهي ومطلق، و"حالة" واضحة ليست بحاجة إلى تفكيك أو تدقيق مجدّد أو تنظير، يؤدي عمليًا إلى خلط ما هو في صالح الأهداف المرتجاة من المناداة لعدم التطبيع، وما يضر بهذه الأهداف؛ فالضبابية القائمة، منذ نكسة العرب الوسطى، ما فتئت تزوّد المغرضين بفرص الاستفتان، وتتيح للمزايدين هوامش مظللة لتفريغ نزواتهم والتستير على عقمهم في زوايا هذه التعميمات الملتبسة والصراخ الكاذب.

لن تنجح مقالة أسبوعية بوضع مسح شامل لهذه المسألة ولا دراسة وافية ينبش فيها الباحثون عن جذور المطالبة بوقف التطبيع مع إسرائيل المحتلة، ويضعون تقييمات معرفية، بعيدة عن التسطيح أو الإغراض أو الانتقائية، ويستعرضون الوسائل التي اعتمدت على مر العقود، والمناهج التي أقرّت، إذا أقرت! والانجازات التي تحققت، والخسائر التي منيت بها إسرائيل وكيف يجب أن يستمر منع التطبيع ومن يحظره ومن يجيزه، وما إلى ذلك من أسس لا يمكن بدونها أن نأمن الخسارة أو ندرأ بؤس الانتحار؛ فأنا أتصوّر أن قضية التطبيع، كما مارسها العرب، من قادة ومؤسسات وشعوب، على مرّ السنين، كانت على الأغلب، مجرد انصياع أعمى لصرخة منفلتة من أمّة عاجزة "استضبعها" منُجز المشروع الصهيوني منذ بداياته، فخرّت كقطعان تائهة وهرولت قاصرة، بين أنظمة حكم استبدادية وانقلابات عسكرية أو قبلية ولّدت أحلامًا مخصية، أفضت إلى ما نراه اليوم من مشاهد فرقة دموية وسطوة الخناجر وعربدة البارود.

وبعيدًا عن قضية التطبيع بمفاهيمها العامة، فلقد كان عصيًا علي أن أفهم من هاجموا البابا بسبب زيارته للقدس، وليس فقط للأسباب التي قدمها السادة الأجلاء كمبررات لتلك الزيارة، إنما كممارسة حق لهم ولجميع المسيحيين العرب، الذين يرغبون لأسباب ايمانية ودينية، بأداء فريضة الحج في القدس وبيت لحم وغيرها من أماكن مقدسة في ديانتهم، والتي تحظى باجماع مسيحي وبمكانة فريدة ومميزة في قلوب المؤمنين، ولا مثيل لها أو بديلًا عنها في العالم.

رحم الله البابا شنودة، ففي إحدى خزائن صالوني ما زلت أحتفظ وأعرض مسبحة فضيةً أهدانيها يوم تشرفت بزيارة مقرّه في القاهرة في الثامن عشر من كانون الأول عام 1998. كنت برفقة صاحب الرؤيا والمواقف النبيلة القائد فيصل الحسيني، والذي قرر زيارة البابا شنوده وحثه على ضرورة استثمار الكنيسة القبطية في بعض قطع الأرض غير المستغلة في القدس والتي يخاف على مصادرتها من قبل ماكنة البلع الاسرائيلية، وحثه كذلك،على ضرورة فتح باب الحجيج المصري إلى القدس لما في ذلك من منافع اقتصادية وسياسية وتثبيت للوجود الفلسطيني المهدد بشكل كبير وملموس. كانت الجلسة في حضرة البابا ممتعة وطويلة، ففيصل أحب البابا وثمّن مواقفه السياسية، واحترمه كانسان موسوعي كبير وفذ، وبالمقابل عبّر البابا عن عشقه للقدس ولفلسطين وعن تقديره الكبير لفيصل، لكنه، وبمنتهى الدماثة والكياسة، اعتذر عن تلبية ما طلبه الفيصل، ووجهنا إلى ساسة مصر في ذلك الزمن، وذلك بعد أن أفهمنا أن الكنيسة القبطية محرجة في هذه المسألة وواقعة تحت طائل المزايدة القومية والطعن في هويتها الوطنية المصرية العربية، وهي لذلك ليست بحاجة الى هذه المجازفة، وطلب أن نحاول مع من بيدهم مفاتيح القرار، فزرنا رجل الأعمال نجيب ساويرس، وبعده قابلنا المستشار أسامه الباز وانتهينا عند من كان وزير خارجية مصر، عمرو موسى .

بعد عامين من تلك الزيارة رحل فيصل الحسيني، مرّت الأعوام والتطبيع، بمفاهيمه المجزوءة والمفروضة والملتبسة، ما زال سيّدًا ومرهِِبًا، وإسرائيل تمضي في غيّها وزيّها وتعرف الفارق بين التراب والسراب، يينما تنفلق القدس كنواة مشمشة مستكاوية وتنكمش في الليالي، حتى أصبحت أصغر من نجمة وأبهم من فكرة.

لقد فهمنا أن الأصل في المسألة والمنطق في النداء الأول بعد الهزيمة، استهدف معاقبة إسرائيل المعتدية وحجب الإفادة عنها كدولة مارقة ومعربدة، لا يجب أن تقطف ثمار خطاياها واحتلالها لأرض العرب، فبعد أن كانت الصرخة: قطّعوها، صارت في اليوم السابع : قاطعوها!

هكذا أسعفت الحيلة قبل حوالي الخمسين عامًا، حين كانت إسرائيل مزعومة وفتيّة، وللعرب دول وقادة وجامعة، واليوم.. من سيقيّم لنا، نحن الفلسطينين، ما معنى التطبيع وما هي مصالح فلسطين الوطنية؟ وهل نترك ذلك ليفعله باسمنا مهزومون في أوطان مهزومة، أو ناصحون من مجتمعات مأزومة؟

فأحبونا يا عرب قليلًا، لأننا بحاجة إلى بعض الورد، بعد أن أهلكتنا ضمات الدببة ورقصات القرود الجائعة، وأبهجونا، يا بشر، قليلًا، فكم نشتاق إلى قُبلات السحر بعد أن خنقتنا دموع التماسيح وأدخنة المحارق، وأسعفونا، يا عجم، قليلًا، برباعيات خيّامكم، فعسانا نستر صفحات صدورنا العارية، أو ربما، اتركونا جميعكم، فنحن أدرى بطريق آلامنا ودروب آمالنا .

لقد كشفت مجددًا زيارة البابا تواضروس الثاني عورة مفهوم التطبيع وتصدعه، وأظهرت حاجتنا، أكثر من أي وقت مضى، إلى إعادة تعريف ما لم يكن معرّفًا من أصله، وإلى الضرورة لاعلاء صرخة القدس ووجعها فهي تنادي : تعالوا إلي، تعالوا إلى بطن الحصان، فأنا لست طروادة ولا أسطورة، تعالوا ولا ترموني بقبلات شهواتكم المنفية، تعالو وناموا على صدري لينبلج صباحكم ويسيل حليبي على جباهكم المتشققة المنسية، تعالوا وادخلوني، فأنا غمدكم الزاهي، ولا تخافوا، فمن دخلني حرًا أخرجته حرًّا وسيّدا كالنور، تعالوا فأنا ما زلت عروستكم ولا تستسلموا لما تقوله الشعراء، تعالوا إلي، يا أحرار العالم، فربعي ما زالوا يعشقون الصحراء ورائحة الوأد في ساعات الشفق .

وأخيرًا، أهلًا بك، أيها البابا الجليل في القدس، فبحضورك، أنت وصحبك، كان للصباح فيها عطر زهي وضّاء، وطعم يشبه طعم الخلاص والحرية؛ بحضوركم أعدتم للقدس نقطةً من البهاء، حاول ويحاول الغزاة إطفاءه في كل يوم وليل.

فعد إليها متى تشاء ولا تعتذر .



#جواد_بولس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- انتفاضة الفراشات
- رغم اختلافي معها أنا ضد القرار الإسرائيلي
- أبالسكين يبنى وطن ؟!
- فرسان يعيشون في الظل
- محمد بركة رئيس للمتابعة أم قائد للجماهير ؟
- صرخة من فلسطين: ليسقط الاحتلال!
- ما بعد مظاهرة سخنين
- اندلاعه! كفى بأكتوبر واعظًا
- سعيد نفّاع وخيار القائد
- كي لا يقال، هنيئًا لك يا سجّان !
- لا يريدونها لأنها مدارس وطنية
- قيادة في امتحان، يكاد يكفي!
- الموت مع الكل رحمة
- محكمة التفتيش العليا
- سليم نخله، وداعًا
- إما معًا أو تحت أعواد المشانق
- معًا أو تحت أعواد المشانق
- أور سليم أو سليم الضو
- عندما ضاعت ساحة البلد
- خضر عدنان ليس أسطورة!


المزيد.....




- قُتل في طريقه للمنزل.. الشرطة الأمريكية تبحث عن مشتبه به في ...
- جدل بعد حديث أكاديمي إماراتي عن -انهيار بالخدمات- بسبب -منخف ...
- غالانت: نصف قادة حزب الله الميدانيين تمت تصفيتهم والفترة الق ...
- الدفاع الروسية في حصاد اليوم: تدمير قاذفة HIMARS وتحييد أكثر ...
- الكونغرس يقر حزمة مساعدات لإسرائيل وأوكرانيا بقيمة 95 مليار ...
- روغوف: كييف قد تستخدم قوات العمليات الخاصة للاستيلاء على محط ...
- لوكاشينكو ينتقد كل رؤساء أوكرانيا التي باتت ساحة يتم فيها تح ...
- ممثل حماس يلتقى السفير الروسي في لبنان: الاحتلال لم يحقق أيا ...
- هجوم حاد من وزير دفاع إسرائيلي سابق ضد مصر
- لماذا غاب المغرب وموريتانيا عن القمة المغاربية الثلاثية في ت ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد بولس - حول زيارة البابا تواضروس للقدس