أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - توفيق أبو شومر - دُرَرٌ من تراث نسائنا المُبدعات














المزيد.....

دُرَرٌ من تراث نسائنا المُبدعات


توفيق أبو شومر

الحوار المتمدن-العدد: 5001 - 2015 / 11 / 30 - 23:41
المحور: الادب والفن
    


أبدعَ الشاعرُ حافظ إبراهيم عندما شبَّه اللغة العربية بالبحر، وشبَّه عُشَّاقها ومحبيها بالغوَّاصين فهو يقول على لسان اللغة:
أنا البحرُ في أحشائِهِ الدُّرُّ كامنٌ...فهلْ ساءلوا الغوَّاص عن صدفاتي؟!
لم يتمكن العربُ من استثمار قصص المبدعات العربيات في مجالات اللغة والشعر والنثر في المسرح والسينما والفنون التشكيلية المختلفة، كما فعل فنانو اللغات الأجنبية بنسائهم فخلدوا الموناليزا ببسمتها الحالمة ، ورسموا ماري أنطوانيت المبذرة الباذخة، وصوروا كاترينا الثانية الحكيمة القائدة.
وظلَّتْ نساءُ العربِ المبدعاتُ حبيساتِ كتب الّلغة، يرزحن تحت الإقامة الجبرية المفروضة عليهن في قصص التراث، بحيث ظلَّ كثيرون يعتقدُون بصدق قول المستشرقين عن المرأة العربية بأنها ليست سوى أَمَةٍ، أو خادمَةٍ، أو سبيَّة من السبايا، ولم يتمكن أدباؤنا ومثقفونا من نفض غبار الزمن عن تراثنا الأدبي، لنقرأ عن الأديبات والشاعرات والمبدعات والقائدات العربيات وما أكثرهن، ممن شاركن في صياغة حياتنا العربية!
القصة الأولى، قصة فتاة جميلة رآها الخليفة الأُموي معاوية بن سفيان عَرضا فعَشِقها من طرف واحد، ولم يسألها عن قلبها وشعورها،إنها الفاتنة الجميلة ميسونة البحدلية، تزوجها معاوية باستخدام سطوته كأمير لا يُرفض له طلب، بدون أن يعرف بأنها كانتْ تعشق ابن عمها، وتفضله على الأمير، إلى أن سمعها ذات ليلة تغني هذه الأغنية مشتاقة إلى خيمة أهلها، مفضلة حياتها الأولى على حياة قصر معاوية المنيف الفاره:
وبيتٍ تَخْفَقُ الأرواحُ فيه... أحبُّ إليَّ من قصرٍ مُنيفِ
ولبسِ عباءةٍ وتَقَرَّ عيني... أحب إليّ من لبس الشفوف
وأكلِ كسيرةٍ في حجر بيتي... أحبُ إليَّ من أكل الرغيفِ
وأصواتِ الرياح بكل فَجٍّ... أحبُ إليَّ من نقرِ الدُّفوف
وكلبٍ ينبحُ الطُّرَّاقَ دوني... أحبُ إليَّ من قِطٍّ أليفِ
وخِرْقٍ من بني عمي ضعيفٍ... أحبُ إليَّ من عِلْجٍ عنيفِ
كيف تمكنتْ هذه المقطوعة الشعرية، في تخليص معاوية بن أبي سفيان من طغيان الولاية وجبروت الإمارة فإعادته إلى إنسانيته، فور سماعه للأبيات من وراء مقصورتها، وكانت هي لا تعرف أنه يسمعها، لدرجة أنه أصدر أمرا بإعادة ميسون إلى عشيقها وخيمتها الأولى؟!!
فهل يعود السبب إلى نَدَمِهِ وخطيئته في حق عاطفتها؟
أم أن السرَّ يكمن في محارة اللغة ودرَّتِها؟
أم أن السبب يعود إلى مهارة ميسون في صناعة الصدفة الُّلغوية ، بحيثُ تمكنتْ ميسون بمغزلها البدوي من نسج ثوبٍ لُغوي فائق الجمال والروعة؟
أم أن سِرَّ الجمال يكمن في موسيقى الأبيات ونغماتها السريعة الجميلة؟
أم أن لأغنيتها البديعة لونين متقابلين، العتمة، والنور،الحب، والكره، البساطة، والتعقيد،الأفق الواسع، والسجن المعتم؟
نعم إنها بالتأكيد معجزة الدُّرَّة اللغوية العربية ومكوناتها، ففي هذه الدرة كل المكونات الجميلة، فيها أصوات اللآلئ، وصفير الرياح، فيها صورة الخيمة والعباءة وكسرة الخبز ، الممزوجة كلها بكبرياء الفتاة العربية التي تركتْ لنا مساحةً واسعةً من الظن والفكر والتخمين، لنغوص في أعماقها ، ونتوحَّد معها في ألمها وعاطفتها، ونشاطرها مأساتها ومعاناتها، مستخدمةً في نسيجها اللُّغَوي خيوطا وبرية مزركشة ، تُشكِّل لوحةً نادرة للحسناوات العربيات اللاتي لم يكتفين بجمالهن الخَلْقي، بل مزجنه بجمال إبداعي خالد!
وفي بروازٍ ثانٍ للمرأة العربية المبدعة ، نضعُ صورةً أخرى لفتاة جديدة تمكَّنتْ من إقناع زوجها بخطئه في حقها، ولم تكن وسيلتها في الإقناع السطوة والقوة، ولا المالُ والحُظوة، ولا التهديد بالعشيرة والعُزوة، بل كانت وسيلتَها في ذلك كمالُ عقلها، فقد أثبَّتَتْ بأنها ليست أقلَّ من الرجل فكرا وثقافة، وليست أقلُّ منه حكمةً وفلسفة أيضا.
إنها زوجة أبي حمزة الضبي، فتاة ثانية، لم يرزقها الله بغلام، فقد ولدتْ البناتٍ فقط، فهجرها أبو حمزة في خبائها وصار ينام بعيدا عنها، ولكن إبداعها الأدبي، ونبوغها الشعري أعاد زوجها إلى رشده ، عندما سمعها تُغني أغنيتها :
ما لأبي حمزة لا يأتينا... يظّلُّ في البيت الذي يلينا
غضبانَ ألا نلد له البنينا... فوالله ما ذاك بأيدينا !
فنحن كالأرض لغارسينا.... نُنْبِتُ ما قد غرسوه فينا!
إنها اللغة أيضا، هي التي يمكنها أن تؤثِّرَ وتُغيّرَ، تُعمِّرَ وتُدَمِّرَ، وتُبَرعمَ وتُثمر، وتقود وتُسيِّر، إنها الدُّرَّةُ العربية التي تحتاج دائما إلى الغوَّاصين الأكْفاء!



#توفيق_أبو_شومر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المؤرخ، أبو غوغل الطبري
- مجزرة باريس وإسرائيل
- لعاموس عوز صوت يعقوب، وفعل عيسو!
- قبسات من تاريخ فلسطين
- الإرهاب، لقتل جنين دولة فلسطين
- في ظلال الهبة الفلسطينية
- العرب في قبائلهم الإلكترونية
- نموذجان للتحليل السياسي !
- رد المطلقات في ست ساعات!!
- رسالة اعتذار للبي دي إس
- صحفيو سمَّاعة الهاتف
- أسرار الجاسوس جونثان بولار
- آخر لمسات أطلس العولمة الجديد
- العرب بين السبي والنفي
- قصة اختطاف قطتين غزيتين
- مارشات (ولعت) في أفراح غزة!
- ثلاثة حروب فتَّاكة
- مشروع روجرز في وثيقة سرية
- سكين داعش اليهودية على رقبة إسرائيل
- دافيد غروسمان، وإحراق عائلة الدوابشة


المزيد.....




- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
- “جميع ترددات قنوات النايل سات 2024” أفلام ومسلسلات وبرامج ور ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - توفيق أبو شومر - دُرَرٌ من تراث نسائنا المُبدعات