أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - رمسيس حنا - النرجسية (Narcissism) أو أضطرابات الشخصية النرجسية (NPD)















المزيد.....



النرجسية (Narcissism) أو أضطرابات الشخصية النرجسية (NPD)


رمسيس حنا

الحوار المتمدن-العدد: 4995 - 2015 / 11 / 24 - 10:56
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


فى المقال السابق تعرفنا على الإسطورة اليونانية صَّدَى و نارسيسس (Echo and Narcissus) و عرفنا أن الألهة هيرا (Hera) ملكة جبال اولومبيا و زوجة زيوس (Zeus) كبير الألهة أتهمت الحورية الجميلة صَّدَى (Echo) بإتفاقها مع زوجها زيوس (Zeus) على تلهيتها بالقصص لتسنح الفرصة لزوجها زيوس (Zeus) ليلهو مع الحوريات على الأرض فعاقبتها بإنتزاع صوتها و جعلت سُكناها فى الغابات و الكهوف و سفوح الجبال تردد بغباء اَخر كلمة أو عبارة يقولها الاَخرون.

و عرفنا أن نارسيسس (Narcissus) كان نتاج إتحاد أمه "ليريوب" (Leiriope) مع إله الأنهار "سيفيسس" (Cephisus)؛ و عندما أصبح نارسيسس (Narcissus) شاباً جميلاً وسيماً وقع فى حبه الكثيرون و من ضمنهم كانت صَّدَى (Echo) لكنه كان يصدهم عنه فترك قلوباً محطمة و لم يعبأ بأى عواطف من أى أحد تجاهه حتى رأى ظله فى عين ماء فوقع فى حب ذاته المنعكسة على صفحة الماء و قضى معظم و قته يناجى ظله بجوار عين الماء حتى ذبلت صحته من نار الوجد؛ و فى محاولة منه لكى يتمم حبه زحف الى العين ليعانق شخصه المنعكس على الماء فغرق و مات و تحول جسده الى زهرة النرجس.

و فى هذا المقال سوف نتناول تعريف النرجسية (Narcissism) كمرض يُسمى بإضطرابات الشخصية النرجسية (Narcissistic Personality Disorder) و يُعرف إختصاراً بـ (NPD) و هو يعنى أو يُسمى أيضا حب الذات الجنونى (Egomania) كمرادف له. و إضطراب الشخصية النرجسية (NPD) كمرض نفسى له أسبابه و أعراضه و كذلك سوف نتناول سمات الشخصية النرجسية و كيف تجتمع هذه السمات فى شخص ما للتحول الى سلوكيات مرضية تؤثر سلباً على المحيطين بالشخصية النرجسية (narcissist).

و رغم أن الأنانية (egotism) هى إحدى مترادفات النرجسية (narcissism) إلا أن الأنانية (egotism) تختلف فى تقسيمها (category) لتكون مُضَمنة كإحدى مظاهر النرجسية (narcissism) التى هى أعم و أشمل من الأنانية (egotism) التى تعنى ممارسة الشخصية للتفكير فى و الحديث عن ذاتها بطريقة مفرطة بسبب إحساس غير مبرر بأهمية الذات. أما حب الذات الجنونى أو جنون الذات (Egomania) فيُعرف – طبقاً للويكيبيديا – على أنه سَبْق الإنشغال الإستحواذى الهاجسى بالذات أو النفس و هذا ينطبق على الشخص الذى يسير وراء نزواته و التى لا يمكنه السيطرة عليها و يتملكه غرور العظمة الشخصية و يعتريه شعور بقلة التقدير من الغير. ربما يكون الفرق بين حب الذات الجنونى أو جنون الذات (Egomania) و إضطرابات الشخصية النرجسية (NPD) هو أن مريض حب الذات الجنونى أو جنون الذات لا يحتاج دعم الاَخرين فهو منكفى على ذاته مكتفى بها و بالتالى فإن حب الذات الجنونى أو جنون الذات إحدى سمات إضطرابات الشخصية النرجسية (NPD) و التى تُعد أوسع و أكثر شمولاً من حب الذات الجنونى.

و طبقاً لجوجل فإن تعريف النرجسية (Narcissism) أو إضطرابات الشخصية النرجسية (NPD) لغةً هو إهتمام الشخص بذاته جنسياً و شهوانياً و إهتمامه بمظهره الجسدى بدرجة مفرطة. و من منا لم يمر بهذه المرحلة. فهل نتذكر عندما كنا فى مرحلة النرجسية إهتمامنا المفرط بأجسادنا و عضلاتنا المفتولة و تسريحة شعرنا و ما كنا نفعله لجذب إنتباه الاَخرين؟؟ و لكن النرجسية (Narcissism) تتحول الى مرض إضطرابى فى الشخصية (NPD) عندما يتوقف الأمر عند هذا الحد أو هذه المرحلة و من ثم يكون للنرجسية (Narcissism) مترادفات مثل الغرور (Self-conceit´-or-vanity) و حب الذات (egotism) و الإعجاب بها و الإستغراق فيها (Self-absorption) و هاجس الذات (Self-obsession)، و الغرور بالذات وخداعها (self-deception)، و التمركز على الذات (Self-centeredness)، و تقدير الذات (self-appreciation). لدرجة عبادة النرجسى لذاته (self-worship) أو ( idiolatry) أو (autolatry) و بالتالى فإن الشخصية النرجسية تعتقد أنها محور إهتمام و تفكير كل من حولها و محط أنظار الجميع و لا تقبل منهم أقل من ذلك.

و فى علم النفس تُعرف النرجسية على انها منتهى الأنانية و التفخيم و التعظيم للمواهب الذاتية و إحتياج ملح و شهوة هاجسية و إشتهاء هوسى (أو هوس الشهوة) الى إعجاب الاَخرين؛ و رغم أن هذا التعريف يتضمن إحدى السمات الظاهرية لنوعية من الشخصية النرجسية و لكنه لا يتضمن ما يعتمل فى قرارة نفس النرجسى من الداخل و مواقفه و سلوكياته نحو الاَخرين .

و بناءاً على التحليل النفسى تعنى النرجسية التمركز على الذات الناجم عن الفشل فى تحديد أو تمييز الهوية الذاتية من الذوات الخلرجية فى مرحلة الطفولة أو كأحدى ملامح الأضطراب العقلى فى البالغين. و بالتالى فإن إضطراب الشخصية النرجسية (NPD) هو إضطراب عقلى حيث يعترى المريض أحساس متضخم بأهميته و (الثقة المفرطة فى نفسه)، و إحتياج عميق للإعجاب به من الاَخرين و عدم المقدرة على مشاركة و معايشة الاَم و أتراح و أفراح الاَخرين؛ و لكن تحت هذا القناع من الثقة المتناهية يكمن إحترام ذات - إن لم يكن معدوماً – فهو هش ضعيف شديد الحساسية لأبسط الإنتقادات التى قد يوجهها له الأخرون حتى و لو كانت هذه الإنتقادات فى مصلحته.

و التركيز على الذات الناجم عن الفشل فى تحديد أو تمييز الهوية الذاتية من الذوات الخارجية الأخرى فى مرحلة الطفولة يعنى بإختصار غياب أى فاصل بين شخصية الطفل و الشخصيات الأخرى المحيطة به نتيحة الدلال المفرط أو نتيجة الإهمال الزائد عن الحد من قبل الاَخرين: فعلى سبيل المثال أن الطفل الذى يجد جميع من حوله ملبياً لرغباته و طوع ملذاته تطغى شخصيته على شخصيات الاَخرين و هذا يعنى أن الأخرين تحولوا الى أدوات مملوكة للطفل ينفذ بها رغباته؛ و الأدوات التى يمتلكها الطفل تصبح جزء منه و لا يصبح هو جزء منها بمعنى أن الاَخرين يتماهوا فى شخصية الطفل و يتحولوا الى أجزاء منه فتنتفى الحدود المستقلة بين شخصية الطفل و بين شخصيات الاَخرين و من ثم يرى فيهم إمتداداً لنفسه.

و على العكس من ذلك فإن الطفل المُهمَل يعتقد أن الاَخرين لا يحبونه و لذلك يتولد لديه شعور مبكر بالإهتمام بذاته و التمركز حولها و بنفور من الاَخرين و فى نفس الوقت يريد جذب انتباههم بسلوكيات و تصرفات قد يراها الاَخرون من حوله انها تفوق سن الطفل سواء كانت هذه التصرفات و السلوكيات تلاقى القبول و الترحاب أو تُقابل بالإستهجان و الإنكار من المحيطين به؛ و فى كِلتا الحالتين ينجح الطفل فى جذب إنتباه الاَخرين فيتمادى فى هذه السلوكيات. بل أحياناً يقع الطفل الذى يعانى من الإهمال فريسة لمرض عضوى فيجذب اليه أنتباه الاَخرين فيحيطوه بالرعاية أو الإهتمام الغير عادى فيتمادى فى المرض و يستعذبه.

و طبقاً لهيئة مركز مايو الصحى (Mayo Clinic Staff) فإن إضطراب الشخصية النرجسية (NPD) هو إضطراب عقلى و فيه يعترى المريض إحساس متضخم بأهميته، و إحتياج عميق لإعجاب الاَخرين به و إنعدام تعاطفه نحو الاَخرين؛ و لكن تحت قناع هذه الثقة المفرطة يقع تقدير ذاتى هش قابل للإنهيار تماماً لمجرد تعرضه لأبسط شبهة للنقد.

يرى كثير من الباحثين أن هناك اربعة أبعاد للنرجسية تتحدد فيها تباينات و متغيرات الإنسان المصاب بإضطرابات الشخصية النرجسية (NPD) ؛ بمعنى أن هناك أربعة مظاهر أو واجِهات تتجلى فيهم النرجسية و اضحةً و بالتالى فإن الشخصية النرجسية يمكن التدليل عليها من أربعة أبعاد أو جوانب و هى: القيادة/السلطة، الفوقية/الغطرسة، الإنغماس فى الذات/الإعجاب بالذات، الإستغلالية/الأستحقاقية.

إن طموح النرجسى للقيادة ليس لأمتلاكه رؤية محددة المعالم فى تحقيق أهداف مشتركة لمجموع الأفراد الذين يقعون تحت قيادته؛ و ليس لأن فى مقدوره أن يقدم لهم شيئاً من عنده، بل القيادة بالنسبة للنرجسى هى نوع من الزعامة يحقق بها هدفين من أهدافه و هما تحقيق ممارسة سلطته على الاَخرين و إشباع رغبته فى جذب إنتباههم و الإلتفاف حوله لتحقيق ما يصبو إليه هو. كما أن الزعامة تشبع شعور النرجسى و أحساسه بأنه فوق الجميع و على رأسهم و من ثم تكتمل غطرسته و يجد لها متنفس لإستعراضها؛ و بتحقيق هذين الهدفين (الفوقية و إلتفاف الاَخرين حوله) يزداد النرجسى إنغماساً فى ذاته و لا يرى غير نفسه حوله و يتحول جمييع من حوله الى مراَة يرى فيها نفسه فقط و بالتالى يزداد إعجابه بنفسه لما حققه من نجاح "متوهماً" أنه هو من صنع هذه المراَة و أنه هو الذى صنع هذه الجموع فيتحولون الى "غنم رعية" و بالتالى يحق له إستغلالهم فهو ملهمهم و مفجر طاقاتهم و لولاه ما كان لهم وجود و لذلك فإن طلبات النرجسى ممن حوله قد تفوق قدراتهم و عليه فهو يستحق منهم كل طاعة و كل خضوع و كل مديح و كل ثناء. و فوق كل ذلك فهو يستحق منهم أن يضحوا من أجله بكل غال و نفيس حتى و لو تطلب الأمر التضحية بأنفسهم من أجله فالنرجسى يعتقد أنه غاية كل شيئ فى الوجود و مُنية كل من حوله و مُبتًغَى كل شخص.

و طبقاً للدليل التشخيصى الإحصائى الأمريكى للأمراض العقلية (Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders) و المعروف إختصاراً بأسم (DSM) فى أحدث طبعته له "الطبعة الخامسة" فى الولايات المتحدة الأمريكية فان هناك تسع خصائص أو سمات لإضطرابات الشخصية النرجسية (NPD) و هى: 1- إحساس متضخم بأهميته الذاتية، 2- إنشغال هاجسى بتوهمات النجاح غير المحدود، و السلطة المطلقة و التألق اللامع، و الجمال الباهر، و الحب المثالى، 3- الإعتقاد بتفرد و خصوصية شخصيته و التى يعتقد النرجسى أنه لا يمكن فهمها إلا بواسطة علية القوم (أو المؤسسات و الناس ذوى المكانات الرفيعة)، ومن ثم فينبغى الإرتباط بهم،أو يجعلهم هم بطريقة ما يرتبوطوا به. 4- الإحتياح الى الإعجاب المفرط و البحث الدؤوب عن الإطراء و سرعة التأثر بالتملق، 5- الإحساس بالإستحقاقية، 6- الإستغلالية، 7- عدم التعاطف مع الاَخرين أو الإحساس بهم، 8- الحقد على الأخرين و الإعتقاد بالحسد عليه من الاَخرين، 9- الغطرسة و التعالى على الاَخرين مع سلوكيات مسيئة و وقحة تجاههم.

و يضاف الى ذلك ست سمات أخرى من موقع (https://www.psychologytoday.com) و هى 1- رد فعل قوى تجاه النقد، 2- تقدير ذاتى منحط، 3- بر ذاتى دفاعى متطرف، 4- رد فعل غاضب و متهيج ضد وجهات النظر المخالفة، 5- أسقاط صفاته و سماته و سلوكياته الغير مقبولة على الاَخرين، 6- إلغاء الحدود البينية الشخصية.

وفى كتاب بعنوان "النرجسية: تحت القناع" تأليف ديفيد توماس طبعة سنة 2012 و الذى يدور حول تعطش الشخص النرجسى للسلطة يشير مؤلفه ان الشخص النرجسى يبدى أو يُظهر بصورة نمطية معظم – و أحياناً كل – السمات أو الخصائص التالية:

1- تركيز واضح على الذات فى المعاملات الشخصية البينية .
2- يوجد مشاكل فى الإحتفاظ بعلاقات مُرْضِية (satisfying) ترضى جميع أطرافها
3- إنعدام او نقص فى الوعى السيكولوجى أو النفسى بأبعاد المشكلة
4- إنعدام الإحساس بمشاكل الاَخرين
5- عدم المقدرة على إدراك محددات أو حدود شخصيته مع شخصيات الاًخرين (يريد الاَخرين أن يتماهوا فى شخصيته)
6- حساسية مفرطة لأى أهانة أو مجرد مظنة مهانة من الاَخرين
7- حساسية مفرطة بالعار اكثر من الذنب
8- لغة جسدية (حركات الجسم و الإشارات و تعبيرات الوجه) متعالية
9- تملق المعجبين و توطيد العلاقات بهم
10- كراهية شديدة لغير المعجبين
11- إستغلال الاَخرين دون الأعتبار لمدى تكلفة هذا الإستغلال عليهم
12- إدعاء أنه أكثر أهميه مما هو فى الواقع
13- التباهى برقة ماكرة و بإستمرار و المبالغة قى انجازاته
14- الإدعاء بخبرته فى كل شيئ
15- العجز عن رؤية العالم من منظور الاًخرين
16- إنعدام الندم أو تأنيب الضمير و عدم العرفان بالجميل (الجحود)

و يقرر كينث ن. ليفى (Kenneth N. Levy) من جامعة ولاية بنسلفانيا (Pennsylvania State University) فى بحث له بعنوان (الأنماط الفرعية و أبعاد و مستويات الحالة العقلية فى النرجسية) أن هناك تصورات لأنماط فرعية و مستويات و أبعاد للنرجسية أو إضطرابات الشخصية النرجسية (NPD) يتم التعامل معها بتركيز خاص على مظهريات أو إستعراضات العظمة أو الفخامة العلنية و على دلالات و مظاهر الضعف و الهشاشة الخفية. و يضيف أن الأبحاث و الأدلة الإكلينيكية تشير الى نتيجة مفادها أن هذه الأنماط الفرعية تصنيف مسهب و محاولة لتقسيمات الحالة الواحدة الى عدة حالات لا يحتملها المضمون كوحدة واحدة و نظرة شاملة للمرض؛ و لذلك فمن الأفضل إعتبار هذه الأنماط كأبعاد يتنوع فيها المرضى كأفراد على مستويات نسبية، و من ثم يكون التناقض الظاهرى فى مرض النرجسية هو خط رأسى مستقيم بين نقطتين أحدهما قمة العظمة و الغطرسة و الأخرى أحط درجة من الضعف و الهشاشة و عليه فإن مريض النرجسية يتنوع صعوداً و هبوطاً على خط المرض لكى نصل الى نتيجة مفادها أن العظمة و الغطرسة مقابل الضعف و الهشاشة فى مريض النرجسية هما وجهان لعملة واحدة. و ينتقد ليفى ( 2008,Kenneth N. Levy) و باحثون قبله أمثال كوبر و روننجستام ( Cooper, 1989 & Ronningstam) و غندرسون (1991 ,Gunderson) و أخرون ينتقدون تعريف مرض إضطرابات الشخصية النرجسية (NPD) الذى قدمه (الدليل الأمريكى التشخيصى الإحصائى للأمراض العقلية) أو (DSM) و ينعون عليه أن معاييره فى تعريف مرض النرجسية أقتصرت أو ركزت على الجوانب العلنية الظاهرة أكثر من الدلائل الخفية التى تحتاج الى دقة الملاحظة و عدم التسرع فى التشخيص الإكلينيكى. إلا أن الأبحاث النظرية و العملية تتفق على التوصل الى أن إضطرابات الشخصية النرجسية (NPD) ليست إضطرابات متجانسة أو متماثلة؛ و أن أحتمالات وجود الأنماط الثانوية للنرجسية تتزايد فى هذه المجموعة من الجوانب.

لقد قدم عدد من منظرى النرجسية البارزين (theorists) عدة تمييزات (أو خصائص) للأنماط الفرعية للنرجسية معظمها يركز على التفرقة بين الإستعراض الأكثر علانية للعظمة أو الفخامة وبين مظهر الضعف الأكثر خفية. و يُشار الى الجانب المعلن أو العلنى على أنه العظمة و النسيان و العناد و الكشف (الإفتضاح) و تخانة (سماكة) الجلد او القضيبية (phallic) – نسبة الى العضو الذكرى – و يُقصد بتخانة الجلد و القضيبية الجرأة و التهور و الوقاحة و سلاطة اللسان و عدم المبالاة تجاه الاَخرين. أما الوجه الخفى للنرجسية يُشار إليه على أنه الضعف أو الهشاشة و الحساسية المفرطة و السرية و رقة الجلد (Akthar & Thomson, 1982-;- Bateman, 1998-;- Britton, 2000-;- Cooper, 1981-;- Gabbard, 1989-;- Masterson, 1981-;- Rosenfeld, 1987-;- Wink, 1991). و يتعلق الجانب العلنى للنرجسية بالعظمة و السعى الدؤوب الى جذب انتباه و إهتمام الاَخرين و الإستحقاقية و الغطرسة و القلق الذى يُلاحظ بالكاد. و هذه الخصائص أو السمات تتسق مع وصف مرض إضطرابات الشخصية النرجسية (NPD) الذى ورد فى الدليل التشخيصى الإحصائى الأمريكى للأمراض العقلية (DSM) و بناء عليه فإن مرضى النرجسية لهم سحر إجتماعى خاص رغم عدم وجود أى إعتبار منهم و تناسيهم التام لإحتياجات الاَخرين كما أن مريض إضطرابات الشخصية النرجسية لا يضيع أى فرصة يقيم فيها علاقات شخصية مع الاَخرين إلا و يستغلهم لماَربه و منفعته الشخصية غير مبال بما يتكبده الاَخرون جراء إستغلاله لهم. و على النقيض من ذلك فى الجانب الخفى أو الغير مُعلن يصف جابارد (1989) Gabbard النرجسى على أنه مفرط الحساسية تجاه تقييم الاَخرين له، غير قادر أن يسلك أو يتصرف بأريحية أو بطريقة طبيعية، يبدو عليه القلق و الإضطراب و الحزن و الوضاعة و فوق كل ذلك الخجل فى مظهره الخارجى، يظهر نوع من الإهتمام المتحفظ أو مبالاة هادئة نحو الاَخرين يظهر فيها عظمته و فخامته بطريقة هادئة، مع حساسية مفرطة لمجرد شبهة التجاهل و الإزدراء من الاَخرين مما يؤدى به الى حرصه الشديد على تجنب الأضواء. كما أن الشخصية النرجسية ذات النمط الخفى أو الغير مُعلن يلجأون للتعبير عن عظمتهم من خلال الإفراط فى بيان المعاناة و تكبد المشاق و المحن و الكروب المصاحبة لهويتهم؛ فعلى سبيل المثال فإنهم دائمى الترداد لمقولة أنهم "عانوا أكثر من الاَخرين". و فى كلتا الحالتين سواءاً ما إذا كانت النرجسية خافية أو مُستعلنة فإن الأشخاص الذين يعانون من إضطرابات الشخصية النرجسية يكونوا مُستَغرقين فى أنفسهم بطريقة غير عادية و يضمرون أو يخفون توقعاتهم العظيمة الغير واقعية فى أنفسهم و من أنفسهم و لأنفسهم.

و هناك خصائص و سمات أخرى فى مرضى إضطرابات الشخصية النرجسية حددها بورستين (1973Bursten, ) فى أربعة أنماط و هى: 1- المرضى المتلهفون (ذو الشهوة الجامحة) المتشبسين بـ و الملحين فى طلباتهم و دائمى الحاجة أو الإحتياج الى إنتباه و إهتمام الاَخرين. 2- المرضى بجنون العظمة و الشك الهاجسى و هم دائمى الإرتياب فى الاَخرين و نقدهم و إحراجهم. 3- المرضى الإستغلاليون المناورون المتلاعبون الذين يجدون رضاهم و متعتهم فى خداعهم المقصود و المتعمد للاَخرين. 4- المرضى القضيبيون (نسبة الى القضيب أو العضو الذكرى phallic ) و الذين يريدون السيطرة على الاَخرين و هم عدوانيون و فاضحون و مستهترون و وقحون (جريئون الى حد الوقاحة).

و لقد و صف كوهت و وولف (Kohut and Wolf, 1978) ثلاثة أنماط فرعية بناءاً على العلاقات الشخصية البينية (interpersonal) و هى: 1- المرضى المتعطشون الى الإندماج مع الاًخرين (و خاصة علية القوم)؛ و يرى هؤلاء المرضى أنه ينبغى عليهم الإرطبات دائماً بالاًخرين (من علية القوم) و تعريف أنفسهم من خلالهم. 2- المرضى متجنبى التواصل بالأخرين و الذين يتجنبون التواصل او الظهور فى المناسبات الإجتماعية خوفاً من أن سلوكياتهم لا تلقى القبول أو الإعجاب من الاَخرين. 3- المرضى المهووسون بالمراَة و هم يميلون الى إستعراض أنفسهم أمام الاَخرين. و يتضمن فى كل نوع من هذه الأنماط الفرعية الثلاثة إحدى حالات التجسيد المكثف لديناميات أو لمحركات ما بين المستعلنة أو الخفية منها. فعلى سبيل المثال فإن أفراد المرضى المتجنبين للتواصل يعتقدون أنه يجب الإعجاب بهم من الاَخرين، و لكنهم يميلون أكثر الى كونهم رافضين للاَخرين؛ و قد لا يبدون قلقاً ملحوظاً إلا انهم يكونون فى أشد القلق بخصوص قبول الاَخرين لهم.

أما ميلون – (Millon (1969, 1981, 1998 – الذى صاغ مرض إضطرابات الشخصية النرجسية كنموذج أولى فقد إقترح محاولة تتكون من خمسة أنماط فرعية لمرضى النرجسية هى: 1- النوع الشبقى الشهوانى الذى يظهر خصائص أو ملامح إدعائية بارزة و هو عادة ما يكون إفتضاحى أو فاضح و سليط اللسان. 2- النوع المجرد من الأخلاق أو المبادئ الذى يكون إستغلالياً و يظهر خائص عدائية للمجتمع. 3- النوع التعويضى الذى يُظهر تعالى و ترفع بسمات سلبية عدوانية. 4- النوع النخبوى أو الإنتقائى الذى يميل الى ترويج ذاته و لديه مضمون أو مفهوم ذاتى منتفخ. 5- و أخيراً النوع المتعصب الذى يتميز بجنون العظمة و القدرة الكلية (أو كلية القدرة). هذه التقسيمات أو الأنماط الفرعية يغلب عليها طابع التأكيد على مظاهر التفخيم او الفخامة العلنية فى مرض أضطرابات الشخصية النرجسية (NPD).

و حتى اليوم تم عمل أبحاث لتوطيد موثوقية و صلاحية هذه الأنماط الفرعية وراء التفرقة بين الخصائص العلنية و الخفية. هذا التمييز بالتحديد تم تدعيمه بعدد من الدراسات قام بها متخصصون أمثال ديكرسون و بينكس (Dickerson & Pincus, 2003)، هيندن و تشيك (Hendin & Cheek, 1997)، و هيبارد و بونس (Hibbard & Bunce, 1995)، و راذفون و هولمستورم (Rathvon & Holmstrom, 1996)، و روز (Rose, 2002)، و وينك (Wink, 1991-;- 1992). فعلى سبيل المثال فقد حدد وينك (Wink, 1992) بعدين متعامدين للنرجسية: الحساسية/الضعف و العظمة/الإفتضاحية. و خلال عشرين سنة دراسة طولية حدد حدد وينك (Wink, 1992) ثلاثة أنماط للنرجسية: الحساسية المفرطة (الضعف)، العناد (العظمة)، الإستقلالية (الصحية) – مما يُظهر أنماط متميزة لتغيرات الشخصية أثناء الفترة الإنتقالية من سن الشباب الى متوسط العمر.

فى بدايات الأربعينات من العمر يُبدى النرجسيون إنحداراً ثابتاً نسبياً عن كيفية أدائهم فى سن العشرينيات. فالنرجسيون العنيدون يُبدون تغييراً ضئيلاً عند بلوغهم سن الثالثة و الأربعين مقارنة بحالتهم فى سن الحادية و العشرين، و بعد إظهار بعض النمو فى أواخر العشرينيات من عمرهم. اما النرجسيون الإستقلاليون أو الصحيون و بعد الصراع فى أواخر عشرينياتهم يختبرون موجة من تطور الشخصية بحلول أوائل الأربعينيات من عمرهم كما يبدو من العلاقات الشخصية البينية المُرضية و الرضا المهنى و النجاح. و لقد وجد وينك (Wink) أن مجموعته من النرجسيين مفرطى الحساسية (الخفية) وصفوا علاقاتهم بوالديهم عامة بخلوها من الحميمية و يجتاحهم شعور بعدم الأمان و عدم الثقة نحو أمهاتهم. أما النرجسيون العنيدون (الخفيون) يجتاحهم شعور بكراهية امهاتهم يتزامن مع تفاخرهم الشديد بأبائهم.

و حديثاً جداً وجد روس و برادلى و ويستن – (2008) Russ, Shedler, Bradley, and Westen – ثلاثة أنماط فرعية بين المرضى الذين يستوفون معايير إضطرابات الشخصية النرجسية (NPD): 1- العظمة/الخباثة، 2- الهشاشة أو الضعف، 3- الأداء العالى/الإفتضاحية. فمرضى النرجسية المتكبرين/المتعظمين يُوصفون بالغضب، و المناورة فى علاقاتهم الشخصية البينية و عدم التعاطف و عدم تأنيب الضمير؛ فعظمتهم لا تُعتبر دفاعية أو تعويضية. أما مرضى النرجسية ذوى الهشاشة و الضعف يظهرون ما يمكن التعبير عنه بالعظمة تحت التهديد فتكون عظمتهم دفاعية كما يعتريهم شعور بالعجز (عدم الكفأة) و القلق مما يدل على تأرجحهم ما بين الفوقية و الدونية. و أخيراً فإن مرضى إضطرابات الشخصية النرجسية () ذوى الأداء العالى يُظهرون عظمة و تنافسية و سعى دؤوب لجذب الإنتباه و إثارة جنسية غير منضبطة؛ كما أنهم يميلون لإظهار تكيفهم مع أدائهم و يستفيدون من سماتهم فى تحقيق النجاح.

إتفق معظم العلماء على أن أسباب إضطرابات الشخصية النرجسية (NPD) تنقسم الى نوعين جينية حيوية و بيئية ظرفية سلوكية (حسب ظروف النشأة أو التنشئة). و كما فى حالات الإضرابات العقلية الأخرى فإن أسباب إضطرابات الشخصية النرجسية (NPD) معقدة مركبة فقد تنجم عن عدم التوفقية (mismatches) فى علاقة الوالدين (الأب و الأم) بالطفل سواء كان بتدليلهما الزائد عن الحد أو النقد المفرط للطفل. أو بسبب غياب الرعاية الوالدية الواجبة عدم وجود البيئة الأبوية الأمومية الحاضنة للطفل؛ كذلك هناك إرتباط وثيق الصلة بين إضطرابات الشخصية النرجسية (NPD) بالعوامل الجينية أو الوراثية (genetics) و يطلق عليها العوامل "الحيونفسية (psychobiology) حيث أن هناك رابطة قوية بين المخ و التفكير و السلوك. وقد نخلص من ذلك الى أن النرجسية ليست مرضاً عضوياً خالصاً و لا هى مرض نفسياً بحتاً بل هى خليط ناجم عن البيئة التى يعيش فيها الفرد و التعليم الذى يتلقاه و المعاملات التى يُعامل و يتعامل بها و الخبرات و التجارب التى صادفته أو التى وُضِع فيها. كما أن إضطرابات الشخصية النرجسية (NPD) يمكن أن تُعزى الى اسباب وراثية و حيوية تتعلق بالجينات و إضطرابات فى المخ. ويرى كثير من الباحثين أن هناك مضاعفات للنرجسية تتمثل فى صعوبة إقامة علاقات سوية مع الاَخرين و إثارة المشاكل فى مقار العمل و الإكتئاب و إساءة إستخدام المخدرات و ورود أفكار و سلوكيات إنتحارية.

إن خطورة مريض النرجسية تكمن فى جاذبيته الشديدة و نفوره من الناس بدرجة أشد. فهو يستخدم جاذبيته لكى يشبع تعطشه فى إلتفاف الاَخرين حوله و الإهتمام به و فى نفس الوقت يدفعهم بعيداً و يتجنبهم، هو يحتاج دعمهم و مساندتهم و تأييدهم له و فى نفس الوقت يذلهم و يحقّرهم ليرضى غطرسته. النرجسى يبدو خجولاً لإحساسه بالعار (وليس الذنب) و لكن فى نفس الوقت يبدى وقاحة و لسان سليط بإسقاط عاره على الاَخرين و تعييرهم به. عندما يواجه النرجسى شخصية قوية أو شخصية سلطوية مختلفة عنه فى الفكر أو الرأى و فى نفس الوقت تمثل له سنداً و عضداً كبيراً لا يمكنه الأستغناء عنه فأنه يتملقها و يرضيها ببعض النفاق أو التنازل و النزول على رأيها و فى نفس الوقت يلجأ لمصدر أقوى لتأييد فكرته أو رأيه و يدحض به فكرة و رأى الشخصية القوية التابعة له. الشخصية النرجسية تعبد و تتعبد لنفسها و حتى إن كانت تؤمن بوجود إله فأنه يقرن نفسه بهذا الإله لدرجة انه فى كثير من الأحيان يتبادلا الأماكن لأن النرجسى فى الواقع هو معبود ذاته و لا يوجد حدود بين شخصيته و شخصيات الاَخرين . أن الشخصية النرجسية تبحث دائما عن الشخصيات الضعيفة فى المجتمع (و خاصة النساء) ليمارس عليهن نرجسيته. هذا لا يعنى أن النساء لا يُصبن بالنرجسية و لكن سمات النرجسية عند الرجال أكثر وضوحاُ منها عند السيدات خاصة فى المجتمعات الشرقية و ذلك للضغوط التى تتعرض لها المرأة فى المجتمعات الذكورية. كما أن أعراض و سمات النرجسية تكون أوضح لدى الشخصيات القيادية سواء أكانت فى مجال الدين أو السياسة أو الإقتصاد. النرجسية و النصوص الدينية تحتوى على مثل هكذا من أعراض و سمات يلاحظها كل من لا تأسره الشخصية النرجسية و لا يقع فريسة لإيحاءتها.

و يرى بعض من المعالجين النفسيين أن كثيراً من هذه السمات فى الشخصيىة النرجسية على انها اساليب تدميرية للناس الذين يحيطون بالشخصية النرجسية تدفعه الى الحقد على و الحسد للاخرين مما دفع المحللة النفسية ساندى هوتشكيس (Sandy Hotchkiss) أن تصيغ من هذه السمات مصطلحاً جديداً أطلقت عليه مسمى "خطايا النرجسية السبع القاتلة" و قد حددت و عرفت هذه الخطايا السبعة على أنها: الوقاحة، الإعتقاد السحرى، الغطرسة، الحقد و الحسد، الأحقية أو الإستحقاقية، الإستغلال و السخرة، الغاء الحدود الشخصية. و ترى ساندى هوتشكيس (Sandy Hotchkiss) أن هذه السمات أو الخطايا السبع هى التى تؤثر تأثيراً سلبياً و سالباً ليس فقط على مريض النرجسية بل على كل الذين يقعون فى قبضته و تحت سيطرته.

1- الوقاحة (shamelessness): لأن الإحساس بالعار و الفضيحة هو عادة ما يصاحب إضطرابات الشخصية النرجسية ؛ و عدم المقدرة على التعامل مع أو معالجة الإحساس بالعار أو الفضيحة بطريقة صحية. فالإحساس بالعار و الفضيحة هو العامل الأساسى فى جميع حالات إضطرابات الشخصية النرجسية (). فى الشخص الصحيح نفسياً يتم التعامل مع الإحساس بالعار و الفضيحة بطريقة عادية كالتغاضى عنه اوالإعتراف بما وراء هذا الإحساس و الكشف عنه للطبيب النفسى أو فى جلسات المشورة (counseling session) أو حتى للأصدقاء المقربين؛ هذا يعنى أن الشخصية العادية (normal personality) واعية تماماً باحاسيسها و هى تسعى للمشورة. بينما الشخصية النرجسية تجد صعوبة بالغة فى التعامل مع هذا الإحساس بطريقة صحية و صحيحة و من ثم يميل النرجسى أن يُسقط أو يعكس أحساس العار و الفضيحة على الاَخرين وهو ما يُعرف إصطلاحاً بالإسقاط (projection)؛ أى أن النرجسى يُسقط إحساسه بالعار على الاَخرين. بمعنى أن ما يكون مصدر إعتزاز و فخر لدى الاَخرين يحوله النرجسى الى عار و مسبة ليُحقَّرهم و يقلل من شأئنهم.

2- الإعتقاد السحرى (magical thinking): يرى النرجسى نفسه على أنه كامل و تام و لا أخطاء له و هو المطهر التقى و هذا هو ما يُعرف بالإعتقاد او التفكير السحرى؛ ولكى يصل الى هذه الصورة مستخدماً لبيان هذه الصورة التشويه و الخداع و الكذب و هو يستخدم الإسقاط ليلقى بالعار و الفضيحة عن نفسه بلومها على الاًخرين.

3- الغطرسة (arrogance): الغطرسة و الإستخفاف بمشاعر الاَخرين و تجاهلهم هى إحدى الخصائص النمطية للنرجسية. فإحترام و تقديرالشخص النرجسى لذاته غالبا ما يكون ضئيلاً و لذلك فهو يحاول أن يخفف من إحساسه بحقارة و دنائة ذاتيته بإهانة الاَخرين و الحط من قدرهم. فالنرجسى الذى يشعر بالضاَءلة يمكن ان يعود لإنتفاخه و ذلك بالتقليل و التحقير و الحط من قدر الاَخرين. أنه يريد و يرى أن الاَخرين يتماهون فى شخصيته، فهم جزء منه و لا يمكنهم الإستغناء عنه و بدونه هم لا يساوون شيئاً و لا إعتبار لهم؛ و من هنا تكمل غطرسته و فوقيته على أتباعه الاًخرين و من ثم يحتقرهم و ينفر منهم.

4- الحقد و الحسد (envy and malice): بسبب إحساس النرجسى بالتعالى على الاَخرين فإنه يشعر بعدم الأمان عندما يواجه إمكانيات و مقدرات الاَخر خاصة و إذا كانوا أصحاب مفاخر عليه (من ذوى الحسب و النسب و المكانة الرفيعة) و بالتالى فإنه يحاول دائماً التقليل من شأن الاَخر بإظهار الإحتقار و ذبه عن نفسه و بذلك يضمن النرجسى إحساسه بالتعالى تجاه إمكانيات و مقدرات الاَخر بتحقيره إياهم و تحويل مفاخرهم الى مصادر عار لهم.

5- الأحقية و الإستحقاقية (entitlement): لأن النرجسى يعتبر نفسه حالة خاصة فإنه يتوقع من الاَخرين معاملة متميزة و التزام و إذعان و طاعة عمياء، و بالتالى فإن عدم الإستجابة لهذه التوقعات يعتبره النرجسى هجوم على تعاليه و فوقيته؛ و عليه فإن مرتكب هذه الحماقة – التى تصل الى حد الجريمة فى إعتقاد النرجسى– هو شخص أخرق و صعب؛ و إن تحدى إرادة النرجسى هى جرح و إمتهان لشخصيته يثير غضبه و ثائرته و هياجه. و بمعنى اَخر فإن أحساس النرجسى بالكمال و التعالى و الفوقية يجعله يتوقع معاملة خاصة متميزة من الناس الذين حوله و عليهم أن يظهروا إعجابهم و موافقتهم و أتفاقهم مع اَرائه و وجهات نظره و أفعاله. إن أى تقصير منهم فى الإلتزام و الإستجابة يفهمه مريض إضطرابات الشخصية النرجسية (NPD) على أنه تعدى على سلطته و تميزه و تعاليه و فوقيته. فأى شخص يعصى أوامره أو يتجاهل أو يعترض علي سلوكياته أو على وجهات نظره يُعتبر شخص أحمق و أهوج و حقير و صعب المراس و من ثم يلجأ النرجسى الى تحقيره علناً و الإنتقاص من أرائهم أمام الاَخرين؛ هذا بالإضافة الى أن النرجسى يعتبر سلوك الاَخر تحدياً له مما يجعله فى حال غضب و إثارة و هياج يشار إليه "بالغضب النرجسى". و من ثم يطلب مريض إضطرابات الشخصية النرجسية () ممن حوله بطاعته طاعة عمياء مع الوعود بمكافئة المطيعين له و وعيد و تهديدات لمن يعصونه أو حتى يعترضون على و جهات نظره رغم انه لا يملك شيئاً من الوعود أو الوعيد.

6- الإستغلال و السخرة (exploitation): يتخذ الإستغلال أو السخرة اشكال عدة (مثل الإستغلال المالى و الدفاع عنه و خوض معارك جدلية أو حربية أو أخذ مكانه إذا تعرض للخطر و لكنه فى جميع الحالات لا يعبأ النرجسى بمشاعر الاَخر أو مصالحه و لا يتعاطف معه لأنه غالباً ما يكون الاَخر فى و ضع الخنوع و المذلة حيث تكون مقاومته للنرجسى صعبة إن لم تكن مستحيلة على الرغم من أنه أحياناً قد يكون هذا الخنوع و هذه المذلة غير مبررة و إن سلطة النرجسى على أتباعه ليس كما جعلهم هو يفهمونها أو يقتنعون بها أو كما هم يفترضون. هذا يدل على إتجاه و ميل النرجسى لإستغلال الاَخر و التلذذ بإستنزافه ماديا و معنوياً مما يدعم تعاليه و فوقيته.

7- حدود شخصية النرجسى مع الاَخر ضعيفة أو واهية (bad boundaries): فالنرجسى لا يريد أن يعترف بوجود حدود أو محددات لشخصيته تفصل بينه و بين حدود و محددات شخصية الاَخر الذى ليس بالطبع إمتداداً لشخصيته. فالشخص الاَخر إما أن يوجد أو يعيش ليشبع و يسد إحتياجات النرجسى و إلا فلا ينبغى لهذالاالاَخر أن يوجد أو يعيش على الإطلاق. و بمعنى اَخر فإن أولئك الذين يوفرون مدد و متطلبات النرجسية للشخص النرجسى يعاملهم كجزء لا يتجزأ من شخصيته و بالتالى ينبغى عليهم أن يعيشوا فقط لتحقيق توقعاته منهم؛ و هكذا يلغى النرجسى حدود الاَخر ليتماهى فى شخصيته، لأن الشخصية النرجسية يجانبها الصواب فى فهم حدودها و لا يعترف أن الاَخر فرد ذو شخصية مستقلة و ليس إمتداد لشخصيته. فالشخص الذى يقيم و يدعم التقدير الذاتى للنرجسى يُتوقع منهم أن يفعل ذلك دائماً فلا يعترف النرجسى أبداً بإستقلالية الاَخر.
رمسيس حنا



#رمسيس_حنا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إسطورة صَّدَى و نارسيسس (Echo and Narcissus)
- السامى اللبيب يكشف عن عقدة كراهية المرأة (Misogyny)
- من الذى يدفع الثمن؟ فورة الغضب
- السامى اللبيب و التأصيل العلمى و النفسى لثقافة الأديان السال ...
- من الذى يدفع الثمن؟ 2 -الإكذوبة الكبرى-
- من الذى يدفع الثمن؟ 1
- من هو الله الذى يدحض وجوده السامى اللبيب؟
- أنياب الذاكرة -شعر-
- تأملات فى السقوط 3
- تأملات فى السقوط 2
- تأملات فى السقوط 1
- الفلاح و التلميذ
- الرافض للحقيقة (قصة قصيرة)
- -موسرب- أو الفلاح المصرى الذى مات واقفاً -قصة قصيرة-
- الى إمرأة غانية (شِعر)
- إعتذار لسيدتى العراقية (شِعر)
- تباريح وطن (شِعر)
- الطاعون فى العراق - شِعر - الى المضطهدين و المهمشين بالعراق
- إغتراب (شِعر)
- دماء فى القلب المقدس (قصة قصيرة جزء 3 و الأخير)


المزيد.....




- الطلاب الأمريكيون.. مع فلسطين ضد إسرائيل
- لماذا اتشحت مدينة أثينا اليونانية باللون البرتقالي؟
- مسؤول في وزارة الدفاع الإسرائيلية: الجيش الإسرائيلي ينتظر ال ...
- في أول ضربات من نوعها ضد القوات الروسية أوكرانيا تستخدم صوار ...
- الجامعة العربية تعقد اجتماعًا طارئًا بشأن غزة
- وفد من جامعة روسية يزور الجزائر لتعزيز التعاون بين الجامعات ...
- لحظة قنص ضابط إسرائيلي شمال غزة (فيديو)
- البيت الأبيض: نعول على أن تكفي الموارد المخصصة لمساعدة أوكرا ...
- المرصد الأورومتوسطي يطالب بتحرك دولي عاجل بعد كشفه تفاصيل -م ...
- تأكيد إدانة رئيس وزراء فرنسا الأسبق فرانسو فيون بقضية الوظائ ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - رمسيس حنا - النرجسية (Narcissism) أو أضطرابات الشخصية النرجسية (NPD)