أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - شموس نجد - الإسلام بين ثبوتية النص وحركية الواقع















المزيد.....

الإسلام بين ثبوتية النص وحركية الواقع


شموس نجد

الحوار المتمدن-العدد: 1365 - 2005 / 11 / 1 - 15:42
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


-1-
من العبارات التي تجري دوماً على ألسنة المسلمين – العامة منهم والخاصة – بلا وعي أو تفكير أن القرآن يحوي كل ما يتصل بأمور الدين والدنيا. يكفي أن تبدي بعض الشك أو التحفظ على مصداقية هذا الاعتقاد الراسخ ليرد عليك محاورك بالآية القرآنية " وما فرطنا في الكتاب في شيء " (سورة الأنعام: آية 38) أو " ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء " (سورة النحل: آية 89). والحق أن هذا الإدعاء الساذج يفتقد إلى التأصيل النظري والبرهان العملي، بل أنه يصطدم بداهة مع وجود مصادر تشريعية مكملة للقرآن. فلو أن القرآن انطوى حقاً على كل أسرار الدين والدنيا لما كانت ثمة حاجة إلى السنة النبوية كمصدر إضافي ولا إلى العقل البشري ليجترح الحلول ويضع الاقتراحات لمواجهة غياب النص القرآني في ملء فضاءات الحياة المتسعة ومستجداتها.

ربما كان القرآن كافياً للتفاعل مع إيقاع الحياة البطيء نسبياً فترة الدعوة المكية وتأسيس دولة المدينة، وهذا ما يمكن استنباطه بوضوح من الآيات التي كانت تعطي إجابات على تساؤلات الصحابة أو توفر الدعم الإلهي لسلوكيات النبي وتوجهاته. أما بعد وفاة النبي، ومع تسارع وتيرة الفتوحات الإسلامية فقد صار الواقع الجديد أكثر تعقيداً، الأمر الذي جعل من القرآن عموماً عاجزاً عن اللحاق بمعطيات الحياة المليئة بالحراك الحياتي. ولهذا نجد أن الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب يسقط صراحة، وبشجاعة نادرة قلما تجدها في غيره بعض الآيات القرآنية، لانتفاء أغراضها أو لعدم ملائمتها لمتغيرات ظرفية معينة. فمن المعروف تاريخياً أنه أوقف العمل بحد قطع يد السارق في عام الرمادة، ومنع توزيع الأراضي المفتوحة على الجنود لتوفير مصادر الرزق للأجيال القادمة، وأسقط سهم المؤلفة قلوبهم بعدما اشتد عود الدولة ولم تعد بحاجة إلى شراء تحالفات مع غير المسلمين.

-2-
إذا افترضنا جدلاً أن الآيتين القرآنيتين المذكورة أعلاه قصدتا تلبية احتياجات المسلم على المستوى الديني لا الدنيوي، فهذا الفرض لا يصمد أمام طغيان السنة النبوية لا على جوانب العبادات مثل الصلاة والزكاة والحج فحسب بل حتى على جوانب المعاملات مثل التجارة والأحوال الشخصية والعقوبات. فكما هو معلوم، فالآيات القرآنية ترسم الخطوط العامة دون انشغال بالتفاصيل الصغيرة التي تعنى بها الأحاديث النبوية. فعلى سبيل المثال، القرآن يأمر بالصلاة دون تبيان لصفتها وشروطها وأركانها ونواهيها وما إلى ذلك، وهي ما يدخل ضمن وظائف السنة النبوية. لكن دور السنة لم يتوقف عند الحدود التوضيحية أو التفصيلية، بل أنها في أحيان تقوم بإزاحة النص القرآني وتعطيله. ولعل أبرز الأمثلة التي يستحضرها المرء هنا ما يتعلق بعقوبة رجم الزاني المحصن بالرغم أن القرآن يقر عقوبة الجلد بدلاً من الرجم. وفي هذا الخصوص، يورد إبراهيم فوزي (تدوين السنة، رياض الريس للكتب والنشر، الطبعة الثانية، 1995، ص 21-22) بعض الأمثلة على حالات ينحني فيها الحكم القرآني أمام سلطة الحديث. فمن أمثلة ذلك، ما يروى عن عامر بن سعد بن أبي الوقاص أنه سمع من أبيه قبيل وفاته أنه قال نقلاً عن النبي أن الأب لا يرث أكثر من ثلث التركة، وهذا ما أخذ به بعض الفقهاء متجاهلين ما جاء في القرآن. وبالمثل، روي عن امرأة تدعى فاطمة بنت قيس أنها ذكرت بأنها قد طلقت زمن النبي، وأبى زوجها أن ينفق عليها، فذهبت تشتكي أمرها للنبي، فقال لها: " لا نفقة لك ولا سكن، فاذهبي وانتقلي إلى بيت ابن أم مكتوم، فكوني عنده، فهو رجل أعمى، تضعين ثيابك أمامه فلا يراك ". ورغم أن عمر بن الخطاب قد أنكر هذا الحديث الآحاد إلا أن بعض من الفقهاء مال إلى قبوله والعمل به حتى وإن تناقض مع القرآن صراحة. نخلص من ذلك أن القرآن، من منظار ديني، لا يكفي لوحده لاعتبارات كثيرة منها عمومية ألفاظه، واستغراقه في الإشارة إلى أخبار الأوليين وأساطيرهم، وتذكيره إلى ما ينتظر المؤمن من نعيم والكافر من جحيم. وإذا وضعنا هذا جنباً، فإن السنة النبوية بما تكتنزه من رصيد متراكم من الأحاديث المنحولة والتي لا ينكرها منصف قد نجحت في أحيان كثيرة من إقصاء النص القرآني.

-3-
أما على المستوى الدنيوي، فإن الشقة بين القرآن والدنيا بعيدة، وتزداد المسافة بعداً كلما تقدم الزمان واستجدت المتغيرات. ولو أن القرآن وضع – مثلاً – نظاماً للحكم لما وقعت الخلافات الدموية بين أصحاب النبي وما خلفته من آثار وجراحات مازالت تشطر المسلمين إلى فرق متحاربة حتى يومنا هذا. البعض قد ينري دفاعاً عن سكوت القرآن بقصد ترك فسحة للعقل البشري ليعمل ويفكر بلا قيود. قد يبدو هذا التبرير مقبولاً إلى حد ما، ولكن لماذا يسرف القرآن أو الحديث في أمور صغيرة مثل كيفية الاضطجاع والمعاشرة الجنسية وسجود السهو وما يقوله الرجل عند ركوب دابته وهي لا ترقى أبداً لمستوى السياسة وأمور السلطة ؟ الغريب هنا أن العقل عندما يتبنى النماذج الغربية لردم الفجوة في الفكر الإسلامي سرعان ما يواجه بهجوم حاد باعتبار أنها نماذج كافرة تجعل من الشعب مصدر للسلطة وليس الله! وإذا عدت للوراء وإلى التراث الديني من قرآن وسنة ومؤلفات فقهية فلن تجد إلا معلومات ونتف هزيلة لا تسمن ولا تغني من جوع. الكثير مازال يصر على أسبقية القرآن وعلى أن ما في آياته يفوق ما تفتق عنه العقل البشري من وضع قواعد وأسس لإرساء مبادئ العدل والمساواة والحرية. وإذا طلبت البرهان، حدثوك عن الشورى، وهي لجهلهم أو لتجاهلهم، عادة عربية مارستها قبائل العرب قبل الإسلام. ثم أن الشورى كمبدأ يفتقد للتأصيل النظري، فالبعض إلى يومنا يعتبرها ملزمة والبعض الآخر اختيارية. وهي فوق ذلك تهمش عامة الناس، كما أنها لم تطبق تاريخياً إلا لماماً وكان الحكم في النهاية للخليفة أو السلطان.

أما حرية التدين والتفكير فقد انتزعها الإنسان بعد صراعات مريرة، كلفت النفس والنفيس، ولم تهدى يوماً لا من خليفة ولا من القرآن. أما ما يقال عن حرية التدين وفق الآية القرآنية " لا إكراه في الدين " فهي لدى فقهاء الإسلام منسوخة بآية السيف وبالحديث المنسوب للنبي " من بدل دينه فاقتلوه ". وإني لا عجب من كل ما يقال من أن القرآن هو أول وثيقة لحقوق الإنسان مبررين رفضهم لإعلان حقوق الإنسان، مع العلم أن القرآن مؤسس على ثنائية المسلم / الكافر، الحر / العبد، الرجل / المرأة. ولو أغمضنا عيوننا عن جملة الآيات التي تدعو لتصفية الكفار لعدم قبولهم بالإسلام فإن القرآن لم يهاجم تقسيم البشر إلى طبقتين من الأحرار والعبيد وهذا ما يفسر لماذا ترددت الحكومة السعودية طويلاً قبل أن تلغي نظام الرق رسمياً قبل حوالي أربعة عقود. قد يحتج البعض بالآيات التي " تشجع " على عتق العبيد ولكن التشجيع ليس كافياً لإنهاء العبودية، ولو صح ذلك لما امتلأت قصور الخلفاء والوزراء والميسورين بالعبيد والإماء والجواري.

-4-
يستفاد من هذا كله، أن القرآن في مجمله نص جامد غير قابل للتكيف مع واقع متبدل لا يقف عند حال. هل مازال بإمكان الرجل تملك سراري للمتعة الجنسية؟ هل مازالت شهادة المرأة تساوي نصف شهادة الرجل؟ هل كل اليهود والنصارى هم أعداءنا ويجب قتالهم؟ هل يجب علينا قتال كل مشرك بعد انسلاخ الأشهر الحرم؟ القرآن ما هو إلا وثيقة تاريخية تخص مرحلة انقضت وليس من المعقول تطويع الواقع المتغير لينسجم مع نص ثابت ومستقر. لا أقصد هنا التخلي عن القرآن أو نبذه، فهو في النهاية نص مقدس وله احترامه، ولكن ما أرمي إليه هو التعامل العقلاني بعيداً عن المكابرة والعواطف الدينية المتأججة، وهذا لا ينقص من قيمة القرآن ولكن ما يضر به تلك المبالغات الزائدة التي تجعل منه وعاء لكل المعارف والعلوم ومصدر لتأريخ حياة الأمم الغابرة واستشفاف خبايا المستقبل.



#شموس_نجد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عصافير الموسيقى لا تطير تحت سماء المملكة
- أما آن للسيف أن يغمد في قرابه؟
- ردود القراء: محاولة للفهم
- عبادة الأسلاف
- فتاوى الدمار الشامل
- المصادر القرآنية 4-4
- المصادر القرآنية 3-4
- المصادر القرآنية 2-4
- المصادر القرآنية 1-4
- المجهول في حياة الرسول
- الإسلام والكذب
- من كان بيته من زجاج...
- البحث عن مملكة سليمان
- أمي والمطاوعة
- كيف كرم الإسلام المرأة؟ إهداء إلى الصديقة العزيزة: رجاء محمد
- لا تبكوا على الأندلس!
- الإسلام دين الرحمة: حقيقة أم خرافة؟
- عاشق الحور
- روتانا....تتحجب!
- داعية سعودي في إسرائيل


المزيد.....




- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...
- مئات المستوطنين يقتحمون باحات الأقصى في ثالث أيام عيد الفصح ...
- أوكرانيا: السلطات تتهم رجل دين رفيع المستوى بالتجسس لصالح مو ...
- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - شموس نجد - الإسلام بين ثبوتية النص وحركية الواقع