أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - أحلام طرايرة - أمّي العظيمة أمام قوانين صغيرة.. صغيرة جداً














المزيد.....

أمّي العظيمة أمام قوانين صغيرة.. صغيرة جداً


أحلام طرايرة

الحوار المتمدن-العدد: 5002 - 2015 / 12 / 1 - 18:28
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


رحل أبي فجأة، هكذا بدون أية مقدمات ولا إشارات، وكان أباً بكامل دوره. رحل وترك أمي وحيدة تماماً مع عائلة متطلبة، من بينهم أبناء لم يتركوا مقاعد دراستهم بعد. لكنها امرأة عملاقة، فلم تنكسر، حيث لا مجال لأي انتكاسة، وهي المرأة التي لا تهدأ برغم ما تركه العمل المضني لسنواتٍ طوال على جسدها المنهك من آﻻ-;-م وأوجاع وأمراض لا شفاء منها والتي لا تترك لها فسحة لنوم ليلة هانئة دون أنين. ففي ذروة فجيعتنا، بقيت هي واقفة ومتيقظة لكل تفاصيلنا. وفي الوقت الذي كنا جميعنا نرفض الاعتراف بفكرة أن أبي لم يعد موجوداً، كانت هي تحضّر للمرحلة الجديدة. المرحلة التي ستكون فيها وحدها أمام عالم يدّعي أنّ البيوت التي ترعاها النساء هي بيوت هشّة تداعى وتتفتت عند أول أزمة.

لم يتداعى بيتنا، كما يدّعون، ربما لأن أمي إمرأة ليست ككل النساء اللاتي حوّلهن المجتمع إلى كائنات ضئيلة جداً لا تقوى على شيء غير أن تكون بطلاً هامشياً في حياة رجل ما، قد يكون أباً أو أخاً أو زوجاً أو ربما ابنَ أخ. بقي بيتنا واقفاً برغم ما عصف به من اضطراب بُعيد رحيل والدي، وكان بطبيعة الحال اضطراب سُلطة يحاول بعض الأبناء الذكور سلبها بصفتهم الطرف الأحق، من وجه نظر البيئة التي نشأوا فيها. ولأن أمي ليست كنساء هذه البيئة، استطاعت أن تدير هذا الاضطراب بعبقرية فلا هي ضربت بآمال الأبناء الذكور في السيادة بالأرض، ولا هي سلّمت دفّة القيادة لهم وهي تعرف أنهم ليسوا أهلا لها- بعد. استطاعت – وهي التي لم تلتحق بجامعة لدراسة الدبلوماسية والسياسة- أن توقف هذا الاضطراب وأن ترسّخ قواعد إدارة دويلتها الصغيرة دون أية خسائر تُذكر.
وعندما تقرر هذه المرأة –أمي - أن تسافر لأداء العُمرة وأن تصطحب معها أختنا الصغرى ذات الخمسة عشر عاماً، فتذهب لاستخراج جواز سفر للصغيرة، يرفض الموظف إتمام المعاملة لحين حضور الوصيّ وعندما سألته ومن يكون هذا الوصي؟ يجيب: عمّها!
تسأله: عمُّها وأنا -أمّها- أقف ُأمامك؟ يقول: "الأم ليست وصية بوجود العمّ! هكذا يقول القانون". قالها هكذا بكل بساطة، كإحدى البديهيات التي يعرفها الجميع مستغرباً أن تصطحب أم أرملة ابنتها القاصر لإصدار جواز سفر بدون علم العمّ. فالقانون يقول هكذا، أن لا وصاية للأم بوجود ذكر ما من جهة الأب يمكن تلبيسه قبّعة الوصاية.

تدور الأرض بها، وتصفعها حقيقة مؤلمة أخرى من جديد، بأنها ليست وصيّة على أبنائها من زوجها الذي فقدته دون سابق إنذار، وأي إنذار يلزم والبلد فيها قانون يسلبها أدنى حقوقها. كلّ هذا الذي حدث ويحدث وكل تلك الآلام والنضالات والتضحيات الجسيمة لبناء مستقبل لهذه العائلة ولا وصاية لها على ابنتها القاصر، بل وتحتاج لموافقة العمّ لإصدار جواز سفر لها. هكذا يقول القانون. لا يعي هذا القانون الأعمى أنها قادرة أن تكون وصية على هذه البلاد كلها. ولا يعي هذا القانون الصغير أنها كبيرة جداً وأن باستطاعتها أن تسحقه تحت قدميها العظيمتين لأنه ومن وضعه لا يفقهون شيئاً عندما يتعلق الأمر بنساء مثلها، خرجن من بين الصّخر في بلادٍ تمتهن الظّلم على مختلف أشكاله. فلا تغادر أمي مكتب الجوازات إلا ومعها جواز سفر لأختي الصغيرة، وقّعت هي نفسها - أمها - على طلب إصداره. لكن هذا لم يمنعها أن تمضي بقية يومها وغصّة هذه الحقائق تكوي أحشاءها كمداً وقهراً.

بكت أمّي بحُرقة وهي تروي لي تفاصيل يومها ذاك. لعنَتهم ولعنَت قانونهم كثيراً. قلتُ لها: لكنك انتصرتِ في النهاية. قالت: " بس قهروني يمّا.."

لا يكفيك أن تنخسف الأرض بمن عليها عندما تنطق أمك بهذه الكلمات.



#أحلام_طرايرة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شكراً لداعش، جزيل الشكر
- يموت الآباء، فنموت معهم وإن بدا غير ذلك
- سكارليت جوهانسون: سفيرة أوكسفام اللا إنسانية
- جميلٌ لو أنهم كثيرون قليلاً
- حين ينسى التحرري ذكوريته في جيبه
- كُفرٌ على كُفرٍ على كُفر
- ماذا لو اختفت النقود من على وجه الأرض؟
- يهاجر النبي قسرا، فيحتفل المسلمون!
- لا مهدي ولا مخلّص، أنتم ومنكم وفيكم الحلّ
- حين يكون القتل موهبة!
- قل لي أيّ إله تعبد أقُل لك من أنت
- وطنيون لا يعرفون الوطنية
- إسرائيل جميلة، الجزيرة تقول ذلك
- العلمانية هي دولة الله
- مرض عضال اسمه الغباء الخطابي العربي
- أنا زلمة!
- حسن وجميلة، حيث وُلدت النكبة
- الإخوان المتخفّين بقناع (حماكِ الله يا مصر!)
- بلاد الموت قهراً هي بلادي
- سّحل الجثث يدوم ما دام القتل شرعياً


المزيد.....




- “800 دينار جزائري فورية في محفظتك“ كيفية التسجيل في منحة الم ...
- البرلمان الأوروبي يتبنى أول قانون لمكافحة العنف ضد المرأة
- مصر: الإفراج عن 18 شخصا معظمهم من النساء بعد مشاركتهم بوقفة ...
- “سجلي بسرعة”.. خطوات التسجيل في منحة المرأة الماكثة بالبيت ف ...
- إيران - حظر دخول النساء الملاعب بعد احتضان مشجعة لحارس مرمى ...
- هل تؤثر صحة قلب المرأة على الإدراك في منتصف العمر؟
- اغتصاب وتحويل وجهة وسطو وغيرها.. الأمن التونسي يوقف شخصا صدر ...
- “الحكومة الجزائرية توضح”.. شروط منحة المرأة الماكثة في البيت ...
- جزر قرقنة.. النساء بين شح البحر وكلل الأرض وعنف الرجال
- لن نترك أخواتنا في السجون لوحدهن.. لن نتوقف عن التضامن النسو ...


المزيد.....

- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى
- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي
- الطريق الطويل نحو التحرّر: الأرشفة وصناعة التاريخ ومكانة الم ... / سلمى وجيران
- المخيال النسوي المعادي للاستعمار: نضالات الماضي ومآلات المست ... / ألينا ساجد
- اوضاع النساء والحراك النسوي العراقي من 2003-2019 / طيبة علي
- الانتفاضات العربية من رؤية جندرية[1] / إلهام مانع


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - أحلام طرايرة - أمّي العظيمة أمام قوانين صغيرة.. صغيرة جداً