أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زين اليوسف - بضع ساعات














المزيد.....

بضع ساعات


زين اليوسف
مُدوِّنة عربية

(Zeina Al-omar)


الحوار المتمدن-العدد: 5001 - 2015 / 11 / 30 - 15:08
المحور: الادب والفن
    


عندما نشعر بالخيبة في الحب نكتشف أن أكثر اللحظات للتطهر من خطايانا هي تلك اللحظات الأولى التي تعقب تعثرنا بالألم مباشرة..فتلك اللحظات تصبح كساعة ذئبٍ لا تنتهي تكون فيها دقات عقارب الساعة التي في تلك الصالة المظلمة تمزقك برتابتها و ببطء مرورها على عقلك و روحك و المدركين حينها لأصغر التفاصيل المحيطة بك..و كأن تلك الدقات هي دقات لقلب كففت عن الشعور بوجود الروح التي تسكنه و التي قيل لك دوماً أنها لن تفارقه و تفارقك مهما حدث.

الساعة الأولى..و آه من الساعة الأولى..تلك الساعة تبدأ بأن تضطرب دقات قلبك قليلاً و تشعر حينها بأن هناك قبضة باردة تعتصر قلبك و كأنها قبضة ملاك ساقط من جنةٍ استحوذ عليها الرب لنفسه..تلك القبضة تبدأ بمداعبة قلبك و لا تعتقد أنها تداعبه بتلك الطريقة اللطيفة المثيرة لخيالك كما لحواسك و التي تتوق إليها عندما تكون أنامل من تحب تتسلل عابثةً بجسدك..بل هي تفعلها بتلك الطريقة التي تخشاها كخشيتك للموت بحد ذاته..تلك الطريقة التي تشعرك بأن يد كيد شارون حارس العالم السفلي تقودك نحو جحيم أبدي لتستقر روحك فيه.

في الساعة الثانية يشتد الألم قليلاً..و هنا تبدأ بالإدراك بأن كل ما وهب إليك يوماً كان ضرباً من ضروب العبث بك..و هنا يبدأ أيضاً صوت بداخلك في الحديث و السخرية منك..فيخبرك بأنك شديد الحُمق لو كنت قد اعتقدت أن هناك من سيبقى بجانبك للأبد و بأن هناك من سيتفهم مخاوفك من دون أن يستغلها ضدك..سيخبرك ذلك الصوت بأن الجميع رحل من قبل و سيظلون يفعلونها من بعد أو هم في أفضل أحوالهم على وشك أن يفعلوا..تتجاهله و تحاول الفرار منه و لكنه يستمتع بوضعك فوق منضدةٍ مستطيلة ببندول في نهايته منجل ليمزقك في ذهابه و إيابه ليحيل ليلتك -كما حياتك- إلى جحيمٍ ستقيم فيه لأطول فترةٍ ممكنة.

في الساعة الثالثة يشتد الألم أكثر..لأنك هنا تدرك أن كل تلك الامتيازات الصغيرة و التفاصيل التي تعشق سُلبت منك كما تُسلب منا إنسانيتنا طوال اليوم..و هنا تكتشف أيضاً كم أننا ملوثون جداً بحكامنا العرب و بثقافتهم الديكتاتورية التي لا تبقي و لا تذر على أيٍ من حقوقنا..فتحاول أن تعترض على هذا الظلم البيِّن و لكنك لن تستطيع أن تفعلها فأنت سليل أُمةٍ سلبت جميع حقوقها حتى تلك التي كانت لها و هي في رحم أُمتها السابقة..فحقوقك -كما حقوقها- تُسلب قبل حتى أن تبدأ في أن تكون!!.

و هنا تبدأ ساعتك الرابعة لتبدأ بتذكر كل تلك التفاصيل التي جعلتك تنتقل من مرحلة الشك إلى مرحلة اليقين..ذلك اليقين الذي سينحرك أي مسلمٍ متشدد من دون أي تردد لو حاولت سلبه إياه..يقين أتى من تفاصيل كانت تهمس لك دون غيرك و كأنها وحي في غارٍ مظلم تقبع فيه لتتعبد لحبٍ لا يفنى..حب لا تقابل في طرقاتك من يصرخ بك بأنه خطيئةٌ يجب عليك التوبة من معاقرتها..و لكنك في هذه الساعة ستصبح كقُرشِيَّ ما زال متمسك بعبادة صنمٍ حطمه له الآخرون منذ بضعة سنين.

و في ساعتك الخامسة يصبح الألم لا يُطاق..و تشعر أن الحل الوحيد هو الحصول على جرعةٍ مرتفعة و ربما قاتلة من الإندورفين و أي طريقةٍ أفضل من الجنس للحصول عليها!!..فتصبح كمن أصابه مسَّ من الاشتياق و تبدأ بالبحث عن أي جرعةٍ قد تخفف من سطوة ذلك الألم على روحك..ذلك الألم الذي يغتصب روحك ليمزقها عنوةً كرجلٍ وهبت له طفلة ذات ثمان و يصر على تمزيق بكارتها لإثبات وجهة نظره في ذكورته.

في الساعة السادسة تبدأ بالبكاء..نعم تبكي فروحٌ تتألم و قلبٌ كف عن الإحساس إلا بألمٍ يأبى أن ينصرف عنهما لن يجدا حينها إلا البكاء كوسيلةٍ ربما باتت وحيدة لإثبات أنهما ما زالا على قيد الحياة و لم يتم سلبهما منك كما كل شيء آخر ما زلت تقاتل للحفاظ عليه في معركةٍ خاسرة و أبديةٍ لا تنتهي..و قد تجد أنك أيضاً تبكي كرامةً أُهدرت أثناء محاولتك للهروب من ذلك الألم..تبكي لأنك وحيد جداً بالرغم من أنك مزدحمٌ جداً بالآخرين كما بك.

أما في الساعة السابعة فستكون روحك قد أعلنت أخيراً استسلامها لعملية التطهير التي أخضعها لها الألم و أصبحت من الأمور التي ربما خرجت و لن تعد قريباً و هي أمور أعتدناها في مجتمعاتنا..فنحن أكثر الشعوب اعتياداً على الغياب و على الذين يكونوا بيننا الآن فقط ليختفوا فجأة و من دون أن ندرك أي الأمرين سلبهم من عالم الحضور..أهو موتٌ حق و وجب أم استضافة في معتقلٍ ما؟؟.

في الأسطورة الإغريقية قيل لنا أن باندورا عندما فتحت صندوقاً أغراها فضولها بالتلصص عليه أخرجت كل القبح الذي كان يحتويه ذلك الصندوق بين أركانه الأربعة..أذهلها ذلك القبح الذي التف حولها ليغمرها بالرغم من أنها لم تفتحه إلا للحظاتٍ معدودة لا لساعاتٍ معدودة و لكنها كانت كافية لكي يترسب ذلك القبح بكل تفاصيله من حولنا كما بنا..و لكن باندورا لم تغلقه قبل أن تحبس بداخله كما بداخلنا الأمل..لهذا و رغم كل تلك الخيبة و الألم ربما ما زال هناك في ثنايا هذه الروح بعض الأمل بأنها كانت بضع ساعات فقط و مضت -و ربما ستمضي- بعيداً لحال سبيلها.



#زين_اليوسف (هاشتاغ)       Zeina_Al-omar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أوهام
- عن أركانٍ خمسة!!
- مكعبات
- الطوق و الأسورة
- من دون أي شغف
- نبضةٌ إضافية
- أريد
- حرب
- مغناطيس
- قصة مذهبين
- أفكارٌ هشة
- ختان..اغتصاب و تحرش
- على جناح ذبابة
- تساؤل
- داعشي حتى يثبُت العكس
- أنامل عاهرة
- لائحة اتهام
- الكتابة بمدادٍ من نار
- رجل الستة ملايين دولار
- أن يكون مُسلماً


المزيد.....




- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...
- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زين اليوسف - بضع ساعات