أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - توني سولو - نيكاراجوا: من ساندينو إلى شافيز















المزيد.....


نيكاراجوا: من ساندينو إلى شافيز


توني سولو

الحوار المتمدن-العدد: 1366 - 2005 / 11 / 2 - 13:03
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


"لقد أتيت توا من سفارة أمريكا الشمالية حيث عقدت مؤتمرا مع السفير آرثر بليس لين الذي أكد لي أن الحكومة في واشنطن تدعم وتوصي بشطب أوجستو سيزار ساندينو، باعتباره عنصر يخل بالسلام في نيكاراجوا". اناستازيو سوموزا لزملائه في الحرس الوطني. 21 فبراير 1934. من كتاب "ساندينو، جنرال الحمر الأحرار" من تأليف جريجوريو سيلسر.

قتل حكومة الولايات المتحدة الأمريكية لأغسطو سيزار ساندينو كان علامة على ذروة بلغتها جهود الحكومة الأمريكية في تدمير استقلال نيكاراجوا. هذه الجهود جاءت أولا إلى أوجها عام 1910 باستخدام السفينة المقاتلة "بادوكا" لحماية قوات المتمردين الموالين للولايات المتحدة الذين حوصروا في بلوفيلدز على ساحل نيكاراجوا على الأطلنطي. العضلات العسكرية للإمبراطورية الأمريكية مهدت طريق الرئاسة أمام أحد موظفي احدى الشركات الأمريكية، اسمه أدولفو دياز.

تغاضى دياز عن فرض الشروط التجارية والمالية الجائرة لمعاهدة كاستريلو نوكس وتغاضى عن التنازل عن سيادة نيكاراجوا على مقاطعات لها في معاهدة تشامورو بريان. في عام 1912، نزل آلاف من المارينز تحت قيادة الجنرال سمدلي بتلر بميناء كويرنتو على المحيط الهادي لسحق جهود الحزب الليبرالي في نيكاراجوا من أجل استعادة سيادة البلاد. أحد أكثر أنواع النفاق أساسية للطبقات الحاكمة المعاصرة المتواطئة مع الولايات المتحدة في نيكاراجوا هو الخطاب الدعائي الأجوف بأن منهم شهيد اللبرالية بنيامين زيليدون الذي مات وهو يحارب المارينز الأمريكيين في ذلك الوقت.

الأزمة السياسية المعاصرة تتصاعد.

بمراجعة الفترة التي حكم فيها أدولفو دياز يدرك المرء أن أنماط السلوك الإمبراطوري الأمريكي، وأنماط المقاومة الداخلية في نيكاراجوا، وأنماط خيانة الطغمة المالية الحاكمة قد تغيرت قليلا خلال القرن. الآن مباشرة، تكافح حكومة تثير السخرية مكونة من مجموعة معينين من أجل الاحتفاظ ببعض بقايا شرعية والاستمرار بها، عن طريق استخدام نزاع حدود حول منطقة ريو سان خوان مع كوستاريكا كستار دخان يغطي خيباتها. حتى كتابة هذه السطور، حفنة من الوزراء الكبار في الحكومة قد هربت من البلاد حتى تتحاشى اتخاذ إجراءات قضائية ضدها بسبب فضائح مالية انتخابية. زعيم المعارضة الساندينستية دانيل أورتيجا يدعو بشكل مثابر إلى الحوار. الرئيس بولانيوس يثابر بنفس القدر على إصراره الالتزام بشروط مسبقة وضعها له حلفاءه الأجانب من أجل الحوار.

وزارة الخارجية الأمريكية والسفارة الأمريكية المحلية تتدخل علانية، وتعطي الأوامر وتوجه التهديدات للسياسيين المحليين، وتلوث سمعة من يقاوم إرادتها. إلا أن الطغمة المالية المهيمنة في نيكاراجوا تتعجل فرض معاهدة رسمتها الولايات المتحدة – هذه المرة معاهدة التجارة الحرة لأمريكا الوسطى (CAFTA). تتوقع هذه الطغمة أن تستفيد هي نفسها جيدا من هذه المعاهدة، بينما معاهدة الكافتا تترك الأغلبية الفقيرة في نيكاراجوا والثروات الطبيعية الثمينة في البلاد تحت رحمة المستثمرين من الكوربوريشن الأمريكية.

بالضبط كما في 1910، يناسب الولايات المتحدة وحلفاءها الذين ينادون باصطياد البلاد الأسهل منالا من خلال سيطرة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي أن يطرحوا أن نيكاراجوا تحكمها إدارة فاسدة وسيئة على نحو خاص. إنها صورة يروجون لها بالضبط حتى يفسرون النتائج المخيبة للآمال لتدخلهم الفج المؤسسي والسياسي في شئون نيكاراجوا الدااخلية. التفسيرات التي تخدم المصالح الخاصة للأزمة الحالية في نيكاراجوا تعرض في الخارج بواسطة منظمة الدول الأمريكية، والمؤسسات المالية الدولية ووزارة الخارجية الأمريكية والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة بينما يتركون الحقيقة الجوهرية.

لو كانت نيكاراجوا تعيش في أزمة فذلك بسبب أن تدخل تلك المنظمات خلق الأزمة ليخدم أغراضهم الخاصة ضد مصالح الأغلبية المطحونة في نيكاراجوا. ربما المكان الجيد الذي نبدأ به هو قضية الفساد.

افعل ما نأمرك به.....

المسئولون الأجانب يحبون أن يشيروا بأصابعهم إلى الرؤساء السابقين أرنولدو أليمان ودانيل أورتيجا، متظاهرين أن الرئيس الحالي انريك بولانيوس هو نوع من أنواع السيد "نظافة‘. ولكن تطلع من يتحدث. يمتلك صندوق النقد الدولي والبنك الدولي سجلا شائنا فيه عدة عروض عن اقتصاديات البلاد الضعيفة فريسة ضواري الكوربوريشن الدولي. أتذكر الانصهار الاقتصادي في الأرجنتين؟ البيوت المالية العملاقة في وول ستريت جمعت ثروات من شرائها للأسهم قبل تجفيف ثروات الشعب الأرجنتيني – تم كل ذلك تحت الأعين الفاحصة الطيبة للبنك وصندوق النقد الدوليين. الأرجنتين هي مجرد مثال واحد من أمثلة عديدة لفضائح العار الذي يجلل البنك والصندوق الدوليين.

المؤسسات المالية والتجارية الدولية هي مجرد حضانات الفساد الملازم للكوربوريشن. بول وولفوويتز عضو جماعة بوش-تشيني المدلل يترأس البنك الدولي بينما باسكال لاميه دمية إعلان العملاق المالي الفرنسي كريدي ليونيه السابق يدير منظمة التجارة العالمية. هذان الشخصان هم أكثر قليلا من منفذين ولكن بمقياس واسع أصغر من رجال عصابات الابتزاز التي تهددك في الشارع. النتيجة التي تظهر على رجل الشارع العادي الذي يتعرض لابتزازهم نادرا ما يختلف. الفقراء والضعفاء يدفعون غاليا بينما شخصيات مثل وولفويتز ولاميه يحيكون مؤامرات نهب وسلب مع النخبة من الكوربوريشن الكوكبي التي يمثلونها.

البيروقراطيون الماليون الدوليون مزدوجي الوجه يتلقون دعما لرسالتهم من المتآمرين السياسيين في الولايات المتحدة وأوروبا. ولكن القلة تأخذ التضييق على الفساد بمحمل الجد تلك القيود التي يفرضها النظام الأمريكي المسئول عن الألاعيب التي تقوم بها الكوربوريشن لنهب بلايين الدولارات من عمليات النصب التي يقترفونها في العراق أو من تلك الفوضى الشديدة الحالية التي تسببها الكوربوريشن بعد الكوارث التي حدثت في جنوب الولايات المتحدة. يزخر الاتحاد الأوروبي أيضا بالفساد. فقط من سنوات قليلة مضت قدمت المفوضية الأوروبية بأكملها استقالتها اعترافا بمسئوليتها عن الفشل في التحكم في انتهاكات انتهت بالفساد.

تلك الإيماءة الرمزية التجميلية لم تغير إلا القليل. حديث بيروقراطية الاتحاد الأوروبي عن "الشفافية" يغطي دوران عجلة الصفقات التي تديرها الكوربوريشن باستمرار في خلفية المشهد وسوء إدارة الموارد الملموس والفضائح الصغرى التي تظهر بشكل منتظم – مثل تلك التي ظهرت في حالة يوروسات – يجعل الأمر في غاية الوضوح. حالات أشخاص مثل الرئيس الفرنسي جاك شيراك، والمستشار الألماني السابق هيملوت كول، والرئيس الإيطالي الحالي سيلفيو بيرلسكوني، وحكومة بلير التي تركب عربة اسمها اللذة في المملكة المتحدة، كل ذلك مؤشر على كيف أن الفساد يسود أوروبا. بوضوح، قلة من البلاد وبالتأكيد ليس من بينهم الاتحاد الأوروبي ولا الولايات المتحدة، تستطيع أن تلقي بمواعظ للبلاد الفقيرة مثل نيكاراجوا عن الفساد. ولكنهم ما زالوا يحاضروننا.

طبعة نيكاراجوا

أثناء فترة رئاسة فيوليتا تشامورو 1990 إلى 1996، استمتعت وسائل الإعلام والسياسيين المناهضين للساندينستا بتوبيخ دانيل أورتيجا والساندينستا بسبب ما يسمى "بينياتا (piñata)" (لعبة جماعية للأطفال بقطع الحلوى كجوائز). عوضت الحكومة الساندينية بداية من عام 1990 موظفيها الذين سرعان ما باتوا عمالة زائدة بهبات من ممتلكات وسيارات وأجهزة مملوكة للدولة.

فيما بعد، اصدقاء فيوليتا تشامورو لم يشعروا بكثير من تأنيب الضمير عندما جمعوا الثروات لأنفسهم بالاغتراف من لحم الثروات العامة في رعاية برنامج الخصخصة الكبير الذي فرضه البنك وصندوق النقد الدوليين، بالإضافة إلى عمليات الإثراء من المال العام المشبوهة التي يقومون بها بشكل روتيني.

ولكنها كانت الإدارة التي ترأسها أرنولدو أليمان وإنريك بولانيوس من 1996 حتى 2002 هي الإدارة التي استفحل ثراء كبار موظفي الحكومة في ظلها إلى حدوده القصوى حدود لا يمكن مقارنتها إلا بما وصلت إليه عائلة سوموزا الحاكمة. لقد استنزفوا ما يزيد عن 100 مليون دولار من المال العام. كثير من النقود أنفقت في سبيل مضاعفة الأجور الرسمية بشكل هادئ. هذه الحقيقة تشرح لنا لماذا لا يزال العديد من أنصار الحزب اللبرالي الدستوري وهو حزب اليمان يؤيده هؤلاء الموظفون ويرون بولانيوس كمرتد حقير. ذلك يفسر كثير من الخروق في السلطة الرئاسية في البلاد.

لا تمتلك نيكاراجوا نظام لوظائف ثابتة للخدمة العامة. تقريبا يكاد كل الموظفين العامين يفقدون وظائفهم عند كل تغيير حكومي. لذا يبحث الناس عن توفير مستقبل غير مضمون لأنفسهم عندما تواتيهم الفرصة. هل نظام الباب الدوار بين القطاع العام والخاص يختلف كثيرا عنه في أوروبا وأمريكا؟ هل مدخل توني بلير المشهور والمنشور في الوسائل المطبوعة إلى هيئة متعهدي حروب الإمبراطورية كارلايل جروب أي شيء آخر سوى رشوة سخية من اجل الخدمات السياسية التي يمنحها لهم؟ لا عجب، فالشعوب في بلاد مثل نيكاراجوا ينظرون إلى القيود التي تفرضها الولايات المتحدة وأوروبا على الفساد بريبة لا تفوت على أحد.

وهكذا تستمر الأمور مع كل عويل الندب الذي يعشقه الموظفون الأجانب في نيكاراجوا. الهيئة القضائية المسيسة، والمجلس التشريعي الذي تهيمن عليه آليات الأحزاب الكبيرة، بينما الأحزاب الصغيرة تكافح من أجل الحيوية الانتخابية – كلها ثوابت شائعة في بلاد عديدة في أنحاء العالم، وفي الولايات المتحدة على وجه خاص. ولكن الموظفين الأجانب في نيكاراجوا يعلنون بانتظام ويفسرون كما لو أنه لا تحدث أي واقعة مثل هذه أبدا في أي مكان، وبلا سوابق. مثل هذه الوجبة تقدم مرارا بواسطة الببغاوات في قاعات الدرس الإعلامية والسياسية في نيكاراجوا.

نيكارجوا غارقة في أيامها الأخير بأدولفو ديازس وايمليانو تشامورو. الرئيس انريكو بولانيوس ووزراءه هم لطاف انتهازيون "من الوسط" بنفس الدرجة التي عليها ادواردو مونتيليجري وهرتي لويتيس الذين يشوهون بشكل مثابر وبانتظام سمعة "الحلف" – الصفقة السياسية بين خط الساندينستا السائد وبين الأحزاب الليبرالية. فهم يستخدمون مصطلح "الحلف" بشكل جيد وهم يعرفون أنه مصطلح محمل بكل تاريخ الخيانات المشينة التي تمتلك منها نيكاراجوا بأكثر من حصتها العادلة. ولهذا الحد لضمت وسائل إعلام نيكاراجوا في خيط مهزلة دعائية أحادية الاتجاه.

من المدهش أن الصحفيين في نيكاراجوا لا يشيرون أبدا إلى بولانيوس بأن صفقته مع السفارة الأمريكية والحكومات الأجنبية الأخرى تفوح منها روائح كريهة ليست أقل عفونة عما فاحت به معاهدات تشامورو-بريان ونوكس-كاستريللو. لا يشيرون أبدا إلى أن مونتيليجري ولويتس، اللذان أعلنا على الملأ صفعة تشارك، وأن "حلفهم" الخاص هو على الأقل مشبوها بنفس القدر المشبوه به الحلف بين قيادة حزب الساندينستا والحزب الليبرالي. من الضروري بأي وسيلة دعم أرنولدو أليمان أو دانييل أورتيجا من أجل ملاحظة نفاق الصفوف القاعدية والانتهازية الشريرة للسياسيين الأذكياء من أمثال لويتس ومونتيليجري والخيبات البائسة مثل الرئيس بولانيوس.

العناصر الجوهرية للأزمة

نيكاراجوا مثل باقي بلاد أمريكا اللاتينية، بل هي أكثر منهم فقط. القضايا الاجتماعية الرئيسية هي الفقر المنتشر والهجرة السكانية. المشاكل الاقتصادية الكبرى هي البطالة وضعف الاستثمار. القضية البيئية الكبرى هي إدارة موارد البلاد. أزمة الطاقة التي استفحلت فقط بزيادة أسعار النفط جعلت من هذه المشاكل القائمة أكثر سوءا. كما الحال دائما، الحكومات الأجنبية والكوربوريشن التي يخدمونها تهتم فقط بنيكاراجوا من زاوية ما يجنونه منها من أرباح.

إنهم يبحثون عن عمل رخيص من أجل تضخيم أرباحهم، وينتزعون الأموال ليستثمروا في بلادهم باسم "السوق الحر". إنهم يريدون بنية تحتية جيدة لتحويل أموالهم من أجل خدمة أغراضهم الاستراتيجية ومصالح البزنس الخاص بهم، وليس لمصلحة متكاملة لسكان نيكاراجوا. إنهم يريدون الأرباح الباهظة من بيع الثروات الطبيعية في نيكاراجوا، أرباح من أجل حملة أسهمهم، ليس لصالح شعب نيكاراجوا. لو يستطيعوا نزع كل ثروات نيكاراجوا العامة باسم الخصخصة التي تفرضها شروط صندوق النقد الدولي، فخيرا ونعم. بالنسبة لهم الحكومة الضعيفة في ماناجوا هي سياسة طيبة.

إنهم يريدون إلغاء اللوائح التي تفرض السيطرة على رأس المال حتى يكون قادرا على تحويل نقودهم إلى ما وراء البحار وهي ساخنة وفي الوقت الذي يرغبونه، سواء لأسباب سياسية أو أسباب مالية. إنهم يريدون معاملة متساوية أو تفضيلية مقارنة برجال الأعمال المحليين على المستوى القومي لأن "ملعب مستوي السطح" يعني بشكل ضخم ميزة أحادية الجانب تتوفر لهم، مع وضع مواردهم الدولية الكثيفة في الاعتبار. إنهم يريدون قواعدا للاستثمار التي تنقل التحكيم في المنازعات إلى خارج نطاق التشريع الوطني حيث القضاة من أصدقاء الكوربوريشن سوف يميلون إلى الحكم لصالحهم وضد مصالح الجماهير البعيدة الفقيرة. كل ذلك البنك الدولي وصندوق النقد الدولي مشغولان بتحقيقه باعتبارهم أدوات في أيدي الحكومة الأمريكية وحلفاءها.

إنها الديناميكية الإمبريالية الخارجية – التي تمزق شعب نيكاراجوا من أجل خدمة المصالح الأجنبية – تلك الديناميكية التي تستفز الأزمة السياسية في البلاد. الاتحاد الأوروبي، الولايات المتحدة، البنك الدولي، صندوق النقد الدولي، الأمم المتحدة، منظمة الدول الأمريكية، واحتقان من الهيئات الأجنبية والمتعددة الأطراف كلها تلعب دورها بطريقة أو بأخرى في نهب قطاع الطرق المنظم هذا. كل ذلك يتم بغطاء رقيق من التصنع الأخلاقي الكريه.

وطوال لعب أرنولدو أليمان الكرة أثناء رئاسته، لم ينبس أحد من هذه المنظمات ببنت شفة، يغمغمون فقط من وقت إلى آخر ببعض تعبيرات ساخطة تطير بأجنحة وتتلاشى.

الآن هم يتمسكون بصبي أليمان السابق، انريك بولانيوس. البربريون الأجانب لطاف المعشر من أمثال السفير الأمريكي بول تريفيلي، الذي يقتفي خطى سلفه المؤقت السابق القائم بأعمال السفارة اوليفر جارزا، فهو يهاجم علانية المعارضة الساندينيستية والأحزاب السياسية الليبرالية. المتحدثون باسم الاتحاد الأوروبي يشككون تماما في المحاولات القانونية التي تحاول الجمعية الوطنية القيام بها لإخضاع المخالفات المالية الانتخابية للإجراءات القضائية – بالضبط نفس الإجراء الذي أدى إلى السقوط السياسي لرجل المسيحيين الديموقراطيين القوي هلموت كول في ألمانيا.

المعايير المزدوجة واضحة من تلقاء نفسها. ربما رد الفعل الأكثر إثارة للاهتمام هو صمت الإعلام في نيكارجوا عن ذلك. بشكل يكاد نمطي كلا الصحيفتان اليوميتان الكبريان إل نويفو دياريو ولا برينسا وافتراضيا كل وسائل الإعلام المرئية تصدر عنها تعليقات تحاكي بها أقوال المتحدثون الرسميون الأجانب. يبدو أنهم يديرون لعبة التظاهر بأن هناك طراز اشتراكي ديموقراطي "وسطي" "معتدل" لزج لا يناقش من "الحداثة" السياسية التي يجب أن يؤيدها كل "العقلاء" من الناس.

أحد التأثيرات العملية لذلك هو أنهم نادرا ما يضغطون على السياسيين المدليين ألطف من في الشهر هيرتي لويتس أو ادواردو مونتلجيري حتى يحددون مواقفهم السياسية – حول اتفاقية التجارة الحرة في دول الكاريبي مثلا، أو حول خصخصة المياة، أو التعليم أو الصحة وسياساتها. ما يظهر هو هجرة السياسة الحقيقية بينما تطفو الأزمة من خلال قضايا مصنوعة خفيفة الوزن تجعل من الأجانب الذين يخدمون مصالحهم يبدون في صورة أخيار من الناس يحبون مساعدة الغير حبا جما وذوي نزعة انسانية يحملون مهمة التدخل، وغرضهم الوحيد هو مصلحة الشعب في نيكاراجو ليصبح أحسن حالا. على المرء أن يتدبر مصير العراق، أو فلسطين، أو هاييتي حتى يدرك ماذا تمثله المصالح الأجنبية بشكل حقيقي.

دعنا نرسم صورة لذلك. الكثرة من المنظمات المجتمعية الصغيرة في نيكاراجوا تمد الناس بخدمات تعليمية وصحية واجتماعية بميزانيات صغيرة بفضل تمويل مباشر من التدخل الأجنبي دون الحكومة المركزية. المثال النمطي على ذلك سوف يكون مؤسسة تنمية مجتمعية بميزانية تبلغ 60 الف دولار في السنة تقدم خليط من الخدمات لحوالي 400 فرد في الشهر. العدد الإجمالي للمنتفعين المباشرين والغير مباشرين سوف يكون في حدود 1800 فرد. الآن، رقم الـ 60 الف دولار هو بالضبط مرتب سنوي نمطي مع حزمة مزايا لمجرد مسئول واحد أجنبي من المستوى المتوسط يعمل لمصلحة حكومته أو لمصلحة مؤسسة متعددة الأطراف مثل الأمم المتحدة أو البنك الدولي. لذا من فضلك دعنا لا نسمع أنهم هنا في نيكاراجوا لمصلحة الشعب في نيكاراجوا – هذه الحصيلة الإجمالية لا تضيف شيئا.

من ساندينو إلى شافيز

الاغتيال المنظم الذي دبرته الولايات المتحدة لساندينو قد يكون علامة على نوع من النهايات. ولكن بطرق أخرى مقتل ساندينو فقط أجل من تطور الأمور. بالقرب من نهاية حياته القصيرة كان ساندينو يدعو إلى عمل منسق عبر أمريكا اللاتينية كلها لمواجهة طموحات الولايات المتحدة الأقليمية والقارية. لو كان هناك شخص قد ورث ويتأسى برؤية ساندينو فهو الرئيس الفنزويلي هيوجو شافيز. أشكال التماثل الكثيرة بينهما لا يمكن أن تكون مصادفة.

عندما يدعو شافيز إلى وحدة أمريكا اللاتينية وتكامل اقتصادي إقليمي قائم على الميثاق الاجتماعي القاري، فهو يتصدى مرة أخرى للمهمة التي حاول اناستازيو سوموزا دفنها في حقول لاريناجا بالعاصمة ماناجوا في تلك الليلة من فبراير 1934. مثل ساندينو، شافيز يؤمن بأن شعوب أمريكا اللاتينية تستطيع ويجب أن تفرز ترتيباتها السياسية والاقتصادية حتى تناسبهم أنفسهم دون شروط يفرضها عليهم الأجنبي. هذا هو السبب الذي ترغب الولايات المتحدة من أجله أن تقتل شافيز. وهذا هو السبب الذي من أجله يرفض الاتحاد الأوروبي بشكل رعديد أن يشجب التدخل الأمريكي.

الطغمة المالية التقليدية الحاكمة في نيكاراجوا تريد بلادها أن تكون مجرد ملحق من الملحقات الاستعمارية بالولايات المتحدة كما كانوا يفعلون دائما. بسبب هذه الاستراتيجية تظهر هذه الطغمة مدعومة بطراز السياسيين من "الوسط" والديموقراطيين الاجتماعيين من أمثال ادواردو مونتليجيري وهيرتي لويتس. سوف تتعامل هذه الطغمة، مثل الحزب الليبرالي الذي يهيمن عليه أرنولدو أليمان، مع عملاء الإمبراطورية مثل بول تريفيللي في السفارة الأمريكية المحلية بنيكاراجوا طالما يحصلون على نصيب مناسب في أي شكل من المنافع السياسية والعلاوات مطروحة للعرض.

القوة السياسية الوحيدة في نيكارجوا التي تدافع علانية وبتصميم عن استقلال نيكاراجوا هي الساندينستا FSLN. التوتر القائم بين الاستسلام من طراز أدولفو دياز إلى المخططات الإمبراطورية الأمريكية وبين رؤية أوجستو سيزار ساندينو لمكان نيكاراجوا داخل أمريكا اللاتينية الموحدة ذات السيادة هو مرة أخرى سياسات محددة في نيكاراجوا. أزمة الطاقة ودور فنزويلا الحاسم بوضوح يمكن أن يعطي ديناميكية جديدة غير متوقعة للنمط القديم للسياسة على المستوى الإقليمي.

رؤية ساندينو لكرامة أمريكا اللاتينية واستقلالها الذاتي، التي يجددها ويدفع داخلها بالحيوية هيوجو شافيز، ببساطة تلك الرؤية ترفض الموت. كلا من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ينتابهم القلق من أجل الاحتفاظ بولاء نيكاراجوا كعميل تابع مضمون للإمبراطورية الأمريكية.

نيكاراجوا هي بلد يعتبر تقليديا ذو أهمية استراتيجية بسبب موقعها على المضيق الأمريكي. الاتحاد الأوروبي، كما فعل في هاييتي، سوف يدعم حكومة الولايات المتحدة في القيام بما يتطلبه الأمر لهرس التحركات المحتملة نحو الاستقلال الذاتي لنيكاراجوا من خلال الوقوف في صف فنزويلا. الأزمة الحالية في نيكاراجوا يجب أن نراها في هذا السياق الكلي.

3 أكتوبر 2005.



#توني_سولو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- في دبي.. مصور يوثق القمر في -رقصة- ساحرة مع برج خليفة
- شاهد لحظة اصطدام تقلب سيارة عند تقاطع طرق مزدحم.. واندفاع سا ...
- السنغال: ماكي سال يستقبل باسيرو ديوماي فاي الفائز بالانتخابا ...
- -لأنها بلد علي بن أبي طالب-.. مقتدى الصدر يثير تفاعلا بإطلاق ...
- 4 أشخاص يلقون حتفهم على سواحل إسبانيا بسبب سوء الأحوال الجوي ...
- حزب الله يطلق صواريخ ثقيلة على شمال إسرائيل بعد اليوم الأكثر ...
- منصور : -مجلس الأمن ليس مقهى أبو العبد- (فيديو)
- الطيران الاستراتيجي الروسي يثير حفيظة قوات -الناتو- في بولند ...
- صحيفة -كوريا هيرالد- تعتذر عن نشرها رسما كاريكاتوريا عن هجوم ...
- برلمان القرم يذكّر ماكرون بمصير جنود نابليون خلال حرب القرم ...


المزيد.....

- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب
- سلافوي جيجيك، مهرج بلاط الرأسمالية / دلير زنكنة
- أبناء -ناصر- يلقنون البروفيسور الصهيوني درسا في جامعة ادنبره / سمير الأمير
- فريدريك إنجلس والعلوم الحديثة / دلير زنكنة
- فريدريك إنجلس . باحثا وثوريا / دلير زنكنة


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - توني سولو - نيكاراجوا: من ساندينو إلى شافيز